“مناورات عسكرية مصرية – إسرائيلية لأول مرة”، كان ذلك عنوان الخبر الذي تم تداوله على نطاق واسع، ورفض تصديقه الكثيرون في بادئ الأمر، لكن البحث عن صحته غير مرهقة إذا اطلعت على الصحف ووسائل الإعلام الأجنبية، مثل “واشنطن بوست“، و”ديلي ميل“، و”ميدل إيست مونيتور“، أو حتى “إسرائيل هيوم“.
وفي مضمون الخبر، كشف بانوس كامينوس، وزير الدفاع اليوناني أنه “جرى هذه الأيام التخطيط لإقامة تدريب مشترك رباعي لسلاح الجو بين سلاح الجو المصري والإسرائيلي والقبرصي، مشيرًا إلى أنه يمكن انضمام دول أوروبية أخرى، كجزء من خطط الدفاع المشترك للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما التزمت القاهرة الصمت بشأن المشاركة الإسرائيلية، واكتفت وزارة الدفاع المصرية بالحديث عن تدريبات بحرية وجوية مشتركة مع اليونان.
وبالتزامن مع إحياء الذكرى الـ44 لحرب أكتوبر 1993، جاء إعلان “كامينوس” ليفتح الحديث مجددًا عن محاولات التطبيع المستمرة، وبصرف النظر عن انتقادات المعارضة القائمة على موقف معاد لـ”إسرائيل”، إلا أن البعض طرح سؤالاً مهمًا عن الهدف الاستراتيجي لمناورات جوية مشتركة مع “إسرائيل”، والأهم من ذلك، لماذا يستمر النظام المصري باتهام خصومه بالعمالة والعدو قد صار صديقًا حميمًا؟
الأعداء أصبحوا أخوةً.. من الحرب إلى الشراكة
التعاون العسكري المعلن بين تل أبيب والقاهرة يأتي في ظل تطور كبير في العلاقات المصرية – الإسرائيلية، على الصعيد الأمني والسياسي، لا سيما بعد الدور الذي تؤديه المخابرات المصرية في غزة، وتحديدًا ما يخص المصالحة الفلسطينية وصفقة تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و”إسرائيل”.
وفي سابقة هي الأول من نوعها، منذ تولي الأول الحكم في يونيو 2014، التقى السيسي بنتنياهو مؤخرًا، ولأول مرة علنًا على هامش مشاركتهم في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكشفت صحف إسرائيلية عن لقاءين سريين العام الماضي والحالي جمعا السيسي بنتنياهو في العقبة الأردنية والقاهرة، وأقر نتنياهو بذلك، واعترف السيسي كذلك ضمنًا.
واقف التقارب لا تنتهي، لكن بلوغ العلاقات المصرية الإسرائيلية إلى مستوى إجراء تدريبات عسكرية مشتركة لأول مرة في التاريخ، أثار انتقادات ورود فعل غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي
وفي لقاء تليفزيوني مع شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية، أعلن السيسي أن 50 دولة عربية وإسلامية ستطبع العلاقات مع “إسرائيل” في حال توصلت لتسوية سياسية مع الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن مصر تعتبر أحد أهم الدول التي تشارك في الدفع بتلك التسوية.
وظهر التطور العلني للعلاقات المصرية – الإسرائيلية جليًا خلال مشاركة السفير المصري حازم خيرت في مؤتمر “هرتسيليا” السادس عشر في الأراضي المحتلة المتخصص في مراجعة السياسات الأمنية والدفاعية للدولة العبرية وعنوانه “أمل إسرائيلي، رؤيا أم حلم؟”.
