أعلن نائب رئيس “الغرفة الإيرانية السورية المشتركة” علي أصغر زبردست، قبل أيام عن موافقة المصرف المركزي الإيراني على تأسيس بنك إيراني سوري مشترك، وإصدار الرخص اللازمة، مضيفًا “الاتفاقيات بين إيران وسوريا تتم من قبل الحكومات، لكن القطاع الخاص ينفذ”، وأشار إلى موضوع “التحويلات المالية” باعتبارها “أكبر عائق في مسار تقدم التجارة الإيرانية السورية”، معربًا عن أمله في حل هذه المشكلة من خلال إنشاء بنك مشترك.
لم تتضح بعد نوعية الخدمات المصرفية التي سيقدمها البنك الإيراني-السوري المشترك في سوريا الذي وصلت إجراءات افتتاحه إلى مراحل متقدمة، غير أن ما يمكن الجزم به أنه سيكون أداة في خدمة توسيع الوصول الاقتصادي الإيراني، والرقابة المالية على النشاط الاقتصادي في سوريا، الذي دخل مرحلة جديدة عنوانها التركيز على المشاريع الربحية وربط الاقتصاد السوري بدرجة أكبر بالاقتصاد الإيراني.
من المتوقع أن يبدأ البنك عمله خلال شهر على حد تأكيد أمين سر “الغرفة التجارية السورية الإيرانية” مصان نحاس، الذين أوضح في تصريحات لموقع “نورث برس“، أن البنك سيتدخل في عمليات “التقاص التجارية” أي مبادلة البضائع ودفع الفوارق النقدية، مبينًا أن “البضائع التي من الممكن استيرادها من إيران، هي كل ما هو مسموح استيراده من إيران، ويهدف البنك إلى تسهيل عمليات الدفع، حيث اتفقتا سوريا وإيران على اعتماد العملة المحلية لكل بلد فيما يخص التبادل التجاري”.
وطبقًا لنحاس فإن: “الراغب باستيراد البضائع من إيران يدفع بالليرة السورية، بينما من يرغب باستيراد البضائع من سوريا إلى إيران سيدفع بالتومان الإيراني”.
استبقت إيران تأسيس البنك بإنشاء شركات تأمين وإعادة تأمين إيرانية مشتركة مع النظام السوري، وإنشاء منطقة حرة إيرانية في سوريا، وعقد اتفاقيات على إلغاء التعرفة الجمركية على صادرات وواردات الجانبين، إلى جانب اتفاقيات أخرى في مجالات النفط الاتصالات والزراعة وصناعة السيارات والطاقة وغيرها.
جملة أهداف
يؤكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي يحيى سيد عمر، أن البنك يدعم توجهات إيران الهادفة إلى السيطرة على الاقتصاد السوري وموارده، وتمكينها من الاستحواذ على جزء من رأس المال المتداول على مستوى الشركات والأفراد.
ويضيف لـ”نون بوست”: “تبدو منافع تأسيس البنك مائلة بدرجة كبيرة لإيران مقابل منافع متواضعة لحكومة النظام”، لافتًا إلى أن هذا البنك يمكن إيران من تمويل جزء من الأنشطة الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام، كما قد يتجه البنك إلى منح قروض شخصية بفوائد ميسرة، وذلك في سياق كسب ولاء السوريين دعمًا لمشروع إيران في التغيير الديمغرافي، وبالتالي فإن وجود البنك قد يحفز أيضًا التبادل التجاري بين الطرفين، وهذا ما يخدم إيران بالدرجة الأولى، كون الميزان التجاري رابحًا لإيران وخاسرًا للنظام السوري.
من جانب آخر، تأتي الخطوة الإيرانية بعد تسريبات تقدر قيمة ديون إيران على النظام السوري بما يزيد على 50 مليار دولار، ما يعني أن البنك من شأنه مساعدة إيران على تحصيل تلك الديون، وهو ما يتفق معه الأكاديمي والباحث الاقتصادي محمد حاج بكري، الذي أوضح أن البنك يساعد طهران على تحصيل ديونها، وإدارة المرافق والاستثمارات التي استحوذت وما زالت تستحوذ عليها.
يقول لـ”نون بوست”: “يعطي البنك الفرصة لإيران للاستحواذ على مقدرات سوريا، ويتيح لها كذلك التغطية الرسمية على دخول وخروج الأموال الإيرانية من سوريا، وكل ذلك يؤدي إلى تنامي أكبر للدور الإيراني، كذلك يسهل عمليات غسيل الأموال وخاصه في ظل ظروف إيران الاقتصادية، ووضعها الداخلي كما يمنحها القدرة والمرونة الكافية للتجارة غير الشرعية”.
