انطلقت المملكة ببطء نحو تحقيق هدفها الجديد تحت رعاية ولي العهد الشاب، محمد بن سلمان. فخلال عهد هذا الأمير صاحب 32 ربيعا، أقرت السعودية حق مواطناتها في القيادة، بعد أن كانت الدولة الوحيدة في العالم التي تمنع النساء من قيادة السيارات. في الواقع، يندرج مرسوم الملك سلمان، الذي سيتم تفعيله مع حلول شهر حزيران/يونيو سنة 2018، ضمن مخطط “رؤية سنة 2030”. ويعد هذا المخطط بمثابة برنامج ضخم يهدف لإحداث إصلاحات اقتصادية واجتماعية والحد من تبعية اقتصاد البلاد للعائدات التي يدُرها النفط. كما تشمل هذه الإصلاحات أيضا تحديث المجتمع السعودي في أفق سنة 2030.
عموما، تعتبر هذه الخطوة بمثابة قرار رمزي اتخذته المملكة، حيث لا تزال المرأة تخضع لوصاية الرجل. في المقابل، تزامن القرار التاريخي بشأن السماح للنساء بالقيادة مع موجة من الاعتقالات التي طالت المعارضين للمملكة، سواء الإسلاميين أو المعتدلين.
بغض النظر عن تراجع عائدات النفط، فقد وقعت المملكة منذ سنتين في شراك الحرب اليمنية المكلفة. كما تسببت خلال هذه الصائفة، وبمساعدة من الإمارات، في إشعال أزمة دبلوماسية خطيرة مع قطر. والجدير بالذكر أن هدى الحليسي تعتبر عضوا من بين 30 امرأة في مجلس الشورى، أي الجمعية الاستشارية السعودية، التي يتم تعيين أعضائها 150 من قبل العاهل السعودي. وكشفت الحليسي، التي تشغل أيضا منصب نائبة رئيس لجنة الشؤون الدولية، لفائدة صحيفة “لوبوان” عن التغييرات التي تشهدها السعودية.
الصحيفة: لمن يعود الفضل في السماح أخيرا للسعوديات بالقيادة؟ هل يعود للعاهل سلمان، أم لابنه، أم للحرب التي تقودها السعوديات منذ 27 سنة لنيل هذا الحق؟
هدى الحليسي، عضو مجلس الشورى السعودي.
هدى الحليسي: أعتقد أن الأمر يعزى للأطراف الثالثة على حد السواء. على العموم، حان الوقت لإقرار هذا القانون، مع العلم أن أي قرار مهم، يجب أن ينال أولا موافقة العاهل. وهذا ما حصل فعلا فيما يخص إقرار حق النساء في القيادة. إضافة إلى ذلك، ينطبق الأمر ذاته على دخول أول امرأة إلى مجلس الشورى (الجمعية الاستشارية)، وقد كان ذلك خلال شهر كانون الثاني / يناير سنة 2013. وفعلا كان الملك من أقر ذلك بنفسه ولا يمكن لأحد أن يخالف أمره أو يقول شيئا يعارض رغبته. من المؤكد أن المرأة السعودية، بما في ذلك نحن النائبات في مجلس الشورى، قد تحركت بخطى حثيثة لنيل حقها في القيادة. ولكن يجب أيضا أن نأخذ بعين الاعتبار القرار الجريء والقوي الذي اتخذه العاهل وابنه في ذلك.
هل يهدف هذا القرار إلى الحد من التوترات على الصعيد الاقتصادي من جهة والصعيد الدبلوماسي والعسكري في المنطقة ككل من جهة أخرى، خصوصا في ظل الحرب اليمنية والأزمة مع قطر؟
لا أعتقد أن هناك علاقة بينهما. في المقابل، أؤمن بأن قرار السماح للنساء بممارسة حقهن في القيادة يندرج ضمن رؤية سنة 2030. ففي الواقع، تعد المرأة السعودية على أبواب لعب دور يكتسي أهمية كبرى في صلب المجتمع، حيث من المقرر أن تشارك في القرارات التي تتخذ في البلاد.
هل يستجيب هذا القانون لمطالب النساء السعوديات بالعمل بهدف توفير راتب ثاني في كل منزل لمجارات تراجع أسعار النفط؟
بالطبع، كما أكدت لكم منذ قليل، أعتقد أن رؤية سنة 2030 ستمكن المرأة من لعب دور كبير. أما من الناحية الاقتصادية، فمن المؤكد أنه لا يمكننا العيش براتب واحد، في حين تعي النساء هذا الأمر جيدا، والرجال كذلك. أما بالنسبة للشباب، وخاصة الذين درسوا في الخارج، فليس لديهم أي مانع فيما يتعلق بخروج زوجاتهم للعمل.
