كيف يساعدك علم نفس الطفل في تربية أبنائك؟

child-psy

يُعتبر مصطلح “علم نفس الطفل” أو سايكولوجية الأطفال مفهومًا حديثًا تمامًا، فلطالما تم النظر للأطفال على أنهم نُسخ صغيرة من البالغين، تتم معاملتهم تمامًا كما لو أنهم كبار، خاصة فيما يتعلق بموضوع الأمراض الجسدية والعقلية والنفسية. ومع تطور علم النفس بات العلماء ينظرون للطفولة على أنها مرحلة حرجة جدًا من حياة الفرد، فالأحداث التي تحدث في طفولته، حتى الضئيلة منها والتي نعتقد أنها عديمة الأهمية، يمكن أن يكون لها تأثير صريح ومباشر عليه في مراحله العمرية اللاحقة.

وبالتالي فإن علم نفس الطفل يركز على العمليات النفسية للأطفال، منذ الولادة وحتى مرحلة البلوغ والمراهقة، وتشمل نطاق دراسته كلًا من المهارات الحركية، والنمو المعرفي، والمهارات اللغوية، والنمو العاطفي، والتأثيرات الاجتماعية، وما إلى ذلك.

يلعب الوالدان دورًا رئيسيا في النمو النفسي والعقلي والعاطفي للطفل، وتشكل الأسرة المفتاح الأساسي لذلك، وبالتالي فإن بعض التفسيرات الخاطئة فيما يتعلق بالطفل، كقدراته ومهاراته ومشاعره وطريقة تفكيره، يمكن أنْ تؤدي إلى قرارات خاطئة في أسلوب التربية والتنشئة، مما قد يترك أثرًا عميقًا، وإن كان غير واضح وصريح، في المستقبل.

يركز علم نفس الطفل على العديد من الجوانب المختلفة، مثل النمو والتطور والسلوكيات والعواطف والتنشئة الاجتماعية وغيرها، ومعرفة الوالديْن بكل تلك التفاصيل والتطورات يساعد كثيرًا في تربيتهم لأطفاهم ومعرفة كيفية التعامل معهم.

تعد السلوكيات والتصرفات التي يقوم بها الطفل جزءًا طبيعيًا من عملية نموه، وتختلف من طفلٍ لآخر ومن مرحلةٍ لأخرى، فجميع الأطفال يمكن أن يكونوا مطيعين في مرحلةٍ ما ومتمردين في أخرى.

  • النمو والتطور

غالبًا ما ينقسم هذا الجانب إلى ثلاثة مجالات واسعة، النمو الجسدي والنمو المعرفي والنمو الاجتماعي -العاطفي، عادةً ما يحدث النمو الجسدي أو الفيزيائي في تسلسل مستقر يمكن التنبؤ به، ويشير للتغيرات الجسدية التي تحدث للطفل، مثل اكتساب حركة معينة كالزحف أو المشي أو صعود الدرج على سبيل المثال.

يشير التطور المعرفي أو الفكري إلى قدرة الأطفال على اكتساب المعرفة التي تشمل اللغة والتفكير والاستنتاج والخيال، ونظرًا لأن النمو الاجتماعي والعاطفي مترابطان، فعادةً ما يُشار إليهما معًا، وتنطوي على المشاعر والعواطف والتعبير عنها من جهة، وقدرة الطفل على الارتباط بالآخرين وتكوين العلاقات معهم من جهة أخرى.

وفي حين أن التقسيمات الثلاث السابقة وُضعت لتسهيل دراستها وفهمها، إلا أنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا لا ينفصل، فعلى سبيل المثال تتطلب القدرة على الكتابة كلًا من المهارات الجسدية اللازمة والمهارات اللغوية المعرفية الضرورية لذلك.

  • السلوكيات

يركز علم نفس الطفل على دراسة سلوكيات الطفل، الإيجابية أو السلبية مثل اضطرابات الحركة أو الانتباه أو المزاج، والنظر في الجذور الممكنة لها، وربطها ببعض المجالات الأخرى مثل علم الوراثة وعلم الأعصاب والنظام الغذائي والقلق والإجهاد وغيرها، ومن ثم البحث عن علاجها وفقًا لذلك.

