هذه ليست المرة الأولى التي تسمعون فيها عن الفيلم السعودي “بركة يقابل بركة”، في الواقع، لقد سمعتم عنه في ترشيحات الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي لعام 2017، وسمعتم عنه أيضًا حينما حصل على جائزة مهرجان برلين السينمائى، واختياره للمنافسة في العروض الخاصة بالدورة الـ41 في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي، والآن يأتي فيلم “بركة يقابل بركة” من جديد ليكون أول فيلم سعودي على شاشة نيتفليكس.
بحسب إحصائيات شركة نيتفليكس، فإن الشركة لديها أكثر من 103 ملايين متابع، ما يقرب من 50 مليون منهم فقط في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بمعدل 10 مليار ساعة متوسط عدد الساعات التي يقضيها المستخدمون على نيتفليكس، وإن وجدنا عدد الساعات اليومي التي يقضيها المستخدمون على نيتفلكيس، فنجد أنها مئة مليون ساعة بشكل يومي.
هذه الإحصائية تشير بوضوح إلى أن كل ما يتم نشره على شاشة نيتفليكس سيكون له جمهوره الواسع بشكل شبه أكيد، وهذا يعني حظًا سعيدًا لأول فيلم سعودي على الشاشة، فيلم “بركة يقابل بركة“، أول فيلم سعودي يسخر من الحكم الديني المتشدد في المملكة، ويهزأ من مشايخ الدين، ويدعو لليبرالية والتفتح، ولا تتم مشاهدته في المملكة (بسبب عدم وجود صالات دور العرض)، إلا أنه يُشاهد عالميًا ودوليًا على نيتفليكس للمرة الأولى.
هل هذه بوادر رؤية الترفيه؟
إعلان الفيلم
مع سياسة الانفتاح والتغيير الثقافي قبل التغيير السياسي التي يتبناها الأمير ابن سلمان، تخطو السعودية خطوات سريعة نحو مزيد من التغيّرات على المستوى المجتمعي لم تشهدها المملكة من قبل على مدار العقود الماضية، حيث كانت البحرين ودبي من قبل مقصد السعوديين للاستمتاع بالوقت، إما لمشاهدة أحدث الأفلام في دور عرضها، أو لحضور مهرجان سينمائي أو غنائي، أو مشاهدة فرقة موسيقية مشهورة في عرضها على أحد المسارح في عاصمة الإمارات المتحدة أو البحرين، وذلك بسبب منع القائمين على شرطة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” كل ما سبق من الوجود في مدن المملكة.
الآن وبعد سماح الأمير ابن سلمان بقيادة المرأة السعودية للسيارة، من الواضح أن رؤية 2030 تؤتي ثمارها بالفعل، حيث تشهد المملكة تغيرات نوعية وجذرية على أرض الواقع تهدم المعتقدات الثقافية التي كانت مُقدسة وغير قابلة للجرح والتعديل أبدًا خلال العقود الماضية، بل وتروج المملكة السعودية لتلك التغيّرات من خلال أسرع الوسائل التعريفية والترويجية وكذلك الممتعة، وهي السينما.
مع سياسة الانفتاح والتغيير الثقافي قبل التغيير السياسي التي يتبناها الأمير ابن سلمان، تخطو السعودية خطوات سريعة نحو مزيد من التغيّرات على المستوى المجتمعي لم تشهدها المملكة من قبل على مدار العقود الماضية
بركة يقابل بركة
فيلم سعودي من إخراج وإنتاج محمود الصباغ، كلاسيكي المحتوى في مجمله، شاب من طبقة اجتماعية متوسطة يقع في حب فتاة من عائلة غنية ويحاول أن يتزوجها ولكن الأهل يرفضون، إلا أن الفيلم يحمل كمية هائلة من الإشارات لرؤية 2030 ساعد ذلك القصة الكلاسيكية أن تكون فيلمًا جريئًا يهاجم النظام السعودي في أكثر المواضع قدسية واحترامًا، بل ساعدته أن يكون فيلمًا يحمل قضية مجتمعية، ولهذا السبب، وصل أدراجه إلى الأوسكار.
