ترجمة وتحرير: نون بوست
على الرغم من المعارضة الشديدة من قبل كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أن الأمم المتحدة تستعد لنشر لائحة تضم أسماء شركات دولية تساهم بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، في سياسة الاستيطان على حساب الأراضي الفلسطينية. وتضم هذه اللائحة خمسة مؤسسات فرنسية. منذ أيام، قدم الدبلوماسي الأردني، رعد زيد الحسين، الذي يشغل منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، لائحة تحتوي على اسم 150 شركة دولية، ليتم فيما بعد الاعلان عن القائمة السوداء للمجموعات الاقتصادية المنتشرة في المناطق الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وشرق القدس.
في الواقع، تم الشروع في إعداد قاعدة البيانات هذه منذ شهر آذار/مارس سنة 2016، من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ويتمثل الهدف من ذلك في تحديد أسماء الشركات المشاركة في بناء وتطوير المستوطنات الإسرائيلية. من جهتها، ترى الأمم المتحدة وعدة دول أعضاء فيها أن سياسة الاستيطان تعتبر انتهاكا صريحا لحق الفلسطينيين في تقرير المصير. فضلا عن ذلك، تعد هذه السياسة بمثابة عثرة كبرى تعرقل إيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ونظرا لعدم شرعيتها، فقد تم إدانة هذه السياسة الاستيطانية.
هذا التقرير يتحدث عن العلاقات المتنوعة التي تربط المجموعات المالية الفرنسية بعدة شركات إسرائيلية، حيث يشارك الطرفين بشكل نشط في تعزيز عدد المستوطنات منذ توقيع اتفاقية أوسلو سنة 1993
بالعودة للائحة، أكدت الأمم المتحدة، من خلال نيتها نشر أسماء الشركات المتورطة، أن دورها لم يعد يقتصر على إدانة الانتهاكات التي لا تخضع لأي عقاب فحسب، بل أيضا تعمل على دفع كل من الدول والشركات إلى تحمل مسؤولياتها وتحديد موقفها، أي هل تعد مع أم ضد سياسة الاستيطان غير الشرعية في فلسطين؟
أواخر شهر أيلول/سبتمبر، تم إعلام وزير الشؤون الخارجية الإسرائيلي “باللائحة السوداء”، التي كانت آنذاك، تحتوي فقط على حوالي ثلاثين شركة أمريكية، من بينها كولا، وإير بي إن بي، وكاتربيلر، وتريب أدفيزور، إضافة إلى مجموعة من الشركات الإسرائيلية على غرار، “بنك هبوعليم وبنك لئومي، وشركة الحافلات “إيجد”، والشركة الوطنية للمياه “ميكورو”، وعملاق الاتصالات ” بيزك”، ومختبر الصيدلانية “تيفا”. ومن المقرر أن تنضاف للائحة أيضا أسماء لشركات ألمانية، وكورية جنوبية، وأخرى نرويجية.
علاوة على ذلك، يمكن أن تسجل اللائحة أيضا أسماء عدد من الشركات الفرنسية، على رأسهم خمسة أكبر مجموعات مالية، على غرار، بي إن بي باريبا، وسوسيتيه جنرال، وأكسا، وكريدي أجريكول. إضافة إلى ذلك، تم نشر تقرير يتحدث عن “العلاقات الخطيرة التي تربط البنوك الفرنسية بسياسة الاستيطان الإسرائيلي” خلال شهر آذار/مارس. وقد وقع نشر هذا التقرير الخطير من قبل ثمانية منظمات، لعل من أبرزها لجنة حقوق الإنسان، واللجنة الكاثوليكية لمكافحة الجوع والعمل من أجل التنمية، والاتحاد العام للشغل بفرنسا.
في السياق ذاته، أُعد هذا التقرير برمته من قبل مكتب “بروفوندو” الهولندي المختص في القطاع المالي، وقد قامت بعد ذلك “ميديابار” بتحليله ونشره بالكامل. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير يتحدث عن العلاقات المتنوعة التي تربط المجموعات المالية الفرنسية بعدة شركات إسرائيلية، حيث يشارك الطرفين بشكل نشط في تعزيز عدد المستوطنات منذ توقيع اتفاقية أوسلو سنة 1993. وفي غضون ربع قرن، ساهمت هذه الإستراتيجية الاستيطانية في زيادة أعداد المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية من 268 ألف مستوطنة إلى 650 ألف. كما تهدف هذه الإستراتيجية أساسا إلى تدمير أية آمال لفلسطين في إعلان دولة مستقلة.
