كشف الرئيس الأمريكي ترامب أمس الجمعة النقاب عن استراتيجيته حيال إيران والاتفاق النووي، إذ أعلن أنه لن يقوم بالتصديق على التزام طهران بالاتفاق النووي، وأكد أنه سيعمل مع الكونغرس لإجراء تعديلات عليه، ولا تعني خطوة ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، ولكنه ركل الكرة إلى الكونغرس الأمريكي ليقوم بدوره بالإقرار بعد 60 يومًا فيما إذا سيفرض عقوبات على إيران أم أنه سيحافظ على الاتفاق المعقود مع إيران منذ العام 2015.
وشدد ترامب، خلال خطابه على أن إدارته لن تسمح لطهران بامتلاك أي من الأسلحة النووية، وأنها ستبدأ بفرض عقوبات على الحرس الثوري الإيران، منددًا بما سماه سلوك “الديكتاتورية الإيرانية“.
عمومًا كان تيلرسون قد خرج قبل إعلان ترامب بيوم ليقول أن ترامب قرر عدم التصديق على أن إيران ملتزمة بالاتفاق النووي، لكنه لن ينسحب من الاتفاق أو يعيد فرض العقوبات، بل سيقول إن الاتفاق لا يصبّ في مصلحة الأمن الوطني الأمريكي. وأعلن أن ترامب يريد من الكونغرس تشديد السياسة تجاه إيران، بإلزامها بالسماح بمزيد من الوصول إلى مواقعها النووية. وأضاف أن الرئيس سيمنح وزارة الخزانة الأمريكية سلطات واسعة لفرض عقوبات اقتصادية على الحرس الثوري الإيراني، إلا أنه لن يصنّفه منظمة إرهابية.
وقال وزيزر الخارحية الأمريكي ستفرض عقوبات “تستهدف هياكل التمويل بحد ذاتها وأفرادًا معينين، وتعاقب الأشخاص الذين يدعمون هذا النوع من الأنشطة”، في إشارة إلى الحرس الثوري الإيراني، وكذلك أعلن تيلرسون أنه ناقش مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف إمكانية إبرام اتفاق جديد إلى جانب اتفاق 2015 يتناول برنامج الصواريخ الباليستية.
على كل حال، فخطاب ترامب لم يمر مرور الكرام على حلفاء أمريكا في العالم، إذ أثار كلامه ردود فعل منددة أجمعت أن انسحاب أمريكا من اتفاق فيينا مع إيران سيلحق ضررًا بمصداقية الولايات المتحدة ومصالحها وتحالفاتها في العالم، وذكر البعض أنه يهدد الأمن القومي الأمريكي.
ترامب بعد الإعلان بقي وحيدًا
لطالما انتظر ترامب هذه الفرصة للحديث عن الاتفاق النووي الذي كثيرًا ما ذكره في خطاباته منذ قرر الترشح للرئاسة، فبالعودة إلى أوصافه للاتفاق النووي سيظهر رؤيته للاتفاق الذي وقتعه أمريكا مع دول الـ5+1 مع إيران بهدف وقف برنامجها النووي: “الاتفاق النووي كارثة” و “يجب تمزيق الاتفاق النووي” و “الاتفاق النووي عار”، “الاتفاق النووي أسوأ اتفاق دخلت فيه أميركا“.
وتشير تحليلات أن ترامب وإدارته ستحاول إقناع حلفاءها الأوروبيين بالوقوف إل جانب واشنطن في إلغاء الاتفاق النووي والمطالبة بصفقة أقوى مع إيران، ويطالبون بتشريع “بنود زمنية” تلغي النص الذي يقول برفع القيود على بعض الأنشطة النووية الإيرانية بعد عدة سنوات، كذلك رأى أن هناك ضرورة لأعمال تفتيش أكثر تشددا ولقيود جديدة على برنامج إيران للصواريخ العابرة للقارات وصواريخ كروز.
مصير الاتفاق النووي هو السبب الرئيسي في تراجع العملة المحلية في إيران والعائد للجو السياسي المتشنج على الصعيد الدولي.
في نفس الوقت حتى الآن لا يمكن لإدارة ترامب ضمان موافقة حلفاءها الأوروبيين خصوصًا بعد سلسلسة من الأمور التي قام بها ترامب خالفت توجهات أصدقائه الأوروبيين؛ كالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، والسياسات التجارية الحمائية التي تضر بمصالح أوروبا مع أمريكا فضلا عن البلبلة التي أحدثها ترامب في تخلي واشنطن عن حماية أوروبا.
