يعقد إقليم كتالونيا اليوم الثلاثاء جلسة حاسمة في برلمانه يُتوقع أن يتحدث فيها حاكم الإقليم كارلس بوجديمون، لتقديم تقرير عن الوضع السياسي الحالي ويعلن الاستقلال من جانب واحد على أساس نتيجة الاستفتاء الذي نظم مطلع الشهر الحاليّ.
وكان الكتالونيون الذين شاركوا في الاستفتاء صوتوا بنسبة 90% لصالح الانفصال، إلا أن نسبة الإقبال كانت 43% فقط من الناخبين في كتالونيا، حيث قاطع معظم الوحدويين التصويت، ويرغب الانفصاليون إعلان استقلال الإقليم على أساس نتائج الاستفتاء، في حين يحث مجتمع الأعمال الكتالوني بتوخي الحذر من هكذا خطوة وآخرون يقولون إن نسبة الإقبال لا تخول لحكومة الإقليم المطالبة بالانفصال.
أسوأ أزمة سياسية في إسبانيا
لا أحد يعرف ما قد يؤول إليه الوضع في كتالونيا في حال قرر حاكم الإقليم بوجديمون إعلان الاستقلال، حيث لا يزال الغموض يكتنف الموقف، والشيء الثابت أن استقلال الإقليم والانفصال عن إسبانيا سيؤدي إلى الدخول بأتون أزمة سياسية منذ قيام الديمقراطية في إسبانيا، فكيف سترد مدريد؟ هذا ما سيظهر خلال الساعات والأيام القليلة المقبلة.
لا تقتصر الأزمة السياسية على إسبانيا وحدها، بل تتعدى أيضًا إلى الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال يعاني من تداعيات “بريكسيت” خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والخلافات بين الطرفين بشأن شكل الخروج وعلاقة بريطانيا بالاتحاد والتسوية المالية للانفصال ومصير الأوروبيين المقيمين في بريطانيا وأمور أخرى، لذا من غير المعتقد أن تقبل بروكسل بانفصال كتالونيا بالأخص أن هذا الأمر سيشجع أقاليم أخرى على الانفصال في أنحاء مختلفة من القارة العجوز.
كل الخيارات مطروحة، ومن بينها استخدام المادة 155 لتعليق الحكم الذاتي في كتالونيا، مما يعني السيطرة على كل مفاصل الإقليم واسترجاع كل الصلاحيات الموجودة لدى حكومته
يقف مصير إسبانيا وكتالونيا اليوم على الكلمة التي سيلقيها حاكمها عند الساعة 16 بتوقيت غرينتش، حيث قالت وسائل إعلام إسبانية إن بوجديمون صاغ خطابه أكثر من مرة أمس الإثنين أمام مستشاريه ومناصري الرحيل، ويتعلق برنامج أعمال جلسة البرلمان الرسمي بالوضع السياسي بعد الاستفتاء، الذي يؤكد الاستقلاليون أنّهم فازوا بـ90% فيه، مع نسبة مشاركة بلغت 43%.
قد يختار بوجديمون إعلان الاستقلال بالإقليم ويدخل في نزاع لا حدود له مع مدريد، إضافة إلى التبعات الاقتصادية لهذا الخيار الذي سيلقي بظلاله على كتالونيا وإسبانيا على حد سواء، وقد يعلن استقلال مؤجل ويؤكد على لغة الحوار مع الحكومة المركزية في مدريد أو يتجه لتأجيل الاستقلال برمته للتأكيد على الحوار الملِحّ وبيدأ عملية الانفصال على مراحل.
مظاهرات رافضة لانفصال إقليم كتالونيا عن إسبانيا
وكان بوجديمون قد دعا سابقًا إلى وساطة دولية، فيما أكد رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي أن من غير الوارد الدخول في أي حوار ما لم يتراجع القادة الانفصاليون في كتالونيا عن نيتهم في إعلان الاستقلال، وكان بوجديمون قال سابقًا، إنه لا يخطط لانفصال “صادم” مع إسبانيا، بل يرغب في تفاهم جديد مع الحكومة المركزية في مدريد.
مقابل إصرار الانفصاليين على الاستقلال تأتي أصوات معارضة من السياسيين في مدريد بالتهديد والوعيد لمسؤولي الإقليم الانفصاليين، إضافة إلى خروج مظاهرات رافضة للانفصال في عدة أماكن بإسبانيا، حيث خرجت مظاهرات كبيرة في كتالونيا أول أمس الأحد هتف فيها مئات الآلاف من المتظاهرين المعارضين للاستقلال “كفي! لنتعقل”، كما خرجت مظاهرات مماثلة في مدريد للتنديد بالانفصال ورفض استقلال كتالونيا.
مقابل هذا دعت الجمعية الوطنية الكتالونية المؤيدة للانفصال أنصارها إلى التظاهر اليوم الثلاثاء أمام البرلمان الذي قد يشهد إعلان الاستقلال من جانب واحد، وسط تلويح إسباني بالرد.
نقلت نحو 15 شركة مقارها إلى خارج كتالونيا بسبب احتمال انفصالها، من بينها المصرفان الكتالونيان العريقان “كايجابنك” و”بانكو دي ساباديل”
وحذر المتحدث باسم الحزب الحاكم في إسبانيا بابلو كاسادو، من أن بوجديمون سيخاطر بالتعرض للاعتقال إذا ما مضى قدمًا في إعلان الانفصال، وقال كاسادو “نأمل عدم إعلان أي شيء اليوم الثلاثاء لأنه ربما يواجه من يعلن الانفصال مصير من أعلن الانفصال قبل 83 عامًا”، في إشارة إلى لويس كومبانيس الذي أعلن قيام دولة كتالونيا في عام 1934 ولكن تم القبض عليه بسرعة بعد ذلك، وبعد ست سنوات أعدمه نظام الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو.
