“رسم المشهد بسيده القميء وسيده المسيح، رسم الفدائي والوردة ووشم الخريطة، رسم مسدس الاغتيال والشاهدة الحجرية والمواطن يكتب وصيته، كل ذلك رسمه.. ولذلك قتلوه” – رضوى عاشور، رأيت النخل، قصص قصيرة جدًا
في 17 من نوفمبر القادم سيكون قد مر مئة عام على وعد بلفور ولا يزال الصراع مستمرًا، ولطالما كانا الفن والأدب أنجح الوسائل في مواجهة الظلم وتوضيح الحقائق، ومنذ احتلال فلسطين وإلى الآن لا يزال جزء كبير من الأدب العربي يسلط الضوء على تلك المسألة، والأعمال التي سنتناولها بالطرح منها ما هو مشهور بأمر القضية الفلسطينية، ومنها ما لا يعرف القارئ عنه أنه ركز على القضية الفلسطينية بين جنباته.
الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل
الرواية الشهيرة بـ”المتشائل” لإيميل حبيبي، قدمها الفنان محمد بكري عدة مرات على المسرح، تتناول الرواية جانب مختلف للصراع العربي الإسرائيلي، فسعيد كما يقدمه إيميل شخص أخرق لا يهتم بأمور النضال ولا يفقه بها شيء، إلا أنه ليس متواطئًا أو عميلاً، كل ما بالأمر أنه ينظر إلى ما أسفل قدماه، يحلم بيُعاد، الفتاة التي أحبها منذ أن كان بالمدرسة الثانوية، وهل تشبه حلم الوطن والعودة الذي لا يتخلى عنه فلسطيني وإن كان لا يهتم اهتمامًا صريحًا بأمر النضال، قد يرتكب سعيد حماقات وهذا كله لأنه يحلم بجمع شمله بيُعاد.
أما المتشائل فهو كما يوضحه لنا إيميل لأنه نصف متشائم ونصف متفائل، وهاتان الصفتان ورثهما عن عائلته وربما عن شعبه بأكمله، إيميل كاتب ساخر وفلسفي وهو ممن يطلق عليهم عرب 48، دائمًا ما يبتعد أبطاله عن البطولة ذاتها، نشرت له عام 1968 قطعة باسم “سداسية الأيام الستة” – ويقصد بها حرب 1967 – القطعة مكونة من 6 أقصوصات تعتبر كل واحدة منهم قصة بذاتها، ويسيطر عليها أيضًا حس التهكم والسخرية.
أطياف
رغم أن الرواية نصفها سيرة ذاتية لكاتبتها رضوى عاشور، ونصفها الآخر عن شخصية “شجر” الأستاذة الجامعية التي تدرس التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس؛ فإن أحداثها تطير هنا وهناك وتمر بفلسطين والمذابح التي ارتكبت بدير ياسين، فالأطياف وهو عنوان رسالة ماجستير “شجر” هم أطياف من قتلوا بالمذبحة، ثم تمر شجر باغتيال ناجي العلي الذي ذكرته رضوى أكثر من مرة في أعمالها سواء بالتصريح أو بالتعريض.
الطنطورية
ولنفس الكاتبة واحدة من أشهر الروايات التي روت قصة احتلال فلسطين وحرب لبنان إلى مطلع الألفية الثانية، كل ذلك تشهده عيون رقية – الشخصية الرئيسية بالرواية – قبيل النكبة وخروجها من قريتها الطنطورة وصولًا إلى مخيمات لبنان، ملحمة تختصر عقودًا من تاريخ فلسطين بحقائق تاريخية تامة في حبكة درامية.
الأدب العربي في مواجهة الاحتلال الصهيوني يشبه تمامًا الطرق على جدار الخزان، أن نطرق جدار الخزان هو الأمل الأخير في النجاة وعدم الاستسلام
قطعة من أوروبا
كما تناولت أيضًا رضوى عاشور بهذا الرواية عدة قضايا تاريخية، وتناولت جانب الصهيونية في مراحلها الأولى قبل احتلال فلسطين، كما أنها تحدثت عن الانتفاضة وقصص حقيقية بها.
رجال في الشمس
لا يخلو الحديث عن الأدب العربي ومقاومة الاحتلال من ذكر أعمال غسان كنفاني الذي لم يكن أديبًا فحسب، بل أرخ ثورة فلسطين الكبرى 1936 – 1939، وكانت له عدة دراسات أدبية بشأن الأدب الفلسطيني في فلسطين المحتلة والأدب الصهيوني، بجانب المسرحيات والقصص القصيرة التي كتبها.
تحكي الرواية عن 3 رجال يحاولون الخروج من فلسطين للبحث عن فرصة عمل بالخليج، ويهربهم سائق داخل خزان، وفي أثناء حملة تفتيش يطول وقتها تشتد درجة الحرارة عليهم ويموتوا في هدوء، فتكون جملة النهاية “لماذا لم يطرقوا جدران الخزان؟” الرجال الثلاث لم يثوروا إلى آخر دقيقة بعمرهم، آملين في الخروج وحلول مشاكلهم بهدوء، إلا أن السائق صاحب الماضي المؤلم مع الاحتلال يصرخ ويقفد عقله وهو يتساءل لماذا لم يطرقوا جدران الخزان؟
الأدب العربي في مواجهة الاحتلال الصهيوني يشبه تمامًا الطرق على جدار الخزان، أن نطرق جدار الخزان هو الأمل الأخير في النجاة وعدم الاستسلام، ولا يزال هناك أدباء عرب كثيرون، وغير عرب يطرقون جدران الخزان الذي يضيق كل يوم أكثر وأكثر، سواء بالرواية أو بالقصص القصيرة أو بالشعر أو بالسيّر الذاتية، وإن جاء التركيز في هذا المقال على الروايات العربية، إلا أنه لا يهمش دور بقية الأعمال الأدبية.