مجهر إلكتروني يتلصص على الجزيئات الحيوية يمنح ثلاثة نوبل للكيمياء، ونوبل للطب لمن اكتشفوا أسرار الساعة البيولوجية للإنسان، والحملة الدولية ضد الأسلحة النووية تفوز بجائزة نوبل للسلام، ورصد موجات الجاذبية سمح لثلاثة أمريكيين بنيل جائزة نوبل للسلام، وأخيرًا أديب بريطاني يحصل على جائزة نوبل في الأدب لتعريته علاقة الإنسان بالعالم.
كان ذلك باختصار ما قدمته لنا جوائز نوبل لعام 2017، والتي كانت نقلة نوعية هذه المرة، بعد أن تم منحها لأشخاص استطاعوا اكتشاف اختراعات قد تُغير من شكل البشرية في بضعة سنوات مقبلة، إليكم جوائز نوبل لعام 2017.
فاز بجائزة الأدب لتعريته علاقة الإنسان بالعالم
هو كاتب بريطاني من أصل ياباني يُدعى “كازو إيشيغورو”، حصل على جائزة نوبل للآداب لهذا العام، ذلك بعد أن أثنت عليه الأكاديمية السويدية (اللجنة المانحة للجائزة)، قائلة إنه كاتب “قد عرى في رواياته التي تتسم بقوة عاطفية عظيمة الخواء الكامن تحت شعورنا الواهم بالعلاقة بالعالم”.
فاز الروائي البريطاني بالجائزة عن روايتيه “بقايا هذا اليوم” (The Remains of The Day) و”لا تدعني أرحل” (Never Let Me Go) واللتين تحولتا لفيلمين في هوليوود قبل أن يحققا نجاحًا كبيرًا، وذلك لتمتع الروايتين بقوة عاطفية عظيمة كما عبرت الأكاديمية.
لم يكن الكاتب مستعدًا لحدث كذلك، حيث ظن أن أول من يعلم بخبر الفوز هو الفائز بالجائزة، إلا أنه لم يكن أول من يعلم، لذلك ظن كازو إيشيغورو في البداية أن الأمر مجرد خبر كاذب، وبدأ في تصديقه حينما بدأت وكالات إعلامية موثوقة مثل البي بي سي في إذاعته.
يقول كازو في إحدى مقابلاته الحوارية عن الجائزة بأنه يشعر بالفخر لنيله جائزة مثل جائزة نوبل، ويأمل أن تكون حجرًا في بنيان الاستقرار والسلام الذي يتمنى أن يراه في العالم، حيث قال إن العالم الآن يعيش أوقاتًا غريبة، ففقد الثقة في أنظمته السياسية وفقد الثقة فيمن يديرها أيضًا، وفقد الثقة في منظومة القيم الخاصة به كذلك، ويتمنى أن تكون جائزة نوبل سببًا في إعادة السلام بين الشعوب والأمم المختلفة.
فاز الروائي البريطاني بالجائزة عن روايتيه “بقايا هذا اليوم” (The Remains of The Day) و”لا تدعني أرحل” (Never Let Me Go) واللتين قد تحولتا لفيلمين من هوليوود قبل أن يحققا نجاحًا كبيرًا
أصدر إيشيغورو ثمانية كتب وسيناريوهات أفلام ومسلسلات تليفزيونية، نال جائزة نوبل عن روايتيه “بقايا هذا اليوم” و”لا تدعني أرحل”، تُرجمت رواياته إلى 40 لغة مختلفة، وكان قد حصل على نوط (OBE) في بريطانيا عام 1995 لما قدمه من خدمات في الأدب، والآن يحصل على جائزة نوبل التي تُقدر قيمتها بـ9 ملايين كورونا، أي ما يعادل مليوني و100 ألف دولار.
إيكان تحصل على جائزة نوبل للسلام
منحت جائزة نوبل للسلام لعام 2017 لمنظمة الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية “إيكان” تكريمًا لجهودها بهذا الصدد منذ ما يقرب عقد من الزمان، ذلك على خلفية الأزمة النووية بين إيران وكوريا الشمالية.
كانت المنظمة كرست جهودها للفت الانتباه إلى التبعات الكارثية المحتملة جراء استخدام الأسلحة النووية، حيث حاولت تكريس جهودها أيضًا لمحاولة الوصول إلى معاهدات تحظر استخدام تلك الأسلحة.