وأشار البعض إنه وبعد قرار ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وهي الاتفاقية التي تم التوصل إليها بعد نقاشات طويلة وحصلت على موافقة واسعة من دول العالم، فإن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني سيدفع بعمليات التفاوض المتعددة الأطراف إلى نقطة الانهيار. وبالفعل لم تتأخر الردود على ما سماها ترامب استراتيجيه الجديدة في الرد على إيران، ففي الوقت الذي أعلنت فيه كل من “إسرائيل” والإمارات والسعودية والبحرين واليمن، إشادة بموقف ترامب، أجمعت الدول المشاركة والمعنية بالاتفاق النووي مع إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية على تأكيد التمسك بالاتفاق.
الشيء الوحيد المؤكد هو أن أميركا إذا انسحبت من الاتفاق بقرار من الكونغرس فستعزل نفسها عن حلفائها وتضعف موقفها في الخارج
إذ أعلن زعماء كل من يريطانيا وألمانيا وفرنسا تمسكهم بالاتفاق، وأعرب الثلاثة في بيان مشترك صدر أمس عن مكاتب رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن قلقهم “من التبعات المحتملة لموقف ترمب الذي يصب باتجاه عدم المصادقة على الاتفاق النووي“. وأكد البيان رغبة الدول الثلاث في الحفاظ على استمرارية خطة العمل المشتركة الشاملة بخصوص الاتفاق النووي والتزام كافة الأطراف به، الأمر الذي يخدم المصالح الوطنية المشتركة.
وذهب الرئيس الفرنسي أبعد من ذلك، بالقول أنه ينوي تلبية دعوة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وهي زيارة لها أبعاد مهمة إذ ستكون الزيارة الأولى لرئيس دولة أو حكومة فرنسية لإيران منذ العام 1971. وأجرى ماكرون اتصالات هاتفيًا مع روحاني مساء أمس الجمعة، أكد مواصلة فرنسا وحلفائها الأوروبيين الالتزام بالاتفاق، وشدد على أن عدم دعم أميركا للاتفاق لن ينهيه.
من جهتها ردت إيران على كلام ترامب بأن الاتفاق معها لم يكن ثنائيًا، بل هي اتفاقية متعددة الأطراف وقد أصبحت وثيقة دولية، وأضاف أن الشعب الإيراني يحترم جميع الاتفاقات الدولية ويلتزم بها، ومؤكدًا مواصلة بلاده التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأن طهران ستلتزم بالاتفاق النووي ما دامت مصالحها محفوظة. وردًا على اتهامات ترامب لإيران بالدولة المارقة والوقوف خلف ما وصفها بالنشاطات الإرهابية في المنطقة، قال روحاني إن بلاده تقف ضد “الإرهاب” وإن ترامب هو من يدعم تنظيم “داعش”، كما انتقد روحاني خطاب ترامب وقال إنه مليء بالسباب والاتهامات الكاذبة التي لا أساس لها بحق الأمة الإيرانية، بحسب تعبيره.
الرئيس الفرنسي ينوي تلبية دعوة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وهي زيارة لها أبعاد مهمة إذ ستكون الزيارة الأولى لرئيس دولة أو حكومة فرنسية لإيران منذ العام 1971.
إلى ذلك انتقدت موسكو استراتيجية ترامب حيال إيران ووصفتها بـ “الخطاب العدائي والمهدد” مؤكدة أن الاتفاق النووي مع طهران لا يزال سليمًا. وتابعت أن “رئيس الولايات المتحدة لديه سلطات عديدة، ولكن ليس هذه السلطة“. كما أعلن سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية أن موسكو تعتبر إجراءات ترمب بحق إيران “خاطئة” وستحاول نقل هذه الفكرة إلى واشنطن عبر الحوار.
وقالت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني، إن ترامب لا يمتلك صلاحية إلغاء الاتفاق النووي شددة على أن الاتحاد يعارض فكرة إلغاء الاتفاق، وأضافت “لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بوصفنا مجتمعا دوليا -وأوروبا بالتأكيد- بتفكيك اتفاق يعمل ويؤتي ثماره”.
