انتهت انتخابات الجولة الخامسة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونسكو”، في العاصمة الفرنسية باريس أمس الجمعة بفوز المرشحة الفرنسية أودري أزولاي، على منافسها القطري حمد بن عبد العزيز الكواري، بواقع 30 صوتًا لأزولاي مقابل 28 صوتًا للكواري.
للمرة الـ11 تنتهي هذه الانتخابات بصعود مرشح غير عربي ليترأس منصب المنظمة الدولية الأرفع على مستوى الثقافة على مستوى العالم، إذ كان سيشكل فوز الكواري في هذه الانتخابات فرصة ليكون أول عربي يفوز بمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة، علمًا أنه كان قاب قوسين أو أدني على تحقيق النصر بعد فوزه في الجولات الأربعة الأولى بتصدره نتائج الاقتراع.
وعلى الرغم من إعلان الفائز بمنصب مدير اليونسكو أمس الجمعة، فإنه لن يتسلم مهامه رسميًا إلا بعد موافقة الجمعية العامة للمنظمة عليه (195 دولة) يوم 10 من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ويعتبر المدير العام الذي يقترحه المجلس التنفيذي ويسميه المؤتمر العام، أعلى منصب في هذه المنظمة الأممية للتربية والثقافة والعلوم، ويُنتخب لأربع سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة.
انقسام العرب
فشل الكواري في الفوز بمنصب المنظمة الدولية “يونسكو” يعد صورة واقعية للانقسام الذي وصل إليه العرب، لكن هذه المرة حملت استقطابًا حادًا ضد مرشح الدولة العربية، قطر، إذ شكلت الأزمة الخليجية التي اندلعت في يونيو/حزيران الماضي من قبل دول السعودية والبحرين والإمارات ومصر إلى استقطاب حاد ضد قطر من قبل تلك الدول، بعدما كان من المفترض أن يكون الكواري مرشح مجلس التعاون الخليجي.
ففي 30 من مارس/آذار 2016، أعلن الكواري ترشحه باسم دولة قطر لمنصب الأمانة العامة ليونسكو، خلال حفل رسمي في باريس بحضور شخصيات دبلوماسية وسياسية وثقافية عربية وفرنسية وعالمية، وتبعه في أواخر أغسطس/آب 2016 إعلان دول مجلس التعاون الخليجي الستة دعمها ترشيح الكواري لإدارة “يونسكو“.
من الناحية العربية لم يتوافق العرب في تلك الأثناء على المرشح الكواري، الذي كان يشغل منصب وزير الثقافة والتراث والفنون في قطر، حيث أعلنت مصر في شهر يوليو/ تموز 2016 ترشيحها السفيرة مشيرة خطاب، لمنصب المدير العام لمنظمة “يونسكو”، وهو المنصب الذي حاولت مصر الحصول عليه عام 2009 وفشلت، وخسر مرشحها آنذاك وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني.
تسويغات واشنطن للخروج من المنظمة كانت ضعيفة وغير مبررة
وترشح أيضًا من لبنان فيرا خوري، وكذلك انسحب المرشح اليمني أحمد الصياد، وهو سفير بلاده في “يونسكو”، من الترشيح، فظل المرشحون الثلاث وهم القطري والمصري إلى جانب المرشح العراقي صالح الحسناوي، الذي انسحب لمصلحة المرشحة المصرية، فبقي الانقسام العربي حاضرًا في هذه الانتخابات وخسر العرب التوحد أمام أهم منصب دولي في مجال الفنون والثقافة، بل خسر العرب والمسلمون فرصة تاريخية، إذ كاد ليكون فوز الكواري اختبارًا حقيقيًا للدول المتقدمة حتى تعبر عن صدق معاييرها بالتنوع وقبول الآخر وتحقيق تكافؤ الفرص في قيادة المنظمة كما عبر عن ذلك الكواري.
المرشح القطري حمد بن عبد العزيز الكواري
وقد وصف البعض أن الأداء العربي فى انتخابات منصب مدير عام منظمة اليونسكو بغير الموفق على الإطلاق، وأن النزاعات والخلافات العربية عنوان تلك الانتخابات خلال السنوات الماضية، وحتى الوقت الراهن.
وتكشف الأرقام وبطاقات التصويت التي ذهبت للمرشحين وبالأخص في الجولات الأولى من الانتخابات، عن التحركات التي حدثت قبل هذه الانتخابات وحجم العلاقات الخارجية للدول التي لها منافسون في هذه الانتخابات، والتربيطات التي قامت بها بين الأعضاء الذين لهم حق التصويت لدعم مرشحيهم، حيث كشفت الأرقام أن قطر التي تحتل المركز الأول من حيث عدد الأصوات، حصدت نصيب الأسد من أصوات إفريقيا، على الأقل 10 من 13 صوتًا لإفريقيا، كما حصلت على الأقل على 4 أصوات من 7 من المجموعة العربية.
