ترجمة وتحرير: نون بوست
في الوقت الذي تدفق فيه المئات من الجنود اليمنيين إلى مدينة عزان خلال شهر آب/ أغسطس الماضي، لمهاجمة مقاتلي تنظيم القاعدة، كان طلاب المدارس الثانوية يتهيؤون لدخول الامتحانات النهائية. وعلى الرغم من تحليق طائرات الهليكوبتر فوقهم، وقيام المركبات المسلحة بدورياتها في الشوارع، إلا أن مدير المعهد، صالح الوحيدي، لم يقم بصرف طلابه.
في هذا الصدد، صرّح الوحيدي، البالغ من العمر 62 سنة، “لم أعلق الامتحانات لأنني لم أتوقع حدوث معركة”. وبالفعل، تعمدت القوات اليمنية، المدعومة بالمستشارين والقوة الجوية المقدمة من قبل الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية، ترك طريق يسمح بفرار مقاتلي تنظيم القاعدة المتفوقين عددا، وهو ما سمح لليمنيين بالاستيلاء على هذه المدينة الهامة من الناحية الإستراتيجية من دون وقوع ضحايا.
وفقا لما أفاد به مسؤولون يمنيون، تراوحت السيطرة على عزان، المدينة التي تعد بمثابة مفترق طريق محوري في محافظة شبوة والتي لطالما مثلت معقل تنظيم القاعدة جنوب اليمن، بين الحكومة والمتمردين منذ سنة 2011، فيما يقدم استيلاء الحكومة عليها دليلا على أن الوضع الراهن يصب في صالحها.
في الواقع، تعتبر الهجمة التي تم شنها في محافظة شبوة من آخر مراحل الحملة الأمريكية المتصاعدة ضد فرع تنظيم القاعدة في اليمن منذ تولي دونالد ترامب منصب الرئيس الأمريكي. عموما، يُعرف هذا الفرع بتسمية “تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، كما يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره أخطر فرع تابع للجماعة الإرهابية في جميع أنحاء العالم، خاصة مع تركيزه بشكل خاص على محاولة تفجير الطائرات التجارية.
أسر اليمنيون بعض عناصر تنظيم القاعدة المهمين، ومن خلال استجوابهم تمكنت القوات اليمنية وشركاؤها من الأمريكيين والإماراتيين من الحصول على معلومات قيمة حول التسلسل الهرمي لقيادة المتمردين وخطط الدعاية والشبكات المحلية
في عزان ومناطق أخرى وسط وجنوب البلاد، شنت القوات اليمنية المدعومة من قبل الولايات المتحدة حرب الظل ضد أكثر من ثلاثة آلاف عضو من فرع تنظيم القاعدة ومقاتليهم القبليين. ومنذ 28 شباط/ فبراير الماضي، شنت الولايات المتحدة أكثر من 100 غارة جوية ضد مقاتلي تنظيم القاعدة في اليمن، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف مجموع هجمات السنة المنصرمة، وذلك وفقا لما أفاد به البنتاغون.
خلال الأسابيع الأخيرة، أسر اليمنيون بعض عناصر تنظيم القاعدة المهمين، ومن خلال استجوابهم تمكنت القوات اليمنية وشركاؤها من الأمريكيين والإماراتيين من الحصول على معلومات قيمة حول التسلسل الهرمي لقيادة المتمردين وخطط الدعاية والشبكات المحلية، وذلك حسب مسؤول أمريكي. أما في مدينة عزان، أكد صالح الوحيدي أنه تم إعلام المتساكنين بالهجوم الوشيك للقوات المحلية على الجبهة الأمامية للقتال.
في هذا السياق، وصف الوحيدي القوات اليمنية قائلا إن “هؤلاء أبناؤنا”، فيما كان يتكئ على وسادة صلبة ويمضغ القات، وهو عبارة عن أوراق مخدرة تُستهلك في اليمن والقرن الأفريقي. وأضاف الوحيدي أن “معظم الجنود تخرجوا من مدرسة عزان الثانوية”.
خلال الليلة السابقة، أفاد متساكنو المنطقة بأن الطائرات الحربية حامت فوق المدينة وأسقطت قنابل “فلاش” على تجمع مشبوه فيه لمقاتلي تنظيم القاعدة في الجبال القريبة. وقبل وصولها، استخدمت القوات اليمنية الرشاشات ما تسبب في اهتزاز المدينة، وهو تكتيك آخر يهدفون من خلاله إلى تخويف المقاتلين.