كان من بين الأسماء التي يعتقد أنها مرشحة لجائزة نوبل للسلام أصحاب “الخوذ البيض” وهو لقب يطلق على أفراد الدفاع المدني الذين يسارعون لإنقاذ ضحايا القصف بمناطق سيطرة المعارضة السورية المسلحة، وكان من المرشحين أيضًا بابا الفاتيكان فرانشيسكو.
كان قد بلغ عدد المرشحين 215 شخصًا و103 منظمات، وينال الفائز مبلغًا بقيمة مليون دولار بالإضافة لميدالية ذهبية ودبلوم عرفان، وعلى غير جوائز نوبل الأخرى التي تُقدم في السويد، تُقدم جائزة نوبل للسلام في النرويج.
كانت المنظمة قد كرست جهودها للفت الانتباه إلى التبعات الكارثية المحتملة جراء استخدام الأسلحة النووية
كانت إيران قد أبرمت مع القوى الدولية الكبرى – وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا – اتفاقًا تاريخيًا عام 2015 يفرض رقابة صارمة على كل المنشآت النووية الإيرانية لضمان الطابع السلمي لبرنامجها مقابل الرفع التدريجي للعقوبات الدولية المفروضة على طهران.
أينشتاين يُصيب ويُخطئ من جديد.. جائزة نوبل للفيزياء
لقد أصاب أينشتاين حينما تنبأ من خلال معادلاته عن النسبية بوجود تموجات في نسيج الزمان والمكان “الزمكان”، إلا أنه أخطأ في عدم إيمانه بأن البشرية قادرة بالفعل على الإمساك بها، أي اكتشافها ودراستها وبدء عصر جديد للبشرية يبدأ تاريخه مع اكتشاف الموجات الثقالية، وصلت الموجة الثقالية تلك لمرصد ليجو LIGO الذي تشارك مؤسسوه ومديروه راينر وايس وباري باريش وكيب ثورن، جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2017.
يأتي ليجو (المرصد) ليتبع آلية جديدة، فلا يرصد إشعاع الجرم السماوي، وإنما يرصد أثره الجذبوي على الزمكان رباعي البعد، وسوف تمكننا تلك التقنية الجديدة والمختلفة كليًا أن نصل إلى مستوى مختلف من الرصد، فنتعرف بدرجة دقة أعلى على آليات عمل الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية والاضطرابات الكمومية في بدايات الكون والانفجار العظيم بأول تاريخ الكون والثقوب السوداء في باطن المجرات.
يقول راينر وايز في إحدى مقابلاته إنه يتمنى أن يرى وجه أينشتاين الآن، فكل ما جاء فريق نوبل باكتشافه كان بفضل أسرار معادلاته التي تبعها أسرار الطبيعة التي اكتشفها الفريق، حيث عبر وايز عما حدث بأنه بمثابة المعجزة بالنسبة إليه، وعلى كل شخص يعيش في هذا العالم أن يشعر بالفخر بسبب هذا الإنجاز.
يأتي ليجو (المرصد) ليتبع آلية جديدة، فلا يرصد إشعاع الجرم السماوي، وإنما يرصد أثره الجذبوي على الزمكان رباعي البعد، سوف تمكننا تلك التقنية الجديدة والمختلفة كليًا أن نصل إلى مستوى مختلف من الرصد
الساعة البيولوجية من منظور مختلف في نوبل للطب 2017
جوفري هال، مايكل روزباش، مايكل يونج
مُنحت جائزة عام ٢٠١٧ مشاطرة بين الثلاثي الأمريكي جوفري هال ومايكل روزباش ومايكل يونج، والذين أنجزوا فتحًا جديدًا في فهم لماذا كان النوم سباتًا، والنهار معاشًا، بعد أن زاوَجوا آخر ما وصل إليه علم وظائف الأعضاء، مع تقنيات البيولوجيا الجزيئية أو علم الجينات.
كان قد حظي مجال الطب (Medicine)، ووظائف الأعضاء (Physiology ) بالترتيب الثالث بين الجوائز السنوية التي أوصى بها العالم السويدي الراحل ألفريد نوبل في نص وصيته الشهيرة التي وقعها في 27 من نوفمبر 1895، ومنذ تفعيلها في العام 1901 حتى العام الماضي 2016، تم منح 107 جوائز نوبل في مجال الطب أو وظائف الأعضاء إلى 211 عالمًا، منها 39 جائزة حصل عليها عالمٌ بمفرده وليس مناصفة.
