ناقش مبعوثو المجموعة الرباعية للشرق الأوسط من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في 28 من سبتمبر/أيلول 2017 في بروكسل قضية المصالحة الفلسطينية وسبل تعزيزها على أرض الواقع، داعين الأطراف الدولية كافة لدعم تمكين السلطة الشرعية في غزة.
وحث المبعوثون في بيان الرباعية “الطرفين (فتح وحماس) على اتخاذ خطوات ملموسة لإعادة توحيد غزة والضفة الغربية في ظل السلطة الفلسطينية الشرعية، فمن شأن ذلك أن يسهل رفع إغلاق المعابر، مع معالجة المخاوف الأمنية المشروعة للاحتلال الإسرائيلي، وإطلاق العنان للدعم الدولي لنمو غزة”.
وطلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من حركة حماس، كشرط أساسي لتحقيق المصالحة، عدم وصول أي مساعدات إلى قطاع غزة، من دون المرور أولاً عبر حكومة التوافق الوطني.
وقال الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم لـ”نون بوست”: “حكومة الوفاق هي المسؤولة عن قطاع غزة بشكل كامل الآن، وهي المسيطرة على الوزارات والهيئات كافة في شكل قانوني وفعلي، ومسؤولة عن كل مناحي الحياة في غزة”.
بلغت المساعدات الأمريكية في تلك الفترة للسلطة الفلسطينية المقدمة مليار و273 مليون دولار منها 49.5 مليون دولار بواقع 15% لقطاع التنمية الاقتصادية
يرى الباحث المشارك في مركز دراسات الصراع والتنمية وبناء السلام CCDP، ومدير البرامج في شبكة السياسات الفلسطينية علاء الترتير أن “الرؤية الأمريكية ستركز في مرحلة ما بعد حكومة الوفاق الوطني، على زيادة المساعدات في شقها الاقتصادي عن طريق التعامل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس كممثل لكل الفلسطينيين، من دون التعامل مع حماس لضمان تدفق التمويل لحكومة الوفاق الوطني”.
وقال الترتير لـ”نون بوست” إن “المساعدات الأمريكية ستكون على شكل مساعدات إنسانية وتنموية اقتصادية، وستزيد في شقها الاقتصادي التنموي، بما ينسجم تمامًا مع الحلول الاقتصادية للأزمة الفلسطينية”.
ووفق دراسة قدمها علاء الترتير لمنظمة متابعة الدعم الدولي عن المساعدات الدولية المقدمة للسلطة الفلسطينية من 2012-2015 بلغت المساعدات الأمريكية في تلك الفترة للسلطة الفلسطينية المقدمة مليار و273 مليون دولار منها 49.5 مليون دولار بواقع 15% لقطاع التنمية الاقتصادية، في حين كان نصيب التعليم والخدمات الصحية 48% بواقع 161 مليون دولار، وبلغ مجموع المساعدات الأمريكية التي صرفت للسلطة الفلسطينية مليار و273 مليون دولارـ وفي عام 2016 بلغت المساعدات الأمريكية 261 مليون دولار، وهذا يدل على أهمية المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية ودورها في عملية التنمية الاقتصادية في قطاعات مختلفة كالاقتصاد والصحة والتعليم.
وعن الرؤية الأمريكية للصراع بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي التي تركز على تحقيق السلام الاقتصادي، كمقدمة للسلام السياسي، صرح البيت الأبيض بعد لقاء جاردي كوشنير كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في 22 من يونيو/حزيران 2017 أن “الفلسطينيين بحاجة إلى فرص اقتصادية واستثمارات كبيرة تنعش الاقتصاد الفلسطيني”.
