قضت محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ المصرية، الإثنين 4 مارس/آذار 2024، بإعدام 8 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، على رأسهم مرشد الجماعة محمد بديع (80 عامًا)، والقائم بأعمال المرشد محمود عزت (79 عامًا)، بجانب محمد البلتاجى وعمرو محمد زكى وأسامة ياسين وصفوت حجازى وعاصم عبد الماجد ومحمد عبد المقصود، على خلفية القضية المعروفة إعلاميًا بـ“أحداث المنصة“.
كما صدرت أحكام بالسجن المؤبد ضد 37 آخرين، و6 أحكام بالسجن المشدد لمدة 15 عامًا، و7 أحكام بالسجن المشدد لمدة 10 أعوام والبراءة لـ21 متهمًا في القضية التي تعود وقائعها لعام 2013 بعد أيام من عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، التي حولتها نيابة أمن الدولة العليا إلى محكمة جنايات أمن الدولة في أبريل/نيسان 2021.
وبحسب أوراق القضية فإن الاتهامات الموجهة للقادة الـ8 التي بسببها صدرت بحقهم أحكام الإعدام تتعلق بتدبيرهم تجمهرًا منبثقًا عن اعتصام رابعة العدوية في أغسطس/آب 2013 بشارع النصر شرق القاهرة “بغرض مد مساحة الاعتصام، وشل حركة المدينة بالكامل، لمنع قوات الأمن من فض الاعتصام مستقبلًا”.
"طلعونا نحرر فلسطين"..
نشطاء يعيدون تداول فيديو لمحاكمة مرشد الإخوان محمد بديع بعد الحكم عليه بالإعدام رفقة 7 آخرين pic.twitter.com/P2JFo31sbl
— شبكة رصد (@RassdNewsN) March 5, 2024
ليست تلك الأحكام هي الوحيدة الصادرة بحق المتهمين، فهذا الحكم هو ثالث حكم بالإعدام يصدره القضاء المصري ضد مرشد الجماعة محمد بديع، فضلًا عن العديد من الأحكام المؤبد والمشددة الصادرة بحق معظم قادة الجماعة في قضايا كانت مثار جدل لدى الكثير من الحقوقيين في الداخل والخارج.
ورغم أن تلك الأحكام ليست مفاجئة، كونها ليست الأولى في ظل موجات الأحكام المستمرة منذ عام 2013، فإنها أثارت الكثير من التساؤلات عن توقيتها وسياقها العام، فهي تأتي بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقاهرة، وإتمام صفقة رأس الحكمة مع دولة الإمارات.. فهل ثمة علاقة تربط بين الحكم وهذين الحدثين؟
زيارة أردوغان وحديث المصالحة
مع زيارة أردوغان للقاهرة في 14 فبراير/شباط الماضي، وهي الزيارة الأولى له للعاصمة المصرية منذ 11 عامًا، خرجت بعض الأصوات التي تتساءل عن احتمالية أن يكون لتلك الزيارة وما يستتبعها من زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنقرة، تداعيات على مستقبل الإخوان المسلمين وعلاقتهم مع النظام المصري.
البعض ذهب إلى أن التقارب المصري التركي ربما يكون بداية نحو حلحلة الأزمة بين الجماعة والسلطات الحاكمة في الدولة المصرية وتخفيف حدة العداء بين الطرفين والممتد منذ انقلاب السيسي على مرسي في 2013، وأن تقود أنقرة الوساطة لإبرام مصالحة محتملة في مقابل تقديم الجماعة لحزمة من التنازلات.
فريق آخر استبعد هذا الأمر، معتبرًا أن استهداف الإخوان هو الورقة الأكثر ربحية لدى نظام السيسي للحفاظ على ظهيره الشعبي، فهي الورقة التي تضمن له ولاء الأقباط والليبراليين والمنتفعين، فضلًا عن ضمان ولاء أفراد المؤسسات العسكرية والشرطية، هذا بخلاف أنها السبب الرئيسي وراء غض الطرف أحيانًا عن الفشل الاقتصادي والسياسي داخليًا وخارجيًا، إذ يحاول البعض تصدير أن انتصار السيسي على الإخوان إنجاز يغطي على أي تقصير في أي من الملفات الأخرى.
