ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال الشهر الماضي، كتب مارك زوكربيرغ منشورا موجزا على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك في ختام يوم عيد الغفران، طلب فيه من أصدقائه أن يغفروا له ليس فقط بسبب فشله الشخصي، بل والمهني، وخاصة “الطرق التي وظف من خلالها عمله التي فرقت الأفراد بدلا من أن توحدهم”. وقد استجاب بذلك لطقوس عيد الغفران اليهودي الذي يقضي بتقييم السنة التي انقضت للتو. وفي الأثناء، تعهد زوكربيرغ بأنه “سيعمل على تحقيق الأفضل”.
في الحقيقة، لم يكن هذا البيان الكئيب والنقد الذاتي نموذجيا بالنسبة للسيد زوكربيرغ الذي يتسم عادة بالتفاؤل. فقد حث موظفيه في شركة فيسبوك على “التحرك بسرعة وكسر الحواجز بين الأفراد”. وفي هذا الصدد، لسائل أن يسأل، لماذا قد يشعر السيد زوكربيرغ، أو أي من زملائه، بالحاجة إلى التكفير عما فعلوه في مكاتب عملهم، في حين أنهم يقومون بإنشاء مواقع رائعة لربط المليارات من الأشخاص بسهولة بأصدقائهم، فضلا عن أنها تعد مصدرا عالميا للمعرفة؟
يطمح فيسبوك إلى “إعطاء الأفراد القدرة على بناء المجتمعات وجعل العالم بمثابة قرية صغيرة”. أما شركة أمازون، فتسعى بدورها لتحقيق هدف معين. فعلى حد تعبير مؤسسها، جيف بيزوس، تسعى أمازون إلى أن “تصبح الشركة هاجس العملاء وتحتل كوكب الأرض”
في الآونة الأخيرة، أصبح من المستحيل تجاهل الخطايا المترتبة على الاضطرابات في صلب وادي السيليكون. وتجدر الإشارة إلى أن فيسبوك اكتشف مؤخرا أن ناشطين روس استخدموا برنامجه للتأثير على الانتخابات الرئاسية سنة 2016، من خلال إثارة النزعة العنصرية. فضلا عن ذلك، لعب غوغل دورا مماثلا، حيث بادر بنشر الرسائل المستهدفة والتحريضية خلال الانتخابات. وخلال هذه الصائفة، كان لغوغل تأثير بارز فيما يتعلق بقيام مركز الأبحاث الليبرالي، أمريكا الجديدة، بقطع علاقاته مع عالم بارز ينتقد قوة الاحتكارات الرقمية.
في شأن ذي صلة، تساءل البعض عما إذا كان قد تم قطع العلاقات مع هذا العالم إرضاء لشركة غوغل ورئيسها التنفيذي، إريك شميت، حيث كانا من المانحين الرئيسيين للمركز منذ فترة طويلة. في المقابل، نفى الرئيس التنفيذي لمؤسسة أمريكا الجديدة وممثل غوغل وجود أي صلة بينهما. وفي الوقت نفسه، تنتهج أمازون إستراتيجية مربحة بشكل مذهل تتمثل في احتكار المرابيح في العالم الافتراضي والواقعي على حد السواء، وذلك من خلال شراء سلسلة شركة “هول فودز ماركت” بأسرها فضلا عن بعث العديد من متاجر تجارة التجزئة. كان هذا التحول الخطير في الأحداث محيرا جدا لعامة الأفراد، حيث تتعارض هذه الوقائع مع الصورة التي روج لها وادي السيليكون.
فمن جهتها، سبق وأن أوضحت شركة غوغل أن هدفها يتمثل في “تنظيم المعلومات في العالم، وجعلها متاحة للجميع ومفيدة”، في حين أن هذا الوصف قد ينطبق على تكون مكتبتك المحلية، وليس على شركة مصنفة ضمن قائمة “فورتشن 500”. فضلا عن ذلك، يطمح فيسبوك إلى “إعطاء الأفراد القدرة على بناء المجتمعات وجعل العالم بمثابة قرية صغيرة”. أما شركة أمازون، فتسعى بدورها لتحقيق هدف معين. فعلى حد تعبير مؤسسها، جيف بيزوس، تسعى أمازون إلى أن “تصبح الشركة هاجس العملاء وتحتل كوكب الأرض”.