أكدت الخارجية القطرية في 3 من أكتوبر 2017 أنها لن تدخر وسعًا في مواصلة تقديم أنواع الدعم كافة لقطاع غزة والشعب الفلسطيني، ودفعت قطر 407 ملايين دولار من خلال لجنة إعادة إعمار غزة كمنحة لإعادة الإعمار منذ 2014
وفي رصد المواقف الدولية والعربية لدعم حكومة الوفاق الوطني، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لجريدة “ديلي صباح” التركية في 3 من أكتوبر/تشرين الأول 2017: “تركيا ستواصل أنواع الدعم كافة من أجل إعادة إعمار المشافي والمدارس في قطاع غزة، وحل مشكلتي المياه والكهرباء”، ووفق بيان صادر عن وزارة الخارجية التركية في 19-6-2017 بلغت قيمة المساعدات التركية المقدمة للفلسطينيين 138 مليون دولار منذ 2014 حتى نهاية 2016 وذلك ضمن مؤتمر فلسطين وإعادة إعمار غزة الذي عقد في القاهرة عام 2014، وكانت على شكل مساعدات إنسانية وتنموية عبر وكالة التعاون والتنسيق التركية.
فيما أكدت الخارجية القطرية في 3 من أكتوبر 2017 أنها لن تدخر وسعًا في مواصلة تقديم أنواع الدعم كافة لقطاع غزة والشعب الفلسطيني، ودفعت قطر 407 ملايين دولار من خلال لجنة إعادة إعمار غزة كمنحة لإعادة الإعمار منذ 2014 حتى نهاية المشروع مطلع 2017 تضمن بناء مشروع مدينة حمد السكنية وإعادة تأهيل شارع صلاح الدين الرئيسي في غزة.
وكانت وكالة الأنباء السعودية نقلت عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية في 3 من أكتوبر/تشرين الأول 2017 ترحبيه بـ”تطور جهود المصالحة الفلسطينية”، من دون الإشارة إلى تقديم دعم مالي أو مشاريع تنموية لحكومة الوفاق الفلسطينية.
وقال الترتير في حديثه لـ”نون بوست”: “ستركز المساعدات الدولية من الاتجاهات كافة ما بعد حكومة الوفاق الوطني الجديدة، على المشاريع التنموية الاقتصادية، وكذلك على تعزيز الحوكمة وإدارة مؤسسات السلطة، إضافة إلى المساعدات الإنسانية، وكل ذلك يتوقف على سيطرة مؤسسات السلطة في غزة بعد حكومة الوحدة الوطنية”.
وتسعى الفصائل الفلسطينية لتشكيل حكومة وفاق وطني لم يحدد موعد اللقاءات الخاصة بتشكيلها، لكن حسام بدران مسؤول العلاقات الوطنية في حركة حماس قال في 8 من أكتوبر 2017 إن حركته ستشارك في الحكومة، ولم يتضح بعد ما إذا كانت ستشارك بشكل مباشر أم ستختار من يمثلها من المستقلين؟ إذ تشترط أمريكا من أي حكومة فلسطينية قادمة الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي ونبذ العنف، ومع استمرار المساعدات الدولية المقدمة للحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد لله، إلا أن المساعدات التنموية توقفت عن غزة التي تسيطر عليها حماس بسبب عدم اعتراف حماس بشروط الرباعية، أهمها الاعتراف بدولة “إسرائيل”.
تحدث رئيس سلطة المياه المهندس مازن غنيم عن مشروعين تنمويين كبيرين في غزة، وهما محطة مركزية لتحلية المياه بقدرة إنتاجية تصل إلى 55 مليون متر مكعب سنويًا، وبتكلفة نصف مليار دولار، ومحطة طاقة شمسية ستغطي 15% من حاجة غزة للكهرباء بواقع 13 ميغاواط
وقد انتهى لقاء المصالحة الأول في القاهرة بين حماس وفتح في 10 من أكتوبر 2017، وسط توقعات بعدم مشاركة حماس في حكومة الوفاق الوطني القادمة كذلك أكدت الجهاد الإسلامي عدم مشاركتها أيضًا في أي انتخابات قادمة أو أي مؤسسات السلطة الفلسطينية، مما تتيح لمشاريع تمويل التنمية بالعودة لغزة بعد توقفها بسبب عدم اعتراف حماس بشروط الرباعية.
