تعمل التكنولوجيا على تغيير حياتنا وعملنا وطريقة عيشنا وتفاعلنا مع العالم من حولنا، ومع دخولنا الربع الثاني من العام الجديد 2024، من المُتوقع أن تُعيد بعض القوى الناشئة والتقنيات الجديدة والمُتطورة تشكيل المُستقبل بشكلٍ لم نعهده من قبل، وتحديدًا أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي ونماذج اللغات الكبيرة (LLM)، النظامان اللذان سيُدمجان في كل منتجٍ تقريبًا سنراه الفترة القادمة. لنُلقي نظرة معًا على أهم الاتجاهات التكنولوجية التي ستُشكل ما تبقى من عام 2024.
الذكاء الاصطناعي في كل مكان
يمكن القول إن سباق التسلُّح بالذكاء الاصطناعي أضحى يشتد ويهيمن بقوة على شركات التكنولوجيا، حيث تتسابق شركات تصنيع الرقائق مثل كوالكوم وإنتل في تقديم شرائح متطورة ومعبأه بوحدة معالجة عصبية قوية ومحرك مخصص لدعم تقنيات الذكاء الاصطناعي، حتى عملاق التكنولوجيا مايكروسوفت أبلغ الشركات التي سيعمل نظام التشغيل الخاص به (ويندوز) على أجهزتها، بضرورة تقديم زر مخصص للذكاء الاصطناعي على لوحة المفاتيح الخاصة بتلك الأجهزة من أجل تسهيل الوصول إلى روبوت الدردشة Copilot AI المضمن في ويندوز 11.
ليس هذا فحسب، فهواتفنا الذكية التي لطالما استخدمت تقنيات مثل التعلم الآلي لتحسين صورنا وجعل مكالمتنا أوضح وأفضل، بدأت في الاعتماد بشكل أقوى على الذكاء الاصطناعي، حيث يخطط العملاق الكوري سامسونج، لإطلاق هواتف جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي مباشرة بعد معرض CES.
لكن المُثير للاهتمام أن الشركات الناشئة تتطلع إلى ما هو أبعد من الهواتف الذكية التقليدية مثل Humane، وهي شركة ناشئة في كاليفورنيا، تمكنت من الحصول على تمويل بملايين الدولارات، لإصدار دبوس يعمل بالذكاء الاصطناعي ليحل محل الهاتف، ويمكن لهذا الدبوس الاندماج في أنشطتك اليومية بكل سهولة كما يستطيع عرض البيانات على يدك بواسطة الليزر.
وتخطط شركة أخرى، وهي رابيت، لعرض جهاز محمول جديد يمتاز بصغر حجمه مع قدرته على التعامل مع الأوامر الصوتية المعقدة والمتعددة بكل سلاسة ليجعل سيري وآليكسا أغبياء مقارنة به.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، تتزايد القطاعات التي بدأت في العمل بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك السيارات العادية وذاتية القيادة والصحة والروبوتات والتصنيع وحتى الدراجات الكهربائية.
نظارات الواقع المختلط والحوسبة المكانية
هذا هو العام الذي سوف تتسابق فيه الشركات من أجل تقديم صورة مُحسنة عن العوالم الأخرى (الواقع الافتراضي والمعزز والمختلط)، ونستطيع أن نقول إن آبل قدمت لنا لمحة عن مستقبل الحوسبة المكانية من خلال نظارة الواقع المختلط الخاصة بها فيجين برو التي تأتي بإمكانيات مذهلة وتسمح للمستخدم بالتفاعل مع التطبيقات والعالم المحيط به عبر الإيماءات وحركة العين واليد.
وللحاق بالركب ومنافسة آبل، قررت سامسونج التعاون مع جوجل لتقديم نظارة ذكية يمكنها منافسة فيجين برو. وفي الوقت نفسه، تواصل شركة الرقائق كوالكوم تطوير إنتاج إصدارات محدثة من معالجات XR الخاصة بها، التي توفر جودة أعلى لعرض الصور بشكل أكثر وضوحًا وتفصيلًا أمام عين المستخدم، كما تدعم المزيد من الكاميرات لتتبع العينين واليدين والعالم المحيط بالمستخدم بشكل أحسن من السابق.
تكنولوجيا الصحة المنزلية أصبحت أكثر شخصية
ربما يتطور الذكاء الاصطناعي بشكل مخيف، لكنه مع ذلك لن يستطيع أن يحل محل الطبيب، ومع ذلك سوف تظهر تقنيات ومنتجات متخصصة في الرعاية الصحية لتحاول العناية بصحتك وتتبعها دون الحاجة للذهاب للطبيب.
على سبيل المثال، طورت الشركة الفرنسية Withings – التي أحدثت ضجة العام الماضي عندما عرضت جهاز تحليل البول – جهازًا مُتعدد الوظائف يتيح للأشخاص قياس درجة حرارتهم، والتحقق من مستويات الأكسجين في الدم، وقياس وتخزين النتائج من خلال سماعة الطبيب الرقمية.
