ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال شهر أيلول/سبتمبر، كانت تقضي الطالبة السعودية رندلى العجاجي، البالغة من العمر 20 سنة والتي تدرس في جامعة نيويورك، فترة ما بعد الظهر في أداء واجباتها الدراسية في مكتبة بوبست. وبعد الساعة الثالثة بعد الظهر، أخذت استراحة لتتحقق من مستجدات فيسبوك إلا أنها رأت عنوانا أدهشها، ظنت أنه مجرد تهكم على السعوديات، مفاده أن: “المملكة العربية السعودية توافق على السماح المرأة بالقيادة”.
في الحقيقة، تعودت النساء السعوديات اللاتي يعشن في الخارج على أن تكون حرياتهن الشخصية مصدرا للسخرية. بعد ذلك، نقرت العجاجي على الرابط لتقرأ كامل تفاصيل الموضوع. وعندما أدركت أنها لم تكن مقالة كاذبة، بل أخبار عاجلة نشرتها صحيفة التايمز، انفجرت العجاجي بالبكاء. فقد أصدر الملك سلمان مرسوما ملكيا يمنح فيه المرأة السعودية الحق في القيادة.
أن التغطية الإعلامية الدولية للمرسوم الملكي خلال الشهر الماضي، ركزت بما فيه الكفاية، على ردود أفعال الناشطات السعوديات اللواتي كنّ يردن الحصول على حق القيادة، واللواتي أصبحن شخصيات معروفة نسبيا في الغرب
بعد ذلك، هرعت العجاجي من المكتبة وهاتفت والدتها التي توجد في الرياض. وعندما حادثتها، لم تستطيع العجاجي أن تسمع صوت أمها جيدا بسبب أصوات الفرحة العارمة التي كانت توجد بجانبها. لقد قالت لي أمي: “بالكاد أستطيع سماع صوتك فأنا لا أسمع غير الصراخ. ويبدو أن الأسرة كانت تسارع إلى الذهاب إلى حفلة في منزل أحد الأقارب. وفي تلك اللحظة، تمنّت العجاجي لو كانت في منزلها وقالت: “لم أكن أعتقد أنني سأرى هذا يحدث في حياتي”.
في الواقع، كبرت العجاجي وهي تسمع قصصا عن 77 ناشطة، اللاتي توجهن في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1990، إلى الرياض للاحتجاج على حق المرأة السعودية في قيادة السيارات. وكانت اثنتين من خالات العجاجي، وهما وفاء ومجدة المنيف، من بين “السائقات”، حيث كنّ المتظاهرات معروفات للجميع.
على خلفية ذلك الاحتجاج، سجنت السائقات، وطردن من وظائفهن، وتم التشهير بهن على منابر المساجد في جميع أنحاء المملكة. في المقابل، كانت تعتبر تلك الحادثة فخرا لعائلة منيف. وفي هذا السياق، قالت العجاجي إنه “عندما كبرت، كان السادس من تشرين الثاني/نوفمبر يوما لا ينسى من مخيلتنا. ولقد نشأت مع فكرة أن ذلك التاريخ يُعد من أحد أهم الأشياء التي حدثت في تاريخ المرأة السعودية”.
وتجدر الإشارة إلى أن التغطية الإعلامية الدولية للمرسوم الملكي خلال الشهر الماضي، ركزت بما فيه الكفاية، على ردود أفعال الناشطات السعوديات اللواتي كنّ يردن الحصول على حق القيادة، واللواتي أصبحن شخصيات معروفة نسبيا في الغرب. ولكن كانت العجاجي ترى أن هذا الاهتمام بحصول المرأة على حق القيادة أمر غير عادي.
بالنسبة لمعظم النساء السعوديات، حتى في الجيل الذي نشأ مع شبكة الإنترنت، لا يُذكر احتجاج سنة 1990 على نطاق واسع. في ذلك الوقت، كانت وسائل الإعلام الدولية تغطي تلك الحادثة كقصة رئيسية وكان السائقون يتعمدون جذب الانتباه عدد كبير من الصحفيين الأجانب الذين كانوا يغطون في المملكة أحداث حرب الخليج الأولى. وبعد ذلك، أصبحت تلك الحادثة نقطة مرجعية مهمة للباحثين الغربيين والصحفيين الذين يكتبون عن المملكة العربية السعودية.
الحويدر تدير عدة حملات عبر الإنترنت، بما في ذلك حملة الحق في القيادة، وحملة تدعو إلى وضع حدٍ لقوانين الوصاية الصارمة في المملكة العربية السعودية، التي تضع النساء السعوديات تحت السلطة القانونية للأقارب الذكور.