وبحسب تصريح السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر حاييم كوهين فإن مصر و”إسرائيل” تتمتعان حاليًا بعلاقات قوية. وفي مداخلة لسفير “إسرائيل” في القاهرة ديفيد جوفرين في “معهد أبحاث الأمن القومي (INS) في جامعة تل أبيب فإن العلاقات بين “إسرائيل” ومصر تعتمد إلى حد كبير على الجانب العسكري، ومن أجل تثبيت السلام يجب أن يقوم على قدمين: الأولى عسكرية والثانية مدنية اقتصادية والدمج بين الجانبين يضمن بقاء التعاون على المدى البعيد بين الطرفين.
إلى ذلك، فإن مواقف التقارب لا تنتهي، لكن بلوغ العلاقات المصرية الإسرائيلية إلى مستوى إجراء تدريبات عسكرية مشتركة لأول مرة في التاريخ، أثار انتقادات ورود فعل غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط حديث عن أن ذلك الأمر بمثابة تغيير في العقيدة العسكرية لمصر.
حسب #وزير_الدفاع_اليونانى
قريبا
تدريبات #عسكرية_مشتركه
بمشاركة #سلاح_الجو
فى #مصر_اليونان_الكيان_الصهيونى
فاضل ايه تانى #ياشعب_مصر
— أحمد عبد الجواد Ahmet Fatih (@abdgwad_ahmed) October 2, 2017
تغريدة للصحفي أحمد عبد الجواد
تغيير العقيدة العسكرية.. ما لم يفعله طنطاوي
على مدار العقود الماضية، بُنيت العقيدة العسكرية للجيش المصري، على اعتبار “إسرائيل” العدو الأول، فقد سبق أن خاض ضدها خمسة حروب، بدأت مع إعلان تأسيس دولة الكيان الصهيوني عام 1948، واختتمت بحرب 6 من أكتوبر/تشرين الأول عام 1973.
حتى بعد معاهدة السلام التي وقعها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات مع “إسرائيل” في مارس/آذار 1979، لم تفلح كل محاولات التطبيع، لكن المحاولات بدأت خلال الأشهر التي تلت الثورة المصرية، حيث تداولت صحف وبرامج حوارية معلومة مفادها أن الولايات المتحدة حاولت في وقت سابق وطيلة العقود الماضية تغيير العقيدة القتالية للجيش المصري لتواكب التحديات الأمنية التي تريد أمريكا مواجهتها، وتحديدًا الحرب على الإرهاب.
وأظهرت البرقيات الدبلوماسية (برقية رقم CAIRO 000549) التي سربها موقع ويكيليكس، خلافًا في وجهات النظر بين واشنطن والقاهرة بشأن تطوير مهمة الجيش المصري وزيادة تركيزها علي التهديدات الجديدة، مع إصرار القيادة المصرية آنذاك على إعداده في المقام الأول لمواجهة عسكرية تقليدية.
وجاء مركز واشنطن للدراسات لتأكيد ذلك، على لسان مسؤولين بوزارة الدفاع الأمريكية، بأن الولايات المتحدة أرادت لسنوات إعادة هيكلة الجيش المصري من قوة عسكرية أعدت لخوض حروب تقليدية، وخاصة مع “إسرائيل” ليصبح جيشًا أكثر فاعلية في مواجهة المخاطر الأمنية التي تواجه مصر، ولكن بحسب الرؤية الأمريكية.
بالنظر إلى الدور الذي حاولت واشنطن طيلة عقود أن تجعله أولوية الجيش المصري بدلاً من “إسرائيل”، نجد أن الفريق عبد الفتاح السيسي يمضى في تنفيذه، منذ توليه وزارة الدفاع
وبحسب البرقيات التي تعود إلى 2008 و2010، رأت واشنطن أن المسؤول عن ذلك وزير الدفاع، وقتها، المشير محمد حسين طنطاوى، حيث وصفته الوثيقة بأنه “العقبة الأساسية أمام تحويل مهمة الجيش”، وقالت: “منذ تولى المشير طنطاوي مهام منصبه تراجع مستوى التخطيط التكتيكى والعملياتي للقوات المسلحة المصرية”.