في الأثناء، لا يمكن للمجموعات الفرنسية الخمسة، التي ورد اسمها في التقرير، أن تتنصل من حقيقة نشاطها الموثق، كما أنها لا يمكن أن تنكر أن المشاركة في عملية الاستيطان تتناقض بوضوح مع الالتزامات التي وقعتها في مجال حقوق الإنسان. في الوقت ذاته، لم يعد بإمكان هذه المؤسسات الفرنسية أن تتجاهل أن هذا التعاون مع الشركات الإسرائيلية يشكل في حد ذاته انتهاكا متكررا للقانون الدولي.
وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة الموقعة سنة 1949، فيما يتعلق بحماية المدنيين أثناء الحرب، “يمنع على الدولة المحتلة أن ترحل سكان المناطق التي تحتلها”. علاوة على ذلك، وقع إقرار الأمر ذاته في القرار رقم 2334، الذي اتخذه مجلس الأمن يوم 23 كانون الأول / ديسمبر سنة 2016، والذي لم توقع عليه الولايات المتحدة، كما أنها لم تستخدم حق النقض ضده.
في الواقع، ذكر في هذا النص تحديدا أن “الاستيطان على حساب الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، لا يحظى بأية شرعية قانونية، ويمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وعقبة رئيسية أمام إعلان الدولتين، وأمام ترسيخ سلام شامل وعادل ودائم”. كما ينص القرار ذاته أيضا على أن “جميع الدول يجب أن تأخذ بعين الاعتبار هذه المسألة خلال مختلف أعمالها أو التبادل التجاري وعليها أن تفرق بين المناطق التابعة لدولة “إسرائيل” وبين الأراضي المحتلة منذ سنة 1967″.
في المقابل، وعلى الرغم من مرور ستة أشهر منذ أن نشر هذا التقرير، لم تتحرك أية شركة من المجموعات الفرنسية المذكور اسمها لفك ارتباطها بسياسة الاستيطان. وفي 9 من آب / أغسطس، كتبت وزيرة الاقتصاد الفلسطيني، عبير عودة، إلى رؤساء المجموعات الفرنسية الخمس (فريديريك أوديا عن المؤسسة العامة الفرنسية، وفرانسوا بيرول، من مؤسسة بي بي سي أو، وفيليب براسك مدير “كريدي أجريكول”، وجان – لوران بونافيه عن “إن بي باريبا”، وتوماس بوبيرل من مؤسسة “أكسا”) لتذكيرهم بضرورة أن تعمل شركاتهم على الالتزام “بواجب احترام حقوق الإنسان”.
في السياق ذاته، دعت عبير عودة رؤساء المجموعات الفرنسية إلى إعادة النظر في علاقتهم المالية والاقتصادية مع الجانب الإسرائيلي، مشددة على التزاماتها العامة تجاه أخلاقيات العمل، وفي ظل احترام حقوق الإنسان. وقد عملت عبير عودة في البنك الدولي في القدس قبل أن تصبح وزيرة. وتعتقد عودة أن الصلات الحالية مع البنوك الإسرائيلية والمؤسسات الأخرى العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تتنافى مع رؤيتها العالمية، كما تتعارض أيضا مع القانون. وفي الأثناء، طلبت الوزيرة الفلسطينية من كل رؤساء الشركات الخمسة “وقف الأعمال والتعاون” مع الشركات الإسرائيلية.
يحيل هذا التأرجح الذي تنتهجه الحكومة الفرنسية إلى أنه وفي ظل حكم إيمانويل ماكرون، كما كان الحال إبان حكم فرانسوا أولاند، لا يبدو أن باريس تعتزم أن تقدم على اتخاذ أي خطوة ضد “إسرائيل” أو أمر بهدف معاقبتها.