كما يساعد البنك إيران على الاستحواذ على القطع الأجنبي في مناطق سيطرة النظام، لأن طهران تستطيع ضخ العملة السورية، وبالتالي تخدم ميليشياتها المنتشرة في سوريا ولبنان والعراق واليمن أي تحويل الأموال بطريقه تخدم إيران، ويمكن وفق حاج بكري اعتبار أن “البنك خطوة تضاف إلى الطرق والأساليب الإيرانية الهادفة إلى شرعنة وجودها في سوريا من خلال التغلغل في القطاعات بسوريا”.
رسائل سياسية
لا يمكن فصل توقيت إعلان إيران عن تأسيس البنك عن الانفتاح العربي على النظام السوري، بحيث تتطلع إيران للبنك على أنه قاعدة اقتصادية لحماية مصالحها، فهي تخشى أن يصبح للدول العربية دور في إعادة الإعمار المرتقبة، على حساب دورها، لذلك جاءت فكرة البنك لضمان مشاركتها.
ويبدو أن إيران كانت تخشى من اندفاعة اقتصادية عربية نحو النظام السوري، ما يجعلها بقدراتها المالية المحدودة على الهامش، لكن تيقنها باستحالة حدوث تحسن على الصعيد الاقتصادي السوري جراء التطبيع بسبب العقوبات وعدم قدرة النظام على تنفيذ المطلوب منه عربيًا، قد دفعها إلى تسريع الاتفاقيات الاقتصادية مع النظام، خشية حدوث تطور مفاجئ، في ظل الأحداث التي تشهدها المنطقة.
ويرى الباحث الاقتصادي رضوان الدبس، أن إيران تريد تحقيق السبق في الاقتصاد السوري، قبل دخول بعض الأطراف العربية، مبينًا لـ”نون بوست” أن “البنك يسهل مشاركة إيران في عملية الإعمار، والدخول بشراكات حتى مع الشركات العربية لاحقًا، والتملك العقاري في سوريا”.
ويضيف الدبس أن البنك – باعتباره قد حصل على الترخيص – يحق له الدخول في مشاريع صناعية وزراعية وعقارية، وبالتالي زيادة التغلغل في مفاصل الدولة الاقتصادية، وتصدير رسائل سياسية للدول العربية المطبعة مع النظام.
هيمنة إيران على الاقتصاد السوري
بدأت ملامح التغول الاقتصادي لإيران في سوريا بالظهور إلى العلن بشكل مباشر، مع الزيارة التي أجراها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق في مايو/أيار الماضي، وفي أثناء الزيارة قال الخبير الاقتصادي أمير علي دريوش من طهران، في تصريحات لوكالة “الأناضول“: “زيارة رئيسي إلى سوريا، كانت تهدف في الأساس إلى إعادة تأكيد دعم إيران للأسد في مرحلة ما بعد الحرب، حيث يتحول التركيز تدريجيًا نحو إعادة الإعمار والبناء”.
لكن مخطط وضع يد طهران على الاقتصاد السوري بدأ فعليًا منذ اندلاع الثورة ضد النظام السوري، ووجدت إيران في تدخلها العسكري فرصة للسيطرة على ما يمكن السيطرة عليه من الاقتصاد السوري، وخاصة بعد زيادة حاجة النظام السوري للقروض.
تكشف معطيات عن حصول إيران على عدد كبير من المشاريع الاستثمارية الإستراتيجية في سوريا، في مجالات الطاقة والنفط والخدمات والسكن والاتصالات والصناعة والزراعة والثروة الحيوانية، بعضها على شكل منح مقابل دعمها للنظام، وبعضها مقابل سداد الديون.
خلاصة كل ذلك، أن البنك يرسخ وجود إيران الاقتصادي في سوريا، ويُمهد الطريق إلى دخول شركاتها وتوسيع استثماراتها المباشرة في سوريا، والاستحواذ أكثر على القطاعات السيادية، خاصة أن تأسيس البنك سيحل معضلة كبيرة تواجهها إيران متعلقة بعمليات التحويلات النقدية المالية. وبذلك، لا يصعب التكهن بأن النشاط الإيراني الاقتصادي في سوريا آخذ بالتصاعد بدرجات كبيرة في الفترة القادمة.