تقريبا منذ إنشائها، ولّدت الشبكة العنكبوتية العالمية قلقا عاما، حيث يتصل جهاز الكمبيوتر الخاص بك بشبكة متسعة بشكل يفوق تصورك. وفي الأثناء، قد ترسل هذه الشبكة ديدان الإنترنت وفيروسات حتى يقع تعقبك. ولكننا، لم نتوان عن التخلي حتى على إمكانية الشك في أهداف هؤلاء المبدعين الجادين. فقد عمد هؤلاء إلى إظهار مساندتهم لنا من خلال السعي لجعل شبكة الإنترنت آمنة ومفيدة. وبالتالي، أصبح من السهل تفسير كل خطأ على اعتباره حادثة مؤسفة من منطلق اليوتوبيا الرقمية، بدلا من إدراك حقيقة كونها حيلة تهدف إلى ضمان السيطرة على العالم.
في الوقت الراهن، بعد أن أصبح كل من غوغل، وفيسبوك، وأمازون يهيمنون على العالم، باتت هناك العديد من الأسئلة التي ينبغي طرحها على غرار، هل يمكن إقناع المجتمع أن وادي السيليكون هو في الواقع مصدر دمار؟ وهل ما زال لدينا آليات تنظيمية وتماسك اجتماعي كفيل بكبح جماح المُحتكرين قبل أن يحطموا أسس مجتمعاتنا؟
على العموم، نجح هؤلاء المبرمجين في جعل أصحاب المشاريع يصدقون كلماتهم السامية، بغض النظر عن حقيقة أنهم في البداية كانوا غير مبالين بالحصول على الثروة مقابل فكارهم. خلال سنة 1998، سلطت وثيقة كتبها سيرجي برين ولاري بايج، جنبا إلى جنب مع طلاب دراسات عليا في علوم الكمبيوتر في ستانفورد، الضوء على المزايا الاجتماعية لمحرك البحث الجديد، غوغل، الذي سيكون مفتوحا أمام عمليات تدقيق من قبل باحثين آخرين ولن يكون مدفوعا بالإعلانات. وقد كان الأفراد في حاجة إلى أن يتأكدوا أنه لم يتم التلاعب بالأبحاث الموجودة على غوغل وأن لا أحد قد تدخل فيها لأسباب تجارية.
خلال سنة 2004، صرّح زوكربيرغ لفائدة جمعية هارفارد كريمسون في سنة 2004 أنه “ينبغي على الشبكات الاجتماعية أن تندمج في صلب التجارة. وأضاف زوكربيرغ، قائلا: “نعم، يمكننا أن نكسب بعض المال، ولكن هذا ليس هدفنا”
لتوضيح وجهة نظرهم، تفاخر السيد برين والسيد بايج بنقاء نتائج محرك البحث الخاصة بهم للاستعلام عن “الهاتف الخلوي”، حيث وضع غوغل في أعلى نتائج البحث دراسة تشرح خطر القيادة أثناء استخدام الهاتف الخليوي. وتجدر الإشارة إلى أنه لايزال نموذج غوغل خاليا من الإعلانات، ولكن ماذا عن المحركات الأخرى التي لا تتوانى عن نشر إعلانات؟
في هذا الإطار، كان لدى السيد برين والسيد بايج جملة من الشكوك، حيث صرحا أنهما يتوقعان أن “تكون محركات البحث الممولة من قبل الإعلانات متحيزة بطبيعتها تجاه المُعلنين متجاهلة بذلك احتياجات المستهلكين”. من جانب آخر، كانت هناك حاجة ماسة إلى “محرك بحث تنافسي يتسم بالشفافية في المجال الأكاديمي”، وكان من المقرر أن يكون غوغل أداة رقمية تتسم بهذه المواصفات.
