مضت أربعة أيام على إعلان تركيا بدء العملية العسكرية في إدلب، لم يحصل خلالها أي تصادم عسكري حتى الآن مع “هيئة تحرير الشام” الفصيل الذي يسيطر على المحافظة بقيادة أبو محمد الجولاني، اتضح خلال الأيام الأربع الماضية أن تركيا تحاول تجنب الخوض في معركة مع “الهيئة” فيما تلعب على جملة من العوامل تهدف من خلالها إلى انقسام الهيئة على نفسها وتطبيق منطقة خفض التصعيد في المحافظة من جهة أخرى.
والثابت الآن أن من سيخوض غمار العملية العسكرية في المحافظة هم عناصر الجيش الحر المنضوين في عملية “درع الفرات” بدعم بري من تركيا وجوي من روسيا حسب ما تم الاتفاق عليه بين روسيا وتركيا.
أنقرة باقية في إدلب
أصبحت إدلب في الفترة الأخيرة العصب الرئيسي في أي حل مستقبلي في سوريا لا سيما أنها تضم قرابة 2.9 مليون شخص منتشرين في أرجاء المحافظة مدنيين ومقاتلين، حيث لعبت القوى المتدخلة في سوريا على مدار الشهور الماضية بعد أي هدنة مع المعارضة بتوجيههم إلى إدلب ليتم تحشيدهم هناك على الحدود مع تركيا، ليحصل بعدها اقتتال بين “حركة أحرار الشام الإسلامية” و”هيئة تحرير الشام” ينتهي بسيطرة الأخيرة على المحافظة وبسط هيمنتها على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا لتصبح عقدة التفاهمات بين دول المنطقة.
في هذه المرحلة سعت تركيا جاهدة لضم إدلب لمناطق خفض التصعيد مع إيران وروسيا في محادثات أستانة السورية، بحيث يستهدف الاتفاق القضاء على “هيئة تحرير الشام”، وحصولها على الضوء الأخضر من روسيا وإيران وفق تفاهمات أستانة للبدء بعملية عسكرية في المحافظة تهدف لتطهيرها من “المقاتلين المتشددين” تمهيدًا لوجود روسي إيراني عبر الشرطة العسكرية ومراقبين في المناطق المحاذية لسيطرة النظام.
سيتم عقد مؤتمر وطني بين الأطراف السورية في حميميم، برعاية روسية للتمهيد لمؤتمر حوار وطني موسع لإطلاق عملية سياسية، بمشاركة ممثلي “المصالحات” ومناطق “خفض التصعيد” والحكومة السورية والمعارضة.
بينما تبقى المناطق المحررة من النصرة بيد الفصائل “المعتدلة”، فيما ستحظى أنقرة بعزل “وحدات حماية الشعب” الكردية في مدينة عفرين ومنع وصول الأكراد إلى البحر المتوسط للحصول على ممر مائي لدولتهم المزعومة.
وفي هذا الإطار أشارت تصريحات لرئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن أنقرة تستهدف تأسيس نقاط سيطرة في إدلب لنشر المزيد من القوات في المستقبل، بهدف الحول دون تدفق موجة هجرة إلى تركيا، ودعا رئيس الوزراء التركي، بحسب وكالة “الأناضول” الرسمية، الولايات المتحدة إلى “التخلي فورًا عن حماية المسلحين الأكراد بسوريا في حال استمرار التحالف بيننا”.
وفي معرض رده على سؤال عن دور القوات التركية في إدلب، أكد وزير الدفاع التركي نور الدين جانكلي، أنه “يتوجب على تركيا البقاء في سوريا حتى إنهاء التهديدات الموجهة ضدنا” في أثناء زيارة للوزير إلى جورجيا للمشاركة في اجتماع وزراء دفاع دول جنوب شرق أوروبا، وأضاف أن قوات بلاده “تتحرك في إدلب، مع قوات الجيش السوري الحر، وأنقرة تدعم السوريين الذين يدافعون عن أنفسهم وأراضيهم”.
على العموم، تميل تركيا وروسيا إلى تجنب معركة كبيرة في إدلب، وانتهاج إضعاف “هيئة تحرير الشام” أو دفعها إلى حل نفسها تدريجيًا وإخراجها من التجمعات السكنية الكبرى، ما دام ذلك ضمن الحدود المرسومة لتفاهمات أستانة.
روسيا ترى مستقبل سوريا اتحاديًا مشابهًا لـ”روسيا الاتحادية”، وليست قلقة من سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” على مناطق شرق نهر الفرات ومصادر النفط والغاز هناك
وهناك ملامح انقسامات كبيرة داخل “الهيئة” منذ فترة وعادت إلى وضعها الأول قبل تشكيل الهيئة لـ”جبهة فتح الشام” (النصرة سابقًا) بعد انشقاق “جيش الأحرار” و”حركة نور الدين الزنكي” و”كتائب ابن تيمية” وخروج الشرعيين منها أيضًا، وهناك انقسام بين تيارين في الهيئة، فهناك مئات من العناصر والقيادات المتشددة التي أوقفت نشاطاتهم وتحركاتهم بسبب الامتعاض من قائد الهيئة أبو محمد الجولاني بذريعة أنه لا يطبق الشرع ويبدي مرونة مع أعداء الهيئة، وهناك أيضًا جناح آخر لا يمانع في التعاون مع تركيا لتجنيب إدلب مصير مجهول.
