كعادة ليل الشتاء، يدعوك بكل الوسائل إلى الركون لوسادتك والاتكاء على بعض المشروبات الساخنة خصوصًا أنك في بلدٍ قد تصل فيها درجات الحرارة في الشتاء إلى ١٣\١٥ تحت الصفر، لذلك فإن اللجوء إلى مشاهدة مسلسل أو فيلم هي فكرة سديدة تعينك على ليل الشتاء الطويل، فتحت حسابي على موقع نيتفليكس، فوجدته يرشح لي مشاهدة مسلسل “فوضى”، لفت انتباهي كتابة بوستر المسلسل باللغتين العربية والعبرية.
لا أحب مشاهدة أعمال أجنبية سوى التي تمتلئ بالإثارة والجرائم والجاسوسية والفساد وحروب العصابات، لذلك رشح لي التطبيق هذا المسلسل، وكتب فوقه ملاحظة: “لأنك شاهدت ناركوس”، وناركوس مسلسل عن أباطرة تجارة المخدرات في أمريكا الجنوبية، بدايةً من الأسطورة بابلو اسكوبار وليس نهاية بتنظيم كالي والأخوين رودريجيز.
شاهدت الحلقة الأولى، يبدو أن شبحًا ما يطارده هؤلاء المستعربين، وهو أحد القادة العسكريين للمقاومة الفلسطينية في الضفة، سنعرف فيما بعد أنه من أهم القادة العسكريين لحماس.
الملفت للانتباه تصوير مجموعات المستعربين بأنها قادرة على اقتحام قرى في الضفة الغربية، وبل وحيازتها لهويات فلسطينية لأشخاص حقيقين، ويتجاوز الأمر أبعد من ذلك إلى حمل أفرادها لبطاقات تعريف تابعة لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني
لست هنا في معرض تقييم فني لما شاهدته، رغم أن العمل به مشاكل على مستوى الصورة وأداء الممثلين، فمثلًا هؤلاء المستعربين الذين من المفترض أن تكون لهجتهم العربية غاية في القرب وشديدة الشبه، تجدهم في بعض المشاهد يتعلثمون في نطق العربية أو حتى نطق أحرف بالخطأ في مواقف لا ينبغي فيها الخطأ تمامًا كالخضوع لتحقيقات أو محاولة التبرئة من تهمة الاستعراب.
وبعيدًا عن محاولة أنسنة شخصيات المجندين في وحدات المستعربين الإجرامية، التي تستخدم لغتها العربية وقوتها العسكرية ومعلوماتها الاستخباراتية، سلاحًا قويًا لضرب أي انتفاضة أو تحرك في الداخل الفلسطيني، ومحاولات صناع العمل، إبراز تعقيدات حياتهم الشخصية، فهم يحبون ويقيمون علاقات صداقة ولديهم حياة اجتماعية وأسرية جيدة، في محاولة محو الصورة السائدة لهؤلاء المجرمين وإعادة تقديمهم مرة أخرى من خلال هذا العمل على أنهم بشر عاديون، غير أن الحرب والإرهاب يسوقونهم إلى هذا. إلا أن الملفت للانتباه تصوير مجموعات المستعربين بأنها قادرة على اقتحام قرى في الضفة الغربية، وبل وحيازتها لهويات فلسطينية لأشخاص حقيقين، ويتجاوز الأمر أبعد من ذلك إلى حمل أفرادها لبطاقات تعريف تابعة لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني.