إدراة العواطف عند الأطفال أصعب بكثير من البالغين، نظرًا لمزاجهم العاطفي وقصور المنطق عندهم، ولذلك يكون إحساسهم بمشاعرهم وعواطفهم بشكلٍ مكثف ودقيق، وبالتالي يميلون للغضب والصراخ والبكاء بسرعة

  • العواطف

ينطوي النمو العاطفي على تعلم ما المشاعر والعواطف، وفهم كيف ولماذا تحدث، وما تبعاتها، وكيف يمكن التحكم بها وإدارتها، وكل هذه العمليات المعقدة تبدأ من سن مبكرة في الطفولة وتستمر طيلة حياة الفرد.

تشمل العواطف الأولى التي يمكن التعرف عليها في الأطفال الفرح والغضب والحزن والخوف، أما في وقت لاحق، فيبدأ الطفل في تطوير الشعور بالذات، وما يرتبط به من عواطف أكثر تعقيدًا مثل الخجل والمفاجأة والحرج والعار والذنب والفخر والتعاطف وغيرها الكثير، كما تتغير الأشياء التي تثير ردود فعله العاطفية، وكذلك استراتيجياته المستخدمة لإدارتها.

تُعدَ إدراة العواطف عند الأطفال أصعب بكثير من البالغين، نظرًا لمزاجهم العاطفي وقصور المنطق عندهم، ولذلك يكون إحساسهم بمشاعرهم وعواطفهم بشكلٍ مكثف ودقيق، وبالتالي يميلون للغضب والصراخ والبكاء بسرعة في حال لم يحصلوا على ما لا يريدون على سبيل المثال.

يحاول علم نفس الطفل فهم الطريقة التي يتعامل بها الأطفال مع المشاعر والعواطف، وتحديد أسبابها والعمل على إدراتها أو تنظيمها، الأمر الذي يمكن الوالدين في حال كانوا على اطلاع ومعرفة بهذ المجال، من التعامل مع طفلهم ومشاعره وعواطفه بشكلٍ أكثر سلاسة وسهولة.

  • التنشئة الاجتماعية

تركز التنشئة الاجتماعية على اكتساب القيم والمعرفة والمهارات التي تمكن الأطفال من التواصل مع الآخرين بفعالية والمساهمة بطرق إيجابية في الأسرة والمدرسة والمجتمع المحيط به، وعلى الرغم من أن العملية تبدأ بعد فترة وجيزة من الولادة وتستمر حتى سن البلوغ، إلا أن مرحلة الطفولة المبكرة تُعد فترة حاسمة للتنشئة الاجتماعية لدى الفرد.

علاقة الطفل مع والديه لها تأثير كبير على تنشئته الاجتماعية لاحقًا، إذ إن عواطف الحب والمودة التي يتلقاها الطفل من والديه وأسرته مبكرًا تلعب دورًا كبيرًا في صقل شخصيته الاجتماعية وكيفية اندماجه مع الآخرين لاحقًا وتكوين الصداقات والعلاقات لاحقًا، والكثير من السلوكيات العدوانية أو المرتبطة بالعنف عند الأطفال أو المراهقين يرجع سببها لخللٍ في علاقاتهم بوالديْهم.

تذكر أنك لستَ بصدد إعطاء حكم أو إصدار رأي عن طفلك، أنتَ فقط تراقب لتكون على علمٍ به وبما يحدث معه.

وإلى جانب معرفة الكثير عن علم نفس الطفل التي يجب على الوالدين الإحاطة بها للوصول إلى تربية سليمة وصحية لأطفالهم، فثمة بعض الأساليب أو الأعمال الصغيرة التي قد يغفل عنها الوالدان، غير أن لها من الأهمية الكثير لنفسية الطفل ونموه:

المراقبة هي المفتاح

تُعد مراقبة الطفل وملاحظته واحدة من أبسط الطرق لفهم سيكولوجية الطفل وأكثرها فعالية، فمن خلال مراقبة أفعالهم وسلوكياتهم وانفعالاتهم وردات فعلهم تجاه الأشياء وأوقات نومهم وأساليب لعبهم وغيرها الكثير، يستطيع الوالدان فهم شخصية الطفل واحتياجاته وقدراته المتميزة والفريدة عن أي طفلٍ آخر، ولذلك على كل والدٍ أن يعي أن مقارنة طفله بغيره من الأطفال لن تساعده أبدًا في تربيته، وإنما قد تضع الطفل في حالةٍ من القلق الإجهاد فوق طاقته.