أثناء انسحاب المقاتلين، تقدم اليمنيون نحو معسكر يقع على تلة صغيرة تطل على عزان كان مقاتلو تنظيم القاعدة يستخدمونه. ومن جهته، تباهى قائد القوات اليمنية التي تُعرف محليا “بقوات النخبة الشبوانية” محمد القميشي، بالنجاح الذي حققته قواته في مطاردة كبار الناشطين في تنظيم القاعدة في شبوة. وفي هذا الإطار، صرح القميشي قائلا: “لقد قبضنا على ثمانية من كبار العناصر”، مضيفا أنه تم إطلاق سراح السكان المحليين، الذين باعوا الأسلحة لتنظيم القاعدة، بعد تعهدهم بعدم التعامل مع المقاتلين.
شوارع عزان، التي تمثل مكان تجمع تجاري لآلاف الأشخاص القادمين من أربع مناطق مجاورة، وهي غير معبدة ويغمرها التراب. في الأثناء، تغطي الفضلات الأرض نتيجة سنوات من عدم تجميع القمامة
تتألف القوات الشبوانية من أربعة آلاف من رجال القبائل المحليين، الذين قاتلوا ضد المليشيات الشيعية في شمال اليمن خلال سنة 2015. تم تدريب هذه القوات من قبل مدربين عسكريين إماراتيين في منطقة صحراوية تتبع محافظة حضرموت القريبة، كما تلقّوا الأوامر من الإماراتيين خلال الهجوم الأخير. من جانب آخر، يتم تدريب عدد غير محدد من القوات الأخرى في المنطقة ذاتها.
قبل عدة أشهر من ذلك، وعد المدربون الإماراتيون قادة القبائل المحلية بأن الهلال الأحمر الإماراتي سيوزع الأموال لإحياء الخدمات الاجتماعية المتداعية في حال ساعدهم المقاتلون المحليون على إخراج تنظيم القاعدة من أراضيهم. في أعقاب الاتفاق، تم طلاء المدارس والمستشفيات الرئيسية على الفور، بيد أن المعلمين وغيرهم من الموظفين العموميين الذين من المفترض أن يديروا هذه المرافق، أفادوا بأنهم لم يتلقوا رواتبهم خلال عدة أشهر.
من جانبهم، أوضح المحللون اليمنيون أن مكافحة الإرهاب قد لا تمثل الدافع الوحيد وراء شن هجوم في مدينة عزان. ووفقا لما أفادت به إليزابيث كيندال، الباحثة اليمنية في جامعة أكسفورد التي زارت اليمن خلال شهر آب/ أغسطس الماضي، تعد محافظة شبوة موطن منشآت النفط والغاز الرئيسية التي يقع إعادة فتحها مع العلم أنها تشمل شركات عالمية. وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على أن المصالح التجارية قد تكون على المحك أيضا.
في المقابل، بيّنت كيندال أن هناك أدلة واضحة تؤكد أن الهجوم قد ألحق أضرارا جسيمة بثروات تنظيم القاعدة، الذي حذّر المتساكنين علانية، خلال شهر آب/ أغسطس الماضي، من الانضمام إلى القوات اليمنية التي تقودها الإمارات. وأضافت كيندال، في إشارة إلى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أنه “يحاول دمج الأجندة الدينية لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مع المخاوف القبلية المحلية، وبالتالي، تقليص المشهد السياسي اليمني المعقد إلى معركة بسيطة تضع الرجال الأخيار في مواجهة الرجال الأشرار”.
خلال سنة 2013، استعاد المقاتلون عزان ولكن هذه المرة تحت ذريعة وضع حد لقطّاع الطرق الذين سرقوا وقتلوا السكان المحليين
في الوقت الراهن، لا زالت شوارع عزان، التي تعد نقطة التقاء تجاري لآلاف الأشخاص القادمين من أربعة مناطق متجاورة في شبوة، غير معبدة ومغمورة بالتراب، بينما تغطي الفضلات الأرض بسبب سنوات من عدم تجميع القمامة، فيما تعمل الكهرباء لمدة خمس ساعات فقط يوميا، وتظل المياه غير متوفرة معظم اليوم. وخلال أيام العمل، تزدحم شوارع عزان بآلاف المتسوقين، أما في عطلة الأسبوع في اليمن، تصبح الشوارع خالية باستثناء بعض المهاجرين الأفارقة المارين.