أما في داخل المملكة، لم تحظ الاحتجاجات بنفس هذه الشعبية. فبعد أن سارع القادة السعوديون إلى سحق المعارضين، اضمحلت هذه الحادثة من الذاكرة الجماعية السعودية. ومنذ ما يقارب عن عقد من الرحلات إلى المملكة، لم ألتق أكثر من مجموعة من السعوديين الذين سمعوا عن احتجاجات سنة 1990.
خلال سنة 2007، وخلال رحلتي الأولى إلى المملكة العربية السعودية، قضيت أكثر من شهرين أجري مقابلات مع عشرات الطالبات في ثلاث جامعات سعودية. وقد سألت كل امرأة شابة سؤالا يتمحور حول رأيها في الالتماس الذي قدمته الناشطة السعودية وجيهة الحويدر مؤخرا إلى الملك عبد الله، مطالبة إياه بإعطاء المرأة الحق في القيادة.
في الواقع، كنت أتمنى أن أتلقى إجابات مثيرة للاهتمام وتصلح لأكتب مقالا عنها. ولكن، ولسوء الحظ، اسم الحويدر وجهودها كانا دون جدوى. وعلى الرغم من أن الشابات كنّ ذكيات ومطلعات، إلا أنهن لم يكن يعرفن الحويدر ولا مهتمات بالقيادة. فضلا عن ذلك، بدا عليهن الحيرة لماذا كنت أتخيل أنهنّ مهتمات بهذا الموضوع.
خلال سنة 2010، زرت المملكة للإبلاغ عن حملات حقوق المرأة التي بدأت تنتشر بفضل الإنترنت، وذهبت للقاء وجيهة الحويدر نفسها، في منزلها الكائن في مدينة الظهران. في ذلك الوقت، كانت الحويدر تدير عدة حملات عبر الإنترنت، بما في ذلك حملة الحق في القيادة، وحملة تدعو إلى وضع حدٍ لقوانين الوصاية الصارمة في المملكة العربية السعودية، التي تضع النساء السعوديات تحت السلطة القانونية للأقارب الذكور.
أن من أهم الأسباب التي دفعت الناشطات السعوديات إلى اختيار التركيز على الأجانب هو أن النظام الملكي لا يهتم بالرأي العام المحلي على عكس المسؤولين المنتخبين
في وقت سابق من هذه الرحلة، كنت قد التقيت بناشطات في مجال حقوق المرأة في الرياض اللاتي كن يعملن على هذه القضايا. وبعد تلك المقابلة، ولأن الحويدر قد ذكرت أنها لا تعرف تلك النساء، اقترحت عليها التعرف عليهن. وخلال تلك المقابلة، قالت الحويدر أشياء جعلتني في حيرة من أمري. فقد كنت أتخيل أنه من خلال التنسيق مع ناشطين في مدينة أخرى، ستكون الحويدر قادرة على زيادة الوعي بحملاتها داخل المملكة.
لقد أمضيت خمس سنوات أخرى في الإبلاغ عن النشاط في المملكة العربية السعودية قبل أن أدركت أخيرا أنه بالنسبة لرواية الحويدر وغيرها من المدافعين عن العدالة الاجتماعية والديمقراطية في المملكة، لم يكن زملائهم السعوديون الجمهور المستهدف الرئيسي، بل كانوا يتوجهون دائما إلى العالم الخارجي.
في الواقع، يمكن أن يكون للناشطين بعض الفضل في قرار الملك سلمان بإلغاء الحظر المفروض على قيادة النساء، لكن كان الهدف من نشاطهم فريدا من نوعه، حيث لم يكنّ يردن حشد دعم المواطنين السعوديين بل كنّ فقط يردن كسب تعاطف الأجانب. وفي حقيقة الأمر، هناك عدة أسباب لذلك.
من جهة، تسيطر الحكومة السعودية على وسائل الإعلام في المملكة. وفي مجتمع يولي الكثير من الأهمية لتقاليد الخصوصية على عكس الحقوق الفردية، عادة ما يُنظر إلى الناشطين بعين الريبة والشك. والجدير بالذكر أن من أهم الأسباب التي دفعت الناشطات السعوديات إلى اختيار التركيز على الأجانب هو أن النظام الملكي لا يهتم بالرأي العام المحلي على عكس المسؤولين المنتخبين.