اكتشف العلماء الثلاث وجود جينٍ معين، مسؤول عن إنتاج نوع خاص من البروتين، يتراكم طوال الليل في الخلايا، ثم يتحلل خلال النهار
جاء العلماء الثلاث بتغيير قد يؤثر على حياة البشر التي اعتادوها منذ مئات السنين، فالنهار للاستيقاظ والعمل والليل للنوم والراحة، هذه هي ساعة الإنسان البيولوجية في أبسط صورها، ولكن أن يكون هذا النمط اليومي قابلًا لإعادة المعايرة resetting، بمؤثر خارجي قوي، يعيد ضبط عقارب الساعة إلى توقيت جديد، بالطبع لا يكون هذا التغيير سهلًا، كما يحدث عند السفر لمنطقة توقيت أخرى، كأن تسافر بالطائرة إلى دولة توقيتها ١٠ ساعات قبل أو بعد توقيت بلدك، فتفاجأ الساعة الحساسة بنهار بدلًا من الليل المتوقع، فيحدث وعثاء السفر، فيضطرب النوم واليقظة، والنشاط والسكون لبضعة أيام حتى تعدل الساعة البيولوجية نفسها لتتكيف مع التغيير الجديد.
إعلان جائزة نوبل في الطب 2017
هذا ليس حكرًا على البشر فحسب، بل ينطبق على كل كائن حي كذلك، إذ إن التأقلم الحراري خلال نطاق من اختلافات درجة الحرارة، بحيث لا يمكن أن نعزو التباينات التي تحدث على مدار الساعة البيولوجية لمجرد التغير في الحرارة، فالتغير في درجات حرارة الخلايا الحية له تأثير كبير في تحفيز أو تثبيط مختلف وظائفها.
اكتشف العلماء الثلاث وجود جينٍ معين مسؤول عن إنتاج نوع خاص من البروتين، يتراكم طوال الليل في الخلايا، ثم يتحلل خلال النهار، وإذا حدث مؤثر خارجي يعيد معايرة الساعة البيولوجية، إنتاج هذا البروتين يتغير، طبقًا للمعايرة الجديدة للساعة البيولوجية.
هذا البروتين المكتشف PER protein، وغيره من البروتينات المساعدة، تعدل معدلات إفراز هرموناتنا ونشاط الأيض في خلايانا وعقولنا وسلوكنا، وتعديل فترات النوم واليقظة وضغط الدم وضربات القلب، حسبما يتطلب اختلاف النهار والليل، وهذا ما يشكل في النهاية ساعتنا البيولوجية.
الجزيئيات الحيوية في سبيل نوبل للكيمياء 2017
جاك دوبوشيه، يواكيم فرانك، ريتشارد هيندرسون
أتت جائزة نوبل لهذا العام تتويجًا لمسيرة ثلاثة من علماء هذا المجال، اقتسم جاك دوبوشيه ويواكيم فرانك وريتشارد هيندرسون جائزة نوبل للكيمياء هذا العام لإسهاماتهم الحاسمة في تطوير تقنية تصوير تسمح لنا برؤية جزيئات الحياة، خاصة تلك الجزيئات المتمردة التي لا تنتظم في بلورة.
في سبعينيات القرن الماضي تمركزت أبحاث ريتشارد هيندرسون حول أحد بروتينات الخلية ويدعى باكتريورودوبسين Bacteriorhodopsin، يعمل هذا البروتين – باستخدام أشعة الشمس – في خلية البكتيريا القديمة Archea كمضخة للبروتونات.
استخدم هندرسون شعاعًا إلكترونيًا ضعيفًا نسبيًا في تصوير البروتين من عدة زوايا واتجاهات ومقارنتها ببعضها وأخذ متوسط لأوضاع البروتين، لجأ هندرسون إلى الجلوكوز لحماية بروتينه من الجفاف، وبهذه المقاربة وباستخدام الرياضيات أمكن وضع نموذج هيكلي لتركيب البروتين يصل في دقته إلى الصور المأخوذة بواسطة الأشعة السينية للمواد المتبلرة، بحلول عام 1975 بنى هندرسون وفريقه أول نموذج ثلاثي الأبعاد للبكتريورودوبسين معلنًا للعالم أن تصوير العينات الحيوية ممكن ولم يعد مستحيلاً بعد الآن.