والجدير بالذكر أنه وعقب اجتماع السيد برين والسيد بايج مع أستاذ، عمد هذا الشخص إلى تعريفهم بمستثمر، الذي سلّمهم شيكا قدره 100 ألف دولار قبل حتى أن تصبح غوغل شركةً على أرض الواقع. خلال سنة 1999، أعلنت غوغل استثمار 25 مليون دولار من رأس المال الاستثماري، في حين ظلت تصر على أنها لن تحيد أبدا عن من مبادئها. وعندما سأل الصحفيون السيد برين كيف تخطط غوغل لكسب المال، أجاب: “هدفنا هو جعل تجربة البحث فريدة، وليس كسب إيرادات ضخمة من خلال عمليات البحث”.
من جهته، اتخذ مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ خطوة مماثلة في الأيام الأولى لتأسيس شركته. وخلال سنة 2004، صرّح زوكربيرغ لفائدة جمعية هارفارد كريمسون في سنة 2004 أنه “ينبغي على الشبكات الاجتماعية أن تندمج في صلب التجارة. وأضاف زوكربيرغ، قائلا: “نعم، يمكننا أن نكسب بعض المال، ولكن هذا ليس هدفنا”.
في السياق ذاته، أردف زوكربيرغ أن “أي شخص من جامعة هارفارد يمكنه الحصول على وظيفة وكسب المال. في حين لا يمكن للجميع في جامعة هارفارد أن يكون لديهم شبكة تواصل اجتماعي”. من جهة أخرى، أكد السيد زوكربيرغ على أنه لن يستسلم لمبدأ الربح؛ مشددا على أن فيسبوك سوف يبقى وفيا لمهمته التي تتمثل في ربط العالم معا.
بعد سبع سنوات، استسلم السيد مارك زوكربيرغ لرأس المال الاستثماري في وادي السيليكون، ولكنه أبدى بعد ذلك أسفه. وفي إحدى المقابلات التي أجريت معه سنة 2011، أفاد “لو كنت قد بدأت مشروعي الآن لأخترت أن أبقى في بوسطن. في الحقيقة، أعتقد أن هناك بعض الجوانب الثقافية في وادي السيليكون لا تزال تلاحق أسلوب عملي بشكل يزعجني. كما تعلمون أن الراغبين في إنشاء الشركات لا يعرفون الشيء الأفضل لهم، وأنا لا أعرف إن كان علي تغيير المكان”.
يشعر جون مكارثي، رائد علوم الكمبيوتر الذي كون أول القراصنة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وأدار بعد ذلك مختبر الذكاء الصناعي في ستانفورد، بالقلق من عدم إدراك المبرمجين لمدى المسؤولية المنوطة بعهدتهم
في نهاية المطاف، واجه كل من مؤسسي غوغل وفيسبوك يوما عصيبا، إذ لم يوافق المستثمرون على دعم هذه المؤسسات خيريا، وطالبوها بتحمل المسؤولية. في الأخير، وافق السيد برين والسيد بايج تحت الضغط على عرض الإعلانات جنبا إلى جنب مع نتائج البحث، والسماح للرئيس التنفيذي الخارجي السيد شميت بالإشراف على هذه العملية. من جهته، وافق السيد مارك زوكربيرغ على إدراج الإعلانات داخل معرض الأخبار وعلى نقل مبرمج مفضل إلى الأعمال الإعلانية الهاتفية، قائلا له: “أليس من الممتع بناء شركة تحقق إيرادات قد تبلغ مليار دولار في ستة أشهر؟”.
في وقت لاحق، تبين أن هناك ثروة تبلغ قيمتها مليار دولار في المتناول، فقط من خلال استغلال العلاقات الضبابية بين الجمهور وشركات التكنولوجيا. وكنا نعلم أنه لا يوجد عرض من دون مقابل. لهذا السبب قال وبنظرة ثاقبة الناشط في موقع ميتافيلتر “إذا لم تدفع ثمنا مقابل خدمة ما فأنت السلعة المعروضة للبيع”. ولكن كيف يمكن معرفة هذا، خاصة أن كل ما يحدث بين الجمهور ووادي السيليكون بعيد عن الأنظار، من خلال توظيف تلك الشركات لخوارزميات تديرها معالجات قادرة على استخراج بيانات هامة عن هويتك بطرق لا يمكنك أن تدركها أنت عن نفسك.
