خيمت تطورات حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة على أشغال القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز التي جرت على مدى الأيام الـ3 الأخيرة بالجزائر، رغم أن الحدث كان اقتصاديًا بامتياز، حيث تم التأكيد على الحقوق السيادية المطلقة والدائمة للدول الأعضاء على مواردها من الغاز الطبيعي، ومنها حق الفلسطينيين في الغاز الموجود بشواطئ غزة، إضافة إلى ضرورة التنسيق بين المنتجين والمستهلكين لضمان استقرار السوق المضطربة منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية.
وحاولت الدول المصدرة للغاز المجتمعة بالجزائر التأكيد على بقاء الغاز كمورد طاقوي نظيف، وأهميته في الانتقال الطاقوي الذي ينادي بها العالم، ويتطلب حسب المجتمعين عدم نهب ثروات البلدان المالكة لهذا المورد الطاقوي المهم، بما أن الدول المنضوية تحت لواء المنتدى تمتلك 70% من احتياطات الغاز العالمي.
تنديد بالانتهاكات الإسرائيلية
رغم محاولة الجزائر التي استضافت القمة الالتزام بقوانين المنتدى بعدم إخراج أشغال المنتدى عن السياق الاقتصادي الذي أسس لأجله، فإن ذلك لم يمنع من أن تكون حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة أحد محاور تدخلات القادة والوفود المشاركة، إذ جاء في إعلان الجزائر أن الدول الأعضاء تؤكد على “الحقوق السيادية المطلقة والدائمة للدول الأعضاء على مواردها من الغاز الطبيعي”.
حتى إن كان هذا البند يبدو في ظاهره أنه يخص الدول الأعضاء، إلا أنه في الحقيقة موجه بالأساس إلى الدول التي تعاني نهبًا لثرواتها، ومنها فلسطين، حيث قال الرئيس التونسي قيس سعيد: “الكيان الصهيوني يرتكب أبشع الجرائم في فلسطين المحتلة”.
وأوضح سعيد في كلمته أن “فلسطين مسلوب شعبها من أرضه ومن خيرات بحرها، فالغاز في بحر غزة وليس في كل فلسطين ويقدر بنحو 1.4 تريليون قدم مكعب”، وأضاف “موضوع الطاقة فُرض عليه طوق حصار، على مستوى الاستكشاف والتنقيب، فضلًا عن الشطحات المدبّرة والمجنونة للأسعار”، مبينًا أنه كلما تدفّق نفط من بئر أو اكتُشف حقل للغاز، زادت الأطماع، بل واندلعت الحروب وسالت الدماء.
وكانت مجلة الدراسات الفلسطينية قد نشرت في 2015 ورقة بحثية أعدها رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى، تضمنت معلومات عن مخزون الحقول المكتشفة في غزة منذ نهاية التسعينيات، وتقدر بنحو 35 مليار متر مكعب، لكن الاحتلال الإسرائيلي يمنع استغلالها، ويعمل على نهبها.
كما جاء في الدارسة أن سواحل البلاد غنية بالغاز، وهناك مخزون يقدر بنحو ألف مليار متر مكعب مقابل حيفا فقط، بالإضافة إلى كميات أخرى كبيرة في الشمال وقرب غزة، ووفق الورقة البحثية لمحمد مصطفى، فإن القيمة السوقية لحقلي مارين غزة وبوردر فيلد تقدر بين 6 و8 مليارات دولار، ما يوفر للفلسطينيين 8 مليارات دولار تقريبًا خلال 20 عامًا.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، جاء في مقال نشره موقع “موندويس” الأمريكي للكاتبة الفلسطينية تارا علامي أن المشروع الصهيوني يهدف إلى “بناء دولة استعمارية عرقية، ويسعى الاحتلال إلى تحقيق هذا الهدف من خلال تصدير الغاز المسروق، وإبرام صفقات مع الدول المجاورة بمشاركة الاتحاد الأوروبي”، حيث اكتشفت “بريتش غاز” البريطانية حقول غاز قبالة غزة قبل 25 عامًا، وتعرف اليوم بـ”غزة مارين 1″ و”غزة مارين 2″ وتشكل نقطة اهتمام لـ”إسرائيل” وأمريكا لاستغلال الموارد الفلسطينية.
ولم يكن سعيّد الوحيد الذي أثار هذه القضية، فقد اعتبر الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد أن أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها والغنية بالغاز والنفط لن يتحقق دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، مستنكرًا في الوقت ذاته كل المحاولات الغاشمة من جيش الاحتلال لإبادة الفلسطينيين والتي تدور أمام أنظار العالم أجمع.
مورد أساسي
نشر المنتدى النسخة الثامنة من تقرير توقعات الغاز العالمية 2050، جاء فيه أن استخدام الغاز الطبيعي، باعتباره أنظف الهيدروكربونات احتراقًا، يساعد بشكل كبير في الحد من التلوث الداخلي وإزالة الغابات، لذلك من المتوقع أن يظل مصدرًا للطاقة متعددة الاستخدامات، ولا غنى عنه لعقود قادمة.
