أصدرت محكمة العدل الدولية أوامر للاحتلال الإسرائيلي، في 26 يناير/كانون الثاني 2024، تنوعت ما بين اتخاذ جميع التدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية، ومنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على جريمة الإبادة الجماعية، واتخاذ خطوات فورية وفعالة لضمان توفير المساعدة الإنسانية للمدنيين في غزة، والتأكيد على محافظة “إسرائيل” على أدلة الإبادة الجماعية، وتقديم تقرير إلى المحكمة في غضون شهر بشأن امتثالها لأوامر المحكمة.
في المقابل فإن الاحتلال الإسرائيلي وعلى النقيض تمامًا منذ صدور القرار وحتى نهاية فبراير، قتل أكثر من أكثر 3847 فلسطينيًا، من بينهم 1306 أطفال و807 سيدات، إضافة إلى إصابة نحو 5119 في الوقت الذي تقدر بعض الجهات وجود قرابة 8 آلاف شخص تحت الأنقاض والشوارع بحسب إفادات حكومية.
مؤشرات الإخلال بالقرار الدولي
بحسب المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان، فإن هناك ستة مؤشرات على عدم التزام الاحتلال الإسرائيلي بقرارات المحكمة تتمثل في الإبادة الجماعية والإبادة الجماعية بإلحاق أذى بدني أو معنوي جسيم، والمؤشر الثالث: الإبادة الجماعية بفرض أحوال معيشية يقصد بها التسبب عمدًا في إهلاك مادي والتجويع وعرقلة وصول الإمدادات الإنسانية والإبادة الجماعية بفرض تدابير تستهدف منع الإنجاب، والتحريض العلني على الإبادة الجماعية.
تتوافق هذه المؤشرات التي رصدتها مؤسسات حقوقية مع وقائع مماثلة على الأرض مثل أعداد الوفيات الناجمة عن الجفاف وحالات القتل على الهوية والإعدامات اليومية الميدانية في مناطق التوغل البري والاستهداف المركز لمناطق النازحين.
وبحسب بيانات حصل عليها “نون بوست” من المكتب الإعلامي الحكومي، فإن الاحتلال ارتكب 2675 مجزرة، فيما بلغت أعداد الشهداء والمفقودين قرابة 38 ألف، منهم 30.534 شهيدًا وصلوا إلى المستشفيات، في حين استشهد 15 طفلًا نتيجة المجاعة.
عرض هذا المنشور على Instagram
وفقًا لهذه البيانات فإن هناك قرابة 71.920 مصابًا، في الوقت الذي يوجد فيه 17000 طفل يعيشون دون والديهم أو دون أحدهما، عدا عن وجود 11 ألف جريح بحاجة للسفر للعلاج “إنقاذ حياة وخطيرة”، إلى جانب 10 آلاف مريض سرطان يواجهون خطر الموت.
ومن الجرائم البارزة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي منذ صدور قرار المحكمة استهداف النازحين الجوعى في “دوار النابلسي” جنوبي غربي مدينة غزة، في مشهد يعكس تعمد الاحتلال استهداف الفلسطينيين خلال انتظارهم لشاحنات المساعدات.
لا تعتبر هذه المجزرة الوحيدة التي ارتكبها الاحتلال واستهدفت النازحين، فقد سبق وأن تعمد استهداف النازحين الجوعى خلال انتظارهم للشاحنات الواردة على منطقة “دوار الكويت” شرق مدينة غزة عدة مرات، ما تسبب في استشهاد العشرات.
بالتوازي مع ذلك، فإن الاحتلال عرقل وصول الإمدادات الغذائية، فيما سمح ببعض عمليات الإنزال الجوي لمواد غذائية كانت شحيحة إلا أنه تعمد استهداف النازحين خلال محاولتهم الوصول لهذه المساعدات، وهو ما يعني سلوكًا إسرائيليًا واضحًا لتعزيز الجوع.
فوق القانون
في الأثناء، يقول رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الاحتلال يواصل انتهاك القانون الدولي بقواعده الآمرة بارتكابه جريمة الإبادة الجماعية، في إطار تنفيذه انتهاكات جسيمة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والقائمة كجرائم مستقلة بحد ذاتها، ضد الفلسطينيين وعلى نحو كلي في قطاع غزة.