بهذه التقنيات أصبح من الممكن رؤية بروتينات ضخمة وفيروسات أيضًا، وطبقت التقنية على عدة فيروسات أشهرها فيروس زيكا
في الوقت نفسه عكف يواكيم فرانك (حاصل على الجائزة أيضًا) على العمل مع البروتينات التي تم تصويرها في المحلول بواسطة الميكروسكوب الإلكتروني TEM محاولاً فك طلاسم الصور المشوشة الناتجة، استمر فرانك في تنقيح الصور حتى استطاع تأسيس تقنية عبقرية لمعالجة الصور، تسير التطورات في كيفية معالجة الصور يدًا بيد مع تطوير أجهزة الكمبيوتر والكيمياء الحاسوبية Computational chemistry، هكذا أصبح من الأسهل بكثير تصوير البروتينات في وسط سائل يسمح لها بالحركة والدوران ومواجهة مختلف الاتجاهات دون صعوبة في التخلص من التشويش.
استطاع الثلاثة علماء، مع فرق من الباحثين، استخدام شعاع من الإلكترونات ذي طول موجي أصغر 100 ألف مرة من الضوء المرئي في تصوير بروتينات صغيرة للغاية بالنسبة للميكروسكوب الضوئي، وفي ذات الوقت تحمل تراكيبها تعقيدًا هائلاً.
شرح اكتشاف العلماء الثلاث
أتت جائزة نوبل لهذا العام تتويجًا لمسيرة ثلاثة من علماء هذا المجال، اقتسم جاك دوبوشيه ويواكيم فرانك وريتشارد هيندرسون جائزة نوبل للكيمياء هذا العام لإسهاماتهم الحاسمة في تطوير تقنية تصوير تسمح لنا برؤية جزيئات الحياة
بهذه التقنيات أصبح من الممكن رؤية بروتينات ضخمة وفيروسات أيضًا، طبقت التقنية على عدة فيروسات أشهرها فيروس زيكا، لكن الأهمية القصوى لهذه التطورات لا تتوقف عند المشاهدة فقط، إن معرفة التكوين التفصيلي للجزيئات الكبيرة يمنحنا قدرة على صنع عقارات تستطيع الالتحام بها.
الاقتصاد السلوكي يفوز بجائزة نوبل للاقتصاد 2017
الأمريكي “ريتشارد ثالر” الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد 2017
على الرغم أن ألفريد نوبل نفسه لم يوص على تخصبص جزء من الجائزة في مجال الاقتصاد في وصيته، إلا أن تم تخصيص جزء من جائزة نوبل لهذا المجال منذ عام 1968، حيث تُعرف رسميا باسم جائزة “سفيرجيس ريكسبانك” في العلوم الاقتصادية، وهي اليوم تذهب لمجال الاقتصاد السلوكي.
قررت الأكاديمية السويدية للعلوم، اليوم الإثنين، منح جائزة نوبل في مجال الاقتصاد للعام 2017 للباحث الأمريكي ريتشارد ثالر، ويُعتبر رائدًا في مجال الاقتصاد السلوكي، عن أبحاثه ودراساته في السلوكية الاقتصادية، حيث تناول “ريتسارد ثالر” في أبحاثه تأثير سيكولوجية الإنسان على علاقاته الاقتصادية، من خلال فهمه للسلوكية الاقتصادية.
تمثل إسهامات “ريتشارد” الحاصل على الجائزة، دمجًا بين الاقتصاد وعلم النفس، وكشف في أبحاثه عن التفضيلات الاجتماعية وضوابط النفس التي تؤثر على القرارات الفردية ونتائج السوق.
قال “غوران هانسون”، الأمين العام للأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، لدى الإعلان عن النتيجة إن الجائزة البالغة قيمتها 9 ملايين كرونة (1.1 مليون دولار أمريكي) تمنح للأكاديميين على خلفية “فهم علم النفس الاقتصادي، وهو المجال الذي تطبق فيه رؤى من البحوث النفسية على اتخاذ القرارات الاقتصادية، و الذي يتضمن تحليلا أكثر واقعية لكيفية تفكير الناس وتصرفاتهم عند اتخاذ القرارات الاقتصادية”.
تمثل إسهامات “ريتشارد” الحاصل على الجائزة، دمجًا بين الاقتصاد وعلم النفس
بهذا تكون انتهت حكاية المرصد الفيزيائي والمجهر الإلكتروني والساعة البيولوجية والحملة الدولية ضد الأسلحة النووية وكذلك حكاية الروايتين وصولًا بالاقتصاد السلوكي، وهي أسباب منح جوائز نوبل المختلفة في المجالات المتنوعة لعام 2017.