علاوة على ذلك، تخطط شركات أخرى لعرض أجهزة استشعار متطورة مثل سماعات الأذن اللاسلكية التي يقال إنها تتتبع قلب الشخص ومدى صحته بشكل دقيق.
مستشعر Withings/Body+ – المصدر: متجر آمازون
كما ستظهر شركات أخرى لتعلن عن أدوات تعمل بالذكاء الاصطناعي وتُركز على معالجة القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على حياة الناس ولم تحظ باهتمام أو شهرة، مثل إحدى الشركات الناشئة في أيرلندا التي تعتزم إطلاق جهاز استشعار يمكنه تتبع أعراض انقطاع الطمث، في حين تزعم شركة أخرى من كوريا الجنوبية أنها طورت أداة من شأنها أن تزيد من حركة الحيوانات المنوية لدى مرتديها.
عمالقة التكنولوجيا ومكافحة الاحتكار
يبدو أن القبضة الحديدية التي كان يتمتع بها عمالقة التكنولوجيا مثل فيسبوك ومايكروسوفت وآبل وجوجل وأمازون باتت متهالكة ولم تعد بالقوة التي عهدناها سابقًا، والآن سنبدأ في رؤية تغييرات مهمة الفترة القادمة، حيث بدأ هجوم شرس ومتزامن من المنظمين في أمريكا والاتحاد الأوروبي وبلدان أخرى في العالم على حراس البوابة (مصطلح كشف عنه الاتحاد الأوروبي ليصف أي شركة لديها القدرة على تقييد الوصول إلى خدمات أساسية مثل الإعلانات والاتصالات والتطبيقات والبحث على الويب) وعلى رأسهم جوجل وآبل، فوجد المحلفون في قضية جوجل ضد شركة إيبيك (مطورة لعبة فورتنايت) أن عملاق البحث الذي يمتلك أندرويد نظام التشغيل الأكثر شهرة واستخدامًا في العالم، يدير متجره “بلاي ستور” عبر ممارسات احتكارية.
كما تُقاضي وزارة العدل الأمريكية وعدة ولايات شركة جوجل بسبب مزاعم بأنها تخنق المنافسة في البحث بشكل غير قانوني، ومن المتوقع أن يتم الاستماع إلى المرافعات الختامية في شهر مايو/أيار من العام الحاليّ.
أيضًا، تخوض لجنة التجارة الفيدرالية معركة قانونية مع عملاق التجارة الإلكترونية أمازون بسبب مخاوف من أن الشركة تضر بالبائعين والمتسوقين وتمنع المنافسة العادلة بهدف ربح مليارات الدولارات.
نفس الأمر مع آبل ومتجرها “آب ستور” حيث سيُجبرها قانون الأسواق الرقمية DMA (دخل حيز التنفيذ يوم 6 مارس/آذار) على القيام بتغييرات ملحوظة داخل متجرها وعلى أجهزتها المختلفة بما في ذلك السماح بالتحميل الجانبي (تحميل تطبيقات بعيدًا عن آب ستور) وإمكانية اختيار متصفح آخر بخلاف سفاري، كما سيتوجب عليها تغيير قواعدها الصارمة داخل متجرها وإتاحة طرق دفع بديلة.
تفشي تقنية الاتصال بالأقمار الصناعية
قد تعتقد أن آبل أول من قدمت فكرة تقنية الاتصال عبر الأقمار الصناعية عندما أعلنت عن الميزة في تشكيلة آيفون 14، لكن يجب أن تكون على دراية بأن شبكات الهاتف عبر الأقمار الصناعية موجودة منذ عقود، لكن فكرة اتصال الأشخاص العاديين بالأقمار الصناعية لم تكن سائدة إلا في السنوات الأخيرة، ومع ذلك، خلال العام الجاري 2024، تقترب بعض الشركات من جعل أنواع أخرى من اتصالات الأقمار الصناعية العملية حقيقة واقعة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أطلقت شركة SpaceX المملوكة لمالك منصة إكس إيلون ماسك، ستار لينك وهي عبارة عن خدمة قائمة على الأقمار الصناعية المصممة لتكون بمثابة أبراج خلوية تدور حول الأرض، مما يعني أن الإشارة لن تكون ضعيفة أو غير موجودة سواء كنت في الصحراء أم المحيط أم القطب الجنوبي أم حتى في أي منطقة نائية أخرى.
لكن “سبيس إكس” ليست الوحيدة، فقد تمكنت أمازون هي الأخرى من بناء خدمة الإنترنت ذات النطاق العريض العالمية الخاصة بها القائمة على الأقمار الصناعية، وتخطط لبناء وإطلاق ما يكفي من الأقمار خلال الأشهر القليلة المقبلة لبدء التجارب مع العملاء المحتملين في وقت لاحق من هذا العام.
في الختام، هذه أهم الاتجاهات التكنولوجية التي ستُشكل عالمنا هذا العام، ونستطيع أن نقولها بصراحة، 2024 سيكون عامًا حافلًا بالتطورات التكنولوجية الاستثنائية التي سوف تُهيمن على مستقبلنا وتغيير حياتنا بشكل كبير الأعوام القادمة.