انتقادات لاذعة لخطاب ترامب
من أبرز من انتقد خطاب ترامب كان وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري، الذي قاد المفاوضات مع إيران، حيث أصدر بيانًا دان فيه بشدة استراتيجية الإدارة الجديدة تجاه طهران، وقال إن ترامب يفتقد للنضوج والحس السليم. واتّهم كيري الرئيس ترامب بخلق أزمة دولية، مطالبًا الأطراف الأخرى التي وقعت على الاتفاق النووي بتجاهل موقفه، والاستمرار بالالتزام بالاتفاق. كما رأت أيضًا وزيرة الخارجية السابقة، مادلين أولبرايت، أن نسف الاتفاق النووي يلحق ضررًا كبيرًا بالأمن القومي الأمريكي، ويعزل الولايات المتحدة عن أقرب حلفائها، واصفةً خطاب ترامب حول إيران بالخطاب “الهستيري والخطير“.
وعلّق كبير مستشاري الرئيس السابق، باراك أوباما، وأحد مهندسي الاتفاق النووي مع إيران، بنجامين بن رودس، بسلسلة من التغريدات انتقد فيها خطاب ترامب، واعتبر أنه أفقد الولايات المتحدة مصداقيتها في العالم وقدم خدمة كبيرة للمتشددين في إيران.
الجمهوريون والذي ينحدر ترامب منهم لا يملكون الأصوات الكافية لتمرير هكذا قرار بالأخص أن الديمقراطيون جميعًا يعارضون العقوبات على إيران.
من جهتها علقت الصحف الأمريكية اليوم على استراتيجية ترامب الجديدة مع إيران، وقالت صحيفة “واشنطن بوست” في افتتاحيتها اليوم أن الرئيس ترامب هدد بتمزيق الاتفاق إذا لم يقم الكونغرس الأميركي وحلفاء الولايات المتحدة بتلبية مطالبه المتمثلة في ضرورة إجراء مراجعة وتنقيح لبعض ما جاء في الاتفاق، الأمر الذي ينذر باستئناف طهران أنشطتها للحصول على الأسلحة النووية.
في الوقت نفسه أشارت الصحيفة الأمريكية إلى عدة تقارير تابعة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتصريحات لوزير الخارجية تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة جوزيف دانفورد؛ وقالت إن هذه التقارير والتصريحات تتناقض مع ادعاءات ترمب المتمثلة في قوله إن طهران انتهكت الاتفاق في مواطن متعددة.
كما أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن الرئيس ترامب هدد بالتخلي عن اتفاق النووي مع إيران ما لم يتم تعديله لمنع طهران بشكل دائم من بناء أسلحة نووية أو صواريخ بالستية عابرة للقارات. وقالت الصحيفة إن ترامب تلا عددًا من الأعمال الخاطئة التي قامت بها إيران عبر السنين، بدءًا من أزمة الرهائن في 1979، ووصفه إيران بأنها الدولة الرائدة الراعية لـ”الإرهاب” في العالم، وبأنها تدعم “تنظيم القاعدة” وحركة حماس و”حزب الله” اللبناني وحركة طالبان الأفغانية، حسب قوله.
التهديد بإلغاء الاتفاق هو خطأ تاريخي يهدد الأمن الأميركي في وقت حساس جدًا
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن اختيار ترمب لعدم الانسحاب من الاتفاق لأنه يريد من الكونغرس مراجعة الاتفاق من أجل وضع خطوط حمراء جديدة على السلوك الإيراني، وقالت الصحيفة، إن إدارة ترمب تعمل منذ أشهر مع بعض المشرعين على تشريعات بهذا السياق سيتم الكشف عنها الأسبوع القادم. وقالت إن الشروط الجديدة تشمل قيودًا على الصواريخ البالستية وأجهزة الطرد المركزي وأشياء أخرى غيرها.
فيما كانت إسرائيل أولى الدول التي رحبت باستراتيجية ترامب إزاء إيران، حيث قال بنيامين نتنياهو “أهنئ الرئيس ترمب على قراره الشجاع، لقد واجه بجرأة النظام الإرهابي الإيراني” مضيفا أنه إذا ترك الاتفاق النووي دون تعديل “فإن الشيء الوحيد المؤكد تماما هو أنه خلال سنوات قليلة سيكون لدى النظام الإرهابي الأول في العالم ترسانة من الأسلحة النووية، وهذا خطر هائل على مستقبلنا الجماعي“.
