أقدمت الحكومة الإماراتية قبل أيام، على طرد عشرات العائلات السورية المقيمة على أراضيها بـ”شكل غير قانوني”، دون توضيح الأسباب أو الدوافع التي دفعها على اتخاذ هكذا خطوة في ظروف صعبة بالنسبة للسوريين في بلاد اللجوء بسبب الحرب المستعرة الجارية في بلادهم وعدم إمكانية العودة إلى هناك.
مغادرة الإمارات خلال 24 ساعة
كشفت مصادر إعلامية أن عملية الطرد شملت 50 عائلة، فيما كشف ناشطون إن العدد وصل لنحو 70 عائلة، حيث أمهلت السلطات الإماراتية تلك العوائل 24 ساعة فقط للمغادرة، بعدما أبلغوا “بأنهم أشخاص غير مرحب فيهم على أراضي الإمارات”.
وبحسب صحيفة القدس العربي، فقد تم طرد العائلات السورية، بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار، وكل ما جرى هو قيام جهة أمنية في إمارة أبو ظبي بالاتصال بالعائلات لتبلغهم بضرورة مراجعتها على وجه السرعة، مصطحبين معهم الأوراق الثبوتية من جوازات السفر والإقامة. وجميع الأسر التي رُحلت قسريًا هي من محافظة درعا جنوبي سوريا، بعضها من مدينة خربة غزالة الخالية تماما من سكانها، بعد أن هجرتهم منها قوات النظام حين استولت على المدينة قبل نحو أربعة أعوام كما جاء في موقع الجزيرة نت.
اقترحت الإمارات على بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة إبقاء الرئيس السوري، بشار الأسد كرئيس للدولة، لكي لا تتمكن المعارضة السورية من الوصول إلى السلطة
وبحسب شهادات لبعض أفراد هذه الأسر، فقد جرى استدعاء هذه العائلات إلى جهة أمنية يُعتقد أنها أمن الدولة الإماراتي، لتخضعهم لتحقيق مرهق يستمر لساعات، يجري بعده تسليمهم أوامر بالطرد مهما كانت نتيجة التحقيق. ويركز التحقيق على صلة رب الأسرة بالثورة السورية وتأييده لها، وفيما إذا حوّل مبالغ مالية لأقرباء له في سوريا، وكذلك وُجهت للبعض تهمة تصدير بضائع إلى قطر.
وقد وجهت السلطات الإماراتية تهمًا لبعض العائلات بالتعامل مع قطر، وأن الطرد جاء بعد اتهامات ضمنية لها بتصدير البضائع والمنتجات إلى قطر بعد الحصار المفروض عليها من دول الحصار الخليجية، وعلى رأسها السعودية والإمارات. ويرى مراقبون في هذا الجانب أن هناك شركات عديدة عربية وأجنبية موجودة في الإمارات تتعامل مع قطر بشكل غير مباشر عن طريق الكويت أو عُمان، ولكن استخدام تهمة التعامل مع قطر عبارة عن شماعة وذريعة اتخذتها الإمارات لطرد السوريين من الأراضي الإماراتية.
ولم يتم إلغاء أو إبطال أي من الإقامات للعائلات السورية التي قامت بطردها، حتى لا يتم إثبات أي أدلة قانونية تدين حالات الترحيل القسري المنفذة من قبلها بحق العائلات السورية، وهو ما يثبت بحسب الجزيرة غياب الوجاهة القانونية للإجراءات المتخذة، بينما يرى حقوقيون أن عدم إلغاء الإقامة هو محاولة لطمس أي دليل يثبت ارتكاب السلطات الإماراتية أي انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، لتبدو الأسر كأنها غادرت بمحض إرادتها.
يٌشار أنه قبل عامين، أعلنت الإمارات عن استقبالها لأكثر من 100 ألف سوري منذ اندلاع الثورة وأنها منحتهم تأشيرات إقامة ليصل عدد المقيمين السوريين في الدولة لما يقارب 250 ألف سوري، علمًا أن هذا الرقم غير واقعي بالنسبة للبعض متساءلين لماذا لا يذكر الإعلام الإماراتي عدد من اللاجئين السوريين لديها والمخيمات التي يقطنون فيها.
