شهد المجتمع العراقي استقرارًا نسبيًا في الآونة الأخيرة، لكنه ظل يواجه تحديات أمنية كبيرة، إحداها انتشار السلاح بمختلف أنواعه بين صفوف الفصائل المسلحة والمواطنين وأفراد القبائل، ما يثير المخاوف من تصاعد العنف وازدياد النزاعات العشائرية، وفي محاولة لاحتواء هذه المشكلة، دشّنت الحكومة العراقية حملة شاملة لجمع وشراء السلاح من المواطنين وضبط حيازته، بهدف إعادة الأمان والاستقرار إلى ربوع البلاد.
كشفت وزارة الداخلية العراقية في 28 فبراير/شباط الماضي، بأنَّ استراتيجيتها وخطتها التي وضعتها لحصر السلاح المنفلت عبر إجراءات الشراء من المواطنين مستمرة إلى نهاية العام الجاري 2024، قبل أن يتم التعامل وفق القانون مع المخالفين.
في المقابل انتقد خبراء أمنيون إجراءات الوزارة، كونها تسببت بارتفاع أسعار السلاح في السوق السوداء، مطالبين بتشديد عقوبات الحيازة والاتجار بالسلاح غير المرخص لتكون بمثابة رادع حقيقي.
آليات جمع السلاح وضبطه
يذكر الصحفي العراقي حمزة سلام أن الآليات التي تتبعها وزارة الداخلية العراقية في تنظيم عملية جمع السلاح تتم عن طريق مديريات الشرطة وبالتعاون مع الأمن الوطني وكذلك مع مختاري المناطق، بهدف تثبيت الأسلحة المراد تسجيلها.
يبيّن سلام في حديثه لموقع “نون بوست”، بأنّ عملية ترخيص الأسلحة تحمي صاحب البيت من المساءلة أثناء عمليات الدهم والتفتيش، لكن إذا احتفظ الشخص بأكثر من قطعة سلاح فهذا سيجعله تحت طائلة القانون
يلفت سلام أيضًا إلى أن عملية تمويل حملة شراء السلاح ستكلف العراق أموالًا طائلة كون هذه الأسلحة ليست رخيصة، وعلى الحكومة إيجاد طريقة ثانية في حصر السلاح بيد الدولة بدون هذه التكاليف، خاصة وأنّ من المرجّح أن تكون أغلب الاسلحة التي يتم جمعها غير فعالة وسيتم إتلافها، وبذلك نخسر الكثير من الجهد والمال.
وينوه إلى أن الأعداد التقديرية للأسلحة غير مرخصة في العراق تصل إلى الملايين بسبب ما حدث بعد عام 2003 والاستيلاء على مشاجب السلاح بأعداد كبيرة جدًا.
نزع السلاح المنفلت
يقول الخبير الأمني والإستراتيجي فاضل أبو رغيف إنّ حملة تقنين السلاح بدأت بالفعل وبشكل جدّي منذ مطلع فبراير/شباط الماضي، وجرى تخصيص ميزانيات مستقلة لكل قيادة شرطة في كل محافظة تناهز على مليار دينار (نحو 764 ألف دولار) بموجبها سيتم شراء هذه الأسلحة.
ويبيّن أبو رغيف في حديثه لموقع “نون بوست” أن عسكرة المجتمع العراقي تفاقمت بعد عام 2003 حينما ترك النظام السابق أكثر من 8 ملايين قطعة سلاح، لذا من المستبعد إنهاء ملف السلاح السائب، لكنها على أضعف الإيمان تؤدي إلى الحدّ من خطورته وتدفقه بين العشائر والمواطنين.
يعرب الخبير الأمني كذلك عن اعتقاده بأن هناك تعهدات ستؤخذ من قبل بعض العشائر وزعمائها بتشخيص المجموعات التي تقتني أسلحة وتدفنها في مزارعهم وفي أراضيهم، وستكون هناك قاعدة بيانات ومعلومات استخبارية حول من يتداولون هذه الأسلحة وسيعرض أي مسؤول عشائري نفسه للمساءلة القانونية بتهمة الإرهاب.
وأشاد أبو رغيف بالنجاح الذي حققته الأجهزة الأمنية في التصدي ومكافحة بيع السلاح المنفلت في الأسواق المحلية السوداء سيما في مناطق شرق القناة بالعاصمة بغداد، حيث تم السيطرة عليها بشكل مبرم.
وعن أهمية الاستمارة الإلكترونية التي أطلقتها الحكومة في هذا الخصوص، يوضح أبو رغيف بأنها ستكون بمثابة حوكمة وجرد وإحصاء وتبيان لجميع الأسلحة سواء كان متوسطة أو خفيفة أو حتى ثقيلة، ومراقبة الأسلحة المرخّصة التي في حوزة المواطنين.
من جانبه يقول الناشط أحمد شاكر من محافظة ذي قار، إنّ تكرار هذه الحملات من دون أي معالجة جذرية، هي مجرد علاج وقتي لوجود مشكلة أمنية أو نزاع عشائري كبير، وبعدها تعود الأمور إلى وضعها السابق وهو انتشار السلاح بشكل مفرط.
ويؤكد شاكر أنه لو نجحت حملة حصر السلاح بيد الأجهزة الأمنية فإن ذلك يسهم في التقليل من العنف والاستهتار، والنزاعات العشائرية، وسيكون هنالك استتبابًا أمنيًا وعدم الخروج عن القانون بمظاهر مسلحة، مع ضرورة القضاء على الأسواق السوداء لبيع تلك الأسلحة باعتبارها حالة غير حضارية وغير محمودة العواقب.
انعكاسات الحملة وتأثيرها
يأمل ناشطون عراقيون وخبراء أمنيون في أن تساهم حملة جمع السلاح بالتقليل من حوادث العنف المسلح والنزاعات العشائرية في البلاد.
ويرجّح الصحفي حمزة سلام أن تنجح حملة جمع السلاح الثقيل، في تقليل نسبة العنف المسلح في العراق باعتبار أن السلاح الثقيل هو أصل المشكلة اليوم في العراق أكثر من السلاح الخفيف، خاصة في النزاعات العشائرية المسلحة.
وحول فرص نجاح الحملة وسط انتشار العشائر المسلحة والجماعات الخارجة عن القانون، يعتقد سلام بأن هذه الحملة قد تنجح في المناطق الوسطى والغربية والشمالية للعراق، باعتبار أن هذه المناطق هي الأضعف اجتماعيًا في العراق، ولكنها لن تنجح في مناطق مثل البصرة وفي ذي قار، في ظل وجود جماعات خارجة عن القانون وعشائر لديها سطوة واسعة.
وشدد الصحفي العراقي على ضرورة تحديد الجهات الحكومية التي ينحصر بيدها السلاح وفي مقدمتها وزارتي الداخلية والدفاع، لأن هناك تشكيلات تعتقد أنها رسمية وتابعة للدولة لكنّ أفرادها غير منضبطين وهم جزء من مشكلة السلاح المنفلت، ويعزو سلام فشل المحاولات السابقة للقضاء على السلاح المنفلت إلى كون من يملك هذه الأسلحة سلطته أعلى من سلطة الدولة في الوقت الحاضر.