وذكرت برقية، صدرت في فبراير 2010 أن “إدارة أوباما قالت لمسؤولين عسكريين مصريين: “الجيش الحديث يجب أن يكون مجهزًا بعتاد نوعي حديث وليس بكميات ضخمة من العتاد القديم”، ورد هؤلاء المسؤولون بأن التهديدات التي تواجهها مصر مختلفة عن تلك التي تواجهها الولايات المتحدة.
من جانبه، كان السفير الإسرائيلي السابق في مصر إسحاق ليفانون، قد صرح لصحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية، بأن واشنطن تطلب من مصر تغيير العقيدة العسكرية التقليدية، التي تميز الجيش المصري بأخرى تناسب أكثر ما يوصف بـ”الحرب على الإرهاب”.
عقيدة عسكرية جديدة تحت صناعة عدو غير “إسرائيل”
بالنظر إلى الدور الذي حاولت واشنطن طيلة عقود أن تجعله أولوية الجيش المصري بدلاً من “إسرائيل”، نجد أن الفريق عبد الفتاح السيسي يمضى في تنفيذه، منذ توليه وزارة الدفاع، حيث أعلن تشكيل “قوات التدخل السريع” التي تم تشكيلها لأول مرة في القوات المسلحة، لتعزيز قدرة الجيش على مواجهة التحديات التي تواجه مصر في الداخل والخارج.
وقال السيسي خلال تفقده قوات التدخل السريع المحمولة جوًا التي شكلت مؤخرًا لتنفيذ مهام “نوعية” داخل البلاد وخارجها إن القوات المسلحة يعاد تنظيمها وتطويرها وفقًا لأحدث النظم القتالية لتنفيذ جميع المهام، وزيادة قدرة الجيش المصري على بذل أقصى جهد لمجابهة التهديدات والتحديات التي قد تواجه الوطن وأمنه القومي.
التوجه الجديد للقوات المسلحة، يقول عنه مراقبون إن القادة الجدد للجيش المصري بدأوا بالفعل في تغيير عقيدة القوات المسلحة من قتال إسرائيل إلى محاربة الإرهاب، وهو ما يشي بمحاولة وزير الدفاع وقيادة النظام الجديد إقناع الولايات المتحدة والغرب بدعم وجودهم غير الشرعي على رأس البلاد.
وخلال مناورات “النجم الساطع” التي جرت بين أمريكا والجيش المصري، مثلت نوعية التدريبات دلالة واضحة للدور المطلوب من الجيش المصري خلال الفترة المقبلة، إذ توجهت معظم التدريبات نحو العمليات الموجهة ضد العمليات الإرهابية، وليس إلى تعزيز القدرات العسكرية لمواجهة الحروب النظامية.
وخلال الفترة الماضية، شارك الجيش المصري في العديد من العمليات ضد من يسميهم “الإرهابيون” في العديد من المناطق المصرية، فيما بدا وكأنه محاولة للبحث عن الشرعية، التي استطاع بالفعل اكتساب بعضها في “إسرائيل”، وظهر ذلك في الضغط الإسرائيلي على الولايات المتحدة لاستمرار دعم الجيش المصري، إلا أن قيادة الجيش في مصر لم تستطع الحصول على دعم دولي مضمون الاستمرار.
استخدم السيسي عدة استراتيجيات منها عمليات الحصار والعزل للقيادات الوسطى والدنيا عن الأحداث وإبدالها بعمليات غسيل المخ المبرمجة لعقول وثقافة الضباط والجنود، مع الاستعانة بآراء “شيوخ السلطة” لتغيير عقيدة الجنود، إلى جانب بعض المحفزات المادية والمعنوية
يضاف إلى ذلك موقف قيادات الجيش المصري من قضية تيران وصنافير، خاصة أن السيادة على تلك الجُزر تَمُس مباشرة شرف العسكرية المصرية، ومحور معظم الحروب بين مصر والعدو الصهيوني، قبل أن يُصبح العدو صديقًا، ثم حليفًا ثم سيدًا يأمر فيُطاع.