وحول موقف “إسرايل” فقد أيدت مرشحة مصر في اليونسكو، فبحسب هيئة البث الإسرائيلية، فقد أكد المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلي، يوفال روتم، للسفير المصري أن “إسرائيل” تعتبر مصر “دولة صديقة” وأنها “ملتزمة بتطوير العلاقات بين البلدين بموجب معاهدة السلام التي تعتبر حجر الأساس في سياسة “إسرائيل.” كما نفى السفير هكوهين نفسه أن يكون قد عارض ترشيح خطاب، قائلا ان ما يهمه هو “وقف تسييس قرارات اليونيسكو المناوئة لإسرائيل” على حد تعبيره.
والكواري من مواليد 1948، مثقف ودبلوماسي قطري، مثّل بلاده في أكثر من عاصمة عربية وأجنبية، وشغل عددًا من الوظائف والمسؤوليات المهمة، آخرها منصب وزير الثقافة في بلاده ، وقد بدأت مسيرته المهنية عام 1972، إذ شغل في الفترة ما بين عامي 1972 و1974 وظيفة قائم بأعمال قطر في لبنان، وبين عامي 1974 و1979 تولى سفارة بلاده في سوريا، قبل أن يعيّن في عام 1979 سفيرًا لدولة قطر في فرنسا وسفيرًا غير مقيم في كلّ من إيطاليا واليونان وسويسرا، ومندوبًا لدى اليونسكو، ثم أصبح مندوبًا لدولة قطر لدى الأمم المتحدة (نيويورك)، وسفيرًا غير مقيم في الأرجنتين وكندا والبرازيل خلال الفترة ما بين عامي 1984 و1990.
ومن ثم انتقل في عام 1992 من الحقل الدبلوماسي إلى الوزاري، حيث تولّى حقيبة وزارة الإعلام والثقافة في قطر من 1992 حتى 1997، ثم عيّن مرة أخرى وزيرًا للثقافة والفنون والتراث في قطر في يوليو/تموز 2008، كذلك أُعيد تعيينه في الوظيفة نفسها في التشكيل الوزاري في 26 من يونيو/حزيران 2013، قبل أن يغادر الموقع الوزاري عام 2015، ويترشح لليونسكو.
أما أودري أزولاي، 45 عاما، فقد كانت وزيرة الثقافة في أخر حكومات الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا أولاند، وشغلت منصب مديرة مالية في المركز الوطني للسينما قبل أن تصبح نائبة مدير المركز.
الجولة الخامسة الحاسمة
واجه المرشح القطري حمد الكواري، في الجولة الخامسة النهائية لانتخاب مدير عام لمنظمة الأمم المتحدة الـ”يونسكو”، مرشحة فرنسا أودري أزولاي، التي تقدمت على مرشحة مصر مشيرة خطاب في جولة الإعادة.
حيث كان السباق في الجولة الرابعة أول أمس الخميس منحصرًا بين المرشحين الثلاث، تقدم فيها المرشح القطري بحصوله على 22 صوتًا من أصل 58 (عدد أعضاء المجلس التنفيذي لليونسكو)، وحصلت مرشحتا فرنسا ومصر على 18 صوتًا لكل منهما، وهو ما استدعى تنظيم جولة إعادة بينهما ظهر أمس الجمعة،. وعبر مرشح قطر أمس الخميس عن سعادته بتصدره السباق خلال الجولة الرابعة من التصويت أمام مرشحتي فرنسا ومصر، وقال إن تصدره الترتيب اعتراف من العالم بالجهود التي تبذلها قطر دعمًا للثقافة.
انسحاب أمريكا من المنظمة يعكس نمط تعامل الرئيس الأمريكي ترامب مع المؤسسات الدولية والاتفاقيات الجماعية والتحالفات حيث صارت أبرز ملامح الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب.
وقد فازت في هذه الجولة مرشحة فرنسا بحصولها على 31 صوتًا بينما نالت مرشحة مصر 25 صوتًا، وهو ما يعني أن اثنين من أعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة الدولية امتنعا عن التصويت،. إذ كانت مرشحة لبنان، فيرا خوري لاكويه، ومرشح الصين، كيان تانغ، قد انسحبا قبل انطلاق التصويت في الجولة الرابعة، وقالت مرشحة لبنان إنها تأسف لعدم اصطفاف الدول العربية وراء مرشح عربي واحد يكون قادرًا على الفوز بالمنصب.
المرشحة الفرنسية أودري أزولاي في رئاسة منظمة اليونسكو
وكان الكواري قد تعادل مع منافسته الفرنسية في الجولة الثالثة، إذ حصد كلاهما 18 صوتًا، فيما حصلت كل من مرشحة مصر مشيرة خطاب على 13 صوتًا، واللبنانية فيرا الخوري لاكويه على 4 أصوات قبل أن تعلن انسحابها، وأكدت فيرا خوري قبل انسحابها أنها حاولت تقريب وجهات النظر بين الدول العربية دون أن تنجح في ذلك، وأوضحت أن انسحابها جاء كي لا تتسبب في تشتيت أكبر لأصوات العرب.
