ترجمة وتحرير – نون بوست
مع استعادة القوات المؤيدة للنظام السيطرة على أجزاء مهمة من سوريا، بدأ المخططون الإسرائيليون في التركيز من جديد على احتمال اندلاع حرب أخرى مع حزب الله، الجماعة العسكرية الشيعية والحليف الأساسي للرئيس السوري بشار الأسد. وقد أعقبت الحرب الأخيرة بين حزب الله و”إسرائيل”، سنة 2006، فترة هدوء دامت أكثر من عقد من الزمن وشملت الحدود الشمالية لـ”إسرائيل”.
لكن منذ ذلك الحين، وعلى مدى تلك الفترة، قام حزب الله بتدعيم ترسانته فضلا عن تحسين مكانته السياسية في لبنان. وفي الواقع، من الممكن أن تندلع حرب أخرى بين كل من حزب الله و”إسرائيل” وذلك لعدة أسباب على غرار ما قد ينتج من تصعيد غير مقصود ناجم عن سوء فهم سواء من جانب “إسرائيل” أو حزب الله. وقد تشتعل فتيل الحرب إما جراء مبادرة أحد الطرفين إلى استغلال لحظة ضعف لدى خصمه للقيام بهجوم أو من خلال قيام أحد الطرفين بسلوك قد يعتبر الطرف المقابل أنه تخطى الخطوط الحمراء.
تفضل موسكو أن يكون وجود كل من إيران وحزب الله معتدلا، فلا يكون قويا جدا أو ضعيفا جدا
على ضوء هذه المعطيات، لا يشكك المخططون الإسرائيليون في احتمال نشوب حرب مع حزب الله، لكنهم يتساءلون حول كيفية استجابة روسيا، وهي الشريك العسكري لإيران وحزب الله في سوريا، لصراع مماثل. وعلى الرغم من أن “إسرائيل” كثفت مؤخرا هجماتها ضد حزب الله في لبنان وسوريا، إلا أنها تمكنت إلى حد الآن من الحفاظ على تسوية مؤقتة دقيقة مع الكرملين، وذلك من خلال المناشدات الشخصية التي قام بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
في المقابل، قد لا يصمد هذا الأسلوب أمام الحرب القادمة. ففي حال تعارضت المواجهة بين “إسرائيل” وحزب الله مع المصالح الروسية، ستتخذ موسكو وضعا ملائما لتقييد حرية التحرك لكلا الطرفين والمساعدة على تسوية النزاع. ومن المحتمل أن يستغل الكرملين مثل هذه الحرب لتعزيز مكانته وتأثيره على نطاق أوسع في الشرق الأوسط.
ومع استقرار الوضع في سوريا، احتدمت المنافسة بين روسيا وإيران في المنطقة. ومن جهته، يسعى الكرملين إلى الحفاظ على مكتسباته في إطار أي تسوية سياسية مستقبلية، حتى وإن تضمنت استبدال بشار الأسد بصفته الرئيس السوري أو جعل سوريا دولة اتحادية. من جهة أخرى، تسعى إيران كذلك إلى تعزيز قوتها في بلاد الشام وفقا لشروطها الخاصة.
علاوة على ذلك، يسعى كلا الطرفين إلى إنشاء موطئ قدم عسكري في سوريا إلى جانب تأثير جيوسياسي في المنطقة، غير أنه لا يمكن للمساحات التي قام الأسد باستعادتها أن تسع كليهما خاصة وأن طموحات إيران أصبحت تشكل معضلة بالنسبة لروسيا.
في هذا الشأن، يود الكرملين الحد من طموح إيران الرامي للهيمنة الإقليمية دون الإضرار بعلاقته مع هذه الدولة التي لا تزال أكبر حليف له في المنطقة. وفي هذا السياق، تفضل موسكو أن يكون وجود كل من إيران وحزب الله معتدلا، فلا يكون قويا جدا أو ضعيفا جدا.
من جانب آخر، قد يساهم عزم “إسرائيل” على استخدام القوة في مساعدة روسيا على تحقيق هذا الهدف. ففي صورة اندلاع صراع بين “إسرائيل” وحزب الله، من المرجح أن تبقى موسكو مكتوفة الأيدي أمام استنزاف قوة حزب الله وإيران من أجل إضعاف مكانتيْهما الإقليمية.
