تعتزم الحكومة الجزائرية استئناف استغلال الكميات الهائلة من الغاز الصخري التي تتوفر في منطقة الصحراء لخلق موارد مالية جديدة، كحل بديل للأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد نتيجة تواصل تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، مما أحدث تململًا داخل الأوساط الشعبية الرافضة لهذا المشروع، بسبب تداعياته الصحية والبيئية السلبية، مما يوحي بإمكانية اندلاع احتجاجات كبيرة شبيهة باحتجاجات 2015 ضد نفس التوجه.
تعديل قانون المحروقات
تتجه حكومة أحمد أويحي إلى تعديل قانون المحروقات مجددًا والترخيص لشركة النفط الحكومية “سوناطراك” بالتنقيب عن الغاز الصخري، ومطلع هذا الشهر طالب أويحي المجمع النفطي “سوناطراك” بالعودة إلى استكشاف واستغلال الغاز الصخري المتوقف منذ 2015، على إثر مظاهرات كبيرة ضد حفر الآبار في الصحراء.
جدير بالذكر في نهاية عام 2014 حاولت شركة سوناطراك التنقيب عن الغاز الصخري في منطقة عين صالح جنوبي البلاد، لكن احتجاجات شعبية كبيرة عمت مناطق الجنوب رفضًا لعمليات التنقيب، وفي تلك الفترة أنهت شركة سوناطراك إجراء أول عملية تنقيب تجريبي عن الغاز الصخري في هذه المنطقة، وقدر المختصون في الجيولوجيا نطاق الحوض المستكشف الأول المسمى أحنات بنحو 100 ألف كيلومتر مربع بطاقة يمكن استرجاعها تقدر بـ7.500 مليار متر مكعب من الغاز الصخري.
تحتل الجزائر المرتبة الرابعة عالميًا من حيث احتياطات الغاز الصخري القابل للاستخراج
وقال أويحي خلال زيارة لمصفاة نفط بأرزيو (غرب): “يتحتم على سوناطراك مواجهة التحديات الحالية لقطاع الطاقة وتسخير جميع قدراتها ومواردها في خدمة البلاد”، وطالب سوناطراك بالعودة إلى النشاط في الغاز الصخري وأضاف “الأمر لا يتعلق بمغامرة، بل بالعكس، فإن ذلك خيار يهدف إلى ضمان مستقبل البلاد في المجال الطاقوي”، وقال إن الحكومة (الجزائرية) تشجع الاستثمار في مجال المحروقات، لا سيما المحروقات الصخرية لأن لدينا قدرات في هذا المجال.
وتسعى الجزائر التي تعاني من تداعيات انهيار أسعار النفط (المصدر الأساسي لمداخيل البلاد)، إلى مضاعفة إنتاجها من الغاز إلى 151 مليار متر مكعب في نهاية سنة 2019 لمواجهة أزمة الأسعار وتلبية الطلب المحلي الذي سيقفز إلى 50 مليار متر مكعب في 2025، بحسب شركة النفط والغاز.
رئيس الحكومة أحمد أويحي
فيما تحتل الجزائر المرتبة الرابعة عالميًا من حيث احتياطات الغاز الصخري القابل للاستخراج، بعد الولايات المتحدة والصين والأرجنتين، وتشير تقديرات الشركة الحكومية للمحروقات “سوناطراك” التي أجرتها بالتعاون مع شركات نفطية عالمية في 5 أحواض بالصحراء الجزائرية الكبرى، إلى أن الجزائر تحوز احتياطيات من الغاز الصخري تقدر بنحو 4.940 ترليونات قدم مكعب من بينها 740 ترليون قدم مكعب يمكن استرجاعها على أساس نسبة استرجاع 15%، تتوزع في مناطق “أحنات” و”تيميمون” و”إليزي” و”بركين”، بالإضافة إلى “مويدير” في أقصى الجنوب الجزائري.
أزمة اقتصادية تحتم ذلك
أرجع خبراء اقتصاد في الجزائر سبب عزم الحكومة استئناف استغلال الغاز الصخري بالصحراء الجزائرية إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب البلاد منذ 3 سنوات نتيجة تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتعتزم الجزائر، البلد العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، منح مزايا ضريبية للشركات الأجنبية لحملها على الاستثمار في قطاع المحروقات. وكشف وزير الطاقة مصطفى قيتوني خلال اجتماع مجلس الأعمال الجزائري الأمريكي، أن مصالح وزارته بدأت التفكير في مراجعة قانون المحروقات الساري المفعول، بهدف تحسين جاذبية البلاد تجاه الشركاء الأجانب في مجال استغلال المحروقات.
سجلت موارد “صندوق ضبط الإيرادات” المخصص لتغطية عجز الموازنة الجزائرية تراجعًا بنحو 59.5% بنهاية عام 2016 مقارنة بعام 2015
وينتظر أن تصل مداخيل البلاد من تصدير النفط والغاز إلى 32 مليار دولار في نهاية 2017، مما يعادل نصف قيمة ما كانت تصدره قبل أزمة الأسعار في صيف 2014، وتواجه الجزائر أزمة مالية حادة وعجزًا بلغ 13.7% من الناتج الداخلي الخام سنة 2016، مما اضطر الحكومة للجوء إلى طبع العملة. إلى جانب ذلك سجلت موارد “صندوق ضبط الإيرادات” المخصص لتغطية عجز الموازنة الجزائرية تراجعًا بنحو 59.5% بنهاية عام 2016 مقارنة بعام 2015، حيث بلغت موارد الصندوق 7.6 مليار دولار في ديسمبر 2016 مقارنة بـ18.8 مليار دولار في 2015، وأنشأت الجزائر “صندوق ضبط الإيرادات” لادخار عائدات النفط منذ 17 عامًا، ويضم الإيرادات المحسوبة من الفارق بين سعر النفط المرجعي البالغ 37 دولارًا للبرميل وسعر بيع النفط في السوق.