اسأل نفسك بعض الأسئلة في أثناء مراقبتك لطفلك، ماذا يحب أن يفعل؟ كيف يتفاعل حين يكون عليه أن يفعل أمرًا لا يحبه، كأنْ يذهب للنوم مبكرًا أو يشرب الحليب مثلًا؟ هل هو اجتماعي وعلى استعداد للمشاركة مع الآخرين أم لا؟ كم من الوقت يأخذ معه للتعرف على محيطه والانسجام معه؟ هل هو قادر على التكيف مع البيئة المحيطة به؟

وفي أثناء إجابتك على تلك الأسئلة، تذكر أنك لستَ بصدد إعطاء حكم أو إصدار رأي عن طفلك، أنتَ فقط تراقب لتكون على علمٍ به وبما يحدث معه.

معظم مخاوفنا من التعبير عن الذات ونقل أفكارنا ومشاعرنا وعواطفنا بصورة صادقة وصريحة دون خوف أو تردد قد يكون سببها عجزنا عن قيامنا بذلك أثناء طفولتنا، أو أننا لم نجد الشخص الذي نثق به

اقضِ وقتًا جيدًا مع طفلك

الكثير من الآباء اليوم مشغولون ما بين طاحونة العمل وواجبات الأسرة والبيت، وبالتالي قد لا يولون الأهمية الكبيرة لرعاية الطفل النفسية كما يولونها لتوفير ما يحتاجه من ماديات واحتياجات، والوقت الذي قد تقضيه مع طفلك على مائدة العشاء أو في أثناء اصطحابك له للمدرسة ليس كافيًا أبدًا، لكي تفهم طفلك يجب أن تخصص وقتًا كافيًا للحديث واللعب معه ومشاركته فعالياته وعالمه الصغير.

فمن خلال محادثة مع طفلك قد تعرف الكثير عما يحدث معه في الخارج، سواء مع أصدقائه أو في المدرسة، قد تعرف هواياته واهتماماته، وقد تستطيع فهم نقاط ضعفه ومخاوفه، فالكثير منا يكتشف أنه عاجزٌ عن التعبير عن نفسه أو عكس ما يجول في عقله ولاوعيه عندما يكبر، فقط لأنه لم تتح له تلك الفرصة حين كان صغيرًا.

معظم مخاوفنا من التعبير عن الذات ونقل أفكارنا ومشاعرنا وعواطفنا بصورة صادقة وصريحة دون خوف أو تردد قد يكون سببها عجزنا عن قيامنا بذلك في أثناء طفولتنا، أو أننا لم نجد الشخص الذي نثق به – ومن المفترض أن يكون الوالدان في الطفولة – لننقل له كل ذلك، فبتنا خائفين من أن نُفهم خطًا أو لا نجد من يفهمنا بالأصل في حال جربنا أن نتحدث بها مع أحد لاحقًا.

خصص وقتًا كاملًا لطفلك، للاستماع إليه ومحادثته وسماع قصصه وحكاياته، ولا تجعل من هذه الفعالية جزءًا من فعالية أخرى كتحضير طعام العشاء أو مشاهدة برنامج تليفزيوني ما، الأمر الذي يجعلك تستوعب أفكاره بشكلٍ شبه كامل دون أنْ تضيع بعض التفاصيل.

افهم كيفية عمل دماغ الطفل

قد يعرف الآباء الكثير عن علم وظائف الأعضاء بشكلٍ عام، لكنهم لا يولون اهتمامًا كافيًا بكيفية عمل دماغ أطفالهم، والذي بدوره يمكن أن يساعد معرفة قدرات الطفل اللغوية والمعرفية والإدراكية والاجتماعية، وكيفية اتخاذ القرارات وحل المشكلات، وعلاقة الدماغ بالمشاعر والعواطف والأحاسيس.

تلعب التجارب التي يخوضها الطفل في سنين حياته الأولى دورًا كبيرًا في تشكيل دماغه، ومعرفة ذلك قد تشكل فارقًا قويًا عند الأبوين في تربيتهم للطفل، ففهم وظائف الدماغ وكيفية عملها تساعد بشكلٍ كبير في وضع صورةٍ أساسية لنفسية الطفل وكل ما يتعلق بها، قد تستطيع ذلك من خلال قراءة الكتب المتعلقة بذلك، أو مشاهدة البرامج والوثائقيات التي ركزت على هذا الجانب.