مشهدان حاضران في التاريخ الفلسطيني أولهما وقت تسلم السلطة الفلسطينية لغزة وأريحا بعد اتفاق أوسلو 1993، حين كان يفكك سجن السرايا المركزي قبل الانسحاب من غزة، وتم توزيع المعتقلين من أصحاب المؤبدات العالية على سجون الاحتلال في الداخل كسجن عسقلان، وفق مراجعات مع الأسير المحرر محمد الغول أجراها مراسل نون بوست سابقًا والذي أمضى 23 عامًا في سجون الاحتلال. وقتها حمل رئيس الوزراء الصهيوني إسحاق رابين ثلاثة أوراق في جيبه تتعلق بقضية الأسرى ذوي المؤبدات العالية، لكنه تفاجأ أن السلطة لم تتفاوض على الأسرى، وهو ما أحدث حالة من الغضب الشديد من أسرى المؤبدات قبل أوسلو إلى اليوم والباقين في السجون.
ثاني المشاهد في اللحظات الأخيرة لتسليم شاليط، أراد الاحتلال أن يوقع الأسرى المشمولون في الصفقة على ورقة تتيح إعادة الحكم السابق عليهم في حال الاعتقال مرة أخرى عن أي نشاط يقومون به بعد الإفراج، لكن يحيى السنوار منع التوقيع، ورفض الصفقة بالمجمل – وفق مقابلة أجراها مراسل نون بوست مع الأسير المحرر نادر أبو تركي والذي عايش اللحظات الأخيرة في سجن النقب -. الدور الأكبر لمنع التوقيع كان للمخابرات المصرية، والتي ألزمت الاحتلال الإسرائيلي بما هو موقع عليه سابقًا من تفاهمات، وقد أكد أبو تركي أن المخابرات المصرية تعاملت مع الأسرى كأبطال للأمة العربية.
في المشهدين اختلافان واضحان، أولهما عجز السلطة عن الإفراج على الأسرى المعتقلين قبل أوسلو والمحكومين بمؤبدات عالية، ثانيهما الدور الكبير للمصريين في الضغط على الاحتلال لإلزامه بأكبر صفقنة تبادل في تاريخه، حيث أخرجت زعيم حماس في غزة يحيى السنوار والمتشدد الأكبر في الصفقة السابقة التي ابتدأت بعشرة أسماء وانتهت بـ1027 أسيرًا.
السنوار أعلن أن حركته وافقت على صفقة لتبادل الأسرى مع “إسرائيل” قدمتها مصر قبل أسبوعين، وقال السنوار خلال لقائه مع شباب غزة في 28-9-2017 إن هذه التطورات جاءت استجابة للمقترح المصري الذي عرض على وفد الحركة في أثناء إقامته في القاهرة قبل نحو أسبوعين، وهذه المعلومات وصلت الاحتلال الإسرائيلي عبر المكلف من طرفها لإدارة المفاوضات بهذا الشأن، والكرة الآن بملعب “إسرائيل”.
هذا الوقت الأكثر ملائمة لصفقة تقودها حماس لتعزز صورة المقاومة وأهميتها في ردع الاحتلال وتحقيق إنجازات للفلسطينيين.
وكان المخطط المصري يتضمن إنجاز الصفقة على عدة مراحل أولها إطلاق سراح جثامين تعود لعناصر من القسام استشهدوا في حرب 2014 مقابل حصول الاحتلال الإسرائيلي على معلومات عن مصير مستوطينين إسرائيليين مدنيين تسللوا إلى قطاع غزة بالخطأ، لتبدأ المرحلة الثانية بمعلومات عن جنود الاحتلال الإسرائيلي المفقودين في حرب غزة مقابل إطلاق سراح محرري صفقة شاليط الذين اعتقلهم الاحتلال بعد الصفقة دون التزامه باتفاق التبادل الذي رعته مصر في 2011.
