على مدار الأعوام الماضية، تعامل المواطنون في البلاد الشرق أوسطية على أن حقهم في المعرفة والوصول إلى المعلومات مُقنن، أي أنه يسير على نظام عكس ما يسير عليه في بقية البلدان التي تمنح مواطنيها حق الوصول للمعلومات عبر شبكة الإنترنت بحرية وسرعة ودون مراقبة، هذا يعني أن حقهم ذلك من الممكن سحبه في أي وقت بأمر من الحكومة، أو من الممكن تقنينه أو تجزأته والسماح ببعض منه وحجب البعض الآخر.
لا يختلف الأمر كثيرًا حين نقارن بين حق المواطن في الوصول إلى المعرفة عبر شبكة الإنترنت، وحقه في استخدام التكنولوجيا لتسهيل كل العمليات الرقمية الخاصة بأمور حياته، كاستخدام الاتصالات الصوتية عبر تطبيقات الهواتف الذكية، أو حين نُقارن كل ذلك بحوادث قطع الإنترنت المتعمد من الحكومات أيضًا، كل ذلك يعني شيئًا واحدًا، أن الدول الشرق أوسطية لا تستخدم سياستها الرقمية إلا في خدمة مصالحها وليس لتعزيز حق المواطن في المعرفة.
في عام 2011، كانت الحكومة المصرية شديدة القلق بسبب الحراك الشعبي آنذاك، ذلك بعد تزايد أعداد الجماهير المتظاهرة في الشوارع والتي كانت تهتف برحيل الرئيس السابق مبارك وتدعو لسقوط النظام، لم يكن هناك حلًا أمام الحكومة المصرية آنذاك إلا أن تقطع الإنترنت في سبيل تقليل أعداد المتظاهرين، بالطبع لم تكن تلك النتيجة، لتتكبد الحكومة المصرية خسائر جراء قطع الإنترنت قُدرت بـ90 مليون دولار بحسب منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD).
قائمة الدول التي ينقطع فيها الإنترنت
“دعه يعمل” أكثر الحملات المهمة في محاربة قطع الإنترنت حول العالم
ربما كان هدف الحكومة المصرية في ذلك الوقت تقليل أعداد المتظاهرين، إلا أنها لم تعرف آنذاك أن التكنولوجيا الرقمية تمثل عاملًا مهمًا من عوامل التنمية الاقتصادية في هذا العالم الذي نعيش فيه اليوم، لم تكن مصر الوحيدة، بل تبعها 55 انقطاعًا متعمدًا للإنترنت عام 2016 وحدها من قبل الحكومات والأسباب تختلف، فبعضها يكون أمنيًا، وبعضها للحماية من الإرهاب، والبعض الآخر للتعتيم على عمليات خاصة بالحكومة وحدها.
لنكون أكثر تحديدًا، تتكون أغلبية قائمة الدول التي شهدت انقطاعًا متعمدًا من الحكومات للإنترنت خلال عام 2015 وصولًا إلى عام 2016 من دول عربية أو شرق أوسطية في الأساس، أكثرها تعرضًا للانقطاع سوريا والعراق تليها تركيا، كما شهدت بعض الدول من الخليج العربي عدة انقطاعات مثل التي شهدتها دولة البحرين والمملكة العربية السعودية أيضًا.
اعتبرت الأمم المتحدة أن الحكومات التي تتعمد قطع الإنترنت أو تعطله جزئيًا حكومات تنتهك قوانين حرية الإنسان
يحدد الخبراء انقطاعات الإنترنت إلى عدة أجزاء، منها قطع الإنترنت القومي أو قطع الإنترنت التابع للقومي (الخاص بالهواتف المحمولة) أو قطع الخدمات والتطبيقات الرقمية.
شهدت الدول المذكورة في القائمة السابقة انقطاعًا للإنترنت القومي بنسبة أكبر من انقطاع في الإنترنت التابع أو قطع للخدمات والتطبيقات الرقمية، وهو ما تسبب في خسارة تلك الدول بشكل عام 2.4 مليون دولار جراء قطع الإنترنت، وبشكل خاص تكبدت دولة مثل المملكة العربية السعودية 465 مليون دولار جراء قطعها الإنترنت في تلك الأوقات.
في العام الماضي قدّر مركز تكنولوجيا الابتكار التابع لمؤسسة بروكينغز البحثية، كلفة قطع خدمات الإنترنت في 7 دول عربية بأكثر من ألف مليار دولار، تراوحت فيها الأوضاع ودوافع قطع الخدمة بين أسباب سياسية وتقنية، كانت من بين الدول العراق الذي تكبد خسائر تُقدر بـ209 مليارات دولار، وسوريا التي خسرت ما يقرب من 56 مليار دولار عام 2016.
