جمع التاريخ بين العرب والأتراك منذ آلاف السنين، فكانت لديهم مساهمات مشتركة في المجالات السياسية والثقافية والدينية والاقتصادية، ولم تشهد هذه العلاقة أي استثناءات حتى على المستوى الاجتماعي، فقد احتوت على الكثير من حالات الزواج، خاصة في السنوات الأخيرة عند تزايد عدد اللاجئين القادمين من مختلف البلدان العربية مثل سوريا وفلسطين وليبيا والعراق واليمن.
وصل عدد الأجانب الذين ارتبطوا بفتيات تركيا، إلى 3 آلاف و777 شابًا خلال عام 2016
السوريات في المرتبة الأولى بالزواج من الأتراك
في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي عاشها العرب، وخاصة الشعب السوري، والتي لعبت دورًا كبيرًا في تغيير الكثير من المفاهيم الاجتماعية، وبسببها أصبح من المعتاد السماع بزواج العرب من الأتراك أو العكس،
إذ كشفت مؤسسة الإحصاء التركية أن الرجال الأتراك لديهم ميول كبيرة للزواج من الأجنبيات بالمقارنة مع زواج الفتيات التركيات من الأجانب، إذ بلغ عدد الأجنبيات المتزوجات من أتراك 22 ألف و583 فتاةً عام 2016. هذا وتصدرت السوريات المرتبة الأولى من زواج الأجانب في تركيا، إذ أوضحت الإحصائيات أن 6 آلاف و495 فتاةً سورية تزوجت من تركي أي 28.8% من الأجنبيات كن سوريات، وتأتي بعدهن الألمانيات بنسبة 11.7% أي 2000 و644 حالة زواج، ويتبعهما الأذربيجانيات بنسبة 9.6% والتي يقدر عددهن بـ2000 و170 فتاةً.
أما بالنسبة إلى الشباب، فلقد وصل عدد الأجانب الذين ارتبطوا بفتيات تركيا، إلى 3 آلاف و777 شابًا ، ووصل عدد الشباب الألمان إلى ألف و338، بنسبة 35.4%، واحتلوا المرتبة الأولى، ليتبعهم السوريون 377 شخصًا بنسبة 10%، والنمساويون 291 شخصًا بنسبة 7.7%.
ما الذي يشجع البعض ويمنع البعض الآخر من هذا الارتباط؟
على اعتبار أن الزواج مسألة اجتماعية ويستند بشكل كبير إلى محددات ثقافية وشروط اجتماعية معينة، يصبح من المفضل أن يندمج الشريكان ضمن هذا السياق سويًا لتخطي الفجوات التي قد تؤثر على علاقتهما فيما بعد.
إذ يفضل البعض الارتباط بأشخاص لديهم ذات الخلفية الثقافية والمكانة الاجتماعية، حتى لا يواجهوا أي صعوبات سواء في التواصل أو في تربية الأطفال في المستقبل، ولا شك أن الاختلاف بحد ذاته قد يكون عامل إغراء للبعض الآخر في أحيان كثيرة.
الحايك: “لا أنكر أن الالتزام الديني الذي تتحلى به بعض الفتيات التركيات ساعد كثيرًا على إقناعي شخصيًا بالارتباط بإحداهن”
وعودة لحالات زواج العرب والأتراك، فإن هذه العلاقات استندت بشكل كبير إلى التشابه الثقافي والديني وتقارب العادات والتقاليد الاجتماعية التي يعتبرها البعض شروطًا أساسية للاقتران بأي شريك.
ففي حديث “نون بوست” مع علي الحايك، مهندس إلكترونيات ومتزوج من فتاة تركية منذ عام، قال: “بعدما قضيت أربع سنوات في إسطنبول واعتدت على نظام هذا البلد وعاشرت شعبه، أستطيع القول إنني لم أجد فوارق جوهرية بين ثقافتي العربية والثقافة التركية”، ويضيف “لا أنكر أن الالتزام الديني الذي تتحلى به بعض الفتيات التركيات ساعد كثيرًا على إقناعي شخصيًا بالارتباط بإحداهن”.
ويتابع الحايك أن اللغة لم تكن مشكلة بينه وبين زوجته التركية، لتعلمه اللغة التركية منذ مجيئه، وبالنسبة إلى زوجته فتتعلم اللغة العربية في الوقت الحالي، ويعتبر أن هذه الخطوة مهمة ليس فقط لتحسين لغة التواصل بينهما، بل أيضًا لأطفالهم فيما بعد، ويشير الحايك إلى أنه لا يجد فارق بين الفتيات العربيات والتركيات طالما كانت العادات والتقاليد من نفس النسيج الاجتماعي والخلفية الدينية.
وعند سؤال محمد باسل البانياسي، إعلامي سوري، عن سبب ارتباطه بفتاة تركية قال: “حقيقة، لم أكن أنوي الارتباط من تركية بسبب ضعف لغتي التركية، ولكن عندما تعرفت إلى خطيبتي التي تتحدث العربية الفصحى أعدت التفكير بالأمر، لأننا استطعنا اجتياز حاجز اللغة”.
