بعد انتهاء أي حرب على أي دولة يجري تقييم الخسائر المالية والبشرية التي خلفتها تلك الحرب، وهذا تمامًا يجري مع قطاع غزة المحاصر الذي تعرض لثلاثة حروب متواصلة، وانقسام كان أقصى وأشد من ذلك بكثير استمر أكثر من 10 سنوات، تسبب بفقر وبطالة ودمار أكل الأخضر واليابس.
تطورات ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية، وما جرى من توقيع اتفاق ما بين حركتي فتح وحماس في القاهرة الخميس الماضي، برعاية جهاز المخابرات المصرية، أعاد الأضواء مجددًا إلى قطاع غزة الذي يتعرض لحصار إسرائيلي يتساوى مع عمر الانقسام الداخلي، وجعل غزة تعيش أسوأ وأحلك أوضاعها المعيشية والإنسانية والاقتصادية.
الاقتصاد الفلسطيني خلال العشر سنوات الماضية عانى من ازدواجية القوانين والتشريعات، إضافة إلى ازدواجية الرسوم والضرائب بين الضفة وغزة
ويعاني قطاع غزة من حصار إسرائيلي بري وبحري وجوي مشدد منذ العام 2007، بعد أحداث الانقسام الداخلي، وسيطرة حركة حماس بالقوة على القطاع، تسبب بتدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية لسكانه، وأصاب اقتصادها بالشلل التام، وأوصل خط الفقر والبطالة لمستوى كارثي وغير مسبوق، بحسب مؤسسات دولية.
خسائر بمليارات الدولارات
اقتصاديون وسياسيون وحقوقيون، كشفوا أن كلفة الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، خلال 10 سنوات وصل لـ15 مليار دولار، الأمر الذي أدى إلى انهيار القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية كافة في قطاع غزة.
وأوضح المختصون أن كلفة الانقسام والحصار كبيرة جدًا وبلغت من الناحية الاقتصادية بشكل مباشر وغير مباشر نحو 15 مليار دولار، ومن الناحية السياسية أدت لانهيار النظام السياسي الموحد وفقدان القانون الفلسطيني المنفصل عن السلطات الثلاثة، إضافة إلى تأثير الانقسام على الثقافة والسلوك الاجتماعي لدى أبناء شعبنا الفلسطيني، ناهيك عن تدمير القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية كافة، وإغلاق معظم الشركات والمصانع العاملة في القطاع.
الخبير الاقتصادي وممثل الغرفة التجارية في قطاع غزة ماهر الطباع، بين أن كُلفة الحصار والانقسام الفلسطيني في القطاع سواء مباشرة أو غير مباشرة منذ عشر سنوات بلغت نحو 15 مليار دولار.
وأوضح الطباع، خلال تقديمه شرحًا مفصلًا عن دراسة أعدها بعنوان “كُلفة الانقسام وأثره على الاقتصاد الفلسطيني”، أن الاقتصاد الفلسطيني خلال العشر سنوات الماضية عانى من ازدواجية القوانين والتشريعات، إضافة إلى ازدواجية الرسوم والضرائب بين الضفة وغزة، مؤكدًا أن هذا الأمر أدى إلى توقف وإغلاق عشرات الشركات والمؤسسات الخاصة.
من جهته، عقب أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الأزهر، الدكتور سمير أبو مدللة، على الدراسة التي أعدها الطباع، مؤكدًا أن جميع ما ذكرته الدراسة ويضاف إليها استنزاف السلطة للميزانية العامة يؤدي إلى حالة كبيرة من الإحباط ويزيد من تدهور الحياة في قطاع غزة.
وشدد أبو مدللة، على أن أسباب تدهور الاقتصاد الفلسطيني خلال السنوات الماضية يتمثل في الاحتلال الإسرائيلي والاعتماد على المساعدات وحالة عدم اليقين السياسي في فلسطين وسياسات السلطة تجاه سكان القطاع.
غزة بعد المصالحة
وفي دراسة أخرى أعدها سلطان ياسين من الضفة الغربية، بعنوان “كلفة الانقسام وأثره في المجال الاجتماعي والثقافي” أكد أن قضية التحرر الوطني الفلسطيني والمقاومة لم تعد ضمن أولويات الشباب الفلسطيني، بل إن الهم الأول للشباب اليوم هو الخلاص الفردي من الإجراءات المتخذة سواء في الضفة أو قطاع غزة، وهذا الهمْ أصبح ظاهرة اجتماعية في ظل استمرار الانقسام بين فتح وحماس.
وأوضح ياسين، أن الأزمات السياسية وما أنتجته من تناحر وتراجع في الدور التنموي لدى الأحزاب، أدت لظهور مجموعة من السلوكيات الشاذة عن المجتمع الفلسطيني، والتي تعززت وارتفعت وتيرتها بعد الانقسام.
بينما أشار الحقوقي صلاح عبد العاطي في دراسته “كلفة الانقسام السياسي وأثره على النظام الدستوري الفلسطيني وحالة حقوق الإنسان”، إلى أن المجتمع الفلسطيني بات أمام واقع مأساوي من الناحية القانونية النظامية، في ظل التغول على دور “السلطات الثلاثة”.
