يقضي الكثيرون منا أوقاتًا طويلة في التخطيط لحفلات زفافهم أو رحلات شهر العسل، والبحث في المواقع الإلكترونية أو استشارة المختصين للحصول على المساعدة وأخذ النصيحة فيما يتعلق ذلك، معطين لذلك الأولوية الكبرى لبدء علاقاتهم بأجمل صورة ممكنة، مبتعدين عن الأسئلة الكبيرة والمهمة فيما يخصّ الشريك والزواج والعلاقة وما سيأتي بعد ذلك.
يحتاج الأزواج وقتًا طويلًا وجهدًا كبيرًا للتغلب على التحديات والعقبات التي تمرّ بعلاقتهم، خاصةً في بدايتها، وربما تفشل معظم تلك العلاقات أو تزداد صعوبة فقط لأننا غير متمكّنين من التعامل معها أو خوضها، قد يكون ذلك لأنها تجربتنا الأولى وقلة خبرتنا حولها، ربما! لكننا في الوقت ذاته لا نبحث عن حلّها بطرقٍ معقولة أو منطقية، إذ غالبًا ما نبقى ندور في نفس الدائرة من الأفكار والأحكام المسبقة، ونتعامل مع طرق حلّ المشكلات نفسها.
في السنوات الأخيرة الماضية، ومع تزايد نسب الطلاق والانفصال بشكلٍ كبير –في المجتمع الغربيّ على أقل تقدير-، ظهرت الكثير من العلوم الحديثة التي تختصّ بعلم النفس ضمن إطار العلاقات والزواج، فبات هناك المعالِج النفسيّ المختص بالأزواج فقط أو ما يُعرف بمصطلح “Couple Therapy”، والذي يسعى لحلّ مشكلات الأزواج من خلال السماع لهم وتعزيز قدرتهم على التواصل والاتصال للوصول إلى نقطة معينة يستطيعون من خلالها التفاهم وحلّ مشكلاتهم بأنفسهم.
بالإضافة إلى ظهور برامج تعليم وتثقيف الأزواج التي ظهرت مؤخرًا وتعمل على جذب الأزواج سواء حديثي الزواج أو الذين بدأوا بعلاقة جديدة للتوّ ويرغبون بالزواج، أو أولئك المتزوجين قديمًا. ويخضع الأزواج في مثل هذه البرامج لورش عمل ودروس هدفها تعليم مهارات التواصل، والنقاش، والتعبير عن الذات والتحدث عن المشاعر، وحل المشكلات والخلافات، والتعامل مع الغضب وغيره من المشاعر، تعزيز الثقة والالتزام بالعلاقة، وغيرها الكثير.
تحاول تلك البرامج والدروس بناء علاقات صحيةٍ تحاول تقليل التوقعات لأقل قدر ممكن، والعمل على تطوير العلاقة بما يناسب الواقع والحقيقة
تستند تلك البرامج على البحوث والتجارب التي أنشئت لدراسة الأسس التي تجعل الزواج ينجح وغيرها التي تؤدي إلى فشله، من خلال دراسة العديد من العلاقات المختلفة، من فئات اجتماعية وعرقية وعمرية مختلفة.
تركّز تلك البرامج على جعل الأزواج قادرين على خلق القرارات الإيجابية فيما يتعلق بهم وبالعلاقة، خاصة في المواضيع الحساسة أو الصعبة، مثل الجنس والأطفال والمال، إذ يعمل مقدمو تلك البرامج وخبراؤها على مساعدتهم في توجيهم حواراتهم ومناقشاتهم حيال تلك المواضيع، والتركيز عليها بطريقة صحية بحيث لا تأخذ أكبر من حجمها أو لا يتم التغاضي عنها.
كما تعدّ مهارات حلّ الخلافات والمشكلات واحدة من أهمّ المهارات التي تسعى تلك البرامج لتثقيف الأزواج بها وتعليمهم إياها، من خلال التركيز على مهارة الاستماع والتواصل بشكل أكثر فعالية، وإنشاء أسس خلاقة للحوار بين الزوجين، إذ أنّ غالبية المشكلات تنشأ من عدم قدرة الزوجين على التواصل بين بعضهما البعض.