توقيت انسحاب واشنطن و”إسرائيل” من المنظمة
أعلنت وزرة الخارجية الأمريكية يوم الخميس الماضي، انسحابها من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، متهمة هذه المؤسسة بأنها “معادية لإسرائيل” على حد وصفها، وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت، إن الولايات المتحدة ستشكل بعثة بصفة مراقب لتحل محل بعثتها فى باريس، وبعد ساعات من إعلان الولايات المتحدة انسحابها من المنظمة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن “إسرائيل” تستعد للانسحاب من منظمة “يونسكو”. وتم إصدار تعليمات لوزارة الخارجية الإسرائيلية ببدء الاستعداد لترك المنظمة الدولية.
من جهتها أكدت مديرة الـ”يونسكو” أنها تلقت إخطارًا رسميًا من أمريكا بانسحابها من المنظمة، مضيفة أن قرار أمريكا يمثل خسارة “لأسرة الأمم المتحدة“، وعبرت مديرة اليونسكو إيرينا بوكوفا عن أسفها العميق لقرار الولايات المتحدة الانسحاب من هذه الوكالة الدولية، معتبرة أنه “خسارة للتعددية“، وقالت بوكوفا في بيان: “أود أن أعبر عن أسفى العميق من قرار الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من اليونسكو“، وكانت الولايات المتحدة قد ألغت في 2011 مساهمتها المالية الكبيرة التي كانت تخصصها لليونسكو احتجاجًا على قرار منح الفلسطينيين عضوية كاملة بالمنظمة.
فشل الكواري في الحصول على منصب المنظمة الدولية يعد صورة واقعية للانقسام الذي وصل إليه العرب
عمومًا، فقرارالولايات المتحدة بالانسحاب من المنظمة حمل العديد من التساؤلات عن توقيت هذا الانسحاب، علمًا أنه جاء قبل ساعات من انطلاق الجولة الرابعة لانتخابات الـ”يونسكو”، وقد زعمت وزارة الخارجية في بيانها المقتضب أن قرارها جاء بسبب تراكم المتأخرات المالية والحاجة إلى إصلاحات جذرية في المنظمة وأخيرًا انحياز المنظمة المتواصل ضد “إسرائيل”.
البعض أشار أن هذا الانسحاب يعكس نمط تعامل الرئيس الأمريكي ترامب مع المؤسسات الدولية والاتفاقيات الجماعية حيث صارت أبرز ملامح الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب الذي يؤمن بسيادة أمريكا ويعكف على تطبيق شعار “أمريكا أولاً”، وسبق أن خرج ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، وشراكة الباسفيك للتجارة، وينوي مغادرة اتفاق “نافتا” التجاري، وأعلن في الأمس نيته عدم التصديق على الاتفاق النووي مع إيران.
ومن جهة أخرى، حلل البعض أن تسويغات واشنطن للخروج من المنظمة كانت ضعيفة وغير مبررة، فالتأخير في تسديد المستحقات ساهمت فيه واشنطن بعدما أوقفت دفع حصتها من موازنة المنظمة في 2011 اعتراضًا على قبول السلطة الفلسطينية كعضو دائم في المنظمة، أما فيما يخص الإصلاحات فأشار البعض أن الحاجة للإصلاح لا تبرر الانسحاب بقدر ما يستجوب البقاء في المنظمة للمساهمة في التصحيح، أما ما يخص أن اليونسكو منحازة لـ”إسرائيل” فهذا ليس بجديد وهي أسطوانة لطالما كررها المجتمع الدولي.
يعتبر المدير العام الذي يقترحه المجلس التنفيذي ويسميه المؤتمر العام، أعلى منصب في هذه المنظمة الأممية للتربية والثقافة والعلوم، ويُنتخب لأربع سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة.
كان يمكن لواشنطن أن تنسحب في السنوات الماضية بعد انسحابها من دفع مخصصاتها المالية للمنظمة، ولكن آثرت أن تنسحب الآن وبعد الجولة الرابعة حصرًا حيث حقق المرشح القطري انتصارًا ساحقًا وكاد أن يظفر بالفوز بالمنصب في الجولة الخامسة ليترأس المنظمة، وهو ما أدى للبعض أن يعتقد أن هناك أيادي إسرائيلية في هذا القرار، مشيرين إلى بصمات السفير الأمريكي في “إسرائيل”، دافيد فريدمان، وأنه نابع من مخاوفها من فوز الكواري بالمنصب والذي يكن عداءًا لـ”إسرائيل” ومعروف عن قطر مناصرتها للقضية الفلسطينية ضد دولة الاحتلال “إسرائيل” في المحافل الدولية، وقد تثبت صحة هذا الاعتقاد في حال عادت واشنطن عن قراراها بالانسحاب من المنظمة في الأشهر المقبلة.
على كل حال، انسحاب واشنطن ربما لم يكن مفاجئًا للبعض في ظل إدارة الرئيس ترامب، ولكن الأهم من هذا هو الانقسام العربي الذي أدى لخسارة منصب رفيع في منظمة اليونسكو وذهب لفرنسا.