وعن المساعدات العربية المتوقع تدفقها إلى حكومة الوفاق الفلسطينية، قال الترتير: “ستنسجم المساعدات السعودية مع الرؤية الأمريكية في السلام الاقتصادي، ودعم مشاريع التنمية، وكذلك المساعدات القطرية ستركز على المشاريع التنموية، من دون دخول المساعدات العربية في المأزق السياسي بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي”، أي أن المساعدات العربية المقدمة للسلطة الفلسطينية بعد المصالحة ستتخذ شكلاً اقتصاديًا لا سياسيًا”.
وعن طرح الأطراف الدولية والعربية الداعمة للفلسطينيين لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني كآلية لمعالجة الأزمة بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، تابع الترتير: “سيكون السلام الاقتصادي كبديل عن السلام السياسي، حيث ستعمل المساعدات الدولية على تنمية القطاع الاقتصادي الفلسطيني، وتقليل نسبة البطالة والفقر، إضافة إلى زيادة حجم السيولة النقدية في السوق الفلسطينية، وتنشيط الحركة الاقتصادية”.
ووفق وكالة معًا، تحدث رئيس سلطة المياه المهندس مازن غنيم عن مشروعين تنمويين كبيرين في غزة، وهما محطة مركزية لتحلية المياه بقدرة إنتاجية تصل إلى 55 مليون متر مكعب سنويًا، وبتكلفة نصف مليار دولار، ومحطة طاقة شمسية ستغطي 15% من حاجة غزة للكهرباء بواقع 13 ميغاواط، لحل أكبر مشاكل غزة الحياتية وهي الماء والكهرباء، مشيرًا إلى استمرار التنسيق والمتابعة مع أطراف الدعم المانحين لتغطية العجز المالي في مشروع المياه الذي يصل إلى 40%.
“الاتحاد الأوروبي ملتزم بمساهمته المباشرة في رواتب الموظفين الفلسطينيين ومخصصات التقاعد في إطار دعمه المالي للسلطة”، معلنًا تقديم الاتحاد الأوروبي 20 مليون يورو أي ما يعادل 23.6 مليون دولار
وقال ممثل الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية رالف طراف في بيان صحافي في 4 من أكتوبر/تشرين الأول 2017: “الاتحاد الأوروبي ملتزم بمساهمته المباشرة في رواتب الموظفين الفلسطينيين ومخصصات التقاعد في إطار دعمه المالي للسلطة”، معلنًا تقديم الاتحاد الأوروبي 20 مليون يورو أي ما يعادل 23.6 مليون دولار، مساهمة في دفع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية ومعاشات التقاعد عن شهر سبتمبر/أيلول. وأضاف طراف: “دعمنا المستمر يهدف إلى بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة، وجعلها أكثر شفافية ومساءلة وديمقراطية”.
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية البروفسور عبد الستار قاسم فقد قال لـ”نون بوست” إن المساعدات الدولية منذ اتفاق أوسلو 1993 إلى اليوم فشلت في تعزيز التنمية الاقتصادية الفلسطينية، وستستمر بالفشل في ظل تحكم الاحتلال الإسرائيلي في الاقتصاد الفلسطيني، عبر سيطرته على المعابر والصادرات والواردات الفلسطينية، وتحكمه بالحركة التجارية للفلسطينيين، ورفضه الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع السلطة اقتصاديًا”.
وتابع قاسم: “نحن كفلسطينيين لا نقرر نوعية البرامج التي سيتم تمويلها ولا نملك شروطًا لها، بل الذي يقرر هو المانح، لذلك علينا ألا نفرط في التفاؤل في شأن التمويل الدولي لحكومة الوفاق الوطني الفلسطيني، فذلك مرتبط تمامًا بموافقة أمريكا على التمويل ودعوة الأطراف الداعمة إلى إنجاح مهمة حكومة الوفاق”.
تقع المشاريع المهمة التي تحدث عنها المانحون كالطاقة والماء ودعم ميزانية رواتب الموظفين، وتعزيز الحوكمة ومؤسسات السلطة الفلسطينية، في صميم الحاجة الحالية الفلسطينية في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، وسوء الأحوال المعيشية التي يعيشها المواطنون في غزة، في انتظار تمويل حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني والتي تجمع عليها الأطراف الدولية كافة.