الفيلم يدور حول فتاة تبنتها عائلة غنية لها باع في تجارة الأزياء في السعودية، وتستخدم الفتاة وتجعلها عارضة أزياء علامتهم التجارية في المملكة، الفتاة “بيبي” من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، يتابعها الملايين، إلا أنها لا تظهر وجهها أبدًا خوفًا من ردة فعل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتكتفي فقط بإبراز شفاهها ونصف وجهها السفلي، ليتكرر المشهد كثيرًا، حتى سألتها إحدى الفتيات في أحد مشاهد الفيلم قائلة متى سنرى وجهك على الإنستغرام، لترد بيبي: “ليس الآن، الأمر يحتاج بعض الوقت، خطوة خطوة”.
فيلم جريء يهاجم النظام السعودي في أكثر المواضع قدسية واحترامًا
يعمل “بركة” بطل الفيلم في إحدى الهيئات التي تضبط المخالفات في الشوارع، يبدو البطل غير مهتم بالقوانين التي يُنفذها، ولا يبدو مقتنعًا بها أصلًا، لذلك نجده في أغلب المشاهد يتغاضى عن إعطاء المخالفات في كثير من الأحيان، بل ركز الفيلم أيضًا على ردود فعل الناس في أثناء مواجهتهم مخالفة، واستخدموا عبارات قوية لإهانة سلطة الحكم الديني في المملكة.
الانفتاح والليبرالية في الأفلام السعودية
استخدم الممثلون عبارات لإهانة السلطة الدينية مثل “أنتم تخنقون الفضاء العام” و”أنتم السبب في تخلف المملكة” و”كلما نريد أن ننهض خطوة للأمام تُرجعوننا مئة خطوة للخلف” و”هذا حلال في كل بلاد العالم، لماذا هو حرام علينا” و”لماذا ضيّقتم علينا الأرض وهي ملك لله وليست ملكًا لكم”.
يأتي بركة في مشهد طويل حزينًا على حال بلاده التي حكمت قوانينها وأعرافها عليه ألا يلتقي بحبيبته في الأماكن العامة خوفًا من القبض عليهم من الشرطة الدينية، وبدأ بالاستهزاء بكثير من معالم المملكة، فقال إن النجم الشعبي للملكة هو الشيخ مشاري راشد العفاسي، والتليفزيون السعودي لا يخلو من مناظرات بين مشايخ الدين، والمتعة في السعودية هي الخروج للتبضع من مراكز التسوق، لا يوجد مهرجانات ثقافية ولا صالات لعرض الأفلام.
مشهد من الفيلم
قارن بركة بين حال السعودية في الماضي وحالها الآن، وركز على أن الفصل المتشدد بين الرجل والمرأة لم يخلق سوى الكبت العاطفي والجنسي، كما صور حال الكثير من المجالات التي كان يشارك فيها السعوديون من قبل، مثل كابتن المنتخب السعودي من قبل كونه سعودي الجنسية والآن هو مُجنس، وكيف تكون مضيفات الطيران السعودي أيضًا مُجنسات.
استخدم الممثلون عبارات لإهانة السلطة الدينية مثل “أنتم تخنقون الفضاء العام” و”أنتم السبب في تخلف المملكة”
كما نوه في المشهد إلى طريقة عمله، وكيف ينفذ الأوامر دون تفكير، وكأنه مُبرمج على قول نفس الكلام وفعل نفس الأفاعيل على الرغم من أن شكوى الناس منطقية للغاية وكلامهم معقول ولا يجد أي منطقية في الأوامر المفروضة عليهم، ليصف السعودية بأنها سجن خانق، والسعوديين يتسامحون مع كثير من الأشياء اللامنطقية في حياتهم.
فيلم “بركة يقابل بركة” لا يدعو إلى شيء بشكل دولي من خلال السينما والعرض على شبكة من أكثر الشبكات المشهورة وهي نيتفليكس إلا ليمهد التقبل والاستعداد المجتمعي من قبل السعوديين للتغييرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية القادمة من رؤية ابن سلمان للسعودية 2030، بل ليعطي وجهة نظر أن الشعب يكاد لا يتحمل الانتظار من أجل ذلك، ويود الانفتاح بشكل كبير، وبدأ ينفر من كل ما هو تقليدي وتحت أمر السلطة الدينية، يود الخلط بين الإنجليزية والعربية كما كانت تفعل بطلة الفيلم، ويود التنمر على أوامر السلطة الدينية كما كان يفعل بركة.