لماذا تستخدم الدول قطع الإنترنت كسلاح؟
السعودية: أسباب سياسية وقمعية
استخدمت السعودية قطع الإنترنت كسلاح للسيطرة على بلدة العوامية (الشيعية)، وهي البلدة المحاصرة منذ بضعة أشهر بعد أن شهدت اجتياحًا عسكريًا من قبل النظام السعودي، حيث كان قطع شبكة الاتصالات والإنترنت في بلدة العوامية أحد أدوات الحصار، ليستمر النظام السعودي في صم الآذان عن مطالبات سكان البلدة بعودة الإنترنت ليستطيعوا إتمام أعمالهم، إلا أن النظام ما زال يتبع نفس السياسة من خلال تهميش حقوق أهل البلدة الإنسانية وحقهم أيضًا في الوصول للمعلومات، أو إتمام مهامهم من خلال الإنترنت.
للسعودية تاريخ طويل مع الأمم المتحدة في قضية انتهاك حقوق الإنسان بحرمانهم من حقهم في الاتصال بالإنترنت، حيث اعتبرت الأمم المتحدة أن الحكومات التي تتعمد قطع الإنترنت أو تعطله جزئيًا حكومات تنتهك قوانين حرية الإنسان، حيث كانت السعودية بالإضافة إلى روسيا والصين من ضمن البلاد التي قدمت الأمم المتحدة بيانًا في مجلس الأمم المتحدة العام الماضي بشأن انتهاكهم حريات المواطنين في الاتصال بشبكة الإنترنت وحقهم في الوصول للمعلومات.
بشكل خاص تكبدت دولة مثل المملكة العربية السعودية 465 مليون دولار جراء قطعها الإنترنت
ليس غريبًا على السعودية أن تقطع الإنترنت عن بلدة كاملة تسبب صُداعًا للنظام، فمن الشائع في السعودية قطع الإنترنت الجزئي المختص بتعطيل خدمات بعض التطبيقات على الهواتف المحمولة، أو حجب بعض المواقع بعينها، أغلبها تكون من المواقع المعارضة للنظام السعودي، أو ذات المحتويات غير اللائقة أو الإباحية، كما تعطل السعودية خدمات الاتصال الصوتي على تطبيقات الهواتف الذكية مثل واتس آب وتيلجرام وفيسبوك ماسنجر، وذلك ليلجأ المواطنون للحديث على شبكات الاتصالات، حتى تزيد أرباح شركات الاتصالات، وتكون أكثر سهولة للمراقبة من قبل النظام.
العراق: منعًا للغش
تُصدر الحكومة العراقية في موسم الامتحانات من كل سنة أوامر من قبل وزارة الاتصالات لكل شركات الإنترنت وتخطرها بوجب قطع الخدمة كليًا في عدة ساعات من اليوم، على أن تتكرر تلك العملية في كل أيام الامتحانات الخاصة بالصفوف الدراسية المختلفة.
ترى الحكومة العراقية أن قطع الإنترنت سبب كافٍ لمنع الغش، فسيحد ذلك من استخدام الطلاب أجهزتهم المحمولة داخل لجان الامتحانات، وسيمنعهم من التواصل مع بعضهم البعض عبر تطبيقات الهواتف الذكية.
قامت الجزائر بنفس الخطوة، إذ حرمت ما يقرب من 15 مليون مستخدم للإنترنت على الهواتف الذكية من إتمام مهامهم اليومية عبر الإنترنت، وذلك للسيطرة على الامتحانات ومنعًا للغش وتسريب الامتحانات على مواقع التواصل الاجتماعي.
لم تكن تلك المرة الأولى التي تستخدم فيها الحكومة العراقية قطع الإنترنت كسلاح لعدم وصول المواطنين للمعلومات، بل استخدمت قطع الإنترنت أيضًا في الحد من البروباجندا الرقمية المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة الخاصة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إذ قطعت الحكومة الخدمة في كثير من المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم للحد من نشر البروباجندا.
البحرين: من أجل إخماد المظاهرات
مظاهرات في الدراز، البحرين
أدان مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قطع الإنترنت كليًا عن دولة البحرين بأكملها من أجل إخماد المظاهرات في منطقة الدراز
على طريقة الحكومة المصرية في محاولتها الفاشلة لإخماد ثورة الخامس والعشرين من يناير عن طريق قطع خدمة الإنترنت كليًا في البلاد، قطعت الحكومة البحرينية خدمة الإنترنت كليًا عن بلدة “الدراز“، إحدى المناطق الشيعية في البحرين، والتي اندلعت فيها مظاهرات في العام الماضي اعتراضًا على سحب الجنسية من قائد الشيعة الشيخ عيسى قاسم وتركه من دون هوية.
