كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، في تقرير كتبه ديفيد هيرست، خضوع القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، لتحقيق موسع من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بشأن تورطه بجرائم ضد الإنسانية في ليبيا، وذلك من خلال علاقته بسيف الإسلام القذافي نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، حسبما أشارت بعض الوثائق المسربة.
الوثائق التي لم يحدد الموقع مصدرها تعود إلى عام 2012 حين خاطبت المدعية العامة للمحكمة فاتو بينسودة، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، طالبة مساعدته ضمن تحقيقات تجريها المحكمة بشأن الحرب الليبية والجرائم المرتكبة هناك بحق الشعب الليبي.
بينسودة في خطابها المسجل بتاريخ 21 من نوفمبر 2012 كتبت تقول: “تدعيمًا لهذا التحقيق، يطلب مكتبي مساعدة حكومة فلسطين فيما يتعلّق بالتورّط المزعوم (في الحرب الليبية) لمواطنَين فلسطينيين، هما محمد دحلان ومحمد برهان رشيد (المستشار المالي السابق للرئيس الراحل ياسر عرفات)، واللذين كانت مشاركتهما مع سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي (رئيس الاستخبارات العسكرية في نظام القذافي)، وغيرهما من الشخصيات التي يحتمل أنها كانت أكثر مسؤولية عن أخطر الجرائم بموجب نظام روما الأساسي، أمرًا يثير قلق المكتب”.
وأضافت: “يطلب مكتبي مساعدتكم (السلطة الفلسطينية) في تحديد تفاصيل علاقة هذين (دحلان ورشيد) بتلك الجرائم، بما يشمل احتمال مساعدتهما عليها والتحريض على ارتكابها”.
ولم يكشف هيرست في تقريره عما إذا كان هذا التقرير قد أغلق أم لا يزال مفتوحًا، إلا أنه ذكر على لسان المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية حين طلب منه التعليق على تلك الوثيقة بأنه “لا يستطيع التعليق على تحقيق ربما يكون مستمرًا”.
دحلان – سيف الإسلام
في عام 2010 نشر موقع ويكليكس وثيقة تشير إلى لقاء هو الأول من نوعه تم بين دحلان وسيف الإسلام القذافي في إسبانيا، حينها كان نجل القذافي يسعى لتقديم نفسه كونه الشخصية الأكثر اعتدالاً لخلافة والده على عرش ليبيا، وكان ذلك قبيل انطلاق قطار الربيع العربي في 2011.
وفي الـ4 من أغسطس من نفس العام كشفت بعض المصادر الإعلامية عن وثيقة صادرة عن المكتب الخاص لسيف الإسلام بشأن صرف مبلغ 25 مليون يورو إلى “الأخ محمد يوسف دحلان ممثّل عن منظمة التحرير الفلسطينية من أجل دعم اللجان الشعبية في قطاع غزّة فلسطين”.
الوثيقة الموقعة من نجل القذافي أظهرت بناء على خطاب موجه إلى مدير مصرف الجمهورية طرابلس أن “هذا المبلغ يصرف تحت بند مساعدات للشعب الفلسطيني ويحول المبلغ باسم المذكور إلى ستي بنك في جنيف سويسرا”.
خبير الملفّ الليبي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، كشف أنه في الوقت الذي لم تضح فيه طبيعة ولا حجم العلاقات بين سيف الإسلام ودحلان إلا أن هذا لا ينفي أن للأخير أدوارًا مشبوهة أخرى في ليبيا حتى الآن، تتمثل معظمها في دعم الإعلام المعادي للتيارات الإسلامية، حسبما نقل الموقع البريطاني.
وبحلول 2011 أي بعد أقل من عام على لقاء دحلان – سيف الإسلام، فتحت المحكمة الجنائية تحقيقًا في الوضع داخل ليبيا، بعد اشتعال الثورة ضد نظام القذافي، وفي يونيو من نفس العام، تم إصدار مذكرة توقيف بحق سيف الإسلام بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانيّة (التفويض بالقتل واضطهاد المدنيين وقمع وردع تظاهرات المدنيين ضد نظام القذافي) وذلك استنادًا إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1970.
