أتمّ النظام السوري مدعومًا بسلاح الجو الروسي ومليشيات إيران، سيطرته على معظم الريف الشرقي لمحافظة حماة ـ شرق أوستراد السعن – خناصر، هذه المنطقة التي تتصل جغرافيًا مع البادية السورية التي تمثل “الباحة الخلفية” لمعظم محافظات سوريا، والتي كانت هدفًا محوريًا لتنظيم “داعش” مطلع عام 2014، حيث شلّ حركة فصائل المعارضة وقسمها جغرافيًا إلى شمال وجنوب.
في 4 من أيلول/سبتمبر 2017، أعلن النظام السوري سيطرته على بلدة “عقيربات” في الريف الشرقي لحماة، وهروب عناصر تنظيم داعش (يقدر عددهم بنحو 350 مقاتل) إلى “جبل البلعاس”، تبعهم بضعة آلاف من المدنيين، وجرت محاولات لعقد تفاهم مشابه لما حصل في القلمون بين النظام السوري من جهة والتنظيم من جهةٍ أخرى، لخروج الأخير نحو محافظة “دير الزور”، لكن إصرار روسيًا منع حدوث هذا التفاهم.
وقد تكون الأسباب الموضوعية للمنطق الروسي يدور في فلك منع التنظيم من تنفس الصعداء بعد وصول عشرات المقاتلين إلى المحافظة التي تشهد صراعًا أحد أركانه القوات الروسية، ومن جانبٍ آخر وهو الأهم فعليًا، يتمحور حول عدم الرضا الروسي عن “التفاهم الناعم” الذي بدا في مراحله الأولى بين تركيا الضامن للمعارضة في مسار الأستانة، و”هيئة تحرير الشام”، فرغم المسعى الروسي لتسكين الوضع في الشمال السوري (إدلب وريفها) لضمان نجاح مخرجات مؤتمر الأستانة واتفاقية مناطق منخفضة التصعيد، فإنّها تُفضل أن تعمل “أنقرة” على تفكيك الهيئة وإنهاء وجودها حتى لو وصل الأمر لصدامٍ عسكري شامل.
لكن الرياح جرت بما لا تشتهي الطموحات الروسية، فعلى الرغم من تمتعها بانفراج في العلاقة بينها وبين تركيا، ذلك الانفراج الذي عززه إتمام صفقة صواريخ S400، وإهمالًا جزئيًا للدور الأمريكي في الشمال السوري، فروسيا تُريد، على ما يبدو، أن تمنع تركيا من امتلاك شوكةٍ وظيفية في الشمال السوري، تستخدمها بين الفينة والأخرى ضد النظام السوري، أو تساوم عليها ببعض الملفات المرتبطة، ليكون الخيارات المتتابعة المآلات، إذا عزمت تركيا خلال الأشهر القادمة على تفكيك الهيئة أو تحجيم دورهم للمستوى المطلوب، فهذا يعني الاعتماد على فصائل الجيش الحر في هذه المنطقة، وتصبح إمكانية استمرار الصدام مع نظام الأسد أقل توقعًا، فيما إذا أبقت على قوةٍ مغلفة للهيئة مع تخليصها من التيارات الأكثر تشددًا، فإن ذلك يُشير إلى أنه ثمة مرحلة متجهة صوب صدامٍ عسكري أوسع مع الأحزاب الكردية الموجودة في بلدة عفرين شمال حلب، هذا وإن طال أمدها.
الخيار الوحيد أمام الأتراك هو تحريك العجلة العسكرية نحو خطر الإرهاب الجديد، وربما تُجبرها الظروف على تحويل أنظارها عن الأحزاب الكردية، وهذا المنزلق الخطير هو البوابة التي تفتح المجال لتدخل روسي مع إيران
وبالمنظور العام فإن ظهور تنظيم “داعش” مجددًا في الشمال السوري، يُحمل الهيئة تبعاتٍ جسام قد تنتهي بفشل التفاهم مع الجانب التركي، الذي سُيغير حتمًا قواعد الاشتباك، وربما يكرر تجربة “درع الفرات” في بعض المناطق ولا سيما ريف حماة الشرقي التي ظهر بها التنظيم، مستعينًا بذلك بفصائل من الجيش الحر العاملة بمنطقة معركة “درع الفرات” وهذا ما ترفضه الهيئة لأسباب لا تتعلق بقناعات تأصيلية أو حتى سياسية، بل خشية زيادة الشرخ الداخلي الذي ربما يتحول تدريجيًا إلى فصام كلّي.
فالنار التي تستعر تحت الرماد، ربما يعلو لهيبها بولادة “تنظيم القاعدة” من جديد، بتحالف القوى القاعدة مع بقايا مخلفات الفصائل التي انضمت لتنظيم “داعش”، كجند الأقصى ولواء داوود ولواء العقاب الإسلامي، أو العناصر الهاربة من بقايا دولتهم في المنطقة الشرقية، فالجماعات الجهادية تفنى داخليًا، وتنتج نفسها بأُطر مصغرة، تصطدم مع بعضها بمسببات الخلاف الشرعي، ليتلاشى دورها أو يبتعد وجودها.
مآلات المعارك في ريف حماة الشرقي تحدد شكل الشمال السوري، أو بأجزاء كبيرة منه، فإذا فشلت الهيئة في طرد عناصر من التنظيم من بلدة “الرهجان” والقرى المحيطة بها خلال وقتٍ قصير، فإن التنظيم سوف يسعى إلى ترتيب صفوفه واستقطاب المجموعات التي كانت بانتظاره، ويبدأ بتهديد المدن والبلدات، وعلى الغالب لن تكون المهمة صعبة كون العلاقة بين الهيئة وباقي الفصائل غير جيدة، وحتى الحواضن الشعبية في بعض المناطق لاقت ذرعًا بممارسات الهيئة، وغير بعيد فصائل الجيش الحر التي تنتظر الفرصة للعودة إلى إدلب وريفها.
وهنّا يكون الخيار الوحيد أمام الأتراك هو تحريك العجلة العسكرية نحو خطر الإرهاب الجديد، وربما تُجبرها الظروف على تحويل أنظارها عن الأحزاب الكردية، وهذا المنزلق الخطير هو البوابة التي تفتح المجال لتدخل روسي مع إيران انطلاقًا من محاور الاشتباك المعتادة التي تُحيط بأرياف إدلب، انطلاقًا من حلب الجنوبي مرورًا بحماة الشمالي إلى جبلي التركمان والأكراد بريف اللاذقية.