وردًا على سؤال عما إن كان من الممكن تقسيم إسبانيا، في مقابلة مع صحيفة “دي فيلت” أمس الإثنين، قال راخوي “قطعًا لا، لن يتم تقسيم إسبانيا وسيتم الحفاظ على الوحدة الوطنية، سنفعل كل ما يسمح به القانون لضمان ذلك”.
وأكد راخوي، أن كل الخيارات مطروحة، ومن بينها استخدام المادة 155 لتعليق الحكم الذاتي في كتالونيا، مما يعني السيطرة على كل مفاصل الإقليم واسترجاع كل الصلاحيات الموجودة لدى حكومته وهذا خيار لم يطبق سابقًا في بلد كإسبانيا تتمتع بحكم لا مركزي واسع، كما تملك الحكومة المركزية أيضًا أدوات أخرى لعرقلة انفصال كتالونيا عبر فرض حالة طوارئ في البلاد من خلال الدستور، إضافة إلى أنه يملك السيطرة المالية على البلاد.
أوروبا ترفض انفصال كتالونيا
من جهته، طالب زعيم المعارضة الاشتراكية الإسبانية بيدرو سانشيز، خلال مؤتمر صحفي عقده في برشلونة بوجديمون بوقف كل الإجراءات المؤدية إلى الاستقلال، مضيفًا “سيدعم رد الدولة”، كما عبرت كل من فرنسا وألمانيا عن دعمهما لبقاء إسبانيا موحدة وطالبوا عمدة برشلونة ورئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي إلى عدم تصعيد الصدام.
وقال ناطق باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنها عبرت عن دعم بلادها القوي لبقاء المملكة الإسبانية متحدة، وذلك في محادثة هاتفية مع راخوي، أما وزيرة الشؤون الأوروبية في الحكومة الفرنسية نتالي لوازو فأكدت أن بلادها لن تعترف بكتالونيا إذا أقدمت على الانفصال، وكان الاتحاد الأوروبي قد أوضح أنه إذا أعلنت كتالونيا الانفصال عن إسبانيا من طرف واحد فإن الإقليم لن يتمتع بعضوية الاتحاد الأوروبي.
رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي، قال إنّه من غير الوارد الدخول في أي حوار ما لم يتراجع القادة الانفصاليون في كتالونيا، عن نيتهم في إعلان الاستقلال
انفصال إقليم كتالونيا سيؤدي لتبعات كبيرة على اقتصاد الإقليم وإسبانيا على حد سواء، إذ أكد خوان روزيل رئيس الاتحاد الإسباني للشركات “سي أيه أو أيه”، أكبر منظمة لأصحاب العمل في إسبانيا، أن الشركات “قلقة للغاية” في كتالونيا، وقال روزيل إن فنادق برشلونة تسجل انخفاضًا كبيرًا في نسبة الحجوزات، وسيكون الأمر مقلقًا إذا استمر الانخفاض.
وتشكل السياحة القطاع الرئيسي بالنسبة للاقتصاد في كتالونيا، مقصد السياح الأول في إسبانيا، وقد سجلت 18 مليون زائر عام 2016 أي ما يعادل ربع عدد السياح في إسبانيا كلها، كما نقلت نحو 15 شركة مقارها إلى خارج كتالونيا بسبب احتمال انفصالها، من بينها المصرفان الكتالونيان العريقان “كايجابنك” و”بانكو دي ساباديل”، وهو ما قد يحمل الشركات في الإقليم إلى الخروج بسبب المصير المجهول الذي يواجه الإقليم، إذ تخشى تلك الشركات والمصارف من فقدان الحماية الأوروبية إذا أصبحت كتالونيا مستقلة وخرجت من الاتحاد الأوروبي.
من غير المتوقع أن تسمح مدريد بانفصال كتالونيا حتى لو استدعى ذلك تدخلا عسكريًا لإبطال الاستفتاء وإعادة الوضع إلى ما كان عليه، حيث يمثل الإقليم بالنسبة لها أهمية كبيرة، إذ يمثل الإقليم خُمس الاقتصاد الإسباني باحتوائه على كبرى الشركات الإسبانية المصدرة مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية، ويبلغ الناتج المحلي للإقليم نحو 210 مليون يورو، ما من شأنه أن يشكل خسارة لإسبانيا بنحو 19% من إجمالي ناتجها المحلي فيما لو انفصل الإقليم عنها.
ويُشار أيضًا أن إسبانيا ستخسر نحو 26% من صادراتها التي يتم تصنيعها من خلال مواد مصنعة في إقليم كتالونيا، بالإضافة إلى تحكم الإقليم في 70% من حركة النقل والمواصلات الخاصة بالتجارة الخارجية لإسبانيا.
سيحول الإسبانيون اليوم عيونهم إلى كلمة رئيس إقليم كتالونيا في البرلمان الكتالوني، منتظرين فيما إذا سيعلن استقلال الإقليم والانفصال عن إسبانيا ويحدد أجندة العمل التي من المقرر العمل بها مع الحكومة المركزية في مدريد، أو سيؤجل الاستفتاء ويذهب للحكومة المركزية ومعه ورقة ضغط بتفويض شعبي بالانفصال إذا لم يحقق جملة من الأمور البارزة التي من المفترض أن تحقق الأهمية الاستراتيجية للإقليم وحكومته.