موقع “مديل إيست آي” البريطاني، في تقرير كتبه ديفيد هيرست، كشف عن خضوع القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، لتحقيق موسع من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بشأن تورطه في جرائم ضد الإنسانية في ليبيا
تورط دحلان في جرائم حرب داخل ليبيا
توريد الأسلحة الإسرائيلية
في الـ3 من أبريل 2011 وبعد أقل من شهرين على انطلاق الثورة الليبية، كشف المعارض الليبي عمر الخضراوي في حوار له مع صحيفة “الشروق ” الجزائرية، أن “محمد دحلان وشخصية فلسطينية أخرى من أصل عراقي متورطان في صفقة توريد أسلحة بطريقة سرية من شركة إسرائيلية في الأراضي المحتلة إلى الرئيس الليبي معمر القذافي عبر سفينة قادمة من اليونان”.
الخضراوي في حديثه أوضح أن دحلان “هو من يقف وراء صفقة توريد الأسلحة المحرمة دوليًا إلى العقيد القذافي والتي قصف بها سكان مدينة مصراته في الغرب الليبي”، ملفتًا أنه – دحلان – حلقة الوصل بين ليبيا والكيان الصهيوني، حتى وإن تظاهر القذافي على غير ذلك، على حد قوله.
هذا بخلاف ما تم تداوله عبر وسائل الإعلام بشأن لقاء عقده دحلان مع سيف الإسلام القذافي بحضور بعض مسؤولي الأمن الإسرائيليين بهدف التخطيط لقمع الثورة في ليبيا وإجهاض التحركات على الأرض، والتي كان من نتائجها إبرام عدد من صفقات الأسلحة بين دولة الاحتلال ونظام القذافي، كان عرابها الأول هو الفتحاوي المفصول.
في أغسطس 2014.. نشر موقع “ميدل إيست آي” تقريرًا كشف من خلاله عن لقاء جمع بين حفتر وعملاء للمخابرات الإسرائيلية بوساطة إماراتية، وأن قواته تلقت بنادق قنص إسرائيلية ومعدات رؤية ليلية.
خبير الملفّ الليبي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، كشف أنه في الوقت الذي لم تضح فيه طبيعة ولا حجم العلاقات بين سيف الإسلام ودحلان إلا أن هذا لا ينفي أن للأخير أدوارًا مشبوهة أخرى في ليبيا حتى الآن
التقرير أفصح عن قصف الجيش الإسرائيلي بالطائرات لمواقع عسكرية لتنظيم الدولة في مدينة سرت الليبية لصالح اللواء المتقاعد في 25 من أغسطس 2015، وحسب مصادر للموقع فإن الغارة جاءت استجابة لطلب من حفتر في أثناء زيارته لعمّان، حيث التقى سرًا عددًًا من مسؤولي الأمن الإسرائيليين بحضور إماراتي والقيادي محمد دحلان.
هيرست في تقريره أشار إلى استباق السلطة الفلسطينية التحقيق مع دحلان بشأن تورطه في توريد أسلحة إسرائيلية إلى نظام القذافي، وذلك قبل أن تبدأ المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاتها، إذ إنه وفي أبريل 2011 أعلنت السلطة الفلسطينية فتح تحقيقها استنادًا إلى الاتهامات التي ساقها له بعض الثوار الليبيين آنذاك بناء على مشاهداتهم.
واليوم وبعد مرور 6 سنوات على فتح هذا التحقيق تعلن السلطة الفلسطينية أن دحلان المقيم بالإمارات ومحمد رشيد الطرف الثاني الضالع في الجريمة بحسب وثيقة الجنائية الدولية والمتهم بغسيل الأموال، سيكونان على رأس قائمة الهاربين الذين سيُطلب من الـ”إنتربول” ملاحقتهم، بعد أن أصبحت فلسطين عضوًا في المنظمة أواخر شهر سبتمبر الماضي.
دحلان عراب صفقات السلاح بين ليبيا و”إسرائيل” برعاية إماراتية
ذراع الإمارات في ليبيا
الدور المشبوه لدحلان في المنطقة تطرقت إليه صحيفة “لوموند” الفرنسية، في تقريرها المترجم عبر “العربي الجديد” والذي تناول حياة القيادي المفصول وكيف حاولت أبو ظبي اللعب به كورقه مؤثرة في الصراع العربي الفلسطيني، فضلاً عن دوره في تخريب الثورات العربية ومحاصرة الإسلاميين.