وكان أول من طرح حل “الهيئة” نفسها، القائد العام السابق لها هاشم الشيخ، في أغسطس/آب الماضي، حيث قال إنها مستعدة لحل نفسها بشرط أن تحل جميع الفصائل العاملة في الشمال نفسها تحت قيادة واحدة، وعند الحديث لأول مرة عن التدخل التركي في إدلب، انقسمت “الهيئة” حيال ذلك، بحسب ما أظهرته تصريحات متضاربة لعدد من أبرز قيادييها.
قالت القوات الكردية إنها ستعلن قريبًا السيطرة على كامل مدينة الرقة بعد سيطرتها على 85% منها بدعم من التحالف الدولي، فهناك مفاوضات مع مقاتلي “داعش” للخروج وتسليم المدينة.
وذكرت مصادر عدة خلال الساعات الماضية، أن مفاوضات واتفاقات تجري مع الأتراك بخصوص دخول الجيش التركي لإدلب، إلا أن حل “الهيئة” لا يزال مطروحًا، وحسب وكالة الأنباء الألمانية أوردت يوم الإثنين الماضي إن هناك توجهًا لحل “تحرير الشام” نفسها، ونقلت أن الجناح المعتدل في الهيئة موافق على ذلك وعلى تبني علم الثورة في الفترة المقبلة، وهو السياق الأول.
وهناك مفاوضات جرت خلال الأيام الماضية، بحثت إيجاد مخرج عن منح دور لـ”حكومة الإنقاذ الوطني”، التي تتبع للهيئة حيث انتخبت حديثًا محمد الشيخ رئيسًا لها، لتكون الواجهة المدنية للهيئة، ويتحول الجسم العسكري لها إلى “وزارة دفاع” في المحافظة.
انتصار في الرقة قريبًا ومستقبل سوريا على المحك
ما زالت العمليات العسكرية للتحالف الدولي متوقفة في مدينة الرقة، منذ مساء الإثنين الماضي، كما توقفت الاشتباكات في شرقي المدينة والقصف المتبادل بين مقاتلي “داعش” و”قوات سوريا الديمقراطية” وهناك أنباء تفيد عن مفاوضات بين الطرفين، من أجل خروج آمن لمقاتلي “داعش” وعائلاتهم من الأحياء المحاصرة في المدينة إلى الأماكن التي ما زال التنظيم يسيطر عليها في أرياف حماة وحمص ودير الزور، وقد قالت القوات الكردية قبل يومين أنها ستعلن قريبًا السيطرة على كامل مدينة الرقة بعد سيطرتها على 85% منها بدعم من التحالف الدولي.
أصبحت إدلب في الفترة الأخيرة العصب الرئيسي في أي حل مستقبلي في سوريا لا سيما أنها تضم قرابة 2.9 مليون شخص منتشرين في أرجاء المحافظة.
وفي سياق قرب سيطرة الأكراد على مدينة الرقة، أشارت صحيفة الشرق الأوسط اليوم، أن روسيا ترى مستقبل سوريا اتحاديًا مشابهًا لـ”روسيا الاتحادية”، وهي ليست قلقة من سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” على مناطق شرق نهر الفرات ومصادر النفط والغاز هناك، بالتالي فإنها ترى الأكراد “طرفًا رئيسيًا” في العملية السياسية لصوغ مستقبل البلاد، وأن قطار التسوية سينطلق بعد تحرير مدينتي الرقة ودير الزور من “داعش” في الأسابيع المقبلة.
كما خرجت أفكار عن عقد مؤتمر وطني من الأطراف السورية في حميميم، القاعدة العسكرية الروسية قرب اللاذقية في 29 من الشهر الحالي للتمهيد لمؤتمر حوار وطني موسع لإطلاق عملية سياسية، بمشاركة ممثلي “المصالحات” ومناطق “خفض التصعيد” والحكومة السورية والمعارضة بعد تقديم ضمانات روسية بحمايتها، حيث سيتم تباحث 5 نقاط في المؤتمر المقرر في حميميم هي: “الوضع السوري العام، خفض التوتر بين الأطراف السورية، نقاش بشأن الدستور السوري، تشكيل لجان تفاوضية لمشاريع المستقبل، التمهيد لمؤتمر شامل”.
تميل تركيا وروسيا إلى تجنب معركة كبيرة في إدلب، وانتهاج إضعاف “هيئة تحرير الشام” أو دفعها إلى حل نفسها تدريجيًا وإخراجها من التجمعات السكنية الكبرى، ما دام ذلك ضمن الحدود المرسومة لتفاهمات أستانة.
فيما يتخوف معارضون من أن يؤدي هذا المؤتمر إلى نسف جهود مسار جنيف الذي يقوده المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا ويُعتقد أن يتم عقد الجلسة القادمة بداية الشهر المقبل، وتأسيس مسار بديل على أعقاب محادثات أستانة، واتفاقات “خفض التصعيد” لتسوية النزاع السوري بأيادي روسية وبما يلاقي مصالحها الاستراتيجية في البلاد بالدرجة الأولى.
تُقبل سوريا خلال الشهور الماضية على مرحلة حساسة من عمر الثورة ومستقبل البلاد بعد إنهاء وجود “داعش” في الرقة ودخول الأتراك إلى إدلب لإنهاء أي مشروع كردي انفصالي في الشمال السوري، إضافة إلى الجهود الروسية لإنهاء النزاع وفق مسار أستانة بالاتفاق مع إيران وتركيا، ليبقى السؤال مطروحًا عن مدى استفادة المعارضة من هذا الوضع ومسألة بقاء الأسد ومستقبله في البلاد.