في المقابل، ستسعى موسكو إلى منع نصر محقق ل”إسرائيل”، ذلك أنها لا تزال في حاجة إلى حزب الله بصفته طرفا فاعلا إستراتيجيا في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذا الأمر أن يبين ل”إسرائيل” حدود قوة روسيا. ومن خلال تسوية النزاع واستعادة وضع ما قبل الحرب، يمكن لروسيا أن تثبت أنها تعادل أو تتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية كقوة في الشرق الأوسط. بالتالي، ستتجسد النتيجة المثلى بالنسبة للكرملين في حرب قصيرة مقتصرة على لبنان. ومن ثم، تتلاشى هذه الحرب وتسمح لكل من “إسرائيل” وحزب الله بإعلان النصر بعد اللجوء إلى موسكو للتوسط بينهما وإنهاء القتال.
من شأن الإبقاء على استقرار هش في لبنان أن يزيد من اعتماد جميع الأطراف على روسيا، ويجعل الاستغناء عنها أمرا غير وارد. وبالتالي، قد يخلق الصراع بين حزب الله و”إسرائيل” فرصة لروسيا
أما النتيجة الأسوأ في هذا الصدد، فتتمثل في تفكك لبنان وانتشار القتال في مرتفعات الجولان السورية. ومن شأن هذا الأمر أن يعرض إنجازات موسكو في تهدئة الأوضاع في سوريا وزعزعة استقرار المنطقة. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن تفكك لبنان يعتبر تطورا قد يحول البلاد إلى بؤرة شر من الجهاديين على غرار ما حدث في العراق بعد سقوط صدام.
في السياق نفسه، يعتبر النصر الكامل لحزب الله أو إبادته بشكل فعلي على حد السواء أمرا غير مرغوب فيه بالنسبة إلى موسكو. فمن شأن الخيار الأول أن يكسب الجماعة جرأة تصل إلى حد تجاهل روسيا، في حين أن إبادتها سيجعل روسيا تبدو بمثابة حليف لا يمكن الاعتماد عليه.
وتحت أي ظرف، قد تحاول موسكو “تجميد” الصراع، وهو إجراء سبق لها أن اعتمدته في مناطق ما بعد الإتحاد السوفيتي على غرار أبخازيا، ودونباس، وناغورني قره باغ، وأوسيتيا، و ترانسنيستريا. ويتطلب هذا الأمر الإبقاء على تأجج التوتر بين الطرفين بما يكفي للحفاظ على فرص وساطة موسكو وتدخلها، ولكن ليس بالقدر الذي يقود إلى حرب طويلة المدى.
من جهة أخرى، من شأن الإبقاء على استقرار هش في لبنان أن يزيد من اعتماد جميع الأطراف على روسيا، ويجعل الاستغناء عنها أمرا غير وارد. وبالتالي، قد يخلق الصراع بين حزب الله و”إسرائيل” فرصة لروسيا، طالما أنه بإمكانها أن تحول دون التصعيدات المعاكسة.
لحظات من الخطر الأقصى
ستتميز الحرب القادمة بين “إسرائيل” وحزب الله بنظريات جديدة للنصر التي تبناها الطرفان منذ الصراع الأخير. فمن غير المحتمل أن يقيد حزب الله نفسه باستخدام القذائف الصاروخية ضد المدنيين الإسرائيليين، مثلما فعل في السابق. ومن جانبه، سيسعى حزب الله أيضا إلى تدمير آلة الحرب الإسرائيلية.
يساهم دفع حزب الله إلى حافة الهاوية في إضعاف إيران، الراعي لحزب الله والحليف الإقليمي الرئيسي لروسيا. وبالتالي، قد تسلط موسكو ضغوطا على “إسرائيل” لتحجم عن فعل ذلك
من جانب آخر، قد تسمح التحسينات على مستوى دقة ومجال صواريخ حزب الله وتزايد أعدادها لحزب الله من الهجوم على أهداف ذات أهمية من الناحية العملية على غرار القواعد الجوية الإسرائيلية ومنشآت جمع المعلومات الإستخباراتية أو حتى تجمعات القوات. كما يتوقع المخططون الإسرائيليون تنفيذ عدد صغير من قوات النخبة في حزب الله لمناورات متطورة داخل الأراضي الإسرائيلية وربما إحكام قبضتها على بعض المستوطنات الحدودية.
