أبطالٌ بين القصص الروائية والواقع

يظن القارئ أنني سأتحدث عن شاب أو رجل ما كنت قد تعلقت بحبه في يوم ما، لكن هذا يختلف عما سأرويه قليلًا، فإنه لم يكن رجلًا واحدًا بل أكثر، لا أعرف حقًا عددهم كما أنني لم أر أي واحد منهم رأى العين لأحدد مدى جاذبية ملامحهم حقًا، ولم أسمع صوتهم لأتأكد امتلاكهم ذلك الصوت الخشن الجهوري الجذاب، فلقد عشقتهم في خيالي.
هؤلاء الرجال بل دعونا نقول الأبطال كانوا أبطال أروع روايات قرأتها، تلك الروايات التي لا تمر عليك مرور الكرام بل تنغرز في عقلك وتملك عليك قلبك، تعيش فيها حتى تصبح جزءًا منك، تغرز فيك قيمًا تُسقيها بتنفيذك لها في واقعك. كان أحد هؤلاء البطل المغوار حسام والذي كان حسامًا حقًا يضرب الباطل وينصر الحق وهو بطل رواية “حينما يُزهِر البرتقال”، تلك الرواية هي الأولى وبالتالي فإنه كان عشقي الأول، علمني كاتب الرواية الفرق بين أن تصنع رواية في ثناياها قصة رومانسية رائعة، وأن تصنع قصة رومانسية تكملها رواية، ستدرك حقًا الفرق حينما تقرأها، قبل أن يعلمني بطلها حسام كيف يخفي البطل المجاهد جهاده خفاءً عظيمًا، فحتى لو كنت قد تقربت إليه من قريب أو بعيد فإنك لن تستطيع التعرف على أنه مجاهد أبدًا، وكيف أن تبقى مجاهدًا وإن استسلم كل الناس حتى أقربهم إليك.
يقولون إن هناك سبيل واحد فقط لأن تعرف المستقبل وهو أن تقرأ الماضي
أخبرني دكتور مادة الدراما في كليتي أن روعة الرواية تكمن في مفارقتها أو حبكتها، والمفارقة تعني أن تقنعك الرواية في بدايتها بأمر ما ينكشف لك فيما بعد حقيقته المختلفة تمامًا، وأما هذه الرواية فهي تمتلك أروع مفارقة بين كل ما قرأته من روايات. الجدير بالذكر أن كاتب هذه الرواية هو الأسير عمار الزبن، الأسير لدى الاحتلال الصهيوني، وأفضل روايات بالطبع هي التي تقتبس من صميم تجربة حقيقة، ويكفي أن تظن أن تلك الرواية ربما تلامس الحقيقة حتى تملأك السعادة والفرح، أحقًا كان هناك أبطالًا أذاقوا الاحتلال الويلات وسطروا تلك الملاحم كهؤلاء، حقًا إنه شيء يفرح القلب.
لكن الخفاء وحده لا يكفي، فلقد سحرني بطل رواية “ابق حيًّا” ببقائه، الدمشقي، ذلك البطل المغوار علمني معنى الشجاعة والجسارة والجهاد الحقيقي، حيث بقي حينما رحل الكل هربًا من المجاعة والبلاء لكنه حينما عزم البقاء أدرك الغاية فأهدى السبيل، لقد أدرك أنه لن ينقشع البلاء حتى تُرد المظالم وتستنفد الحقوق، لذلك أُهدي سبل البقاء على أرض قاحلة يأكل الرجل جسد زوجته ليبقى حيًّا، لكنه لم يتلوث بذلك فلقد هداه الله السبيل لأن يبقى إنسانًا قبل أن يبقى مجاهدًا. يقولون إن هناك سبيل واحد فقط لأن تعرف المستقبل وهو أن تقرأ الماضي، دعنى أقول لك إن مستقبلنا حقًا في هذه الرواية ليس تشاؤمًا، لكن تشابه بدايات تلك الرواية بواقعنا يجعلك توقن حقًا أن نهايتها هو مستقبلنا، عرفتني تلك الرواية أنه حينما ينتشر الظلم والقهر ويختفي العدل والحق ويبتعد الناس عن دينهم تنتشر الخرافات ليتدين بها الناس وليس بالدِّين الصحيح ينتشر الفقر ويعم الجهل يستضعف الناس فيصمتوا ويصمتوا عن كل هذا، فينزل الجزاء والبلاء فتهلك القرى ويهلك معها كل شيء، حتى يأتي ذلك البطل ويعيد كل شيء إلى نصابه فيُحيي الأرواح بالعدل فتحيا القرى من جديد.
وإن أردت أن تصبح أحدهم، تصبح بطلًا، فعليك أن تعشق بطلًا، بأن تقرأ عنه، فربما لامس الخيال واقعك فتصبح ما لم تكن عليه من قبل
لكن الخفاء والبقاء وحدهما لا يكفيان، عليك أن تتخذ فعلاً، عليك أن تشعل ثورة، أن تشن حربًا، عليك أن تكون كبطل رواية “البشرات” عبد الرحمن، كان ذلك البطل نجدة المظلومين وسلاح المجاهدين وأمل المكلومين، كان نينجا مقاتل مجاهد، برع الكاتب في نظم ملحمة تأخذ على تلابيب عقلك تملؤك أملًا وقوةً وعزمًا، لم يتخل بطلها عن الأرض أو الدين وإن أظهر ذلك، يستمر وإن تخاذل الناس، فلست أنسى تلك الفقرة من الرواية.
فلقد بينت كيف يمكن أن يتخاذل الناس رغم ما يلاقونه من عذاب وقهر ولكن ذلك لم يثن عزم هؤلاء الأبطال المجاهدين أبطال تلك الرواية الحقيقية، فتلك الرواية حدثت حقًا في عصر الأندلس وإن كان للكاتب ما يضفيه دائمًا على الروايات من لمسة خيال جميل فعليك أن تعلم أن هناك دائمًا أبطال حقيقيون وليس في الروايات فقط. وإن أردت أن تصبح أحدهم، تصبح بطلًا، فعليك أن تعشق بطلًا، بأن تقرأ عنه ، فربما لامس الخيال واقعك فتصبح ما لم تكن عليه من قبل، أنا لست أمدح بقدر ما أقول ما وصلني من تلك الروايات، كانت أحلام يقظة جميلة أتمنى أن أجد مثلها مجددًا.