ورغم أن الغالبية العظمى من أعضاء الجماعة غابوا عن المشهد السياسي بصورة كاملة، بعضهم زُج به في السجون، والآخر التزم الصمت خوفًا على حياته وحياة أولاده، ومن استطاع الفرار خارج البلاد فعل، وعلى مدار السنوات الماضية لم يُسمع عن نشاط ما للجماعة داخل مصر على الإطلاق، ومع ذلك فإن الملاحقات الأمنية والقضائية لهم لم تتوقف.
ويرى أنصار هذا الفريق أن تخلي السيسي عن تلك الورقة سيضعه في مواجهة عنيفة مع حلفاء الداخل، بجانب أن ذلك سيفتح الباب على مصراعيه أمام محاسبته على سنوات حكمه، التي وصفها البعض بـ”العشرية السوداء” لما شهدته مصر خلالها من تدني على المسارات كافة، وما عانته الدولة المصرية على يديه من تقزيم لدورها الإقليمي لصالح قوى أخرى ناشئة.
ماذا عن صفقة رأس الحكمة؟
على الجانب الآخر، فإن استمرار الخصومة مع الجماعة واستهداف قادتها وأعضائها وشيطنتها في الداخل والخارج يتماشى شكلًا ومضمونًا مع أجندة حلفائه الإماراتيين والسعوديين الذين يناصبون الإخوان – وكل ما له علاقة بالإسلام السياسي – العداء كذلك، وعليه فإنه من الصعب المجازفة والتضحية بعلاقة النظام المصري بحليفيه في الرياض وأبو ظبي لأجل عيون الجماعة التي فقدت الكثير من قدراتها وإمكانياتها.
ومن هذا المنطلق فهناك من يربط بين سرعة إبرام صفقة رأس الحكمة البالغ قيمتها 35 مليار دولار كونها الصفقة الأكبر في التاريخ المصري، وما يتوقع أن يليها من صفقات على ذات الشاكلة، رأس جميلة وغيرها، التي تدخل فيها كل من السعودية والإمارات بثقلها الكبير لإنقاذ الاقتصاد المصري والحفاظ على استقرار نظام السيسي من أي هزات محتملة جراء الوضع الاقتصادي المتدني الذي وصلت إليه البلد بسبب سياساته خلال السنوات الـ10 الأخيرة التي ثبت فشلها بكل المقاييس، وبين مسألة التقارب مع الإخوان.
#ابراهيم_عيسى : مشروع رأس الحكمة صفقة تاريخية وانقاذ للاقتصاد المصري#حديث_القاهرة#القاهرة_والناس#عودة_الوعي@Ibrahim_3eissa pic.twitter.com/dZihtZbtrD
— القاهرة والناس (@alkaherawalnas) February 26, 2024
ويرى أنصار هذا الرأي أن جزءًا من دوافع التعجيل بصفقة رأس الحكمة تحديدًا وبهذا المبلغ الضخم يتعلق بوأد أي تقارب سريع بين الجماعة والنظام، أو الحيلولة دون تطوره إلى مساحات وملفات تقلق الإمارات وفريقها المناوئ للحريات وإرادات الشعوب والثورات الشعبية، والداعم بطبيعة الحال للأنظمة السلطوية الديكتاتورية التي يسهل معها تنفيذ الأجندات التوسعية.
سياق آخر – ربما بعيد نسبيًا من وجهة نظر البعض – لكنه يفرض نفسه إزاء تلك الأحكام وتزامن صدورها مع زيارة وفد حركة حماس للقاهرة لأجل مفاوضات صفقة التبادل، وهو السياق الذي استعان به الكاتب والأكاديمي الصهيوني، يارون فريدمان، في مقال له نشرته صحيفة “معاريف” العبرية، حين ربط بين الحكم الصادر بحق مرشد الإخوان وقادة الحركة الموجودين حاليًّا في مصر، مختتمًا مقاله قائلًا “هكذا يتبين أن إسرائيل ليست وحدها في الحرب ضد حماس، وراء الكواليس تخوض أغلب دول الشرق الأوسط حرب استنزاف ضد الإسلام السياسي”.
إشارة إلى "حماس".. المعنى وراء حكم الإعدام بحق زعيم "الإخوان".
أعلاه هو عنوان تحليل للكاتب والأكاديمي الصهيوني د. يارون فريدمان، في "معاريف" اليوم.