من جهتها، من المستبعد أن تقود “إسرائيل” ما يسمى “بعملية ردع” أخرى. وتمثل هذه العملية خيار “إسرائيل” الاعتيادي خلال الصراعات التي جدّت في العقد الماضي، والتي سعت في معظمها إلى إحداث ضرر محدود لأعدائها بهدف إحباط الجولات المستقبلية من الصراع. وبدلا من ذلك، بإمكان “إسرائيل” السعي وراء ما يسميه المخططون الإسرائيليون “بقرار ساحة المعركة”، أو النصر غير قابل للنقاش على الميدان مصحوبا بصور الانتصار. وعموما، لن تسعى “إسرائيل” إلى تدمير حزب الله، لكنها قد تقترب من تحقيق هذا الهدف.
والجدير بالذكر أن صراعا، تصوغه هذه المبادئ الجديدة، من شأنه أن يشكل خطرا على المصالح الروسية. ويجسد قيام “إسرائيل” بإلحاق الدمار بحزب الله أكثر مما يحتاجه الكرملين ومن ثم المضي في تحقيق نصر حاسم ضد هذه الجماعة أكثر السيناريوهات المروعة بالنسبة إلى روسيا.
في شأن ذي صلة، يساهم دفع حزب الله إلى حافة الهاوية في إضعاف إيران، الراعي لحزب الله والحليف الإقليمي الرئيسي لروسيا. وبالتالي، قد تسلط موسكو ضغوطا على “إسرائيل” لتحجم عن فعل ذلك. وفي المقابل، قد يكون الإقبال المحتمل لحزب الله على التصعيد تقريبا بنفس القدر من الإزعاج بالنسبة لموسكو. وقد يحرض هذه الإقبال “إسرائيل” على الانتقام في سوريا وإيران، ما من شأنه أن يؤجج التوتر في الشرق الأوسط دون أن تستفيد موسكو.
على العموم، سيعتمد المدى الذي ستسعى من خلاله روسيا إلى كبح جماح “إسرائيل” وحزب الله على الأوضاع في الحرب السورية. فكلما احتاجت موسكو من حزب الله أن يقاتل ما تبقى من القوات المناهضة لنظام الأسد، كلما مثل ذلك حماية لهذه الجماعة من الهجمات ال”إسرائيل”ية. وكلما كان النظام الموالي للكرملين في سوريا أكثر أمانا ومكانة موسكو أكثر استقرارا هناك، كلما اتسع المجال ل”إسرائيل” للقيام بمناورات.
من التصعيد إلى خفض التصعيد
في حال لم تستطع موسكو التوصل إلى وضع حد سياسي للنزاع عن طريق لعب دور الوسيط، قد تحاول الكريملن إجبار الطرفين على حد السواء على إنهاء القتال بنفسيهما. وقد تعمد موسكو إلى القيام بعمليات سيبرانية ضد أهداف مدنية في “إسرائيل” على غرار الموانئ والمنشآت النفطية، رغبة منها في تحقيق أكثر المكاسب. وقد تبدو هذه الاعتداءات خطوات أقل تصعيدا وأسهل للقيام بها أكثر من الهجمات على البنية التحتية العسكرية. كما يمكن لروسيا أن تنسب هذه الهجمات إلى إيران أو حزب الله للاستفادة من سياسة الإنكار وتجنب المواجهة المباشرة مع “إسرائيل”.
