تتجمع مجموعة من المستوطنين وجنود الاحتياط الإسرائيليين على معبر “كرم أبو سالم” الفاصل بين الأراضي المحتلة وقطاع غزة، ويمنعون إدخال شاحنات المساعدات القادمة من المؤسسات الإغاثية الدولية إلى شمال قطاع غزة، ويهتفون بصوت عالٍ ”لا مساعدات حتى عودة الرهائن“.
هذا الشعار الذي رفعته مجموعة تشكلت في يناير/كانون الثاني 2024، أطلقت على نفسها اسم ”تساف 9“ وتعني بالعربية “الأمر 9″، وتدعمها جهاتٌ ومسؤولون حكوميون، وأبرزهم حزب الليكود الإسرائيلي الذي يرأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتتواجد بشكل مستمر عند المعبر في شمال قطاع غزة لعرقلة الإمدادات الإغاثية.
”تساف 9“ .. ماذا يعني؟
في بداية شهر يناير/كانون الثاني، فتح الاحتلال، تحت ضغط دولي في غرف المفاوضات، معبر “كرم أبو سالم” الحدودي لإدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة المحاصر الذي يعاني من مجاعة حقيقة، تستهدف أكثر من 600 ألف فلسطيني رفضوا النزوح إلى جنوب القطاع خلال حرب الإبادة الجماعية.
عقب هذه الخطوة، بدأ مستوطنون يتظاهرون على المعبر يمنعون الشاحنات الإغاثية الدولية من العبور إلى قطاع غزة ويعيقون عملها وهم يهتفون: ”أن ما لا يقل عن 70% من المساعدات الإنسانية يتم تحويلها إلى حماس، التي تسيطر على القطاع“، و”لماذا نسمح لهذه القوافل بالمرور مباشرة إلى أيدي أعدائنا؟“، وفق وصفهم، واستندوا بهذه الفرضية الأساسية إلى تصريحات أدلى بها رونين بار، رئيس جهاز الشاباك، جهاز المخابرات الإسرائيلي قدر بار أن ما بين 60 و70 بالمائة من الإمدادات الموجهة إلى غزة استفاد منها مقاتلو حماس.
كانت بداية التأسيس والتحشيد لمجموعة “تساف 9” من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، حيث جمعت عبر منصة فيسبوك أكثر من 400 عضو، وبحسب تصريحات ناطقها الإسرائيلي الفرنسي راشيل تويتو، في مقابلة أجراها مع القناة الإسرائيلية ”تاندم“ الناطقة بالفرنسية إن اسم المجموعة مستوحى من الأمر “تساف -8″، الذي أرسله جيش الاحتلال الإسرائيلي لاستدعاء جنود الاحتياط في حالة الطوارئ.
انطلقت العملية الجماعية الأولى للمجموعة في 18 يناير/كانون الثاني 2024، حين خيم عشرات المستوطنون لمدة ثلاثة أيام أمام معبر “كرم أبو سالم”، لمنع مرور أكثر من مائة شاحنة إنسانية إلى رفح، واستمرت بالاعتصام المفتوح بعدد وصل الألف متظاهر من عائلات الأسرى المحتجزين في قطاع غزة والجنود القتلى وجنود الاحتياط المسرحين والإسرائيليين النازحين من مستوطنات غلاف غزة، وبعدئذ سمحوا بمرور 9 شاحنات فقط.
التعاون مع منظمات أخرى
لم تتظاهر مجموعة ”تساف 9“ وحدها، بل انضمت إليها مجموعات أخرى من مجموعات اليمين المتطرف الإسرائيلية مثل حركة ”إم ترتسو“، وهي حركة خارج البرلمان تعمل على تعزيز وتعزيز القيم الصهيونية لدى الاحتلال، حيث أعلنت عن انضمامها إلى حراكات معبر “كرم أبو سالم” ونشرت: ”لمنع قوافل المساعدات للعدو، وكنا على حق في المناطق التي وقعت فيها المجزرة، تكريما لذكرى الضحايا، أعلنا بصوت عالٍ: لا مساعدات تمر حتى يعود آخر المختطفين“.
