شهد إقليم كردستان العراق في 25 من سبتمبر/أيلول الحالي استفتاءً على استقلال الإقليم، حيث أيد أكثر من 92% من الأكراد المشاركين في الاستفتاء في إقليم كردستان العراق الانفصال عنه، بحسب النتائج الرسمية الأولية التي أعلنتها اللجنة العليا للاستفتاء في الإقليم.
لماذا جاء الاستفتاء في هذا التوقيت؟
تقول حكومة إقليم كردستان إن الاستفتاء يقر بالمساهمة الحاسمة التي قدمها الأكراد في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية بعد انهيار الجيش العراقي أمامه عام 2014 وبعدما بسط سيطرته على ثلث العراق، وفي نفس الوقت أشار بعض الباحثين والخبراء السياسيين أنه تم تحديد هذا الموعد عمدًا، موضحين أن هذا الاستفتاء يأتي فيما يواجه مسعود البارازني أزمات داخلية كبيرة وفي حاجة لتعزيز موقعه كزعيم قومي ومنحه الشرعية للبقاء في السلطة.
فبعد فوزه في الانتخابات غير المباشرة عام 2005، أعيد انتخابه مرة أخرى عام 2009 بنحو 70% من الأصوات في أول انتخابات عامة، ليبدأ ولاية جديدة من 4 سنوات، وبعد انقضاء المدة مدد برلمان الإقليم ولاية بارزاني لعامين، لكنه لم يغادر منصبه مع انتهاء هذين العامين عام 2015، مما أثار أزمة داخل الإقليم.
تباينت ردود فعل الدول الإقليمية والدولية بين المؤيد والرافض لعملية الاستفتاء التي جرت في إقليم كردستان العراق من أجل الانفصال، فعلى صعيد الدول الرافضة للاستفتاء جاء موقف الحكومة التركية الرافض لعملية الاستفتاء وذلك من خلال تصريحات صرح بها بعض المسؤولين الأتراك، حيث صرح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم أن استفتاء انفصال إقليم كردستان العراق مسألة تمس أمن تركيا القومي، وفيما يشبه التحذير غير المعلن بدأت القوات المسلحة التركية مناورات عسكرية على الحدود العراقية بمشاركة مئة آلية بينها دبابات.
أما على صعيد الحكومة العراقية، فترفض عملية الاستفتاء وتقول إنه لا يتوافق مع دستور البلاد المعتمد في 2005، ولا يصب في مصلحة الأكراد سياسيًا أو اقتصاديًا أو قوميًا، ومن جانب آخر أكدت الحكومة الإيرانية في أكثر من مناسبة على “العراق الموحد والمستقر والديموقراطي” الذي يضمن مصالح الشعب العراقي ومكوناته العرقية والدينية، وشددت باستمرار على أن إقليم كردستان جزء لا يتجزأ من العراق.
وعلى الصعيد الدولي أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي عن قلقهم حيال الأثر المحتمل المزعزع للاستقرار نتيجة إجراء حكومة إقليم كردستان العراق استفتاء للانفصال من جانب واحد، وأشاروا إلى أن الاستفتاء سيعقد الوضع الذي تجري فيه العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية حيث تلعب القوات الكردية دورًا مهمًا.
قرار إعلان الدولة الكردية ليس قرارًا كرديًا أو عراقيًا أو حتى عربيًا، بل قرار دولي سيخضع للعديد من الصفقات والمساومات السياسية بين عدة قوى إقليمية، كتركيا وإيران، ودولية كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، مما يمثل صعوبة على مسعود بارزاني.
وأكدت الولايات المتحدة رفضها الشديد للاستفتاء، وقالت وزارة خارجيتها إن واشنطن تحث الزعماء الأكراد العراقيين على الدخول في مفاوضات مع الحكومة العراقية بدلًا من ذلك، ربما لا تعارض الإدارة الأمريكية انفصال إقليم كردستان العراق من حيث المبدأ، إنما اعتراضها يأتي من حيث التوقيت، لكونها وضعت استراتيجية تركز فيها على الحرب ضد تنظيم الدولة “داعش”، وترى أن الاستفتاء على الانفصال ربما يضعف مساهمة القوات الكردية فيها، ويدخل العراقيون في صراعات وربما حروب جانبية، ولكن من جهة أخرى نرى أن هناك دول تدعم عملية الانفصال بشكل واضح، حيث أعلنت الحكومة الإسرائيلية دعمها الكامل لعملية الاستفتاء في إقليم كردستان العراق.
من خلال وسائل الضغط التي تمارسها دول إقليمية ودولية وكذلك الحكومة العراقية يمكن وضع سيناريوهات مستقبلية للأزمة:
أولًا.. المرواغة: هي محاولة مسعود البارازني المماطلة في التراجع عن نتائج الاستفتاء والتمسك به، مع التحفظ على عدم إثارة الدول الرافضة للانفصال وعلى وجه التحديد الحكومة العراقية والتركية.
في ضوء ما نراه من مواقف رافضة ومؤيدة لعملية الانفصال، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو تحقيق التوافق بين الحكومات الرافضة لعملية الانفصال والحكومة المركزية في إقليم كردستان العراق بوساطة دولية
ثانيًا.. إعلان الدولة الكردية وعدم الاعتراف بها دوليًا: سيحدث في حال تم الموافقة على الاستمرار في الانفصال، في هذه الحالة سيلجأ مسعود البارازني إلى المؤسسات الدولية للاعتراف بها كدولة كردية، ولكن ترفض هذه المؤسسات بتحريض من الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، حيث ربما ترى هذه الدول أن الوقت غير مناسب الآن لإعلان الدولة الكردية، وبالتالي فإن قرار إعلان الدولة الكردية ليس قرارًا كرديًا أو عراقيًا أو حتى عربيًا، بل قرار دولي سيخضع للعديد من الصفقات والمساومات السياسية بين عدة قوى إقليمية، كتركيا وإيران، ودولية، كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، مما يمثل صعوبة على مسعود بارزاني.
ثالثًا.. تحقيق التوافق بين الحكومات الرافضة لعملية الانفصال والحكومة المركزية في إقليم كردستان العراق بوساطة دولية يتم من خلالها تسوية الملفات العالقة بين الحكومات الرافضة وحكومة إقليم كردستان، من خلالها يتم منح حكومة إقليم كردستان العراق بعض الامتيازات السياسية والاقتصادية وإشراكها في العملية السياسية بشكل أكثر فاعلية مع الحكومة العراقية.
وفي ضوء ما نراه من مواقف رافضة ومؤيدة لعملية الانفصال، فإن السينايو الأكثر ترجيحًا هو تحقيق التوافق بين الحكومات الرافضة لعملية الانفصال والحكومة المركزية في إقليم كردستان العراق بوساطة دولية، يتم من خلالها على الأرجح استخدام مسعود البارازني عملية الانفصال كورقة تفاوضية للحصول على أثمان كبيرة من الحكومة المركزية في بغداد، سواء كانت سياسية، متعلقة بتسوية وضع المناطق المتنازع عليها، أم اقتصادية، وذلك من أجل تبرير تراجعه عن موقفه أمام الناخب الكردي الذي دخل أجواء وعود الاستقلال بحماسة كبيرة.
علمًا أن إقليم كردستان يعاني من أزمة ديون عجز من خلالها عن دفع راوتب الموظفين، وفي نفس السياق يتم إعطاء الإقليم فرصة من أجل مراجعة مطالبة السياسية والاقتصادية، بدعم دولي يكفل له المزيد من الحرية في عقد الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية مع العديد من الدول، ويمنحة فرصة أكثر استقلالية في إدارة الإقليم.