في الواقع، بمجرد أن قام السيد برين والسيد بايج والسيد زوكربيرغ بعكس مسارهم نحو تحقيق الأرباح، حتى أفادوا عن شيء غريب، لم يكن الجمهور على وعي به. فخلال سنة 2002، أجاب السيد برين عندما سئل عن ردة فعله لتملك غوغل لحق الإعلان، “هل تعرف كيف كانت ردود الفعل الأكثر شيوعا؟ لقد كانت حول “أي إعلانات؟” وذلك إما أن الأشخاص لم يقوموا بعمليات بحث توصلهم للإجابة أو لم يلاحظوا وجودها، أو أنهم لاحظوا وجودها ولكنهم نسوها بسهولة، وهو الاحتمال الأكثر واقعية”.
لطالما كانت تفاعلات الناس بأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم مربكة دائما، وهو الشيء الذي وقع فريسة سهلة بيد المبرمجين الذيم أحسنوا استغلاله. في هذا الصدد، يشعر جون مكارثي، رائد علوم الكمبيوتر الذي كون أول القراصنة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وأدار بعد ذلك مختبر الذكاء الصناعي في ستانفورد، بالقلق من عدم إدراك المبرمجين لمدى المسؤولية المنوطة بعهدتهم.
خلال سنة 1983، كتب جون مكارثي في إحدى مقالاته، “ستحمل الحواسيب الطابع النفسي لمصمميها (سيكونون هم الأوباش الفاشية إن لم يفكروا مرتين فيما يصنعون) ويعتقد هؤلاء أن المستخدمين مجرد مجموعة من الأغبياء الذين يحتاجون إلى من يسيطر عليهم. ولكن في الحقيقة عليهم التفكير في أن من في برامجهم ليسوا أكثر من خوادم، وسيده هو المستخدم القادر على السيطرة عليها”.
أما في سنة 1966، كشف جوزيف ويزنباوم، الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عن برنامج حاسوبي يطلق عليه اسم “إليزا”، يقوم بمحاكاة المعالج النفسي. إذ يقوم عن ظهر قلب بالاستفسار عن مشاعرك تجاه والديك، أو يقوم بمحاولة حثك على التحدث معه عن طريق إعادة صياغة ما قلته في شكل أسئلة. وقد لمس هذا البرنامج وترا حساسا، وأصبح ظاهرة وطنية وهو الشيء الذي أثار دهشة السيد ويزنباوم. وقد سخرت صحيفة نيويورك تايمز من هذا البرنامج حتى قالت: “لقد دُرّب الكمبيوتر ليفهم اللغة الإنجليزية”.
خلافا للمتوقع، لم يكن برنامج “إليزا” بهذا الذكاء، بل في الحقيقة لم يتمكن من مشاركة أي رؤية مشتركة مع “المريض”، إذ لا يتجاوز دور برنامج إليزا في الاستجابة الآلية لما يظهر على شاشة الحاسوب. ثم سرعان ما ظهرت دورة علاجية نموذجية ساخرة من البرنامج في فيديو لفرقة مونتي بايثون الكوميدية. وكان نص الحوار في الفيديو كالآتي:
المريض: أنت لست عدوانية جدا، ولكن أعتقد أنك لا تريد مني أن أنتبه لهذا.
إليزا: ما الذي يجعلك تعتقد أنني لست عدوانية جدا.
المريض: لا تعبث معي.
إليزا: لماذا تعتقد أنني أعبث معك؟
المريض: أنت خائفة مني.