وحركة “إم ترتسو“ تأسست عام 2006 بعد حرب تموز بين الاحتلال الإسرائيلي ولبنان، على يد مثقفين وطلاب وجنود احتياط، وكان هدفها الرئيسي كما تصف: “العمل من أجل تجديد الخطاب والفكر والأيديولوجية الصهيونية، ومن أجل تأمين مستقبل الشعب اليهودي ودولة إسرائيل والنهوض بالمجتمع الإسرائيلي في مواجهة التحديات التي يواجهها، وجزء أساسي من نشاط الحركة هو النضال ضد نزع الشرعية عن دولة إسرائيل وتوفير الرد على الظواهر ما بعد الصهيونية والمعادية للصهيونية.“
وإلى ميناء أسدود في الأراضي المحتلة، تحركت مجموعة “تساف 9″، لمنع الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية من الوصول إلى معبر “كرم أبو سالم”، وتحركت مرة ثالثة وبشكل مستمر ورفقة مجموعات استيطانية متطرفة أخرى في نيتسانا المحتلة، على الحدود المصرية، لإعاقة تفتيش الشاحنات التي تمر بنقطة التفتيش الإسرائيلية قبل توجهها إلى معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، كما وتحظى “تساف 9” بدعم جمعيات أخرى، مثل “إسرائيل إلى الأبد” التي تعرف نفسها بأنها “تعبئة القوى الصهيونية الناطقة بالفرنسية”.
”تساف 9“ وحكومة الاحتلال
بينما تقول المجموعة إن اسمها مستوحى من “الأمر 9″ بشأن تعبئة جنود الاحتياط، فإنه قد يكون من الغريب تشابه اسمها مع ”تساف 9” أو “الأمر 9” لدى الاحتلال، و هو قانون الخدمة الاحتياطية، حيث يُسمح للحكومة استدعاء الجنود للخدمة الاحتياطية بأمر خاص، يُدعى “أمر 9″، ضمن توصية وزير حرب الاحتلال، وذلك عندما تتوفر الحاجيات الأمنية المستعجلة، مثل إلحاق ضرر كبير في سلامة الجمهور ونفسياتهم وممتلكاتهم، أو تخوف من وقوع ضرر ما.
ويُمكن أن يتم الاستدعاء للخدمة الاحتياطية بدون الاستناد إلى تعليمات الاستدعاء القانونية، ويحق للجندي المستدعى ضمن ”أمر 9“ أن يتلقى مدفوعات مقابل الخدمة العسكرية الاحتياطيّة، وفي الظروف الطارئة، يجوز لوزير حرب الاحتلال إصدار الأمر حتى بدون موافقة الحكومة، ولكن فقط بموافقة رئيس وزراء الاحتلال.
يتقاطع هذا التصادف الغريب مع ما كشفته مصادر بأن جمعية مرتبطة بحزب الليكود وبرئيسه وزير حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مسؤولة عن الخدمات اللوجستية لتوصيل مستوطنين متظاهرين أمام “معبر كرم أبو سالم”؛ لمنع دخول المساعدات لغزة، كما وما نقلته صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن وزير أمن القومي لدى الاحتلال إيتمار بن غفير طلب من الشرطة السماح للمستوطنين بمنع إدخال شاحنات المواد الغذائية إلى قطاع غزة، وحظيت هذه الإجراءات بدعم وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريش.
وبينما تصر مجموعة ”تساف 9“ على أنها غير حزبية، فأنها تحظى بالدعم من أعلى مستويات حكومة الاحتلال وجيشه، وكتب حول ذلك الصحفي غاليث بنزيمرا “إن الحكومة تحب ما يفعلونه لأنهم يقولون ما لا يستطيعون قوله“، ويتزامن مع ذلك إصدار الحاخام الإسرائيلي المتطرف دوف ليئور مرسومًا، يدعو الإسرائيليين إلى انتهاك السبت، المحرم لدى اليهود، لمنع دخول المساعدات إلى قطاع غزة.
ورغم أن ما تقوم به مجموعة ”تساف 9 ” يتوافق مع توجه الأغلبية الإسرائيلية باستمرار الحرب، إلا أن أصواتًا كثيرة إسرائيلية تحدثت ضد ”تساف 9“، واعتبرتها سببًا في تعقيد المفاوضات والمشهد مع مفاقمة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وقد تبنت هذا التوجه بشكل أساسي صحيفة “هآرتس” العبرية من خلال مقالاتها المختلفة.