ترجمة وتحرير: نون بوست
كان وليام الأوكامي ليكون من كارهي نظريات المؤامرة. وقد اشتهر ويليام، وهو فيلسوف وراهب فرنسيسكاني عاش خلال القرن 14، بتطوير “قانون البخل أو التوفير” المعروف أكثر حاليا باسم “نصل أوكام”. ووفقا للمبدأ الذي يتأسس عليه نصل أوكام، يعتبر الشرح المبسط لحدث ما الأفضل دائما، فإذا ما استبعدنا الافتراضات الدخيلة نتحصل عادة على الحقيقة.
عموما، يعتبر هذا المبدأ مخالفا لطريقة تفكير منظري المؤامرة. فإما أن يكون باراك أوباما قد ولد فعلا في هاواي، أو أن مؤامرة دولية استمرت على مدى عقود لإخفاء حقيقة مسقط رأسه الذي يقع في كينيا وتنصيبه في كرسي الرئاسة. وإما أن تكون اللقاحات آمنة وفعالة أو أن كل مستشفى رئيسي ومنظمة صحية في العالم بصدد إخفاء حقيقة أن اللقاحات تسبب مرض التوحد. وبغض النظر عن نصل أوكام، لا تمثل نظريات المؤامرة سوى افتراضات دخيلة.
حيال هذا الشأن، ينبغي طرح عدة تساؤلات أهمها: لماذا يصدق عدد كبير من الأشخاص نظريات المؤامرة؟ لماذا نجد أيضا مؤيدين مخلصين لأكثر النظريات المنافية للعقل، على غرار نجاة النازيين وهروبهم إلى القمر، أو أن نخبة من الزواحف تسيطر على العالم؟ وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد عدد من التفسيرات لنظريات المؤامرة يقارب عدد النظريات نفسها، غير أن بعض الأنماط لا تزال تظهر مرار وتكرار.
في الواقع، تتجسد النظريات الأكثر شيوعا في تلك التي تتبع التيارات السياسية. ففي هذا المجال، يوجد قاعدة عامة تتمثل في ميل حزب أو مجموعة خارجة عن نطاق السلطة إلى تصديق نظريات المؤامرة أكثر من تلك التي في السلطة؟
في هذا السياق، قال جوزيف أوسينسكي، أستاذ مشارك في العلوم السياسية في جامعة ميامي، إن “نظريات المؤامرة للخاسرين”. وتجدر الإشارة إلى أن أوسينسكي شارك في تأليف كتاب “نظريات المؤامرة الأمريكية” الذي صدر سنة 2014. ويؤكد أوسينسكي على أنه يستخدم مصطلح “الخاسرين” حرفيا وليس من قبيل الازدراء. وأضاف أوسينسكي أن “الأشخاص الذين خسروا الانتخابات أو المال أو النفوذ يبحثون عن ذريعة ليبرروا خسارتهم”.
أظهرت دراسة استقصائية أن حوالي 42 بالمائة من الأشخاص الذين لم يتلقوا تعليما ثانويا يعتقدون بنظرية مؤامرة واحدة على الأقل، مقارنة بنسبة 23 بالمائة من الأشخاص الذين يحملون شهادات عليا
بناء على ذلك، يمكن اعتبار هذه الظاهرة متناسقة ويمكن التنبؤ بها لدرجة أن نظريات المؤامرة الرائدة، على الأقل في الولايات المتحدة الأمريكية، تنشأ تقريبا بالتزامن مع تولي أحدهم للرئاسة. فعلى سبيل المثال، عندما كان بيل كلينتون رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية شملت قصص المؤامرة متاجرة كلينتون بمخدرات الكوكايين في ولاية أركنساس وادعاءات تتهمه بقتل لفينس فوستر، صديق كلينتون وأحد المقربين منه.
في سياق مشابه، تم حياكة العديد من قصص المؤامرة الملفقة الجديدة، بمجرد تولي جورج بوش الابن السلطة. هذه المرة، أقمحت هذه القصص نائب الرئيس ديك تشيني، وشركة هاليبرتون لخدمات الطاقة، وتحدثت عن تخطيط شركة بلاك ووتر لحرب العراق بغية الاستيلاء على ثرواتها النفطية.
مما لا شك فيه، لا يخوض جميع الأعضاء المستائين في الأحزاب الخارجة عن السلطة في قصص المؤامرة السائدة ولا يؤمنون بها قطعا. ويعتمد هذا الأمر في جزء كبير منه أيضا على الخصائص السكانية، مع الاعتقاد في النظريات المرتبطة بشكل عكسي بالتعليم والثروة. وفي هذا الصدد، أظهرت دراسة استقصائية أن حوالي 42 بالمائة من الأشخاص الذين لم يتلقوا تعليما ثانويا يعتقدون في نظرية مؤامرة واحدة على الأقل، مقارنة بنسبة 23 بالمائة من الأشخاص الذين يحملون شهادات عليا.
في شأن ذي صلة، أظهرت دراسة أجريت سنة 2017 أن الأشخاص الذين ينتمون إلى الأسر، التي يبلغ متوسط دخلها 47.193 دولار أمريكي، يميلون إلى تصديق نظريات المؤامرة. خلافا لذلك، من غير المرجح أن يصدق الأشخاص الذين ينتمون إلى عائلات يصل متوسط دخلها إلى 63.824 دولار أمريكي نظريات المؤامرة.
