تنفذ الشبيبة الثورية التابعة لميليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” عمليات اختطاف متواصلة للأطفال (إناث وذكور) ضمن الأحياء والتجمعات السكنية في مدن وبلدات مناطق شمال شرقي سوريا، بهدف زجهم في معسكرات التجنيد الإجباري التابعة لحزب العمال الكردستاني (PKK).
تشكل عمليات الاختطاف هذه إحدى وسائل التجنيد الإجباري التي يعتمد عليها حزب العمال الكردستاني، بهدف رفد كوادره بالعناصر البشرية، خاصةً من الأطفال القُصر، للسيطرة على عقولهم، بتمرير أفكارهم ومشروعاتهم الإيديولوجية، وسط تجاهل كلي لحقوقهم الإنسانية.
اختطاف وزج في معسكرات التجنيد
اختطفت الشبيبة الثورية طفلة قاصر تدعى وسيلة عبدالصمد كيكة (16 عامًا)، صباح يوم الخميس 7 مارس/آذار، من أمام مدرسة عدنان المالكي وسط مدينة تل تمر التابعة لمحافظة الحسكة، شمال شرقي سوريا، والتي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي.
كما اختطفت طفلة أخرى، تدعى آية حمام (13 عامًا)، في مدينة منبج بمنطقة ريف حلب الشرقي، الأربعاء 6 مارس/آذار، بهدف اقتيادهما إلى معسكرات التجنيد التي تضم شبان وشابات معظمهم قُصر دون الـ18 عامًا.
أوضح الصحفي من مدينة منبج في ريف حلب الشرقي حامد العلي، أن الشبيبة الثورية اختطفت الطفلة آية الحمام، في أثناء ذهابها إلى مدرستها التي تقع على طريق حلب – منبج دون إعلام ذويها، ما تسبب في قلق عائلتها على مصير ابنتهم المجهول.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “الشبيبة الثورية اختطفت أكثر من 8 أطفال دون الـ18 عامًا، بينهم فتاتان قاصرتان، دون إعلام ذويهم، منذ مطلع عام 2024، بينما التحق آخرون بصفوفها، بعد خضوعهم لدورات تدريبية توعوية تستهدف النشء في إطارها العام لكنها تهدف إلى استقطاب الأطفال وتجنيدهم”.
وأضاف “عمليات التجنيد معظمها تكون بطرق غير مباشرة، إذ تنظم مؤسسات محلية تتبع لمنظمة الشبيبة الثورية مشروعات تأهيلية ودورات دعم نفسي وتدريب مهني تستهدف خلالها الأطفال الصغار، وطابعها لا يحمل مدلولًا آخر، لكن بطريقة ما تحاول إغوائهم بقدرتهم على تبني قضية الانفصال، والالتحاق بالعمل المسلح، والخروج عن إرادة عائلاتهم”.
ومنتصف فبراير/شباط الماضي، كشف ناشط حقوقي يقيم في مقاطعة الشهباء، عن عمليات تجنيد لأطفال ضمن حي الأشرفية والشيخ مقصود وريف حلب الشمالي، حيث تم اقتيادهم إلى معسكرات وحدات حماية الشعب الكردية.
وفي نهاية الشهر ذاته، اختُطف سليمان علي علي (14 عامًا) الذي ينحدر من قرية قنطرة التابعة لمدينة عفرين شمال غرب محافظة حلب، في أثناء توجهه إلى عمله الكائن في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب، من الشبيبة الثورية التي اقتادته إلى مراكز التجنيد التابعة لها، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وأشارت الشبكة، إلى أن الجهات الخاطفة للأطفال لا تبلغ ذويهم، كما تمنعهم من زيارتهم، وتخشى الشبكة أن يُزجّ بهم في الأعمال العسكرية المباشرة وغير المباشرة، في حين أكدت أن قرابة 309 أطفال ما زالوا قيد التجنيد الإجباري في المعسكرات التابعة لقوات سوريا الديمقراطية.
الهجرة كبديل
يقع الأهالي في مناطق شمال شرقي سوريا ضحية ممارسات وانتهاكات الشبيبة الثورية التابعة لميليشيا “قسد”، وسط تكرار عمليات اختطاف وتجنيد الأطفال القاصرين.
قال نضال الحسين، من مدينة منبج بريف حلب الشرقي خلال حديثه لـ”نون بوست”: “أهالي الأطفال يضطرون إلى إرسال أبنائهم من الشباب والأطفال للهجرة نحو تركيا ولبنان وأربيل – العراق وأوروبا، بهدف إبعادهم عن عمليات التجنيد القسرية”.