وتقول العديد من المصادر إن الجيش المصري بدأ منذ فترة في تحريض ضباطه وجنوده بشكل عنيف للغاية ضد الإصلاحيين أو الثوريين من المصريين، وهو ما لم يُستثن منه اليساريون والليبراليون فضلاً عن الإسلاميين.
وفي تأكيد للتوجه الجديد للجيش، استخدم السيسي عدة استراتيجيات منها عمليات الحصار والعزل للقيادات الوسطى والدنيا عن الأحداث وإبدالها بعمليات غسيل المخ المبرمجة لعقول وثقافة الضباط والجنود، مع الاستعانة بآراء “شيوخ السلطة” لتغيير عقيدة الجنود، إلى جانب بعض المحفزات المادية والمعنوية.
التطبيع ضرورة لتحطيم موقف “اللاءات الثلاثة”
يعد مصطلح “التطبيع” من أهم المصطلحات التي استخدمها الإسرائيليون في ترويج فكرهم ورأيهم، وعاد حسن استخدامه بالفوائد الجمة على “إسرائيل”، حيث نجح قادة الاحتلال مع مرور الوقت في تحويل المزاج الرسمي للحكومات العربية إلى اعتبار “إسرائيل” دولة جارةٍ وصديقة يجب التعايش معها.
وحين اجتمع القادة العرب عام 1964 في قمة الخرطوم نجحوا في تسجيل ثلاثة لاءات في مرمى “إسرائيل” (لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض)، وشددوا على فكرة أن كل من يفكر أو يسعى للخروج عن (لا صلح – لا اعتراف – لا تفاوض) فهو باعتراف الجميع (خائن).
وقد استمر المزاج الشعبي والرسمي على هذا المنوال حتى وصل القطار إلى محطة كامب ديفيد حيث اتفاقية السلام بين مصر و”إسرائيل”، وحينها سعت الأولى إلى تغيير المزاج العربي من (لا صلح – لا اعتراف – لا تفاوض) إلى فكرة أن “إسرائيل” جارة وصديقة ويجب أن نعيش معها بسلام وأمان حتى نقي الأجيال اللاحقة من حرارة الحروب.
قام اللوبي الصهيوني في أمريكا بالضغط على الإدارة والكونغرس الأمريكيين لاستئناف المساعدات العسكرية إلى مصر، بعد ما أعلنه وفد اليهود الأمريكان من أن السيسي أثنى على نتنياهو وقال عنه إنه قائد لديه قدرات جبارة تؤهله لتطوير المنطقة والعالم
وبلمحة سريعة على التغيرات الرسمية المصرية تجاه “إسرائيل” ونجاح أساليبها في استقطاب النظام المصري من خلال التطبيع، سنجد أن بعض القيادات وأجهزة المخابرات زاروا “إسرائيل” سرًا، وكانت الحجج المتداولة حين انكشف الأمر أن ذلك كان بدعوى التنسيق الأمني لمواجهة الإرهاب المستشري في سيناء، كما التقوا بقيادات إسرائيلية في محافل دولية، وفتحوا حدود بلادهم لقادة صهاينة أجرموا في حق العرب للمشاركة في مؤتمرات.
لكن المتأمل في رغبة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفسه للتطبيع مع “إسرائيل” يجد أنه يرغب في الحفاظ على كرسيه في الحكم من خلال كسب ود “ماما أمريكا”، وهذا الكسب لا يتم إلا من خلال رضا “إسرائيل” باعتبارها “الفتاة المدللة”.
وبات السيسي يرى في “إسرائيل” بوابته لنيل الاعتراف والرضا والقبول الأمريكي والدولي له ولنظامه، لذلك راح يمارس مزيدًا من التسويق لنفسه إسرائيليًا وأمريكيًا ودوليًا، بأنه الوحيد القادر على توطيد وتعميق العلاقات مع “إسرائيل”، رغم كل الكراهية التي يكنها لهم المصريون.