وبعد “إسرائيل” خرجت كل من السعودية والإمارات والبحرين واليمن لتعلن تأييدها لما قاله ترامب، أعلنت السعودية “تأييدها وترحيبها بالإستراتيجية الحازمة التي أعلنها ترمب تجاه إيران ونهجها العدواني”. وأشاد بيان سعودي بـ “رؤية” الرئيس الأميركي في هذا الشأن والتزامه بالعمل مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لمواجهة سياسات وتحركات إيران العدوانية”.
وقد رأت الرياض أن طهران “استغلت العائد الاقتصادي من رفع العقوبات” جراء الاتفاق النووي “واستخدمته للاستمرار في زعزعة الاستقرار في المنطقة وبخاصة من خلال برنامج تطوير صواريخها البالستية“.
ما بعد خطاب ترامب
بعد عدم موافقة ترامب على التصديق على الاتفاق النووي، فلدى الكونغرس بحسب القانون، 60 يومًا ليقرر ما إذا كان سيعيد فرض العقوبات على إيران. ولتمرير قانون العقوبات على إيران مجددًا فإن الكونغرس بحاجة إلى 51 صوتًا، ولكن يبدو أن الجمهوريين والذي ينحدر ترامب منهم لا يملكون الأصوات الكافية لتمرير هكذا قرار بالأخص أن الديمقراطيون جميعًا يعارضون العقوبات على إيران. وقد ذكر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل لا يرغب في إضافة قضية مثيرة للخلاف إلى جدول الأعمال التشريعي، خاصة مع انتخابات نصف الفترة الرئاسية والتي هي على الأبواب.
وقالت زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، إنّ التهديد بإلغاء الاتفاق هو خطأ تاريخي يهدد الأمن الأميركي في وقت حساس جدًا، فيما اعتبر السيناتور، بيرني ساندرز، أن رفض ترامب التصديق على الاتفاق مع إيران هو الحلقة الأخيرة في سلسلة من “التصرفات الرعناء” التي تهدد أمن الأميركيين.
بعد “إسرائيل” خرجت كل من السعودية والإمارات والبحرين واليمن لتعلن تأييدها لما قاله ترامب.
كما أعلن كل من الشيوخ الجمهوريين جيف فليك وجون ماكين وسوزان كولينز، أنهم لم يقرروا بعد مواقفهم من العقوبات. وقال السيناتور بول راند، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس إدوارد رويس إنهما لا يعتقدان أن من الصواب أن ينسحب ترمب من الاتفاق. لذا سيكون من الصعب التخيل أن الجمهوريين يملكون الأصوات الكافية التي يحتاحون إليها لفرض أي عقوبات جديدة على إيران.
مما لا شك فيه فإعلان ترامب سيلقي بظلاله على الاقتصاد الإيراني، إذ تراجعت أسعار العملة الإيرانية أمام الدولار، قبل إعلان ترامب، باستمرار العمل بالاتفاق النووي مع إيران أو إلغائه. وحققت الدولار الأ ربعاء الماضي في السوق الماضي مستويات مرتفعة بزيادتها عن أربعين ألف ريال إيراني، ( أربعة آلاف تومان)، الأربعاء الماضي، بينما وصل سعر صرف الدولار في البنك المركزي إلى ما يزيد عن 3400 تومان.
مصير الاتفاق النووي هو السبب الرئيسي في تراجع العملة المحلية في إيران والعائد للجو السياسي المتشنج على الصعيد الدولي، وقد يلحق بهذا أضرار أخرى من حيث اجتذاب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد وعودة ارتفاع معدلات التضخم بعد انخفاضها خلال الأشهر الماضية ما دون 10% فبي حين لامست معدل 35% خلال السنوات الماضية.
حتى الآن أن الشيء الوحيد المؤكد هو أن أميركا إذا انسحبت من الاتفاق بقرار من الكونغرس فستعزل نفسها عن حلفائها وتضعف موقفها في الخارج. ومن الممكن أن يطلق هذا القرار سلسلة من الأحداث التي تتسبب في إبعاد الولايات المتحدة بقوة عن حلفائها التقليديين في العالم.