يمكن لموسكو أن تقوم بأعمال تخريبية إلكترونية تطال دقة الهجمات الإسرائيلية أو التشويش عليها أو إسقاط طائرات إسرائيلية من دون طيار
ومن ثم، يمكن لموسكو أن تشير إلى أنه ما لم تتراجع “إسرائيل” عن مهاجمة حزب الله، فإنه بمقدورها أن تضغط “زرا أحمر” آخر، أي أن تستغل ثغرات رقمية مزروعة مسبقا في المنشآت الإسرائيلية للاستفادة منها وقت الحاجة. وأخيرا، يمكن لروسيا أن تنشر معلومات مغلوطة أو عرض أسرار حقيقة تفضي إلى فضيحة عامة من أجل تقويض تماسك الإسرائيليين.
في الأثناء، على أرض المعركة، قد تحاول روسيا جعل المخططين الإسرائيليين يعتقدون أن الأفراد الروس متمركزون بالقرب من حزب الله لدرجة أن هجوما على واحد منهم قد يعرّض كلا الطرفين للخطر. وإذا ما فشل هذا الأمر، قد تهدد موسكو بإنشاء مناطق عازلة لمنع القوات الإسرائيلية من مهاجمة أهداف تابعة إلى حزب الله في كل من سوريا ولبنان.
في إطار المستوى الأخير من التصعيد، يمكن لموسكو أن تقوم بأعمال تخريبية إلكترونية تطال دقة الهجمات ال”إسرائيل”ية أو التشويش عليها أو إسقاط طائرات إسرائيلية من دون طيار. وفي حال لم تقم “إسرائيل” بالرد على ذلك، يمكن أن تلجأ موسكو إلى القيام بعمليات تخريبية سيبرانية ضد القبة الحديدية الإسرائيلبة واختراق نظام الإنذار الجوي ونظام الإنذار المبكر لمواقع التواصل الاجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوات تصحبها حملة معلومات حول ضعف نظام الدفاع المدني وذلك بهدف بث الذعر في صفوف العامة في “إسرائيل”.
لكن من المرجح أن تكون روسيا براغماتية، إذ أنها ستسعى إلى الضغط مباشرة على حزب الله، ليس فقط عن طريق إيران وسوريا. وبعد سنتين من القتال جنبا إلى جنب مع حزب في سوريا، تعتبر روسيا على دراية كبيرة بقيادته ونظم السيطرة والاتصالات والتكنولوجيا التي تدعمه.
بالتالي، يمكن أن تسعى روسيا إلى تقويض هذه الأنظمة إلكترونيا إذا ما تمادى حزب الله في شن الهجمات الصاروخية إلى حد أبعد مما يجب. وفي هذا الإطار، يمكن لموسكو أن تخفي آثار تحركاتها السيبريانية لتغطي على مسؤوليتها. وفي الوقت ذاته، يمكن أن تسعى روسيا لإقناع حزب الله مباشرة، على افتراض أن المنظمة التي أنهكتها الحرب في سوريا ستستجيب لمطالبها.
“عناق الدب”
ستشارك روسيا بشكل أكبر في الحرب العربية ال”إسرائيل”ية القادمة أكثر من أي وقت مضى. ولا تزال “إسرائيل” مدفوعة بغريزتها للتوجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأزمات، غير أن الخلل الذي تتصف به الإدارة الأمريكي الحالية والعلاقات الإقليمية الروسية قد تجعل من موسكو، التي أقامت معها “إسرائيل” تبادلات عسكرية وسياسية، طرفا مناسبا أكثر بالنسبة “إسرائيل”.
من ناحية أخرى، إذا ما كانت “إسرائيل” ستلجأ إلى روسيا لمساعدتها على مواجهة الأعمال العدائية، فإن ذلك سيعد حدثا الأول من نوعه منذ سنة 1967. وتجدر الإشارة إلى أن “إسرائيل” تحولت إلى الإتحاد السوفييتي سنة 1967، عندما كان قوة عظمى، في محاولة لمنع حرب الأيام الستة.
بالتالي، من المرجح أن يعني هذا النداء أن بوتين، بعد بضع سنوات من تدخل روسيا في سوريا، قد تمكن من استعادة مكانة موسكو في الشرق الأوسط التي فقدتها منذ خمسة عقود. وفي حال اندلعت الحرب بين “إسرائيل” وحزب الله، قد تثبت روسيا أنها الطرف الفائز.
المصدر: صحيفة فورين أفيرز