وصلت نتائج ذلك إلى الدرجة التي قامت فيها “إسرائيل” واللوبي الصهيوني في أمريكا بالضغط على الإدارة والكونغرس الأمريكيين لاستئناف المساعدات العسكرية إلى مصر، وما أعلنه وفد اليهود الأمريكان من أن السيسي أثنى على نتنياهو وقال عنه إنه قائد لديه قدرات جبارة تؤهله لتطوير المنطقة والعالم.
سنوات السيسي الضائعة.. العصر الذهبي للتطبيع
خلافًا لما هو معهود، بعد التحرك إلى أحضان العدو سرًا، في عهد السيسي لم يعد التواصل مع الإسرائيليين يجري في جنح الظلام إنما يتم جهارًا نهارًا وسط القاهرة، وحتى عبر زيارة تل أبيب والتودد للمسؤولين هناك. وفي مناسبات عديدة عبرت “مصر السيسي” عن التزامها بأمن “إسرائيل” رغم استمرارها في خنق قطاع غزة وتهويد القدس وتقطيع أوصال الضفة.
وبينما تتسع رقعة المقاطعة الدولية لـ”إسرائيل” بأوروبا وحتى في الولايات المتحدة، تجد تل أبيب ما يؤمن روعها في حضن الجارة مصر، حيث يتجه المشهد السياسي لترسيم التطبيع في كل مناحي الحياة.
على الجانب الأمني، تواصل القاهرة تدمير وإغراق أنفاق غزة مما يلقى إشادة يومية من ساسة “إسرائيل” وصحافتها وحاخاماتها الذين ينظرون للسيسي كأهم صديق لليهود في الشرق الأوسط.
وبعد أن فر في وجه ثورة يناير/كانون الثاني 2011، عاد السفير الإسرائيلي للقاهرة بكل ثقة وبات يتحدث للمصريين بالعربية الفصحى عن أهمية تغيير مناهج التعليم “بما يخدم السلام بين الشعبين”.
في لقاء مع قناة تليفزيونية فرنسية، شدد الرئيس المصري على أنه لن يسمح بأن تكون سيناء قاعدة لهجمات ضد “إسرائيل”
في المقابل، عينت مصر سفيرًا جديدًا في تل أبيب بعد أن ظل المنصب شاغرًا منذ 2012 إثر سحب الرئيس المعزول محمد مرسي ممثله في تل أبيب احتجاجًا على اعتداء الاحتلال على قطاع غزة، لكن مظاهر التطبيع لا تتوقف عند التنسيق الأمني وتبادل التمثيل الدبلوماسي الرفيع، إنما تتجاوز ذلك إلى الدعم في المحافل الدولية والتعبير عن الود والإعجاب إلى حد الانبهار.
وخلال الأسابيع الأخيرة، اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي بلجنة رؤساء المنظمات اليهودية ونقل لهم إعجابه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لكونه “قائدًا ذا قدرات عظيمة تؤهله لقيادة دولته، وتضمن تطور المنطقة وتقدم العالم”، وفي لقاء مع قناة تليفزيونية فرنسية، شدد الرئيس المصري على أنه لن يسمح بأن تكون سيناء قاعدة لهجمات ضد إسرائيل. ومن دون خجل، صوتت الخارجية المصرية لصالح انتخاب “إسرائيل” عضوًا بلجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي في الأمم المتحدة.
وفي سياق السير على سكة التطبيع، أُفسح للكتب الإسرائيلية في أجنحة معرض القاهرة الدولي للكتاب، وتمت ترجمة إصدار لصحفي بإذاعة الجيش الإسرائيلي إلى العربية، مما لاقى استنكارًا لدى جمهور الكتاب والمثقفين. وفي العام الماضي، فاجأ متحف مصري زواره بصورة رئيسة الوزراء الإسرائيلية الراحلة غولدا مائير على أساس أنها واحدة من أهم النساء الرائدات على مستوى العالم.