إليزا: هل يعجبك أن تصدق أنني أخشاك؟
بناء على هذه المحادثة، عليك أن تتخيل تفاجأ السيد ويزنباوم عندما نظرت إليه سكرتيرته من خلف جهاز الكمبيوتر الخاص بها، وأوقفت حوارها مع إليزا لتقول له: “هل تمانع في ترك الغرفة، من فضلك؟”، لقد أرادت بعض الخصوصية لإجراء محادثة مع آلة! رأى السيد ويزنباوم المبتهج فجأة الخطر الداهم بيد المبرمجين، الذين بإمكانهم التلاعب بأجهزة الكمبيوتر وربما بنا أيضا. ثم سرعان ما حول مسار الحوار ليتحدث عن سنواته المتبقية للاحتجاج على ما اعتبره لا أخلاقية زملائه ونظرائه في علوم الكمبيوتر، مشيرا في الكثير من الأحيان إلى تجاربه كشاب لاجئ من ألمانيا النازية.
في وقت مبكر، أدركت شركة فيسبوك تبعات بقاء الناس متصلين مع بعضهم البعض عبر الموقع. وحيال هذا الشأن، أورد زوكربيرغ سنة 2011، لقد توصلنا إلى هذا الرقم السحري، إذ يكفي أن تحصل على 10 أصدقاء، حتى يكون عندك ما يكفي من المحتوى لتغذية مصدر الأخبار الخاصة بك، وأنه سيكون هناك بعض المحتوى الممتع الكافي لجعلك تعود للموقع مرة أخرى
في ملحمية مكافحة الذكاء الصناعي، في كتابه “قوة الحاسوب والعقل البشري” الذي نشر خلال سبعينيات القرن الماضي، وصف السيد ويزنباوم المشهد في مختبرات الكمبيوتر، فقال “يمكن رؤية شباب متألق من مظهر أشعث، غالبا بعيون متوهجة غارقة، وهم يجلسون خلف أجهزة الكمبيوتر، وأذرعهم متشنجة، في انتظار إطلاق أصابعهم للكتابة على لوحة المفاتيح، بتركيز كبير أشبه بالمقامر عندما يرمي النرد”. وأضاف ويزنباوم “هؤلاء موجودون فعلا خلف أجهزة الكمبيوتر. هذه هي تفاهة الكمبيوتر والمبرمجين الذين يعانون من الوسواس القهري”.
فضلا عن ذلك، أعرب ويزنباوم عن قلقه إزاء وضع الطلاب الشباب الذين يفتقرون إلى المنظور الشامل للحياة، وكان قلقا من أن تكون هذه النفوس المضطربة من أبرز قادتنا الجدد. في كلمة واحدة، كانوا تحت السيطرة الكاملة لشاشاتهم. وفي هذا السياق، كتب السيد ويزنباوم مؤكدا، “غاب الكاتب والمخرج المسرحي وغاب الإمبراطور والقوة، ومارسوا هذه السلطة المطلقة في الإخراج وإدارة المعركة وقيادة مثل هؤلاء المجندين أو الفاعلين الذين لا يتزحزحون عن مكانهم”.
مرحبا بكم في وادي السيليكون 2017
زادت مخاوف السيد ويزنباوم بعد أن أدرك أن القادة التكنولوجيين الحاليين قد اكتشفوا أن الناس يثقون بالحواسيب، فسال لعابهم لاستغلال هذه الثقة. في الواقع، تطول قائمة الأمثلة حول التلاعب الذي تجريه شركات وادي السيليكون، مثل: دفع الإخطارات، والطفرة في الأسعار، والأصدقاء الموصى بهم، والأفلام المقترحة، وبالتالي، إن هؤلاء الذين اشتروا تلك البضاعة قد اشتروا هذه البضاعة أيضا.
في وقت مبكر، أدركت شركة فيسبوك تبعات بقاء الناس متصلين مع بعضهم البعض عبر الموقع. وحيال هذا الشأن، أورد زوكربيرغ سنة 2011، “لقد توصلنا إلى هذا الرقم السحري، إذ يكفي أن تحصل على 10 أصدقاء، حتى يكون عندك ما يكفي من المحتوى لتغذية مصدر الأخبار الخاصة بك، وأنه سيكون هناك بعض المحتوى الممتع الكافي لجعلك تعود للموقع مرة أخرى”. ثم عمل الموقع على إعادة تصميم نفسه من جديد لاستقبال الوافدين الجدد بغرض العثور على أصدقاء جدد.