قالت لي المحامية دارا سحاب، التي تعمل في جدة: “كان يتوقع الجميع بأنه بمجرد أن يصبح سلمان ملكا، فيمكنك نسيان حقوق المرأة في البلاد”
حتى عند إلغاء الحظر، كان الملك وعائلته يتوجهون بحديثهم إلى العالم الخارجي لا إلى رعاياهم. فقد أصدرت أخبار مرسوم الملك سلمان، الذي سيسمح للمرأة السعودية بالبدء بالقيادة في المملكة خلال شهر حزيران/يونيو المقبل، في وقت واحد في الرياض وواشنطن العاصمة. ولم يكن من قبيل المصادفة أن يتزامن هذا الحدث الإعلامي الرائع مع مؤتمر صحفي استضافه الأمير خالد بن سلمان، سفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة، الذي عُقد في واشنطن.
في حين عُقد اجتماع الأمير خالد مع الصحفيين في منتصف بعد الظهر، ما زاد من تأثير الإعلان على دورة الأخبار في الولايات المتحدة، اختار القادة السعوديون نهجا أكثر ضعفا، حيث تمت قراءة بيان قصير بصوت عال خلال نشرة الأخبار الليلية لإعلام الوسط المحلي السعودي.
على غرار العديد من السعوديين، لم تحضر هيسا الشيخ، تلك الأكاديمية التي شاركت في احتجاج القيادة في سنة 1990، البث الأولي لهذا الإعلان عن إلغاء حظر القيادة. وفي هذا السياق، قالت هيسا لي “لقد كان الوقت متأخرا، وكنت بالفعل في السرير أقوم بقراءة كتاب”، وقد شعرت بالذهول عندما دعتها ابنة أختها، التي كانت تراقب الخبر بعد الساعة العاشرة مساء. وأضافت هيسا “لقد فوجئت جدا، لم يكن من السهل على الكثير من الناس أن يحدث هذا”.
بالنسبة للشيخ، كان جزء من المفاجأة هو أن المرسوم كان صادرا من الملك سلمان، ذلك الملك الذي كان قد قاد في وقت سابق، بصفته حاكما للرياض، حملة القمع ضدها وضد السائقين الستة والأربعين في الاحتجاج. وفي السياق ذاته، قالت لي المحامية دارا سحاب، التي تعمل في جدة: “كان يتوقع الجميع بأنه بمجرد أن يصبح سلمان ملكا، فيمكنك نسيان حقوق المرأة في البلاد”.
أشار العديد من المحللين إلى أن المرسوم كان محاولة للفت الانتباه عن اعتقال أكثر من ثلاثين منشقا ورجال الدين خلال شهر أيلول/سبتمبر، فضلا عن تصويت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول ما إذا كان سيتم التحقيق في جرائم الحرب السعودية في اليمن
على خلاف سلفه، الملك عبد الله، الذي وضع برنامج المنح الدراسية الذي يسمح لآلاف الشباب السعوديين بالدراسة في الخارج، والنساء السعوديات بأن يصبحن محاميات وأن يعملن في مجال البيع بالتجزئة، كان الملك سلمان يتمتع بسمعة تتسم بالقساوة والشدة. علاوة على ذلك، كان صعوده إلى العرش، خلال شهر كانون الثاني/ يناير سنة 2015، له تأثير مباشر على النشاط في المملكة، حيث أعقبه ارتفاع بنسبة 76 في المائة في معدل الإعدام بقطع رأس.
نتيجة لذلك، يبدو من الآمن إلى حد ما أن نستنتج أن الملك سلمان لم يعلن، بمرسومه القيادي، أي التزام أيديولوجي جديد بحقوق الإنسان أو المساواة بين الجنسين. وخلال الأسبوعين الماضيين، عرض العديد من الأكاديميين والباحثين في مجال حقوق الإنسان والمعارضين السعوديين المغتربين العديد من النظريات لشرح دوافع سلمان.
في الإطار ذاته، أشار العديد من هؤلاء المحللين إلى أن المرسوم كان محاولة للفت الانتباه عن اعتقال أكثر من ثلاثين منشقا ورجال الدين خلال شهر أيلول/سبتمبر، فضلا عن تصويت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول ما إذا كان سيتم التحقيق في جرائم الحرب السعودية في اليمن.
في حين لعب توقيت هذه الأحداث دورا مهما، فمن المرجح أن قرار الملك سلمان كان إلى حد كبير اعترافا بحقيقة أن المملكة قد استغرقت سنوات لكي تتفطن إلى أن السعودية لم تعد قادرة على تجاهل الرأي العام الدولي بشأن طريقة معاملتها للنساء.