الليونة التي تبديها حركة حماس تبدو مؤشرًا واضحًا عن ضغط مصري لإغلاق ملف الأسرى الجنود لدى حماس، ولكن تنازلات حركة حماس فتحت شهية “إسرائيل” لرفض المقترح المصري طمعًا في إنجاز أكبر لصالحها، فهل ستدفع حركة حماس ثمنًا بخسًا مقابل إنهاء بعض الملفات العالقة في المصالحة الفلسطينية كملف الحصار مثلاً، في الوقت الذي دفعت فيه ثمنًا كبيرًا لأسر ما لديها من جنود؟
وسام عفيفة مدير عام شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لحماس قال لـ”نون بوست”: “ورقة الضغط التي تملكها حركة حماس هي حالة الفراغ الأمني والسياسي التي هددت بها سابقًا، وستذهب في موضوع المصالحة وتسليم الحكومة حتى نهاية الطريق، وعليه يبقى الدور المصري الأهم في المرحلة الحالية لضبط المسار بعيدًا عن الانفجار، لذلك ستسارع الأطراف لعقد صفقة أسرى بين الاحتلال وحماس”.
وكان رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس قال لصحيفة معاريف الإسرائيلية: “ليس لدي معلومات حقيقية عن مصير أو عدد الجنود الإسرائيليين لدى حماس، ولكن تقييمي وشعوري أن الضابط الإسرائيلي الأسير لدى حماس بغزة هدار غولدن على قيد الحياة، ولدي شعور أن حماس لديها جندي إسرائيلي واحد على الأقل على قيد الحياة”.
وعن صفقة مرتقبة قال فارس: “أعتقد أن الحكومة الفلسطينية بعدما تتسلم مهامها في غزة ستتمكن من تحمل مسؤولية الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس”.
وكشف نائب رئيس المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق في مقابلة مع وكالة الاناضول التركية 28-9-2017 عن رفض حركته لمقترحات تركية وقطرية وروسية في صفقة تبادل بينها وبين الاحتلال، بعدما طلب نتنياهو منهم ذلك.
قد تكون ملامح الصفقة في الأفق بوساطة مصرية من جديد، وسط الضغوطات التي يتعرض لها نتيناهو من داخل الاحتلال الإسرائيلي
المحرر في صفقة شاليط والمختص في الشأن الصهيوني منصور ريان اعبتر أن هذا الوقت الأكثر ملائمة لصفقة تقودها حركة حماس لتعزز صورة المقاومة وأهميتها في ردع الاحتلال وتحقيق إنجازات للفلسطينيين.
وخالف ريان قدورة فارس الرأي قائلاً: “لن يكون للسلطة دور في الصفقة فهي لا تؤمن بالعمل المسلح لتحقيق إنجازات، الدور الأكبر سيكون لمصر نحو صفقة تبادل قريبة، ولا يهم الأسير من يقود الصفقة الأهم النتيجة وهو خروج أكبر عدد من أصحاب المؤبدات العالية في الصفقة”.
وطالب الأسرى الفلسطينين من الداخل المحتل قيادة حماس أن يكونوا ضمن الصفقة حيث يرفض الاحتلال الإسرائيلي ضمهم باعتبراهم مواطنين إسرائيليين، ومنهم الأسير كريم يونس الذي أمضى 36 عامًا في سجون الاحتلال وما زال معتقلاً.
أما نائل البرغوثي الذي أمضى 37 عامًا في سجون الاحتلال قبل الافراج عنه في صفقة شاليط ثم أعيد اعتقاله بعدها، دفع حماس لإصرارها بالإفراج عن المحررين الذين أعيد اعتقالهم بعد الصفقة كشرط أساسي للحوار.
قد تكون ملامح الصفقة في الأفق بوساطة مصرية من جديد، وسط الضغوطات التي يتعرض لها نتيناهو من داخل الاحتلال الإسرائيلي، وفي ظل وساطة مصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية ولعب دور أكبر في المشهد الفلسطيني.