وقال عبد العاطي في دراسته: النظم السياسية في السلطات الثلاثة “التنفيذية والتشريعية والقانونية” بعد الانقسام الفلسطيني غير واضحة المعالم وبات المجتمع الفلسطيني تائهًا أمام هذا الواقع المأساوي”، مشيرًا أن دراسته رصدت خلال فترة الانقسام عددًا كبيرًا من سن القوانين التشريعية التي ليست لها علاقة بالصفة القانونية.
بدوره، ذكر المحلل السياسي خليل شاهين في دراسة أعدها عن “تأثير الانقسام في المجال السياسي” أن الانقسام الفلسطيني أثَّر بشكل كبير على النظام السياسي الفلسطيني، وأكد في دراسته أن النظام السياسي فقد القيادة الموحدة، وفقد البرنامج السياسي الموحد وفقد الشعب الفلسطيني المشروع الوطني الموحد.
واستعرض شاهين خلال دراسته، تاريخ الانقسام الفلسطيني منذ ما قبل أسلو حتى تنفيذ الانقسام عام 2007، مؤكدًا أن أزمة الانقسام ناتجة عن عدم الشراكة المؤسساتية بين أطياف الشعب الفلسطيني المختلفة.
وفي ذات السياق، قالت وزيرة الاقتصاد الفلسطينية عبير عودة، إن وزارتها جهزت خططًا عدة لإنعاش القطاع الاقتصادي في غزة، الذي دُمّر بفعل الانقسام الفلسطيني والحصار والحروب التي شهدها القطاع، خلال 11 سنة ماضية.
وذكرت أنها ستعمل على تعزيز وتطوير المنطقة الصناعية الموجودة في غزة، وبناء مدن صناعية جديدة، معربة عن أملها بإقامة علاقات تبادل تجاري مع مصر، مما سيفتح المجال أمام وصول المنتجات الفلسطينية من غزة إلى الأسواق العالمية.
وأشارت إلى أنها ستعمل على تفعيل مبادرة إقامة المنطقة التجارية الحرة بين مصر وغزة، ضمن خططها لتطوير القطاع الاقتصادي، مشيرة إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى مباحثات ونقاشات مع الجانب المصري.
ولفتت إلى أن وزارتها ستنفّذ عدة خطط تركّز على تعويض الشركات والمصانع المتضررة جراء الحروب الإسرائيلية (2008، 2012، 2014)، لافتةً إلى منحة كويتية لتعويض 32 مصنعًا تضرر في الحرب الأخيرة على غزة.
كان البنك الدولي قد قال، في تقرير سابق له إن غياب السلام والمصالحة على المستوى السياسي، أدى إلى خلق وضع اقتصادي غير مستدام في قطاع غزة
وكشفت أن وزارة الاقتصاد الفلسطينية تدرس تقديم تعويضات لـ150 ملفًا تعود لمصانع دمّرها الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان على غزة، داعيةً في الوقت ذاته جميع الدول والمؤسسات المانحة لتقديم الدعم الاقتصادي اللازم للقطاع.
وأكّدت أنها “ستجلب الكثير من الدعم للقطاع، في سبيل تحقيق نموٍّ وازدهار اقتصادي يعوّض أهل غزة عن قسوة سنوات الحصار”.
وأضافت أن تحقيق المصالحة وتسلّم حكومة التوافق مهامها في غزة سيحقق انتعاشًا لاقتصاد القطاع المتهالك، ويقلّص نسبتي البطالة والفقر، التي وصلت لمستويات غير مسبوقة، بسبب سنوات الحصار الطويلة والحروب الإسرائيلية.
وأكدت عودة أن وزارتها ستعمل على إنعاش اقتصاد غزة عبر استغلال الأيدي العاملة لتشغيل المصانع المتوقّفة منذ سنوات، لافتةً إلى أن نسبة البطالة – بين فئة الشباب تحديدًا – وصلت إلى أكثر من 56% (الإجمالية 41%)، وهي نسبة غير مسبوقة.
وكان البنك الدولي قد قال في تقرير سابق له إن غياب السلام والمصالحة على المستوى السياسي، أدى إلى خلق وضع اقتصادي غير مستدام في قطاع غزة.
وتسببت الاعتداءات التي شهدها قطاع غزة عام 2014، وفق التقرير، في وقوع أزمة إنسانية، وبلغ حجم الخسائر التي لحقت باقتصاد القطاع، الذي لا يزال يعاني حتى اليوم من آثارها، 1.7 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن معدل النمو في قطاع غزة بلغ 7.3% في عام 2016 نتيجة لأنشطة البناء والتعمير، فمن غير المتوقع أن يعود اقتصاد غزة إلى مستوياته السابقة للحرب حتى عام 2018.
وأظهرت معطيات تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، أن 50% فقط من إجمالي تعهدات إعادة إعمار غزة في مؤتمر القاهرة 2014، وصل فعليًا للحكومة والمنظمات الأممية.
وخرج مؤتمر القاهرة الدولي، المنعقد في أكتوبر 2014، عقب الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، بتعهدات منح مالية بقيمة 3.5 مليارات دولار لإعادة إعمار غزة.