كشفت رسالة سربت يوم الخميس 12 من أكتوبر تدخل الإمارات في إجراءات أمن محافظة تعز اليمنية، وتوضح الرسالة التي بعث فيها قائد ما تسمى قوات الواجب أحمد علي محمد البلوشي إلى قائد محور تعز اللواء خالد فاضل، يطلب الالتزام بتعليمات التحالف العربي وعدم القيام بأي إجراءات في المحافظة إلا بالتنسيق معه.
وتمنع توجيهات القائد الإماراتي تغيير أو سحب أي نقاط أمنية من قبل أي قوة، إلا بعد أخذ الإذن من قوات التحالف العربي في عدن “يقصد من الإمارات”، كشفت الرسالة أيضًا عن تخطيط إماراتي لتعيين محافظ جديد ورئيس لجنة أمنية لمحافظة تعز جنوبي اليمن.
تأتي تلك التوجيهات في الوقت الذي تنفذ فيه قوات انفصالية موالية للإمارات حملة واسعة على مقرات حزب التجمع اليمني للإصلاح في عدن (إخوان اليمن) واعتقال قيادات تابعة للحزب، إضافة إلى منع رئيس حكومة هادي أحمد عبيد بن دغر من الوصول إلى مناطق تسيطر عليها قوات انفصالية، إلا بعد أخذ إذن مسبق من قيادات انفصالية.
إن الرسالة التي بعث بها البلوشي إلى قائد محور تعز، تعزز ما كنا قد تناولناه في “نون بوست” عن دور الإمارات في دعم الجماعات المتطرفة في هذه المحافظة التي تتجاذب في حكمها أطراف متعددة، سواء كانت من حكومة هادي أو الحوثي وصالح، القاعدة أو إخوان اليمن، السلفية الجهادية، أو تنظيم الدولة، جزء كبير من تنظيم القاعدة.
حكومة هادي ستجد نفسها يومًا ما غير مرغوبة في عدن، وصمتها عن الأحداث الجارية في البلاد، قد يعيد السيناريو الكردي في اليمن
وفي نفس الوقت الذي تدعم فيه جماعات جهادية متطرفة، ومليشا أقرب في تعاملها مع المختلفين معها في وجهات النظر إلى تنظيم الدولة، حملت عداءً سياسيًا وجماهيرًا مع الإخوان المسلمين، وتسعى للقضاء عليه وترفض مهادناته في اليمن، ورفضت أكثر من مرة دعم قائد مليشيا تعز أو ما تسمى (المقاومة الشعبية) التي كان يقودها القيادي العسكري في جماعة الإخوان المسلمين في اليمن حمود المخلافي، وهذا ما يعزز الشكوك عن دور الإمارات الحقيقي في اليمن، إن كان دعم ما تسميها الشرعية أو تتخذ ذلك فرصة لتنفيذ أجندة إقليمية ودولية، تستهدف الوطن العربي، وتبدأ التجربة العملية لذلك في اليمن.
فالسعودية والإمارات ليستا بعيدتين عن السياسة الأمريكية، فالكل يصب في التوجهات السياسية والاستراتيجية الأمريكية التي تقوم على عدم وضع كل البيض في سلة واحدة، فأمريكا تشجع الإسلام السياسي المعتدل وتشجع في الوقت نفسه القوى المعارضة والمناوئة له لخلق نوع من الضغط عليه وضمان استمرار ما تعتبره التوازن المطلوب، في الصراع العربي العربي، من أجل انشغال العرب فيما بينهم لإتاحة الفرصة للعدو الصهيوني من أجل التوسع أكثر في المنطقة.
ولهذا تعمل الإمارات بشكل جهوي وجهارًا ضد الإخوان المسلمين في المنطقة العربية بشكل عام، بينما تتعامل السعودية بنوع من الخجل من أجل الحفاظ على المصالح الوقتية بينهما في بعض الدول العربية والإقليمية، لكنها حتمًا ستنقلب على تلك المصالح فور وصول محمد بن سلمان إلى سدة الحكم رسميًا، وسيصبح الإخوان المسلمين مطاردين في كل مكان، إن لم يدركوا أخطاءهم.
موقف الرئيس اليمني وحكومته من ذلك
موقف الحكومة اليمنية من الأحداث الأخيرة، سواء من موقف الإمارات بدعم الإسلام المتطرف والجماعات الجهادية في تعز، أو محاربة شريكها الرافض لسيطرة الحوثيين على الحكم في اليمن المتمثل بإيعاز قوات انفصالية عدنية متطرفة، باقتحام مقرات حزب الإصلاح وإحراقه، واعتقال قياداته وكوادره، موقف غير مسؤول وله استفسارات عدة، وإن كانت حكومة هادي تعمل على ما تقول إلى تثبيت دعائم المواطنة في اليمن.