في واقع الأمر، سبق هذا التهجم من قبل وزيرة الاقتصاد، قيام الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات ببعث رسالة إلى جان إيف لودريان في غرة آب / أغسطس. وذكر صائب عريقات، من خلال هذه الرسالة لودريان، بعد أن هنأه بتوليه منصب وزير الشؤون الخارجية الجديد، بالعلاقات المتعددة القائمة اليوم بين خمسة مجموعات و28 شركة فرنسية على الأقل تشارك “في عملية توسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية أو في استغلال الموارد الطبيعية الفلسطينية”.
الهجوم الأمريكي الإسرائيلي
في الوقت ذاته، أشار عريقات إلى أن فرنسا قد صوتت على قرار مجلس الأمن 2334، كما تعتبر واحدة من بين “الأطراف السامية المشاركة في اتفاقية “جنيف الرابعة” التي تحظر على القوة المحتلة تهجير السكان المدنيين من المناطق التي احتلتها”. فضلا عن ذلك، تطرق عريقات إلى دور فرنسا في الجهود الأوروبية لسنة 2013، التي تحظر العلاقات المالية مع الأراضي المحتلة
بالإضافة إلى ذلك، أكد المفاوض الفلسطيني أن “فرنسا لا تعترف بسيادة “إسرائيل” على الأراضي المحتلة منذ سنة 1967″، وطلب من جان ايف لودريان ترسيخ سياسة تهدف إلى “دفع” الشركات الفرنسية نحو إيقاف علاقاتها مع نظام الاستيطان الإسرائيلي. في المقابل، لم يرد وزير الخارجية الفرنسي على هذه الرسالة إلى حد الأن. ومما يبعث على الدهشة أكثر، أن هذه الرسالة كانت مصحوبة “بمذكرة شفوية”، وهي وثيقة دبلوماسية تتطلب عادة إجابة مباشرة.
يحيل هذا التأرجح الذي تنتهجه الحكومة الفرنسية إلى أنه وفي ظل حكم إيمانويل ماكرون، كما كان الحال إبان حكم فرانسوا أولاند، لا يبدو أن باريس تعتزم أن تقدم على اتخاذ أي خطوة ضد “إسرائيل” أو أمر بهدف معاقبتها. بيد أنه من واجب القادة الفرنسيين أن يحددوا بوضوح الجانب الذي يقفون معه، وما إذا كانوا مع أو ضد نشر القائمة السوداء.
من حيث المبدأ، ينبغي عدم نشر “القائمة السوداء” للشركات المتواطئة مع سياسة الاستيطان الإسرائيلي في الوقت الراهن، حيث من الأفضل نشرها خلال شهر كانون الأول / ديسمبر. في الأثناء، شنت الحكومة الإسرائيلية، فضلا عن إدارة ترامب، هجوما دبلوماسيا شاسعا لنسف هذه المبادرة. وفي سنة 2016، قرر مجلس حقوق الإنسان تكوين هذه القائمة بصفة رسمية. وكرد على هذا القرار، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مجلس حقوق الإنسان بأنه أصبح بمثابة “سيرك لمعاداة “إسرائيل””.
يواجه هذا الهجوم الإسرائيلي – الأمريكي عقبات جمة. ففي شهر آب /أغسطس، اعترفت المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت، أن مبادرة البلدين لمحو أسماء الخبراء الماليين من القائمة قد فشلت.
من جانبه، أفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، إيمانويل نحشون، على موقعه في تويتر أن مجلس حقوق الإنسان “بحاجة ملحة لرعاية صحية نفسية”. وتجدر الإشارة إلى أن مجلس حقوق الإنسان يتكون من 47 دولة، في حين أن ثلثها قابل للتجديد كل سنة، ويديرها حاليا السلفادوري، خواكين الكسندر مازا مارتيلي. ويمثل كل من هذا المجلس ومنظمة اليونسكو الدابة السوداء لإسرائيل داخل الأمم المتحدة.
من جهتها، وكرد فعل متوقع على هذه القائمة في حالة نشرت، ستتبع “إسرائيل” إستراتيجية بسيطة: اعتبار هذه القائمة خطوة أولى نحو مقاطعة جميع الشركات الإسرائيلية، سواء ثبت تعاونها مع المؤسسات الاستيطانية من عدمه. وهذه المقاطعة طبعا، سيراها كل من نتنياهو وحلفائه بمثابة معاداة للسامية.