الصحيفة في تقريرها لفتت إلى تورطه في المعارك في ليبيا، خاصة في منطقة برقة، حيث كشفت تسريبات صوتية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن دحلان سافر في طائرة خاصة من القاهرة إلى ليبيا، ويعتقد كثيرون أن تلك الرحلة دليل على أن دحلان أحد أبرز المشرفين على تهريب الأسلحة الإماراتية إلى معسكر اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، حسبما أشارت الصحيفة الفرنسية.
كما تحدثت أيضًا عن دوره في تونس والسودان ومصر، فضلاً عن حضوره قمة الرياض والاستماع إلى خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في القاعة التي ضمت رؤساء العالم العربي والإسلامي، كذلك نقلت عن مصدر دبلوماسي عربي قوله: “دحلان عندما يصل إلى باريس تفتح له السفارة الإماراتية هنالك قاعتها الشرفية في المطار وترسل إليه سيارات ليموزين، إذ إنها تعامله مثل أحد الشيوخ من أعضاء العائلة الحاكمة، وتعتبره أكثر أهمية من الوزراء”.
دحلان من يقف وراء صفقة توريد الأسلحة المحرمة دوليًا إلى العقيد القذافي والتي قصف بها سكان مدينة مصراته في الغرب الليبي
رغم إصدار مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2017 في 31 من أكتوبر 2011 الذي ينص على حظر تصدير السلاح بأنواعه وأشكاله كافة إلى ليبيا، والذي أكد عليه مرة اخرى في 28 من مارس 2015، إلا أن الإمارات لم تلق بالا لهذا القرار واستمرت في خرقها له عبر مواصلة تصدير السلاح وتهريبه للفصائل المناوئة للثورة الليبية، وذلك عن طريق ذراعها الذي تربطه علاقات قوية بفلول نظام القذافي هناك محمد دحلان.
في إيميل مؤرخ في الـ4 من أغسطس 2015 خاطب الدبلوماسي الإمارتي أحمد القاسمي، لانا نسيبه سفيرة دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، قائلاً: “الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الإمارات العربية المتحدة انتهكت قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بليبيا وما زالت تنتهكه”. وذلك حسبما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في 12 من نوفمبر 2015.
التسريبات كشفت إقرار الدبلوماسيين الإماراتيين صراحة عبر إيميلاتهم بأن حكومتهم كانت تشحن الأسلحة إلى حلفائها الليبيين في انتهاك صارخ للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة – وهي السياسة التي، كما يقولون، تتم بأوامر مباشرة من “مستوى رئاسة الدولة” – ويقرون أيضًا بأنهم كانوا ينهجون استراتيجية الهدف منها إخفاء شحنات السلاح عن لجنة الرصد والرقابة التابعة للأمم المتحدة.
وفي 24 من أغسطس 2014 كشف موقع دويتشه فيله نقلاً عن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن طائرات إماراتية انطلقت من قواعد عسكرية في مصر هاجمت منشآت عسكرية تابعة لقوات “فجر ليبيا” في العاصمة الليبية طرابلس.
الصحيفة نقلت على لسان مسؤول أمريكي قوله إن الغارات الأولى حدثت في 18 من أغسطس نفس العام (2014) واستهدفت مخزنًا صغيرًا للأسلحة، مما أدى لمقتل ستة أشخاص على الأقل، بينما حصلت الغارات الثانية 22 من أغسطس 2014 واستهدفت منصات صواريخ وسيارات عسكرية، مما أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص، وذكرت الصحيفة أن الإمارات استخدمت مقاتلاتها ومعداتها لشن الغارات فيما قدمت مصر قواعدها الجوية.
هذا التدخل قوبل حينها بإدانات واسعة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عديدة في مجلس الأمن، مما دفع أبو ظبي حينها للبحث عن بدائل أخرى واستراتيجيات جديدة.
الوثيقة التي نشرها موقع “مديل إيست آي” البريطاني والتي تعود إلى العام 2012 كشفت النقاب قليلاً النوايا المبكرة لأبو ظبي حيال ثورات الربيع العربي ومساعيها لإجهاضها بأي ثمن منذ انطلاقها في 2011 وذلك عبر العديد من الأذرع السياسية والإعلامية والسياسية كان على رأسها الفتحاوي المفصول محمد دحلان.