توفيق عكاشة يستضيف حاييم كورن السفير الإسرائيلي السابق بالقاهرة
اسألوا الدولة عن التطبيع.. حلال لكم وحرام علينا!
في ظل انفتاح السيسي اللامحدود واللامشروط على الإسرائيليين، لم يعد مستغربًا سير رجالاته دون خجل على سكة التطبيع التي تصاعدت أشكالها. تارة من بوابة الإعلام والسياسة، حيث لم تسلم الصحافة المصرية من الوقوع في هوى التطبيع، فقد حيا الإعلامي عمرو أديب الإسرائيليين من على شاشة التليفزيون، وقد “حجّ” وفد من الصحفيين إلى تل أيبب والتقوا بمسؤولين هناك.
وتارة من خلال الرياضة، حيث قال مدير إدارة الإعلام السابق إلى مقر اتحاد الكرة عزمي مجاهد، إنه لا مشكلة لديه في خوض مباريات بـ”إسرائيل”، وكشف عن لعب محترفيْن مصريين في تل أبيب، مما يؤكد تغلغل التطبيع في شتى المجالات، لكن هذه المبادرات فردية أم تحظى بمباركة جهات عليا؟
علاقة التطبيع بين مصر و”إسرائيل” للكبار فقط، وذلك بحسب وصف مراقبين ودبلوماسيين تحدثوا عن الخلط الذي تتعامل به بعض الشخصيات المصرية في الفترة الأخيرة عن أحقيتهم في التعامل مع “إسرائيل”، بحجة أن الدولة مبرمة لاتفاقية سلام، وبهذا المعنى لا تكون “إسرائيل” عدوًا
ربما سبقهم عكاشة بمبادرة فردية حين استضاف حاييم كورن السفير الإسرائيلي السابق بالقاهرة، لكنه لم يكن بدعًا من رجالات السيسي المهرولين للتطبيع مع “إسرائيل” والمبشرين بالانفتاح عليها في مجالات الأمن والتعليم والرياضة والثقافة والاقتصاد.
واقعة عكاشة كانت واحدة من عشرات الوقائع التي تمارسها الأجهزة الأمنية والسيادية مرارًا وتكرارًا، لكنه لم يرضِ النظام، فاُسقطت عضويته من مجلس النواب (البرلمان)، وأصبح من حق النظام ورجاله التطبيع مع “إسرائيل”، في حين يتم رفض الأمر حين يتعلق بشخصيات سياسية أو حزبية.
إذًا علاقة التطبيع بين مصر و”إسرائيل” للكبار فقط، وذلك بحسب وصف مراقبين ودبلوماسيين تحدثوا عن الخلط الذي تتعامل به بعض الشخصيات المصرية في الفترة الأخيرة عن أحقيتهم في التعامل مع “إسرائيل”، بحجة أن الدولة مبرمة لاتفاقية سلام، وأنه بهذا المعنى لا تكون “إسرائيل” عدوًا.
وهي نظرية يرفضها مراقبون لهذا المسلسل الذي كانت الصورة الأخيرة له، لقاء القيادي السلفي نادر بكار مع وزيرة خارجية “إسرائيل” السابقة وزعيمة حزب “كاديما” في الولايات المتحدة، وأيضًا لقاء السفير الإسرائيلي بالقاهرة مع عدة صحفيين مصريين إلى جانب عكاشة.
وجهة النظر التي يبرر بها بعض الشخصيات المصرية هذه اللقاءات بأن الدولة مطبعة، جاءت من القيادي السلفي نادر بكار الذي قال في أول تعليق خلال لقائه مع الجمهور السلفي عن لقائه مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني “اسألوا الدولة”، فمن غيرها يمكن أن يوجه إليه السؤال؟