أدان مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قطع الإنترنت كليًا عن دولة البحرين بأكملها من أجل إخماد المظاهرات في منطقة الدراز، التي تم قطع الإنترنت فيها وحدها أكثر من 100 يوم، حيث اعتبرت الأمم المتحدة ذلك انتهاكًا لحقوق الإنسان، وانتهاكًا للقوانين التي تكفل حرية الإنسان في الاتصال بالإنترنت.
تركيا: مطاردات ومحاربة للإرهاب
لقد خسر الاقتصاد العالمي بشكل عام نحو 2.4 بليون دولار جراء قطع الإنترنت المُتعمّد والمتكرر في الفترة من 2015 إلى 2016
تكبدت تركيا ما يقرب من خسارة 35 مليون دولار جراء قطع الإنترنت عن البلاد عام 2016 بحسب دراسة بروكينجز، حيث قطعت تركيا الخدمة كليًا في بعض الأحيان، أو حجبت مواقع التواصل الاجتماعي في أحيان أخرى، إذ حجبت تويتر لدواعي أمنية لمنع انتشار أخبار عن حوادث إرهابية قد تثير الرأي العام و تهدد أمنه واطمئنانه.
كما حجبت تركيا تويتر بعد أحداث التفجيرات الإرهابية التي شهدتها العاصمة التركية أنقرة العام الماضي، يليها حجب تركيا للإنترنت بشكل كلي في بعض المناطق وبشكل جزئي في بعض المدن الأخرى جراء محاولتها القبض على رئيس حزب الشعوب الديمقراطي “صلاح الدين ديمرتاش”.
خلال الأسابيع القليلة الأخيرة، كان لمصر دور أكثر أهمية في الرقابة الإلكترونية على المحتوى الرقمي، حيث حجبت أكثر من 50 موقعًا إلكترونيًا ومنصة من بينها موقع قناة الجزيرة،
مصر وحجب للمعارضة
لمصر تاريخ طويل مع قطع الإنترنت، كانت أشهر الحوادث حينما قررت الحكومة المصرية قطع الخدمة كليًا، عن طريق تهديد شزكات الاتصالات، عن البلاد بأكملها في أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وذلك للحد من تواصل المتظاهرين ببعضهم البعض ومنعهم من التخطيط لمزيد من التجمعات الجماهيرية لتقليل أعداد الحشود الغاضبة في الميادين، كانت تلك خطة الحكومة، إلا أن النتيجة كانت عكسية، فزاد المتظاهرون عن ذي قبل، وامتلأت الشوارع والميادين بالمتظاهرين على عكس ما خططت له الحكومة.
خلال الأسابيع القليلة الأخيرة، كان لمصر دور أكثر أهمية في الرقابة الإلكترونية على المحتوى الرقمي، حيث حجبت أكثر من 50 موقعًا إلكترونيًا ومنصة من بينها موقع قناة الجزيرة، وموقع “هيومان رايتس وواتش“، حيث زعمت الحكومة أن لها الحق في حجب تلك المواقع في ظل محاربتها للإرهاب، حيث أن لتلك المواقع أهدافًا تحريضية، بهذا الفعل تضع الحكومة المصرية نفسها في موضع مقلق بالنسبة لحرية المواطن في استخدام الإنترنت وبالنسبة لدورها في الرقابة الإلكترونية القمعية على محتويات الإنترنت.
كلما ازداد قطع الإنترنت في بلد ما، خسر اقتصادها بنسبة أكبر
لقد خسر الاقتصاد العالمي بشكل عام نحو 2.4 بليون دولار جراء قطع الإنترنت المُتعمّد والمتكرر في الفترة من 2015 إلى 2016، وهو ما يعني بحسب الدراسات أن كلما كانت الدولة صاحبة إجمالي ناتج محلي (GDP) مرتفع بالنسبة للفرد ولديها أيضًا نسبة عالية من الاتصال بالإنترنت فإنها قادرة على خسارة ما يقرب من 141 مليون دولار في حالة قطعها للإنترنت يومًا واحدًا فقط.
هذا يعني أنه الدول ذات النسب المتوسطة من الاتصال بالإنترنت والنسب المتوسطة لإجمالي الناتج المحلي تكون معرضة لخسارة 20 مليون دولار في حالة قطعها الإنترنت ليوم واحد فقط، أما الدول النامية ذات النسب الضعيفة، فإنها قد تخسر ما يقرب من 3 مليون دولار في حالة قطعها للإنترنت.
كلما ازداد قطع الإنترنت في بلد ما، خسر اقتصادها بنسبة أكبر، وكلما ارتفعت نسبة المخاطرة بالنسبة للمستثمرين الأجانب للاستثمار فيها، كما أن استمرار انقطاعه المتعمد لأسباب سياسية يجعل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تضع الدولة في ترتيب متأخر بالنسبة لاحترام حقوق الإنسان، وقد تفرض عليها عقوبات جراء ما تسميه بفرضها “حظر التجوال الرقمي” على المواطنين.