وليست هذه المرة الأولى التي تقوم الإمارات بإبعاد سوريين إذ أقدمت على ترحيل مقيمين سوريين بلغ عددهم الإجمالي بحسب ناشطين 140 ألفًا، بعد العام 2011 بذريعة تسييرهم مظاهرة لإظهار التعاطف مع شعبهم في سوريا أو تمويل نشاطات للثورة. و تعد الإمارات وفق إحصائيات حقوقية أكثر الدول الخليجية ترحيلاً للناشطين السياسيين والصحافيين، خصوصًا المنتمين إلى قطاع غزة في فلسطين وجنوب لبنان، أو المعارضين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، بينما تعيش شقيقته بشرى الأسد في دبي، وتستثمر في شركات ضخمة مع شركاء إماراتيين.
استخدام تهمة التعامل مع قطر عبارة عن شماعة وذريعة اتخذتها الإمارات لطرد السوريين من الأراضي الإماراتية.
كما عمدت شركة بترول أبوظبي للعمليات البترولية البرية المحدودة “ADCO”، في الإمارات، لفصل جميع العمال والموظفين السوريين لديها في ديسمبر/كانون الأول 2015، من خلال ورقة وزعت على الموظفين والعمال السوريين بالشركة حصرًا بلغ عددهم 96 موظفًا وعاملًا. وورد خلال الإشعارات التي سلمت للموظفين “استنادًا إلى دليل سياسات الموارد البشرية لشركة أدكو، الجزء 12، فقرة 3.6 يجوز للشركة أن تنهي عقد عمل الموظف غير المحدد المدة دون إبداء الأسباب وفي أي وقت من الأوقات”.
وكانت الإمارات ألغت إقامات عشرات السوريين المقيمين على أراضيها بسبب مشاركتهم في تظاهرات مناهضة للنظام السوري نظمت بدبي أمام القنصلية السورية في فبراير/شباط من العام 2012. وقد دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” وقتها السلطات الإماراتية إلى التراجع عن هذا الإجراء حيث لم توجه إلى أولئك الأشخاص أي تهمة بارتكاب عمل عنف.
الإمارات تدعم الأسد سرًا
بالرغم أن الإمارات طردت السفير السوري لديها وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وهي من جهة تعادي النظام السوري وتنظر إلى استبداده وتوسعه في القتل والقمع كأحد أسباب ظهور “تنظيم الدولة” واستمراره والتجنيد له، إلا أنها في الوقت نفسه تنظر إلى الأوضاع في سوريا بحذر شديد خشية صعود تيار إسلامي إلى السلطة لا يتوافق مع سياستها الإقليمية المتمثلة بالعداء لأي تيار للإسلام السياسي، والذي تنظر له بعين العداوة أكثر مما تنظر للنظام السوري، وتسعى للتخلص منه.
عدم إلغاء الإقامة هو محاولة لطمس أي دليل يثبت ارتكاب السلطات الإماراتية أي انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، لتبدو الأسر كأنها غادرت بمحض إرادتها.
عمومًا اتخذت الإمارات موقفًا براغماتيًا من نظام الأسد، فعلى الصعيد الاقتصادي تمثل الإمارات مكانًا آمنًا لتهريب أموال شخصيات النظام السوري، بالأخص بعد العقوبات التي فرضت على الشركات والسوريين شكلت الإمارات موطنًا آمنا لتأمين عشرات المليارات من الدولارات تعود لعائلة الأسد والمقريبن منه، حيث تشير مصادر أن رامي مخلوف رجل الأعمال السوري وابن خالة بشار الأسد والذي يندرج اسمه ضمن العقوبات الدولية، له حسابات بمئات ملايين الدولارات في مصارف الإمارات.
وهناك شركات لها فروع إماراتية تقوم بتزويد الأسد بالنفط والغاز والمشتقات النفطية بعد أن كان المجتمع الدولي يعتقد أن إيران لها الدور الأهم في هذا الإطار. وفي أغسطس/آب الماضي اقترحت الإمارات على بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة إبقاء الرئيس السوري، بشار الأسد كرئيس للدولة، لكي لا تتمكن المعارضة السورية من الوصول إلى السلطة، لأن أغلب المعارضين انضموا للإرهابيين كما ترى. وقالت مصادر سورية معارضة إن الإمارات، دعت واشنطن إلى العمل مع الأسد وتخفيف دعم المعارضة السورية، مقابل ضمانات بابتعاد الأسد عن إيران.
في النهاية، إن طرد السوريين من الإمارات بين الفينة والأخرى لا يخرج عن كونه إحدى أشكال دعمها للنظام السوري، ومن المفترض طرد الأشخاص المدرجين ضمن قائمة العقوبات الدولية فإن السلطات هناك تتكتم عنهم وتشجع بقاءهم بفضل الأموال التي أودعوها في البنوك الإماراتية.