على ضوء هذا المعطى، تبدو قاعدة “10 أصدقاء” أبرز مثال على التلاعب الذي خدم مصلحة شركات التكنولوجيا، والمؤثرين على الشبكة الرقمية. إذ سيستخدم بعض الأشخاص خدماتكم، حتى لو لم تكن في المستوى المطلوب، إذا قام أشخاص آخرون باستخدامها أيضا. كان هذا هو التفكير العبثي الذي تبينت صحته، فإن كان الجميع ينشطون على موقع فيسبوك، فإن كل شخص يصبح لديه حساب على فيسبوك. وبناء على ذلك، يجب أن تقوم باللازم لإبقاء الناس موجودين على الموقع، وإذا ظهر منافسون فسيتوجب عليك سحقهم، أو ضمهم لصفك في حال كان من الصعب القضاء عليهم لعنادهم الشديد.
لا تستحق هذه الشركات الاستفادة من حالة الشك. فينبغي أن يتم سن المزيد الضوابط، حتى ولو أعاق ذلك إمكانية توفير خدمات جديدة
نتيجة لهذا المبدأ، أصبح التوسع الدافع المهيمن، وهو شيء ثمين لذاته وليس لأي فائدة يجلبها للعالم. ويمكن القول إن فيسبوك وغوغل أصبحا ذوي فائدة كبرى بفضل تحولهما إلى مستودع مركزي لجميع الناس ولجميع المعلومات، ولكن مثل هذه الهيمنة على السوق كان لها عيوبها الواضحة، التي لم تقتصر فقط على غياب المنافسة. كما رأينا، فإن التركيز الشديد على جمع الثروة والسلطة يشكل تهديدا لديمقراطيتنا، من خلال الحرية التي المتاحة لبعض الأفراد والشركات للهروب من المساءلة.
بالإضافة إلى تلك القوة التي بحوزتهم، تمتلك شركات التكنولوجيا ما لا تمتلكه الصناعات القوية الأخرى: أي المشاعر اللطيفة العامة التي يكنها الجمهور لها. من هذا المنطلق، قد تبدو معارضة وادي السيليكون بمثابة معارضة للتقدم، حتى ولو تم تعريف التقدم على أنه احتكار للإنترنت، أو دعاية تشوه الانتخابات؛ أو الخطر الداهم الذي يهدد وظائف الملايين من الأشخاص عبر صناعة السيارات والشاحنات ذاتية القيادة؛ أو خطر تلقي خدمات الحياة العملية عبر التكنولوجيا، حيث يجب على كل منا حماية نفسه من سوق لا رحمة فيها.
مما لا شك فيه، لا تستحق هذه الشركات الاستفادة من حالة الشك. فينبغي أن يتم سن المزيد الضوابط، حتى ولو أعاق ذلك إمكانية توفير خدمات جديدة. فإذا لم نتمكن من التصدي لمقترحاتهم، كأن لا نتمكن من التصريح بأن السيارات ذاتية القيادة ليست بالهدف الذي يستحق الذكر، فيحق لنا حينها أن نتساءل هل ما زلنا نملك السيطرة على مجتمعنا؟ نحن بحاجة إلى تحطيم هذه الاحتكارات على الإنترنت لأنه إذا كان لدى الأقلية الحق في اتخاذ قرارات حول كيفية تواصلنا وتسوقنا وتلقينا للأخبار مرة أخرى، فيحق لنا أن نتساءل هل نتحكم فعلا في مجتمعنا؟
بدافع الفضول، بحثت في أحد الأيام عبر محرك البحث غوغل عن “الهواتف المحمولة”، وقبل أن أجد إجابة لما أبحث عنه كان علي المرور عبر سلسلة من الإعلانات للهواتف الجوالة، وقوائم هواتف للبيع، ناهيك عن إرشادات حول شراء الهواتف والخرائط والاتجاهات الموصلة إلى المتاجر التي تبيع الهواتف، لقد ظهر أمامي في المجمل أكثر من 20 إجابة إعلانية قبل أن أجد نتيجة البحث التي أحتاجها.
المصدر: نيويورك تايمز