يصور المسلسل الذي تنتجه شبكة “نعم” الإسرائيلية وحصل على عدد من الجوائز داخل “إسرائيل”، قادة حماس والمقاومة وهم في حالة عداء شديد بين بعضهم البعض، يسعون جميعًا للانتقام الشخصي والعمل الفردي، متعطشين للدماء دائمًا ويلقون بأبنائهم وأقاربهم في أتون المعركة
في مشهد تتجلى فيه كل معاني الخيانة، يدخل أحد ضباط المخابرات الصهيونية المعروف في الأوساط العربية باسم كابتن أيوب، مكتب جهاز الأمن الوقائي ليلتقي رئيس الجهاز الذي يستقبله بكل حفاوة وفي ظهره على الحائط صورتان أحدهما للزعيم الراحل ياسر عرفات والأخرى لمحمود عباس. ويبدأ الضابط الصهيوني في ابتزاز رئيس الجهاز الفلسطيني، بالتعاون معهم في القبض على القائد الحمساوي مقابل منح وزير الحرب الصهيونية لشقيقه رخصة بناء قريةٍ سياحية.
يصور المسلسل الذي تنتجه شبكة “نعم” الإسرائيلية وحصل على عدد من الجوائز داخل “إسرائيل”، قادة حماس والمقاومة وهم في حالة عداء شديد بين بعضهم البعض، يسعون جميعًا للانتقام الشخصي والعمل الفردي، متعطشين للدماء دائمًا ويلقون بأبنائهم وأقاربهم في أتون المعركة، حيث تظهر ابنة القائد الحمساوي “أبو أحمد” وهي بحوزة المستعربين في صفقة لتبادل الأسرى، فيغير أبو أحمد الخطة ويفجر الأسير المستعرب الذي بحوزته، دون الاكتراث لمصير ابنته، التي سيأخذها الإسرائيليون ويجعلونها تتلقى العلاج في أحد أهم مراكز الأراضي المحتلة.
على سيرة علاج ابنة القائد الحمساوي، تبدأ قصة المسلسل أصلًا، باختطاف أحد القادة الفلسطينين في الداخل المحتل، وإخضاعه للتحقيق وابتزازه بعلاج ابنته التي ستموت لو لم تتلق العلاج في المشفى الإسرائيلي عالي التقنية، فيعترف لهم بأن من يبحثون عنه هو أبو أحمد، الذي كان يعتقد الصهاينة أنهم قتلوه، ومن هنا تبدأ أحداث القصة.
يحاول صناع المسلسل تقديم رواية عن مدى قبول بعض الفلسطينين لفكرة الاحتلال والتعايش مع المحتل
يُبرز المسلسل مدى سهولة عمل هذه المجموعات في الساحة الفلسطينية والداخل المحتل، ومدى احترافيتهم وحبهم لبعضهم البعض على عكس الفلسطينين الذين يلعنون بعضهم في ظهورهم ويضمرون الكره لبعض وتنتشر بينهم الخيانة وسوء الأخلاق، وتقديم صورةٍ مختلفة عن “إسرائيل”، بأنها دولة القانون التي لا يُخترق فيها الدستور، بينما يبتز قائد وحدة المستعربين وزير الدفاع بالعمليات القذرة التي قاما بها في غزة سويًا، حتى يعدل عن قرار إقالته.
أيضًا يحاول صناع المسلسل تقديم رواية عن مدى قبول بعض الفلسطينين لفكرة الاحتلال والتعايش مع المحتل، وعدم القبول بفكرة المقاومة، بل والهجوم عليها ووصف المقاومين بالمجانين أعداء الحياة، بينما في الناحية الأخرى من جدار الفصل العنصري، هناك بشر جيدون، يعيشون حياةً طبيعية، علينا التعاون معهم.
تظهر ذات الرسالة، في مقاطع رقص الفلسطينيات مع الصهيونيات في أحد محافل التطبيع المعنونة بـ”نساء مع السلام”، بيعًا لدماء الشهداء والمحاصرين المهدمة بيوتهم، لكن وعلى كل حال، سيبقى المحتل محتلًا حتى إن اعترف العالم كله بشرعيته، وستبقى المقاومة مقاومة حتى إن أعلن العالم كله أنها منظماتٌ إرهابية يجب عدم التعامل معها بل وحظر أنشطتها.