في الأثناء، يتطلب الأمر أن تبادر النساء بالتحرك، أي أنه ينبغي على المرأة أن تخرج من المنزل حتى تبحث عن وظيفة. من جهة أخرى، يعتبر عمل السائق الخاص مكلفا للغاية، لكن هذه الأموال لا تبقى داخل السعودية نظرا لأن أغلب السائقين من الأجانب، مع العلم أنه لا يمكن إيلاء ثقة تامة في السائقين. بالتالي، من الضروري دفع المرأة نحو تولي المزيد من المسؤوليات داخل المجتمع.
أعتقد أننا سنرى، مستقبلا، نساء يشغلن مناصب هامة. وفيما يتعلق بهذا الموضوع، يوجد شيء من الانفتاح تجاه المرأة
هل نحن على أبواب تغيُرات هامة أخرى تصب في صالح السعوديات، على غرار إلغاء نظام الوصاية الذي يفرض على المرأة أن تحصل أولا على إذن الرجل “الوصي” لكي يسمح لها بالسفر أو العمل؟
أعتقد ذلك، لكن يجب أن نقدم توضيحات كافية قبل أن نخوض في هذا الموضوع. ففي الحقيقة، يختلف نظام الوصاية في السعودية تماما عن نظيره في الخارج، حيث أسمع كثيرا من قبل بعض الأشخاص أنه لا يسمح للسعوديات فتح حساب في البنك دون وصاية أحدهم. وأنا أقول لهم إن ذلك غير صحيح. في حال تحدثتم مع أشخاص طبيعيين في السعودية على غرار عائلتي أو أصدقائي، فهم لا ينظرون لنظام الوصاية كما يعتقد الأجانب.
للتوضيح أكثر، يسمح لي زوجي، على سبيل المثال بالسفر لوحدي، كما يبيح ذلك لابنتي… فضلا عن ذلك، نتمتع بكل الحرية للولوج إلى حساباتنا البنكية. في المقابل، تتعرض بعض السعوديات إلى الكثير من المضايقات، مما يدفع بعض العائلات والرجال، خاصة، للإقرار بضرورة ممارسة بعض الرقابة (على النساء).
ماذا عن السماح للسعوديات باقتحام سوق الشغل؟
أعتقد أننا سنرى، مستقبلا، نساء يشغلن مناصب هامة. وفيما يتعلق بهذا الموضوع، يوجد شيء من الانفتاح تجاه المرأة على الرغم من أنني لا أفضل قول ذلك. ومنذ شهر آذار/ مارس سنة 2017، التحقت العديد من نساء بوظائف كانت حكرا على الرجال، وخاصة الوظائف التي على علاقة بالاقتصاد. وفي هذا الصدد، اسمح لي أن أذكر، على سبيل المثال، سارة السحيمي، التي تترأس سوق السعودية.
على العموم، يمكنني القول إننا دولة في طور الانتقال، لذلك من الضروري جدا أن يتم اتخاذ مثل هذه القرارات الجريئة لتحقيق كل ما ورد ضمن مخطط رؤية سنة 2030. من ناحية أخرى، لا يجب أن نبقى في حالة جمود دون حراك في السعودية، خاصة وأن بلدنا يتمتع بقاعدة شبابية هائلة. ففي الواقع، تتراوح نسبة المواطنين دون 30 سنة بين 65 و70 بالمائة. علاوة على ذلك، هاجر الكثير من الشباب إلى الخارج، في حين أن أغلبهم مطلع على شبكات التواصل الاجتماعي، علما وأننا نعتبر من أكثر الدول، وربما أكثر دولة في الخليج، تستعمل هذه المنصات.
لكن الانفتاح الذي تتحدثين عنه، هل يشمل كل الشباب، أم يقتصر فحسب على النخب، الذين ترتفع حظوظهم للدراسة في الخارج؟
بالطبع، نتحدث عن أغلبية الشباب. وأحيطكم علما أنه وفي سنة 2005، أقر العاهل عبد الله، الذي توفي سنة 2015، منحا دراسية تفتح الأبواب أمام الشباب السعودي، ذكرا كان أو أنثى، للدراسة في الخارج والحصول على شهادة أو ما يعادلها. والجدير بالذكر أن هذه المنح لا تشمل فحسب الطالب بل تشمل أيضا شريكه وأبنائه. وفي هذه الحالة، يمكن أن يسرع هذا الأمر من عملية التعلم ويحث جميع الشباب، بلا استثناء، على الانفتاح الثقافي.
غالبا ما نصف النظام السعودي على أنه مُرتكز على محورين اثنين، سياسة عائلة آل سعود، ومحور المشايخ المحافظين
من جهة أخرى، لا زالت التقاليد راسخة في الأذهان، خاصة وأن هناك حدودا دقيقة جدا بين التقليد وبين الدين. وبناء على قاعدة عامة، تحول الفكرة القائمة على أهمية التقاليد في بلدنا دون أن نكون، على سبيل المثال، أكثر تشابها ببقية العالم. في الأثناء، يحظى محمد بن سلمان بالتقدير، خاصة من قبل فئة الشباب نظرا لأنه يتقن لغتهم.