في شوارع هذه المدينة، يقوم جنود تبدو عليهم ملامح القسوة بالتحقق من السيارات بعناية فائقة والبحث عن الأسلحة أو الكاميرات في نقطتي تفتيش على مدخل البلدة. كما يجب على رجال القبائل المسلحين التخلي عن بنادقهم إذا ما أرادوا دخول المدينة، إلى جانب حظر إطلاق النار الاحتفالي خلال حفلات الزفاف ليلا. وكنتيجة لذلك، شهد الأمن تحسنا للمرة الأولى منذ سنوات، وذلك وفقا لشهادة المتساكنين.
عموما، اكتسبت المدينة أهمية منذ سنة 2011 حين سيطر عليها مقاتلو تنظيم القاعدة، حيث استغلوا الفراغ الأمني في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة اليمنية بقيادة، علي عبد الله صالح، الذي تولى منصب الرئاسة لفترة طويلة، احتجاجات كبرى تطالب بالإطاحة به خلال الربيع العربي. في وقت لاحق، شنت القوات الحكومية اليمنية هجوما عسكريا كبيرا واستعادت المدينة خلال سنة 2012، ما أدى إلى انسحاب المقاتلين إلى الجبال ومن هناك قاموا بالتخطيط لهجوم مروع.
خلال سنة 2013، استعاد المقاتلون عزان ولكن هذه المرة تحت ذريعة وضع حد لقطّاع الطرق الذين سرقوا وقتلوا السكان المحليين. وفي الآن ذاته، بذل المسلحون جهودا متضافرة لإصلاح الخدمات العمومية من قبيل الكهرباء والمياه والصرف الصحي. ولا تزال حاويات القمامة الفولاذية، التي جلبها مقاتلو تنظيم الدولة، مبعثرة في شوارع المدينة القذرة. ومن ثم، شن الجيش اليمني خلال سنة 2014 هجوما آخرا وتمكن من استعادة المدينة.
يتخذ مقاتلو تنظيم القاعدة الذين حكموا عزان من منطقة الصعيد مخبأ لهم حاليا، وهي منطقة وعرة تقع في مديريتي شبوة ومودية التابعتان لمحافظة أبين وتبعد حوالي 50 ميلا غرب عزان
طيلة الأشهر اللاحقة، أطلق المقاتلون هجمات بلا هوادة ضد القوات الحكومية، حيث لا تزال المنازل تحمل آثار هذه المعارك بالأسلحة الثقيلة. فضلا عن ذلك، سُوّي جزء من المستشفى الرئيسي في المدينة بالأرض بسبب الغارات الجوية، وهو مستشفى تم بناؤه خلال الحكم البريطاني قبل سنة 1967. وقد غادر المتساكنون الأغنياء منازلهم المدمرة على أمل الحصول على التعويضات التي وعدتهم بها الحكومة.
أما حين بدأ التحالف الذي تقوده السعودية حملة قصف جديدة ضد المقاتلين سنة 2015، انهارت الخدمات الأمنية والحيوية ما أدى إلى حدوث فراغ سمح لتنظيم القاعدة بتسجيل عودته من جديد إلى المدينة. وفي هذا الصدد، قال المتساكنون إن المقاتلين لم يعلنوا عن تحول عزان إلى إمارة إسلامية كما فعلوا في السابق، بل أرسلوا عناصرهم الناشطة إلى المدينة من أجل اختطاف أفراد الأمن.
وفي حين أفصح معظم المتساكنين عن مشاعر الكره التي يضمرونها تجاه المقاتلين، أشاد قلة منهم بالترتيب الصارم الذي فرضوه ووسائل الراحة التي وفروها. وفي هذا الإطار، صرّح عبد الرحمن الأشملي، الذي تم اختطاف أحد أقربائه على يد تنظيم القاعدة خلال سنة 2013، أن المقاتلين “أعادوا السلام ووضعوا حدا لعمليات النهب والسرقة، كما أن خدمات الطاقة والمياه كانت متوفرة طيلة الوقت”.
تبعا لما أفاد به القائد اليمني محمد القميشي، يتخذ مقاتلو تنظيم القاعدة الذين حكموا عزان من منطقة الصعيد مخبأ لهم حاليا، وهي منطقة وعرة تقع في مديريتي شبوة ومودية التابعتان لمحافظة أبين وتبعد حوالي 50 ميلا غرب عزان. كما أضاف القميشي أن “المقاتلين سحبوا كافة أسلحتهم ووثائقهم الهامة من مدينة عزان، قبل أشهر عدة، إذ يبدو أنهم كانوا يتوقعون قدومنا”.
المصدر: نيويورك تايمز