وصل يوم أمس الجمعة رئيس الجمهورية العراقي فؤاد معصوم، مدينة السليمانية بزيارة عاجلة للتباحث بشأن تطورات الأزمة بين بغداد وأربيل، نافيًا مكتبه فيما بعد حمل معصوم أي رسائل محددة أو شروط من حكومة العبادي لأربيل، فيما صرح نجيرفان البرزاني رئيس وزراء إقليم كردستان العراق متهمًا العبادي بتحشيد قوات عراقية على أطراف مدينة كركوك، داعيًا كل من المرجع الشيعي السيد علي السستاني والأمم المتحدة للتدخل لـ”منع وقوع موجهات”.
فيما صرح أمين عام منظمة “بدر” هادي العامري خلال وجوده جنوب كركوك قائلاً: “على قوات البيشمركة الانسحاب من المناطق التي كانت تحت سيطرة الجيش العراقي إلى يوم 9 من يونيو 2014″، وتأتي رمزية وجود العامري جنوب كركوك معززةً لتصريح سابق لأحد أعضاء البرلمان العراقي عن كتلة دولة القانون عن تحركات للقوات العراقية والحشد الشعبي لاستعادة السيطرة على آبار النفط في كركوك، بينما نفى قيادي ثانٍ في الحشد وجود خطة للهجوم على البيشمركة أو أن تحركات الحشد في جنوب كركوك هي تحشيد للهجوم على المدينة واستعادة السيطرة عليها، وإنما إعادة انتشار خوفًا من خروقات أمنية متعلقة بالحرب على داعش.
عززت البيشمركة الكردية وجودها في مدينة كركوك بإرسال 6000 مقاتل إضافي حسب تصريح كوسرت رسول نائب رئيس إقليم كردستان العراق
وكانت قوات البيشمركة الكردية في وقت سابق من يوم الخميس الماضي قد عززت وجودها في مدينة كركوك بإرسال 6000 مقاتل إضافي حسب تصريح كوسرت رسول نائب رئيس إقليم كردستان العراق، وذلك تحسبًا لأي هجوم من القوات العراقية.
فيما التزمت بغداد بنفيها النية للقيام بعملية عسكرية، وكان قد صرح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قائلاً: “لن نستخدم جيشنا ضد شعبنا، أو نخوض حربًا ضد مواطنينا الكرد”.
الوضع على الأرض في كركوك
بعيدًا عن تصريحات النفي والاتهام بين بغداد وأربيل فإن الواقع على الأرض يشير أن القوات العراقية المسنودة بقوات الحشد الشعبي بعد استعادتها لمركز قضاء الحويجة في 5 من أكتوبر 2017، بدأت فعليًا في التوسع على كل بقعة جغرافية غير مسيطر عليها من قبل القوات الكردية في محافظة كركوك.
خارطة محافظة كركوك الإدارية
رغم دخول القوات العراقية لمركز قضاء الحويجة منذ حوالي 8 أيام فإن هناك عدد من القرى في أطراف الحويجة ما زالت غير مؤمنة وهناك مخاوف من وجود جيوب مقاومة تابعة لداعش فيها، ومع اقتراب القوات العراقية من مناطق وجود القوات الكردية في جنوب ناحية تازة وتحديدًا شمال ناحيتي الرشاد والرياض، انسحبت قوات البيشمركة دون أي قتال من نقاط وجدوها في جنوب ناحية تازة لتتمركز في شمالها لتجنب التصادم وأيضًا لتعزيز حماية المناطق الغنية بالنفط.
لا توجد بوادر مواجهة مسلحة رغم استعداد كل الأطراف لهذا الخيار في كركوك
هذا الأمر خلق فجوة أمنية دفعت القوات العراقية لتعزيزها وإعادة الانتشار فيها لضمان عدم التفاف داعش للسيطرة عليها، وأيضًا أخذ وضع متقدم لو كان هناك أي نية لحملة عسكرية تجاه كركوك.
إلى لحظة كتابتي للتقرير لا توجد بوادر مواجهة مسلحة رغم استعداد كل الأطراف لهذا الخيار في كركوك، لكنه ما زال مستبعدًا خاصة مع العلم أن الجانبين لديهم الكثير من المحاذير من نشوب صدام مسلح جديد خاصة أن الحرب مع داعش لم تختم بشكل كامل.
أهمية كركوك
رغم قيمة كركوك التاريخية التي تصل لخمسة آلاف سنة وتعدد المشارب الثقافية التي تسكن أرضها وذخرها بالعنصر البشري حيث يبلغ سكان محافظة كركوك ما يقارب المليون ونصف نسمة يشكل المسلمون منهم 95% وتتكون من قوميات مختلفة عربية تركمانية وكردية، فإن أهميتها لا تكمن بما هو فوق الأرض بل بحجم الثروة التي تقع تحت أرضها.