المقال يُقرأ من عنوانه، أعني ربطه بين أحكام الإعدام التي صدرت أمس بحق مرشد الإخوان وعدد من قادتهم، وبين "حماس" التي يتواجد عدد من…
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) March 5, 2024
اتهامات بالتسييس
يواجه القضاء المصري منذ تولي السيسي السلطة اتهامات بـ”تسييس” الأحكام، واستهداف المعارضين بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية، فضلًا عن انتفاء معايير النزاهة وغياب أبجديات العدالة في مجريات عمليات التقاضي، بداية من توجيه الاتهامات دون أدلة وصولًا إلى إصدار الأحكام وتنفيذها.
وتجاوز عدد المعتقلين السياسيين في مصر منذ عام 2013 أكثر من 60 ألف شخص، بحسب إحصاءات جهات حقوقية لها ثقلها الإقليمي والدولي، فيما تنفي الحكومة المصرية تلك الأرقام وتشكك في دقتها، زاعمة أنه لا يوجد معتقل واحد في مصر بسبب آرائه السياسية.
وتحول القضاء في مصر، لا سيما الذي ينظر قضايا الرأي والسياسة والأمن الوطني، الذي أصبح في معظمه قضاءً عسكريًا، إلى سوط غليظ يجلد به النظام ظهر كل من يغرد خارج السرب، رافق ذلك تضييق عنيف على الآراء وحرياتها، الأمر الذي حوّل الدولة إلى سجن كبير، يتساوى فيها من هم خارج السجون بمن هم في داخله، فالكل يلتزم السرب حتى لو خالف ذلك مبادئه ومعتقداته وأخلاقياته، ومن يجرؤ على التغريد خارجه فأمامه طريقان لا ثالث لهما، إما الزج به خلف الجدران وإما لملمة ما تبقى له ومغادرة الوطن هربًا بحياته.
أحكام الإعدام التي أصدرها النظام المصري ضد قيادات من الإخوان المسلمين سياسية وتفتقر للحد الأدنى من معايير القضاء العادل المستقل.
كما أنها ستزيد من حالة التوتر والاحتقان في مصر، في لحظة هي أحوج فيها للتهدئة.
أتوقع أن إصدار تلك الأحكام كان جزء من صفقة مدينة رأس الحكمة مع الإمارات
— علي البخيتي (@Ali_Albukhaiti) March 4, 2024
348 حكمًا بالإعدام خلال عام
تحتل مصر المرتبة الثالثة على مؤشر صدور أحكام الإعدام في قائمة الدول الأكثر إصدارًا لأحكام الإعدام في العالم بحسب تصنيف منظمة العفو الدولية، فيما تحتل المركز الأول على مؤشر تنفيذ أحكام الإعدام لعام 2022، وهو ما يضعها دومًا في مرمى الانتقادات الحقوقية بشكل دوري كل عام لا سيما بعد تصاعد تلك الأحكام خلال السنوات الـ10 الأخيرة.
وفي رصد لمركز الشهاب لحقوق الإنسان (مستقل) فقد تم تنفيذ 105 حالات إعدام خلال الفترة من 2013 – 2022، من بين أكثر من ألف حكم بالإعدام خلال العشرية الأخيرة، فيما بلغ عدد أحكام الإعدام الباتة واجبة النفاذ في الفترة ذاتها قرابة 97 حكمًا بالإعدام “أغلبها صدرت بحق قادة معارضة بارزين بينهم أعضاء برلمان ووزراء سابقون، بما لا يدع مجالًا للشك أن هذه العقوبة استخدمت للنيل من الخصوم والمعارضين السياسيين، وفق بيان للمركز.
أما في عام 2023 فرصدت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان (مستقلة) 348 حكمًا بالإعدام على الأقل (من بينهم 16 شخصًا في قضايا سياسية)، فيما أيدت محاكم النقض أحكام الإعدام على 27 شخصًا على الأقل (من بينهم 3 أشخاص في قضايا سياسية)، وهو ما يجعل مصر واحدة من أكثر بلدان العالم في إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها على حد سواء.
شكوك عديدة قوبلت بها الأحكام الأخيرة التي فقدت – بحسب مركز الشهاب الحقوقي – أدنى معايير النزاهة، وطغت عليها النزعة السياسية، ليواصل القضاء المصري، بشقيه العسكري والمدني، دوره المنوط به منذ سنوات في خدمة أهداف النظام واستهداف معارضيه والمناوئين له، مما يزيد من حالة الإحباط بشأن منظومة العدالة في مصر التي تسوء سمعتها عامًا تلو الآخر بعدما كانت قديمًا مرجعًا لموازين العدل والتقاضي في المنطقة.