ويعدّ التعامل مع التوقعات التي يحملها كل طرف بخصوص العلاقة والطرف الآخر أحد الأهداف التي تركز عليها برامج التثقيف، فكما تحدثنا في مقالٍ سابق، فإننا نتوقّع أنّ على الحبّ والزواج أن يكون أكبر مصدرٍ لأفراحنا وسعادتنا، لكننا نصطدم في لحظةٍ ما بحقيقةِ أنْ لا أحد بإمكانه أنْ يزعجنا أو يخيّب آمالنا بقدر ما يفعل الحبيب أو الزوج، فنحن لا نبني آمالنا ولا نرسم توقعاتنا على أحدٍ ما بقدر ما نرسمها ونبنيها على الزوج أو الحبيب، ولو نظرنا نظرةً شاملة لوجدنا أنه قد يجلب الحزن تمامًا كما قد يجلب السعادة.
وبالتالي تحاول تلك البرامج والدروس بناء علاقات صحيةٍ تحاول تقليل التوقعات لأقل قدر ممكن، والعمل على تطوير العلاقة بما يناسب الواقع والحقيقة التي تقوم عليها، بعيدًا عن بناء الأحلام والخيالات، أو الوقوع في شِراك الاكتئاب الناتج عن خيبات الأمل وفشل التوقعات.
تبنت الحكومة الماليزية، إبان فترة رئيس الوزراء مهاتير محمد، سياسة حازمة للحيلولة دون تفاقم الطلاق في البلاد، إذ وصلت نسبة الطلاق في تسعينيات القرن الماضي إلى 32%
واحدة من أشهر برامج تثقيف الأزواج التي اشتهرت في الغرب هو برنامج جون جوتمان، عالم النفس الأمريكي في جامعة واشنطن وخبير العلاقات الشهير الذي أمضى أكثر من أربعة عقود في دراسة العلاقات الزوجية. وقد وجد جوتمان من خلال دراساته وأبحاثه أنّ جميع الأزواج –سواء كانوا سعداء أو تعساء في علاقاتهم- لا يختلفون بمقدار كبير في نوعية الخلافات والمجادلات التي يخوضونها، إذ تتركز حول المال والأطفال والجنس والعمل والبيت، لكنّ الاختلاف يكمن في الطريقة التي يتم بها التعامل مع هذه المواضيع للوصول لحلول منطقيّة وتسوية ترضي الطرفين.
ما يحاول جوتمان وغيره من خلال تلك البرامج هو تفنيد الأساطير التي تتعلق حول الزواج في المجتمعات المختلفة، مثل اعتقاد أنّ الحب وإيجاد الشخص الملائم كافٍ لخلق زواج صحيّ وسعيد، أو أنّ الزواج السعيد هو ذلك الخالي من المشاكل والصعوبات والخلافات. وبالتالي فهدف تلك البرامج هو تثقيف الأفراد حول اختيار الشريك بحكمة، وتعليمهم التعامل بحكمة معه ومع العلاقة بعد الاختيار.
فيما تبنت الحكومة الماليزية، إبان فترة رئيس الوزراء مهاتير محمد، سياسة حازمة للحيلولة دون تفاقم الطلاق في البلاد، إذ وصلت نسبة الطلاق في تسعينيات القرن الماضي إلى 32%، أي أنه ضمن 100 زيجة هناك 32 علاقة فاشلة، ما حدا بالحكومة إلى سنّ قوانين يلتزم بموجبها كل طرف يرغب في الزواج من الجنسين بأن يخضعوا إلى دورات تدريبية متخصصة، داخل معاهد خاصة، يحصلون بعدها على رخصة تسمح لهم بعدها بالزواج. ووفقًا للعديد من الإحصاءات، أصبحت ماليزيا من أقل دول العالم في نسب الطلاق، إذ وصلت معدلاته أقل من 8% في السنوات الأخيرة، فيما صارت ملفات عقد القران لا تخلو من وثيقة “رخصة الزواج” إضافة إلى الفحوص الطبية وإلى جانب باقي الوثائق التعريفية المتعارف عليها.