في إسرائيل، تم تشكيل لجنة خاصة مشتركة بين الوزارات تضم وزراء الخارجية، والشؤون الإستراتيجية، والعدل، والاقتصاد للعمل على منع نشر هذه القائمة. وفي ظل انتخاب دونالد ترامب، المدافع الأول عن إسرائيل، تلقت مساعي “إسرائيل” تعزيزا كبيرا. في سياق متصل، أشارت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، إلى أن القائمة السوداء التي تنوي المنظمة الأممية نشرها تعد بمثابة “آخر سلسلة طويلة من الأعمال المخزية” لمجلس حقوق الإنسان.
بفضل هذا الدعم، صرحت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، تسيبي هوتوفيلي، أنه “انطلاقا من البحر الأبيض المتوسط وصولا إلى الأردن، كل هذه المناطق تابعة لإسرائيل”. كما أكدت منذ شهر فيما يتعلق بنشر اللائحة السوداء أن “الأمم المتحدة تلعب بالنار”. وأوردت هوتوفيلي، أنه “في حال استمرت الأمم المتحدة في العمل ضد إسرائيل، ستفقد تبعا ميزانيتها المالية”. وعلى العموم، تعمل كل من “إسرائيل” والولايات المتحدة معا على وضع خطة تضع حدا للتحيز المناهض لإسرائيل ضمن هذه المنظمة. وبالنسبة للدبلوماسية الإسرائيلية يعد “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الأكثر نفاقا من بين مختلف الهيئات الأممية، ويجب أن تحدث في صلبه ثورة”.
من جانب آخر، يواجه هذا الهجوم الإسرائيلي – الأمريكي عقبات جمة. ففي شهر آب /أغسطس، اعترفت المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت، أن مبادرة البلدين لمحو أسماء الخبراء الماليين من القائمة قد فشلت. ونقلت صحيفة “هآرتس” عن مصادر رسمية إسرائيلية غير معروفة خلال نهاية أيلول / سبتمبر الماضي، أن “مكتب الشؤون الإستراتيجية بوزارة الاقتصاد الإسرائيلية علم أن عددا من الشركات الأجنبية استجابت للمفوض السامي لحقوق الإنسان، وأعلنت أنها لن تجدد العقود الموقعة مع شركات إسرائيلية”.
في الإطار ذاته، أجرت الحكومة الإسرائيلية العديد من الاتصالات، علما وأنه حتى لو نشرت هذه القائمة السوداء، فلن يجبر ذلك “إسرائيل” على توقيع أية التزام. في الوقت ذاته، حذرت العديد من الحكومات الأجنبية من استخدام “القائمة السوداء” في سبيل مقاطعة “إسرائيل”. عموما، ستكشف لنا الأشهر المقبلة ما إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل ستحولان في نهاية المطاف دون نشر هذه القائمة، وإذا ما سترضخ الأمم المتحدة إلى التهديد والابتزاز ومخاوف مواجهة تهمة معاداة السامية. كما سنعرف الموقف الرسمي الذي ستتخذه فرنسا في هذا الشأن، مع العلم أن إيمانويل ماكرون أشار خلال شهر تموز/ يوليو إلى أن معاداة الصهيونية هي “بمثابة شكل جديد من معاداة السامية”.
في الأثناء، يبقى السؤال المطروح: كيف نفسر انسحاب الشركات التي أبلغت الأمم المتحدة بأنها ستوقف العقود المتعلقة بسياسة الاستيطان؟ هل أقدموا على ذلك بدافع الوعي ورفض انتهاك حقوق الفلسطينيين؟ في الحقيقة لا يمكن أن نؤكد هذه الفرضية. فهل يكون ذلك بدافع البراغماتية والحكمة الإستراتيجية؟ على الأرجح أن هذا الاحتمال وارد. ومما لا شك فيه لن يقبل أي أي رئيس تنفيذي أن يرى شركته تظهر على هذه القائمة السوداء، خاصة إذا كانت مؤسسته تنجز أعمالا أو مشاريع في دولة غنية وقوية في العالم العربي الإسلامي ومعادية لإسرائيل.
المصدر: صحيفة ميدبابار