تضم كركوك 40% من النفط العراقي كما تنتج 70% من الغاز الطبيعي للبلاد
حيث تضم ما يقارب 40% من النفط العراقي في ستة حقول نفطية أكبرها في مدينة كركوك نفسها، كما تحتوي على الغاز الطبيعي بنسبة 70% مما ينتجه العراق مما يجعلها ثاني أغنى مدن العراق بعد البصرة.
هذا الكم من الثروة جعل كركوك عقدة من المصالح المتشعبة وجعل لبغداد وأربيل وحتى دول إقليمية يدًا في معادلة كركوك التي يبدو أنه لن يتم حلها بسهولة.
النفط جذر المشكلة الرئيسية بين بغداد – أربيل
بالعودة لجذور المشكلة بين بغداد وأربيل فإن موضوع النفط هو الصفة الأبرز التي دفعت بالأمور إلى ما وصلت إليه اليوم، فالوضع تأزم بين أربيل وبغداد بعد إعلان الأخيرة قطع رواتب موظفي الإقليم على خلفية اتهامات رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي للإقليم بتجاوز صلاحياته ببيع نفط الإقليم وعدم تسليم أموال صادراته للحكومة المركزية، مما دفع بغداد لقطع موازنة الإقليم البالغة 17% من موازنة العراق الاتحادية، الأمر الذي وضع أربيل بموقف حرج أمام مواطنيها، مما أدى للجوئها إلى أنقرة لاحقًا للاقتراض لسد عجز ميزانية الموظفين لديها.
العامل التركي حاضر في معادلة كركوك الاقتصادية لأن نفط وغاز كركوك يصدران عبر أنبوب ينقلهما لميناء جيهان التركي الأمر الذي يجعل تركيا أحد الأرقام في معادلة كركوك الاقتصادية بين بغداد وأربيل
ورغم التصريحات النارية بين أطراف النزاع التي طفت على السطح بعد عزم الإقليم إجراء استفتاء للانفصال عن العراق ثم نجاحه بذلك، فإن المدقق في الرسائل بين بغداد وأربيل يدرك أن النفط والاقتصاد هما المحرك الأساسي للمشكلة وهما نفسهما المحرك الأساسي للحل، فيظهر ذلك جليًا في مقترح وزارة الثروات الطبيعية بحكومة إقليم كردستان الذي يتحدث في 4 بنود عن دفع رواتب موظفي الإقليم من قبل بغداد وكذلك دفع 17% من الميزانية التشغيلية الاتحادية للإقليم والإيفاء بالالتزامات المالية مع شركات النفط العاملة في كردستان، أو تقديم 17% من مجمل صادرات العراق من النفط للإقليم مقابل إيفاء الإقليم بالنقاط الأربعة الأولى وتسليم صادرات الإقليم لبغداد لتحسب ضمن الميزانية الاتحادية، إذًا النفط بالأساس ما يجعل كركوك ملتهبة ومهمة بهذا القدر.
خط كركوك – جيهان النفطي
كما أن العامل التركي حاضر في معادلة كركوك الاقتصادية لأن نفط وغاز كركوك يصدران عبر أنبوب ينقلهما لميناء جيهان التركي الأمر الذي يجعل تركيا أحد الأرقام في معادلة كركوك الاقتصادية بين بغداد وأربيل.
سيناريوهات مستقبل الأزمة في كركوك
لا يمكن الجزم بشكل من الأشكال بما سيأول له مستقبل الأزمة في كركوك والتي تشكل أحد أبرز أعمدة الخلاف بين بغداد وأربيل، لكن المتوقع بقاء التأزم بشكل عام دون اندلاع مواجهات مباشرة كبيرة بين قوات الحشد الموجودة في كركوك وقوات البيشمركة، خاصة إذا علمنا أن غالبية القوات الكردية المتمركزة في كركوك تابعة للحزب الوطني الكردستاني المقرب من إيران، مما يجعل احتمالية اندلاع مواجهات موسعة بين طرفين تمتلك إيران نفوذ داخلهما أمرًا مستبعدًا.
يمكن القول إن وجود كركوك بيد الأكراد مسألة حياة أو موت إذا تحدثنا عن دولة مستقلة عن العراق
إضافة إلى أن احتمالية تدخل الأتراك في قضية كركوك عسكريًا بات شبه مستحيل بعد تجربة تركيا غير المنجزة عسكريًا في سوريا، وخوف الأتراك من فتح جبهة استنزاف في العراق يقودها حزب العمال الكردستاني لتمتد للداخل التركي.
إن بقاء كركوك جزء من كردستان يعني وجود أمل بتكوين دولة مستقبلية باعتبار كركوك مفتاح الاقتصاد الذي ستعتمد عليه الدولة الوليدة، لذلك يمكن القول إن وجود كركوك بيد الأكراد مسألة حياة أو موت إذا تحدثنا عن دولة مستقلة عن العراق، ومسألة قابلة للتفاوض والحل لو كنا نتحدث عن عراق فيدرالي موحد، ولحين تقرير الفواعل الإقليمية والدولية أي الخيارين سيتم ترجيحه – بقاء عراق موحد أو انفصال كردستان – ستبقى كركوك مدينة تعيش على صفيح ساخن.