ويضيف عبده لـ”نون بوست” أن الاحتلال خرق وبشكل متكرر قرار محكمة العدل الدولية، واتفاقية حظر الإبادة الجماعية التي صادق عليها، وهو ما يتطلب تحركًا من دولة جنوب إفريقيا وكل الدول الأعضاء في المحكمة باتخاذ الإجراءات اللازمة.
ووفق رئيس المرصد الأورومتوسطي فإن من بين القرارات المطالبة الدول باتخاذها هي قطع كل أشكال العلاقات السياسية والاقتصادية، والأهم من ذلك العسكرية، باعتبار أن الاستمرار في هذه العلاقات يعتبر شكلًا من أشكال الدعم والموافقة على انتهاك قرار محكمة العدل الدولية، وبالتالي تشجيعًا لـ”إسرائيل” للمضي في إبادة الشعب الفلسطيني.
ويطالب المجتمع الدولي بالاضطلاع بالتزاماته القانونية والدولية تجاه سكان قطاع غزة، وضمان تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية بالعمل فورًا على وقف جريمة الإبادة الجماعية، التي أقرت المحكمة رسميًا بشبهة وقوعها في القطاع.
ويؤكد عبده أنه ينبغي الضغط الدولي على نحو حاسم لإدخال المساعدات الإنسانية الضرورية إلى قطاع غزة بشكل فوري وسريع ودون عوائق، من أجل وقف انتشار المجاعة في القطاع، والضغط لدخول لجان التقصي والتحقيق الدولية والأممية إلى القطاع منعًا لتدمير الأدلة المرتبطة بالجرائم التي ترتكبها “إسرائيل” هناك.
وقف تصدير الأسلحة
خلال الشهر الأخير وبعد تصاعد الجرائم الإسرائيلية رغم قرار محكمة العدل العليا، فإن أصواتًا دولية نادت بضرورة وقف نقل الأسلحة والذخيرة إلى الاحتلال خاصة إذا تم استخدامها في غزة كون هذا الأمر ينتهك القانون الدولي الإنسان.
وفي 23 فبراير/شباط 2024 أصدر أكثر من 30 خبيرًا أمميًا مستقلًاً توصية بضرورة وقف أي نقل للأسلحة أو الذخيرة إلى “إسرائيل”، باعتبار أن مثل هذا النقل للأسلحة والذخيرة، محظور حتى إذا لم تكن الدولة المُصدرة تنوي أن تستخدم الأسلحة في انتهاك القانون أو تعلم يقينًا أنها ستُستعمل بمثل تلك الطريقة، طالما وجد خطر واضح لذلك.
وبحسب التوصية، فإن جميع الدول مطالبة بضمان احترام القانون الدولي الإنساني من أطراف الصراع المسلح بموجب معاهدات جنيف لعام 1949 والقانون الدولي العرفي، وبالتالي، كما قال الخبراء، يتعين على الدول الامتناع عن نقل أي أسلحة أو ذخيرة أو قطع غيار إذا كان من المتوقع – بالنظر إلى الحقائق وأنماط السلوك السابقة – أنها ستُستخدم لانتهاك القانون الدولي.
ووفق اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، فإن الدول الأطراف مطالبة باستخدام كل السبل المتاحة لها بشكل معقول لمنع ارتكاب إبادة جماعية في دولة أخرى بقدر الإمكان، وهو ما يتطلب وقف تصدير الأسلحة في ظل الظروف الراهنة.
ووسط كل هذه التوصيات والمطالبات الدولية فإن القانون الدولي يبدو عاجزًا عن وقف الإبادة والقتل بحق الشعب الفلسطيني، في ظل الحماية التي توفرها الولايات المتحدة لطفلها المدلل في منطقة الشرق الأوسط “إسرائيل” سواء عبر عرقلة القرارات المختلفة في مجلس الأمن أم عدم التدخل الكافي لوقف الحرب بشكلٍ كامل.