غالبا ما نصف النظام السعودي على أنه مُرتكز على محورين اثنين، سياسة عائلة آل سعود، ومحور المشايخ المحافظين. فكيف نجح محمد بن سلمان في إقناع رجال الدين بقبول فكرة أن للمرأة الحق في قيادة السيارات؟
في المقام الأول، أعتقد أن بن سلمان قد حظي بدعم والده العاهل سلمان بن عبد العزيز، وهذا أمر في غاية الأهمية، حيث أن كلاهما يعي بضرورة التركيز على الشباب. وبالنسبة لبن سلمان، فينتمي لفئة الشباب بدوره، وهو أمر جوهري، كما أنه ترعرع هنا في المملكة. فعلى سبيل المثال، يعرف أبناء إخواني محمد بن سلمان جيدا، ليس لأنه أمير فحسب، بل لأنه كان معهم في المدارس ذاتها. وأعتقد أن هذا التواصل مع أفراد الشعب “العاديين” قد عمق من إدراكه بما يمكنه أن يلبي تطلعات مجتمعنا في الوقت الحاضر. فضلا عن ذلك، أؤمن أن بن سلمان يحظى بتقدير كبير، خاصة من قبل الشباب، لأنه يخاطبهم بلغتهم. علاوة على ذلك، يراهن بن سلمان على تغيير طريقة التعامل مع الشباب لتحفيزه على عدم مغادرة البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن ما يقارب مليون شاب سعودي، من بين الذين أنهوا دراستهم، يعيشون حاليا في الخارج. وبالتالي، تعد هذه الإصلاحات ضرورية، إذا أردنا أن نرى من جديد هؤلاء الشباب في المملكة العربية السعودية ولكي نحافظ، في الوقت ذاته، على رأس المال (الشباب) القابع في المناطق الداخلية من البلاد.
في المقابل، ساهمت موجة الاعتقالات التي طالت رموز إسلامية دينية ومعارضين معتدلين في إبراز ولي العهد لتسلطه. هل يعني ذلك أن بن سلمان يسير نحو الانحراف السلطوي؟
لست قادرة حقيقة على الخوض في هذا الموضوع، لأن معلوماتي شحيحة ومحدودة للغاية، كما لا أريد تضليلكم.
لا ينبغي أبدا أن ننسى أن أولئك الذين حكموا المملكة العربية السعودية كانوا في الغالب من فئة الكهول. أما الآن، يحتاج الشباب، ومن بينهم أطفالي، إلى صاحب قرار جديد يعي متطلبات العصر الذي يعيشون فيه
هل من الممكن استبعاد الناشطات السابقات لنيل المرأة السعودية حقها في قيادة السيارة من الحوار فيما يتعلق بالقانون الجديد. وهل تعرفين المزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع؟
لقد سمعت عن ذلك، وقرأت عنه في موقع تويتر، ولكنني لا أعلم إن كان ذلك صحيحا أم لا. حقيقة لا أعرف. كما لا أملك الوقت الكافي للتواصل مع الأشخاص الذين أعرفهم ضمن هذه المجموعة. وبالتالي، لم أشارك ولو بتعليق عما نشر في تويتر بخصوص هذا الموضوع.
يصف الغرب العاهل المستقبلي للبلاد بأنه شخص متهور جدا، حيث أنه لم يتردد في توريط بلاده في حرب في اليمن أو أن يقرر فرض حصار على قطر. كيف ينظر إلى هذه القرارات في المملكة؟
أولا، بالنسبة لليمن وقطر، فأنا لا أعتقد أنها قرارات اتخذت بصفة فردية، حيث أن الأمير بن سلمان لا يتخذ مثل هذه قرارات دون أن يحظى أولا بتأييد من والده ومن قبل لجنة الوزراء. في المقابل، أعتبره شخصا شجاعا على خلفية إطلاقه مشروع نظرة 2030، وقد تجلت هذه الشجاعة من خلال تحركاته. فضلا عن ذلك، أظن أن ولي العهد يحظى بتقدير العديد من الأطراف، نظرا لأنه شاب يمثل دولة فتية. ولا ينبغي أبدا أن ننسى أن أولئك الذين حكموا المملكة العربية السعودية كانوا في الغالب من فئة الكهول. أما الآن، يحتاج الشباب، ومن بينهم أطفالي، إلى صاحب قرار جديد يعي متطلبات العصر الذي يعيشون فيه. على العموم، يعتبر كل من الاقتصاد، والشباب، والنساء، الأسباب الثلاثة المهمة التي من شأنها أن تدفع هذا المجتمع نحو التغيير.
المصدر: لوبوان