لكن الحقيقة، ومنذ تسلم عبد ربه منصور هادي الحكم في اليمن لمدة عامين فقط، من سلفه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، تعامل مع الحكم بنوع من الخفة والسخرية، وسمح للمليشيا المتعددة بالانتشار في العاصمة اليمنية صنعاء، وعمل على إضعاف الجيش وقوات الأمن، وانتهى به الحال إلى وضعه تحت الإقامة الجبرية.
وها هو الزمن يُعيد نفسه مجددًا لكن في عدن هذه المرة، فاعتقال قيادات الإخوان في عاصمة “هادي” عدن، انتهاك سياسي معلن، وهي جزء من أجندة غير مشروعة تتغلغل في الواقع تحت ذريعة حرب إعادة الرئيس “الشرعي”.
مواصلة علنية لحملات غير مشروعة تطال سياسيين ومواطنين تحت ذرائع مختلفة، بينما بالكاد يُسمح للحكومة أو للمحافظ من أجل البقاء، كوميديا سوداء تختطف الواقع السياسي والاجتماعي لليمن تحت كل اللافتات الأكثر انتهازية.
يوم 14 من أكتوبر، وفي عرض عسكري رمزي جدًا، للقوات الموالية لهادي، حذر أحمد عبيد بن دغر من سقوط عدن في الوقت الحالي، داعيًا لمواجهة العدو “الحوثي وصالح”
وهذا سبب ما يسمى في عالم السياسة “القيادة الرخوة”، وهي التي سهلت لسقوط صنعاء بيد المليشيات بعد تواطئها مع أطراف خليجية نكاية بالإخوان المسلمين، وها هي اليوم تعيد الكرة بتواطئها مجددًا مع نفس الأطراف لإسقاط العاصمة (عدن) بيد المليشيا وللهدف ذاته.
ذلك فيما يخص الاعتداء على مكونات وأحزاب سياسية شريكة لحكومة هادي، في الحرب العبثية، وفيما يخص، التحركات الانفصالية التي تدعمها إيران والإمارات العربية المتحدة على حد سواء، وفيما يخص التحركات الانفصالية التي تسعى للسيطرة على الحكم، أو إعلان الانفصال، تتعامل حكومة هادي بنوع من التغافل مع هذه القضية.
وقال عيدروس الزبيدي، رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، يوم الجمعة 13 من أكتوبر في حديث تليفزيوني مع قناة “الغد المشرق” قناة تليفزيونية موالية للانفصال بدعم إماراتي، أنهم بصدد إجراء استفتاء شعبي في المحافظات الجنوبية على الوحدة اليمنية، على غرار استفتائي كردستان العراق وكتالونيا الإسبانية.
ويوم 14 من أكتوبر، وفي عرض عسكري رمزي جدًا، للقوات الموالية لهادي، حذر أحمد عبيد بن دغر من سقوط عدن في الوقت الحالي، داعيًا إلى لمواجهة العدو “الحوثي وصالح”.
وقال إن مجرد التفكير في الاستيلاء على السلطة بالقوة كما فعلوا في صنعاء، وذلك في العرف الدولي، وفي مواثيقه خطيئة ما بعدها خطيئة، فاليمن لنا جميعًا، وعدن لنا، ونحن مع أهلها في السراء والضراء.
لماذا لا تتخذ الحكومة أي إجراءات ضد الإمارات؟
رغم أن الحكومة اليمنية أو الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، يعلما يقينًا العداء الإماراتي الصريح ضدهما، والأخير خصوصًا يعلم أنه كرئيس “شرعي” لليمن مُنع من الوصول إلى عدن أكثر من ثلاث مرات من قبل الإمارات العربية المتحدة، والسماح فقط لعدد محدود من وزرائه بالتجوال في شوارع عدن أو المحافظات التي تحتلها القوات الإماراتية، فإن اليمن لم يتخذ أي موقف يكبح من جماحها سوى تغيير بعض الشخصيات الحكومية، دون أي تأثير.
ورغم التقارب الملحوظ خلال الفترة الأخيرة بين الإمارات وبن دغر الذي يدفعه لأن يتمرد على قرارات هادي والعمل على تنفيذ الأجندة الإماراتية المرسومة لتثبيت خطرها في اليمن، لن يشفع لحكومته مواصلة مسلسلها الفاشل، التي تتحدث يوميًا أنها تمارس من ما تسميها الأراضي المحررة عملها دون قيود.
حكومة هادي، ستجد نفسها يومًا ما غير مرغوبة في عدن، وصمتها عن الأحداث الجارية في البلاد، قد يعيد السيناريو الكردي في اليمن، وستنظم الإمارات استفتاءً شعبيًا لانفصال البلاد، وسيعلن ذلك بالقوة العسكرية الجبرية، وستكون صنعاء مع الحوثيين، وعدن مع الانفصاليين، وسيبقى هادي وحكومته منفيين خارج البلاد مدى الحياة.