في هذا الإطار، أفاد جوزيف بارنت، أستاذ في العلوم السياسية في جامعة نوتر دام وزميل أوسنسكي في تأليف الكتاب الآنف ذكره، “أنه يمكن أن تكون نظريات المؤامرة في هذه الحالة بمثابة كمادات عاطفية”. وقد بين بارنت أن الشخص لا يحتاج إلى لوم نفسه بسبب افتقاره لأشياء معينة، لذلك يعمد إلى لوم طرف مجهول بدلا من ذلك.
كلما ازداد عدد المؤمنين بنظريات المؤامرة، قل احتمال اندثارها
في الحقيقة، تكتسي الرغبة في الظهور بشكل خاص ومختلف أهمية مماثلة في إنشاء المؤامرات، ويمثل هذا الأمر حاجة عابرة للحدود الديمغرافية. وفي دراسة تم نشرها في شهر أيار/ مايو في المجلة الأوروبية لعلم النفس الاجتماعي، التي أسند لها بشكل استفزازي عنوان “استثنائي جدا لتخدع”، خضع المشاركون لاستفتاء مخصص لقياس رغباتهم في التفرد أو كتبوا مقالات حول أهمية الفكر المستقل.
بفوارق كبيرة، كشفت الدراسة أن الأشخاص الذين أظهروا حاجة كبيرة إلى التفرد من خلال الاستفتاء أو الكتابات كانوا يميلون أكثر إلى الاعتقاد في مختلف نظريات المؤامرة. وفي هذا السياق، قال الباحثون إن “جزءا صغيرا من تحفيز تأييد المعتقدات غير العقلانية يكمن في الرغبة في الخروج عن مسار المجموعة”.
في واقع الأمر، يبين عامل التفرد، بشكل جزئي، سبب ندرة تمكن الأدلة الداحضة لنظريات المؤامرة من تغيير رأي المؤيدين لها، نظرا إلى أن التخلي عن المعتقد يعني التخلي عن التميز أيضا. فعلى سبيل المثال، عندما حاول الرئيس أوباما وضع حد للشائعات بشأن مكان ولادته من خلال نشر صيغة مختصرة لشهادة ميلاده، طالب مؤيدو نظرية المؤامرة بصيغة مطولة من الشهادة. وعندما استجاب أوباما لطلبهم، أصر مؤيدو نظرية المؤامرة على أن شهادة الميلاد مزورة.
في بعض الحالات، قد يكون الهراء الذي يصاحب نظريات المؤامرة في الواقع محاولة لجعل العالم يكتسي منطقية أكثر. فبعد صدمة وطنية تمثلت في اغتيال الرئيس كينيدي، ترسخ ما يسمى “بتحيز التناسب”، مع ارتداد العقل نحو فكرة أن الأسباب الصغيرة تؤدي إلى مثل هذه الآثار الهائلة.
من هذا المنطلق، اتخذت رواية وكالة الاستخبارات المركزية أو مؤامرة المافيا مكان قصة مسلح وحيد كان قادرا على الوصول إلى الرئيس. وتجدر الإشارة إلى أنه كلما ازداد عدد المؤمنين بنظريات المؤامرة، قل احتمال اندثارها. وفي سياق متصل أورد بارنت، أن “الانتماء إلى الجماعة يصبح أمرا مركزيا، كما أن المعتقدات تصبح مثل وشم أفراد العصابة الواحدة غير قابل للتخلي عنه”.
إذا لم تتمكن من داء المؤامرة منذ البداية، فقد يصعب علاج عدوى المؤامرة حتى مع استخدام أشد جرعات العلم لاحقا
في الحقيقة، تشكل فكرة عدم الزوال تلك مشكلة في حد ذاتها. فقد تكلفك الثرثرة حول نخبة الزواحف التي تسيطر على العالم دعوات لحفلة عشاء، لكنها لن تسبب الضرر لأي أحد. ولكن الاعتقاد في خطر اللقاحات، قد يدفعك إلى عدم إخضاع أطفالك لهذه اللقاحات وهو ما قد يكون أمرا مميتا.
تبعا لذلك، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن أسوأ طريقة لتغيير آراء الأشخاص الذين يعتقدون في نظريات المؤامرة تتمثل في انتقادهم أو من خلال السخرية من معتقداتهم. ومن شأن هذه الطرق أن تضع المؤمنين بنظريات المؤامرة في جبهة الدفاع، مما يجعلهم أقل احتمالا لتغيير معتقداتهم.
من جهة أخرى، قد تلعب النقاشات التي لا تتضمن إطلاق الأحكام على الآخرين والمتعلقة بعواقب الاعتقاد في نظريات المؤامرة دورا أفضل في هذا الإطار. ففي حالة اللقاحات، يمكن أن يعني هذا الأمر عرض صور لأطفال مصابين بالحصبة على الآباء أو وصف الآثار المميتة للأمراض التي يمكن الوقاية منها عبر اللقاح.
فضلا عن ذلك، يمكن للتدخل المبكر من خلال عرض الحقائق أن يحدث تغييرا. فعلى سبيل المثال، من غير المرجح أن يؤمن الأطفال الذين تلقوا تعليما حول العلم الذي يتأسس عليه اللقاح أو الاحترار العالمي في نظريات المؤامرة عندما يتعرضون إليها لاحقا. فإذا لم تتمكن من داء المؤامرة منذ البداية، فقد يصعب علاج عدوى المؤامرة حتى مع استخدام أشد جرعات العلم لاحقا.
في نهاية المطاف، يمثل العقل البشري أداة حرة وغير عقلانية في كثير من الأحيان، وللأشخاص حرية الاعتقاد. وقد لا يكون الاعتقاد في الحقيقة أمرا ممتعا بالقدر الذي يكون عليه الاعتقاد في الخرافات، لكنه يؤسس لفكر أفضل وثقافة أفضل أيضا.
المصدر: مجلة تايم