وأضاف: “المشكلة الأكبر لديهم وجود الفتيات القاصرات والشابات، اللاتي تجري عمليات إغراء لهن بهدف استقطابهن إلى معسكرات التجنيد، وهذا يخالف العادات والتعاليم الدينية، ما يدفع الأهالي إلى منع بناتهن من الخروج إلى الشوارع إلا برفقتهم”.
وأوضح أن مؤسسات الإدارة الذاتية تتجاهل مطالب ذوي الأطفال المختطفين من الشبيبة الثورية، في إعادة أبنائهم، بعدما تكررت حالات الاختطاف، ما ساهم في قلق السكان من استمرار حالات الاختطاف.
تتعاون الشبيبة الثورية مع مجموعات وأفراد يرصدون الأطفال ضمن المدارس والمؤسسات الرسمية بهدف تجنيدهم، بحيث لا تكون بطرق اعتباطية، تستهدف خلالها مراحل عمرية تتراوح بين 12 و16 عامًا من كلا الجنسين، وبعضها تكون بناءً على البنية الجسدية للطفل، حسب ما أوضح الصحفي في مدينة دير الزور، زين العابدين.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “المناطق ذات الغالبية الكردية تتكرر فيها حالات اختطاف الأطفال، مثل القامشلي، الحسكة، تل تمر، عامودا، عين العرب، المالكية، الدرباسية، أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، وبلدات مقاطعة الشهباء، وقرى محيط منبج، إضافةً إلى الأطفال النازحين والمهجرين من مناطق عفرين، تل أبيض، رأس العين”.
وأضاف “عمليات اختطاف الأطفال في محافظتي الرقة ودير الزور نادرة، لأسباب تتعلق ببعدها العشائري، لا سيما وقوف العشائر ضد حالات اختطاف سابقة طالت عددًا من الأطفال، بينما ينشط التجنيد الإجباري الذي يستهدف الشبان فوق الـ18 عامًا”.
ينقل الأطفال المختطفون إلى معسكرات مغلقة في محافظات الرقة والحسكة شمال شرقي سوريا، ويمنع عنهم زيارة أهاليهم، ويخضعون لدروس توعوية وترفيهية ودعم نفسي، إضافة إلى دروس تتعلق بأفكار حزب العمال الكردستاني، ودورس رياضية وعسكرية، وبعد عامين يستطيعون زيارة ذويهم، لكن هنا من الصعب أن يلغي الطفل فكرة ترك المنظمة بل يسعى إلى استقطاب أفراد جدد من محيطه.
اعتبر مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فاضل عبد الغني، أن استمرار منظمة الشبيبة الثورية في تجنيد الأطفال القاصرين والقاصرات يمثل خرقًا واضحًا لمضامين حقوق الأطفال.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “عمليات الاختطاف بهدف التجنيد تتسبب في انتزاع الأطفال من أهاليهم عنوةً، ما يحرمهم من الوصول إلى حقوقهم الإنسانية، كالتعليم وحرية الاختيار وحرية الفكر والدين والتعبير والخصوصية والعيش في كنف العائلة، فضلًا عن تعرضهم لحالات الاستغلال والابتزاز الجنسي”.
وأضاف: “ممارسات ميليشيا قسد تجاه الأطفال لا تزال دون محاسبة وملاحقة للمجموعات والأفراد المتسببين بعمليات الاختطاف والتجنيد، ما يؤكد اشتراكها في الجريمة عندما يصبحون جزءًا من قواتها بعد خضوعهم لتدريبات في معسكراتها”.
وتعرف الشبيبة الثورية كرديًا بـ”جوانن شورشكر- Ciwanên Şoreşger”، وتتألف من مجموعات شبابية (إناث وذكور) معظمهم من القاصرين، غير تابعين بشكل مباشر لأي مؤسسات “الإدارة الذاتية”، ذراع ميليشيا قسد الإداري شمال شرق سوريا، بينما يحصلون على توجيهاتهم من كوادر تابعة لحزب العمال الكردستاني.
يأتي ذلك، رغم توقيع “قوات سوريا الديمقراطية” اتفاقية عمل مشتركة مع الأمم المتحدة لشؤون الأطفال والنزاع المسلح، بهدف حماية الأطفال ومساعدتهم ضمن مناطق الإدارة الذاتية ومنع تجنيد القاصرين، إلا أن الاتفاقية لا تسري وسط تغاضي المنظمات الإنسانية، واستمرار الميليشيا في اختطاف الأطفال وتجنيدهم رغمًا عن ذويهم، ما يشكل خرقًا واضحًا للاتفاقية المبرمة.