وحسب التقرير، فإنه وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يرتفع الطلب على الغاز الطبيعي بنسبة مذهلة تبلغ 34%، ما يرفع حصته بشكل كبير في مزيج الطاقة العالمي من 23% الحاليّة إلى 26%.
وقال الأمين العام لمنتدى الدول المصدرة للغاز، محمد حامل إن “العصر الذهبي للغاز الطبيعي أمامنا وليس وراءنا”، موضحًا أن هذا التطور المرتقب ينتظر أن ترافقه استثمارات عالمية في صناعة الغاز بقيمة 9 تريليونات دولار بحلول سنة 2050.
واعتبر حامل أن الدعوة إلى وقف الاستثمار في مجال صناعة الغاز بحجة حماية البيئة هي “دعوة مضللة”، كونها ستؤدي للعودة إلى استخدام الفحم بما له من آثار سلبية على البيئة، على عكس الغاز الذي يظل موردًا متوفرًا ونظيفًا من شأنه أن يمكننا من تحقيق أهداف التنمية المستدامة مع ضمان انتقال طاقوي دون تهميش.
تسعى دول المنتدى للرد على الحملة الغربية التي تستهدف الغاز بتصنيفه كمادة مضرة بالبيئة، رغم أن استهلاك هذه الدول يرتفع رسميًا وحتى إنتاجها يزداد سنويًا، ولعل الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دليل، حيث أصبحت العام الماضي أكبر منتج للغاز رغم وجود دول أخرى تفوقها في حجم الاحتياطات كروسيا وإيران وقطر، إضافة إلى شروعها في استخراج الغاز الصخري على الرغم من الانتقادات البيئية الموجهة له.
وأسقطت الحرب الروسية الأوكرانية خطط الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالتخلص من الغاز والإمدادات الروسية، وذلك بالنظر إلى أن التكلفة العالية لمشروعات الطاقات المتجددة أخرت أي أهداف رسمت في هذا الشأن، إضافة لارتباط بعض هذه المشروعات كالهيدروجين الأخضر والكهرباء مباشرة بطاقة الغاز.
ضبط الأسعار
يظهر من البيان الختامي لقمة الجزائر أن الدول المصدرة للغاز تريد أن يكون منتداها أكثر فعالية في تحديد أسعار الغاز التي تظل متقلبة، وتصب غالبًا في صالح المستهلكين على حساب المنتجين المطالبين بتكاليف مستمرة تتعلق بالاستثمار والنقل والتوزيع.
وأكدت دول المنتدى دعمها “لحوار قوي وهادف بين المنتجين والمستهلكين والأطراف المعنية الأخرى ذات الصلة، لضمان تأمين كل من العرض والطلب و تعزيز استقرار السوق والدفاع من أجل أن تكون أسواق الغاز الطبيعي منفتحة وشفافة وخالية من العوائق ودون تمييز”.
وبيّن المجتمعون بالجزائر أن سوق الغاز يواجه مخاطر وتحديات ناجمة عن الوضعية الجيوسياسية و الاقتصادية، خاصة من حيث التدفقات المادية للغاز وقواعد عمل السوق والترتيبات التعاقدية وتدفق الاستثمارات المستدامة وسلامة المنشآت الحساسة للغاز الطبيعي”.
وفي بند يؤكد على تضامن دول المنتدى، أدانت الدول المجتمعة بالجزائر “جميع القيود الاقتصادية أحادية الجانب المتخذة دون الموافقة المسبقة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأي تطبيق للقوانين والتنظيمات الوطنية خارج الحدود ضد الدول الأعضاء في منتدى الدول المصدرة للغاز، التي تؤثر سلبًا على تطوير الغاز الطبيعي و تجارته وتشكل تهديدًا على أمن الإمدادات بالغاز الطبيعي”، في إشارة إلى القيود المفروضة على الصادرات الغازية لروسيا وإيران وفنزويلا .
وخاطب المنتدى المستهلكين، وبالخصوص الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بضرورة التوجه إلى “عقود الغاز الطبيعي المتوسطة و طويلة الأمد التي ستحقق أسعارًا عادلة و مستقرة”، والتي لن تتأتى إلا باستثمارات دائمة في مجال الغاز لتعزيز الأمن الطاقوي ودعم تطوير أنظمة طاقوية قادرة على الصمود.
من المؤكد أن لا أحد ينكر الدور الذي بات يأخذه الغاز في مجال الأمن الطاقوي، خاصة بعد التطورات في فلسطين وأوكرانيا، لكن استفادة الدول المنتجة من هذه الثروة يبقى ضئيلًا رغم التقدم الذي حققته ما دام الاستثمار في هذا المورد يبقى بيد الشركات الغربية التي تمتلك المال والتكنولوجيا، لذلك تبقى عملية ضبط الأسعار بيد هذه الأخيرة رغم التنسيق الذي حققه المنتدى بعد أكثر من عقدين من تأسيسه.