يحذر بعض السعوديين من أن يكون قرار إنهاء حظر القيادة ذا أبعاد رمزية في الغالب
منذ سنوات، ساعدت أسعار النفط المرتفعة على بقاء الأسرة الحاكمة في سدة الحكم في وضعية مريحة. أما في سنة 2014، أدى انخفاض أسعار النفط إلى تنويع زعامة القادة السعوديين لاقتصادهم. وخلال شهر كانون الثاني/ يناير التالي، تم تكليف ابن الملك سلمان محمد بن سلمان (الذي أصبح ولي العهد خلال شهر حزيران/يونيو) بهذه المهمة. ثم اضطر القادة السعوديون أخيرا إلى التفكير بجد في البنية التحتية التي تفصل بين الجنسين، وهي المكاتب المخصصة للنساء فقط، والمحلات التجارية، وفروع البنوك، وأقسام من الوكالات الحكومية، وجميع ما تبقى من البنى التي تم بنائها وصيانتها لعقود طويلة بنفقات هائلة.
في الواقع، لم يظهر هؤلاء القادة أي إشارة على الرغبة في التخلي عن مبدأ الفصل بين الجنسين، ولكن يعتقد بعض المحللين أنهم بدؤوا في التفطن إلى التكاليف الحقيقية التي ينطوي عليها تبديد مواهب ما يقارب عن نصف سكانها. وفي سياق متصل، أوضح لي أستاذ في دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون، برنارد هيكل أن “النساء السعوديات يحصلن على درجات أفضل، ويعملن بجد أكبر ولديهن الكثير ليثبتنه”.
وأضاف المصدر ذاته أن “السعوديين قد فهموا أخيرا أنه لا يمكن تنويع الاقتصاد أو إصلاحه دون تمكين المرأة”. ولكن حتى لو تمكنت المرأة من القيادة في شوارع السعودية قريبا، فإن الملايين من النساء السعوديات لن يعملن بين عشية وضحاها. وفي شأن ذي صلة، أردف المصدر نفسه أنه “إذا ما أرادت المملكة العربية السعودية تجنب فترة طويلة من التقشف، فإنها تحتاج إلى الحصول استثمار أجنبي. ولذلك، يدرك محمد بن سلمان أن المستثمرين الأجانب الذين تأمل المملكة في جذبهم لا يُعجبون “بوضع غريب لا توجد فيه نساء”.
تجدر الإشارة إلى أن المرأة لا تزال بحاجة إلى توكيل من أحد أقاربها الذكور للحصول على سيارة، وستكون عرضة لعقوبة السجن، إذا قامت بعصيان أوصياءها الذكور. فضلا عن ذلك، سيظل الناشطون في البلاد يعيشون تحت وطأة التهديد
في الواقع، تملك الحكومة السعودية العديد من القضايا التي تحتاج إلى مناقشتها مع العالم، ولكن قضايا حقوق المرأة كانت تعطل تلك المحادثات. علاوة على ذلك، كان منح المرأة حق القيادة امتيازا غير مؤلم نسبيا للملك. ونتيجة لذلك، يحذر بعض السعوديين من أن يكون قرار إنهاء حظر القيادة ذا أبعاد رمزية في الغالب.
في هذه النقطة، تجدر الإشارة إلى أن المرأة لا تزال بحاجة إلى توكيل من أحد أقاربها الذكور للحصول على سيارة، وستكون عرضة لعقوبة السجن، إذا قامت بعصيان أوصياءها الذكور. فضلا عن ذلك، سيظل الناشطون في البلاد يعيشون تحت وطأة التهديد.
وفقا لما أفادت به إحدى المحتجات على حقوق المرأة التي راسلتها عبر البريد الإلكتروني، فقد تلقت ما لا يقل عن عشرين من المثقفات الإناث، بما في ذلك بعض الذين لم يشاركن في الجهود الأخيرة للحصول على حق القيادة، تهديدات من ضباط الأمن في الديوان، محذرين إياهنّ حتى من إبداء تعليقات عامة إيجابية على المرسوم الجديد.
خلال مقابلة أجريتها على موقع فيسبوك مع المحامية دارا سحاب، بعد وقت قصير من الإعلان عن المرسوم الملكي، لخصت دارا سحاب الوضع العام في السعودية قائلة إن: “هذا المرسوم كان بمثابة أنباء سارة بالنسبة لبقية العالم. ولذلك، يمكنكم الآن تركنا.
المصدر: صحيفة نيويوركر