ومن جهة الجانب الثقافي والاجتماعي صرح البانياسي أنه “لا يوجد اختلافات ثقافية جوهرية بين الشعبين، ولكن هناك بعض العادات الاجتماعية التي قد تختلف بحسب العائلة، ومن أجل تسهيل الزواج قد تتخلى بعض العائلات عنها”.
كذلك أوضح البانياسي أن الدين ليس الدافع الرئيسي لارتباطه بفتاة تركية، إلا أنه في نفس الوقت كان يبحث عن الالتزام في شريكة حياته، بغض النظر عن الجنسية، رغم المحاولات السياسية التي اتبعتها تركيا سابقًا للتخلص من مظاهر الدين والتدين في البلاد وشعبها.
التركية غولسان: “احتجت الكثير من الشجاعة لاتخاذ قرار الزواج من عربي سوري وذلك لأنني سأتعرض للكثير من الأسئلة من العائلة والأصدقاء والمجتمع”
وأضاف البانياسي أن من أكثر الصعوبات التي يواجها هي تعلم اللغة التركية التي بدأ بتعلمها مؤخرًا، بغرض الاندماج مع المجتمع التركي الذي أصبح جزءًا من محيطه، ويشير البانياسي إلى أن غياب عائلته يعيقه عن أداء بعض الواجبات الاجتماعية مثل الزيارات والعزائم وخاصة في رمضان والعيد وغيرها من المناسبات المشتركة بين الثقافتين.
أما بالنسبة لخطيبته، غولسان صوفرجي، خريجة كلية الإلهيات ومعلمة دين، تقول: “احتجت الكثير من الشجاعة لاتخاذ قرار الزواج من عربي سوري وذلك لأنني سأتعرض للكثير من الأسئلة من العائلة والأصدقاء والمجتمع”، ومن أكثر الأسئلة التي تتلاقها سفرجي هي ما إذا كانت ستذهب إلى سوريا بعد أن تتزوج.
وترى صوفرجي أن “المجتمع التركي لا يرفض مبدأ الزواج من عربي، ولكنه يندهش من الفكرة ذاتها، فالناس هنا تهتم بالتفاصيل كثيرًا وتروج إلى أمور غير صحيحة تمامًا، ومن الأمثلة التي يتناقلها الأتراك عن العرب في تركيا أنهم عاطلون عن العمل أو يقدمون على الزواج من تركية للحصول على الجنسية، أي زواج منفعة”. على حد قولها.
وأجابت صوفرجي عما يخيف بعض العائلات التركية من الشاب العربي: “يخاف الأهل أن تسافر ابنتهم إلى خارج تركيا وابتعادها عنهم في مكان غريب، وخاصة على سوريا وما يجري فيها من أوضاع مؤلمة ومؤسفة”.
وكذلك في حوار آخر مع طالبات تركيات عن مدى تقبلهم وتقبل عائلاتهم بالزواج من عربي، قالت سيمجيه بيلتلي 22 عامًا: “أعتقد أن الجنسية لا تشكل عائقًا أساسيًا، ولكن الاختلافات البسيطة التي عاشها كلانا قد تجعلني أعيد التفكير بهذه الخطوة، لكنها لا تمنع هذا الارتباط”.
بالنسبة إلى البعض الآخر، والذين لم ينجحوا في الارتباط من فتيات تركيات، فمن وجهة نظرهم أن العائلة كانت العائق الأكبر في إتمام الزواج، ويعود السبب إلى النظرة النمطية التي ينظرها بعض الأتراك إلى العرب
هذا وتعتقد ديران زنقين، 24 عامًا، أن “فكرة الزواج من عربي واردة جدًا بالنسبة لها”، مضيفة: “خاصة أن لديّ العديد من الأصدقاء العرب والذين ساعدوني كثيرًا على تغيير أفكاري السابقة عن المجتمعات العربية”، وتوضح زنقين “كان من الصعب أن أفكر بهذا الأمر من قبل، لأسباب عديدة أحدها عدم وجود لغة مشتركة بيننا، وأنهم يجبرون المرأة على الجلوس في البيت أو تغطية وجهها بالكامل مثلًا”، وتتابع “لكن الآن، طريقة تفكيري تغيرت فأنا لا أعمم وأومن بأن هذا الأمر مرتبط بالشخص نفسه لا بجنسيته أو دينه أو لونه”.
أما بالنسبة إلى البعض الآخر، والذين لم ينجحوا في الارتباط من فتيات تركيات، فمن وجهة نظرهم أن العائلة كانت العائق الأكبر في إتمام الزواج، ويعود السبب إلى النظرة النمطية التي ينظرها بعض الأتراك إلى العرب أنهم يفتقرون إلى قيم احترام النساء وتقدريهن، وأسباب أخرى تتعلق بالأمور السياسية والأمنية.
ويعتبر بعض الأخصائيين الاجتماعيين أن ظاهرة زواج العرب من الأتراك والعكس، ستزيد علاقة القرابة بين المجتمعين، وستخلق مفاهيم جديدة في المجتمع التركي والعربي، قائمة على مبادئ الاحترام والتعايش وتقبل الآخر بشكل قوي.