ولذلك تطالب أطراف عديدة عبد ربه منصور هادي، بشطب الإمارات من قائمة التحالف العربي، لتحركاتها المشبوهة، كما فعل مع قطر، لكن الحقيقة أن هادي وحكومته، ليس لهم صلاحيات كاملة في حكم اليمن أو التحالف، ووجودهما صوري لتنفيذ أجندات دول التحالف، ولهذا لا يستطيع أن يعارض الدور الإماراتي في البلاد.
الإمارات العربية المتحدة لها الشق الأكبر من الاستفادة مما يحصل في اليمن، سواء من خلال احتلالها أهم الجزر اليمنية، أكانت شمالية أو جنوبية
ولصالح من تلك الإجراءات؟ ومن المستفيد؟
حتى الوقت الحالي فإن المستفيد من الحرب اليمنية ومن الممارسات الإماراتية في الجنوب وتعز والشريط الساحلي، جهات عدة إقليمية ومحلية. أما الجهات المحلية المستفيدة من الأفعال الإماراتية في تعز، هي الجماعات الجهادية والسلفية وتنظيم القاعدة وداعش، وهذه التسهيلات التي تقدمها الإمارات لتلك التنظيمات يبدو أنها لهدف مؤقت، وقد تنقلب عليهم في أي وقت، لتظهر لأمريكا مدى التزامها بمكافحة الإرهاب، ولذلك أيضًا استراتيجية إماراتية بعيدة المدى، تهدف من خلالها إلى إشعال الصراع بين مكونات سياسية في شمال اليمن ووسطه، بهدف إشغالهم وإضعاف موقفهم للدفاع عن الوحدة.
ثم الحركة الحوثية التي دعمتها الإمارات العربية المتحدة في 2014 لاقتحام العاصمة صنعاء بهدف القضاء على القوة العسكرية لجماعة الإخوان المسلمين، ويتمثل ذلك بتمديد الحرب في اليمن، لأن انتهاء الحرب بتوافق سياسي واللجوء إلى انتخابات حرة ونزيهة بدعم دولي، سينتهي بالحوثية إلى حزب سياسي معارض، ليس مشاركًا في السلطة، لأن الشعبية التي يمتلكها في الوقت الحالي لا تساوي شعبية المؤتمر الشعبي العام أو التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن)، لكن استمرار الحرب، قد يساعد الحوثيين في تثبيت جذورهم وترسيخ مفاهيمهم لدى غالبية الشعب اليمني، بقوتها وأنها القادرة على حفظ أمن اليمن.
هناك أجندات خفية لإعادة تقسيم اليمن وتنفيذ سياسات تخدم مصالح قوى إقليمية ودولية بعينها وليس تنفيذ قرارات مجلس الأمن وعودة الشرعية لممارسة صلاحياتها على الأراضي اليمنية كافة
يأتي في طليعة المستفيدين من التصرفات الإماراتية في اليمن، الحركة الانفصالية التي تسعى للسيطرة على الحكم في اليمن بقوة السلاح، مستغلة الأوضاع الأمنية والمأساوية في البلاد. الإمارات العربية المتحدة لها الشق الأكبر من الاستفادة مما يحصل في اليمن، سواء من خلال احتلالها أهم الجزر اليمنية، أكانت شمالية أو جنوبية. أما الجزر اليمنية كمحافظة سقطرى، ستحصل الإمارات عليها كهدية إضافية إلى ميناء عدن، وباب المندب من الجنوب، لمساعدتها لهم في إعلان دولة انفصالية لهم.
أما الجزر التي هي المحافظات الشمالية، فسوف تعمل الإمارات على بناء قوات عسكرية فيها، خلال الأزمة اليمنية، وانتهاء الحرب في وقت قريب، قد يفسد الخطط الإماراتية في بناء قواعد عسكرية في الجزر اليمنية المطلة على حركة التجارة الدولية، ومن أجل ذلك تعمل الإمارات في اليمن على أهداف مغايرة للتحالف العربي، لتتمكن هي، وليس لتمكين الرئيس هادي وحكومته.
بعد أن كان هناك هدوءًا نسبيًا من التصعيد الإماراتي على الحكومة التي تدعمها الرياض، الشواهد تتحدث حاليًا، أن هناك خلاف كبير وتعارض مصالح بين الإمارات وأهداف التحالف العربي في الحرب على اليمن الذي يؤكد على أهمية عودة الحكومة وتنفيذ القرارات الدولية والمبادرة الخليجية.
مما يؤكد أن هناك أجندات خفية لإعادة تقسيم اليمن وتنفيذ سياسات تخدم مصالح قوى إقليمية ودولية بعينها وليس تنفيذ قرارات مجلس الأمن وعودة الشرعية لممارسة صلاحياتها على الأراضي اليمنية كافة، والحقيقة أن ما يحدث هو انقلاب إماراتي على أهداف التحالف العربي.