محطة استخراج الغاز بالصحراء الجزائرية
وكان بوتفليقة قد دعا في رسالة له بمناسبة إحياء ذكرى يوم المجاهد، الحكومة وشركاءها الاجتماعيين والاقتصاديين إلى التضامن والتجند ورص الصفوف بهدف كسب معركة التنمية وذلك من أجل الحفاظ على استقلال الجزائر ماليًا وسيادتها الاقتصادية، وأشار الرئيس بوتفليقة حينها إلى أنه أمام تحديات الساعة وفي مقدمتها الانهيار الرهيب لأسعار النفط منذ 3 سنوات يجب التحلي بالتضامن والتجانس بين جميع فاعلي معركة التنمية من حكومة وشركائها الاجتماعيين والاقتصاديين.
احتجاجات منتظرة
يعتبر ملف استغلال الغاز الصخري من بين أكبر الملفات الحساسة في الجزائر، حيث شكل قبل سنتين سببًا لموجة احتجاجات كبيرة دامت لأكثر من 5 أشهر وشملت مختلف محافظات الجنوب الجزائري، بعد طرحه في عهد الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وإقرار تجميده. ويؤكد مسؤولون جزائريون إيجاد حكومة أحمد أويحي صعوبة بالغة في إقناع معارضيها ومواطنيها القاطنين بالصحراء بجدوى الاستثمار في حقول الوقود الصخري، خاصة أن التطمينات التي أطلقها المسؤولون الحكوميون بشأن تداعيات استغلال الغاز الصخري، لم تجد إلى حد الآن الآذان الصاغية من طرف الكثير من الجزائريين خاصة سكان الصحراء الذين يتمسكون بمعارضتهم لهذا المشروع.
عبرت العديد من الأحزاب المعارضة على رأسها حزب “حركة مجتمع السلم” عن رفضها لهذا التوجه الحكومي
وشهدت بعض المناطق في الصحراء الجزائرية (مدن عين صالح وأدرار وبشار) مسيرات سلمية نظمها ساكنو الجهة للتوعية بمخاطر استغلال الغاز الصخري على الموارد المائية الجوفية، وكذلك المخاطر الصحية والبيئية على ساكني المنطقة، ويرى سكان الصحراء أنهم المتضرر الأول والأخير من مشروع استخراج الغاز الصخري بسبب الأخطار باهظة الثمن كتلوث المياه الجوفية التي يعتمدون عليها بشكل كلي في الشرب والسقي، بالنظر إلى الطريقة المستخدمة في استخراج الغاز وهي تكسير الصخر بالماء مع إضافات كيميائية، فضلًا عن تأثيره المباشر على صحة المواطنين.
إلى جانب الرفض الشعبي، عبرت العديد من الأحزاب المعارضة على رأسها حزب “حركة مجتمع السلم” عن رفضها لهذا التوجه الحكومي، مهددة بالنزول إلى الشارع، وكان رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحي قد وصف أحزاب المعارضة التي تقف ضد التوجهات نحو الغاز الصخري بـ”المحرضين السياسيين” المغالطين لشعب الجزائر، مؤكدًا أن الحكومة ستشرح الملف جيدًا لسكان الجنوب الجزائري قبل أن تخطو أي خطوة لاستغلال الغاز الصخري.
تقليل من المخاوف
أمام هذا الرفض لجأت الحكومة الجزائرية إلى التقليل من مخاوف ساكني الصحراء، حيث اعتبر وزير الطاقة الجزائري مصطفى قيطوني أن تراجع الجباية النفطية وانكماش مداخيل الخزينة العامة سببان كافيان لاستغلال الغاز الصخري الذي يتطلب سنوات لبدء الاستثمار فيه، مضيفًا أن تقنيات استغلال الغاز الصخري التي قد تلجأ لها الجزائر تسمح بحماية المياه الجوفية من أي شكل من أشكال التلوث الكيميائي.
وزارء أويحي يسعون لطمأنة الشارع
بدورها دافعت وزيرة البيئة والطاقات المتجددة فاطمة الزهراء زرواطي في وقت سابق، عن مشروع استغلال الغاز الصخري، مؤكدة أن ذلك سيكون مشفوعًا بتوضيحات وشروحات للرأي العام، فضلًا عن الحوار مع السكان بشأن جدوى الاستثمار، وحقيقة تأثر صحة الجزائريين جراء ذلك. وترتبط الجزائر بأوروبا عبر 3 أنابيب غازية تعبر البحر المتوسط؛ الأول يمر عبر تونس إلى جزيرة صقلية الإيطالية، والثاني عبر الأراضي المغربية وصولًا إلى إسبانيا، وأنبوب ميدغاز الذي يربط الجزائر بألميرية الواقعة جنوب إسبانيا.