تزامنًا مع بدء السباق الرئاسي الأمريكي، ظهر الكثير من القلق والخوف من استخدام التقنيات الجديدة والناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق، وكذلك الشبكات الاجتماعية للتأثير على مجرى الانتخابات الأمريكية، حيث استهدفت مكالمة Robocall الآلية، وهي مكالمة مسجلة تصلك عبر خدمة اتصال تلقائي، ناخبي ولاية نيو هامبشاير خلال الانتخابات التمهيدية في شهر يناير/كانون الثاني، وجاء في المكالمات صوت الرئيس الحاليّ جو بايدن وهو يطلب من الناخبين البقاء في منازلهم، لتكون هذه المحاولة الأولى لاستخدام الذكاء الاصطناعي للتدخل في الانتخابات الأمريكية والتأثير عليها من جهة ما.
تزداد الأمثلة على ما يُمكن أن ينتظر السباق الرئاسي الأمريكي، في ظل تفشى استخدام تقنيات التزييف العميق والذكاء الاصطناعي في العالم يومًا بعد يوم، فهل تصبح الانتخابات مجرد مسرحية هزلية؟ وكيف ستؤثر تقنيات الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق والشبكات الاجتماعية على تطوراتها ومسارها؟
التزييف العميق: خداع بصري يُقنع العقول
التزييف العميق أو كما يقال بالإنجليزية (Deepfakes)، هي تقنية يمكن من خلالها توليد صور أو فيديوهات مقترنة باستنساخ صوتي أُنشئ باستخدام أحد أشكال الذكاء الاصطناعي (AI) لجعل الأمر يبدو كما لو أن شخصًا ما فعل أو قال شيئًا ما، في حين أن هذا لم يحدث أبدًا.
عادةً، تستخدم تقنية التزييف العميق لشخصية مشهورة أو لديها جمهور، من أجل تشويه سمعتها ونشر معلومات مضللة عنها، أو الإضرار بسمعتها ومصداقيتها، وفي حالة الانتخابات الأمريكية القادمة، يمكن لوسائل الإعلام المُوالية لحزب أو مرشح معين شن حملة شرسة والقضاء على سمعة مرشح آخر، إذ تعمل تقنية التزييف العميق على خلق حالة من انعدام الثقة والبلبلة لأن الأمر يصبح صعبًا عند التفريق بين المحتوى الحقيقي والمزيف.
الشبكات الاجتماعية: معركة المعلومات المضللة
يُمكن القول إن المعلومات هي العملة الأكثر قيمة لنا على الإنترنت، ومن يمتلكها يمكنه التحكم في الآخرين وتوجيههم وإخبارهم بكيفية التصرف نحو موضوع ما دون أن يدروا، ولهذا السبب، فإن الشبكات الاجتماعية تعتبر ساحة معركة المعلومات المضللة، لأنها مليئة بالمعلومات الخاطئة (تنتشر دون قصد) والمُضللة (تنتشر بشكل متعمد).
وفي السابق، قبل ظهور الشبكات الاجتماعية بوقت طويل، كانت هناك الروايات الكاذبة التي تُنشر في الصحف وتحتوي على قصص كاذبة أو معلومات مغلوطة، ومع ظهور منصات التواصل الاجتماعي، انتشرت الأكاذيب والروايات المشوهة والمُختلقة والأسوأ أنها تدوم لفترة أطول على تلك المنصات.
أحدث دليل على ذلك، فيروس كورونا، الذي انتشرت عنه معلومات مضللة تداولها المستخدمون لسنوات، وهكذا أصبح الوصول إلى معلومات دقيقة وصحيحة على الإنترنت أكثر صعوبة.
عودة دونالد ترامب مرة أخرى
بعد 3 سنوات من إثارة مؤيديه الشغب وشن احتجاجات عنيفة في مبنى الكابيتول لقلب نتائج الانتخابات الأخيرة، ستواجه الولايات المتحدة عقبات جديدة في تنفيذ العملية الديمقراطية. حيث بدأ موسم الانتخابات لعام 2024، ويسعى دونالد ترامب، المرشح الجمهوري المتبقي، إلى الإطاحة بالرئيس الحاليّ جو بايدن والعودة مرة أخرى إلى قمة السلطة، ويُعد ترامب أبرز المنافسين في الانتخابات الأمريكية، على الرغم من العقبات القانونية التي تنتظره، بما في ذلك عرقلة العدالة وانتهاك قانون التجسس.
حتى الآن، أعلن دونالد ترامب أنه إذا نجح في تولي فترة رئاسة ثانية، سوف يشن هجمات على الأشخاص المتحولين جنسيًا، ولا ننسى أجندته المناهضة لحكومة بكين والعلاقة الوطيدة بينه وبين رئيس كوريا الشمالية وسخريته الواضحة من الدول الإفريقية.
الوجه السيئ للذكاء الاصطناعي
لكل شيء وجهان، أحدهما جيد، والآخر هو الوجه الخفي الذي يكون في العادة مخيفًا وسيئًا جدًا، لا يختلف الأمر بالنسبة للذكاء الاصطناعي، فيمكن أن تُحدث ميزاته ثورة في عالمنا نحو الأفضل، لكن الأمر قد يتحول إلى كابوس إذا تم استغلاله بشكل ضار، ويعد AI تقنية ناشئة لا تزال قيد التطوير وبالتالي هناك فرصة عظيمة ستُتاح لنا بالإضافة إلى مخاطر جسيمة سوف نشهدها، وعلى رأسها المعلومات الخاطئة أو المضللة التي وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، كانت أكبر تهديد قصير المدى في العالم.
ولمن لا يعرف، المعلومات المضللة والمغلوطة والمحتوى الذي يحض على الكراهية، تعمل على تلويث النظام المعلوماتي لدينا، مما يؤدي إلى استقطاب المجتمعات وتآكل الثقة، ومن ثم في نهاية المطاف، تهديد التقدم البشري. ومع ذلك، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في نشر هذا المحتوى غير الصحيح ليس بالأمر الجديد، حيث تستغل بعض الجهات المُسيئة – منذ فترة – الروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على الشبكات الاجتماعية وتدريب الخوارزميات الخاصة بها من أجل الترويج للمُحتوى المضلل المليء بالكراهية، لكن بسبب التكاليف المتعلقة بالاستثمار وتطوير وصيانة تلك الروبوتات المرتفعة للغاية، أدى هذا إلى تضييق الخناق عليها ومنع المعلومات المضللة من الانتشار كالنار في الهشيم حتى الآن.
ومع نجاح تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديدة، أصبح بالإمكان انتشار المعلومات المغلوطة ونشر المحتوى الذي يحض على الكراهية دون تدخل بشري يذكر، وبتكلفة زهيدة وعلى نطاق واسع. والأسوأ من ذلك، أنه من الصعب علينا كبشر اكتشاف ما إذا كان هذا المحتوى من صنع البشر أم الآلة.
علاوة على ذلك، الأمر نفسه بالنسبة للمحتوى العنصري أو المعادي للسامية أو المعادي للإسلام، أو حتى المسيئ جنسيًا. حيث وجدت دراسة يمكن وصفها بـ”الصادمة” أجراها باحثون في جامعة ستانفورد، أن قاعدة البيانات العملاقة LAION كانت تُدرِّب بعض أدوات توليد الصور بالذكاء الاصطناعي على أكثر من 1000 صورة غير قانونية ومسيئة للأطفال. وبالتالي يمكن لـ”AI” الفترة المقبلة توليد صور إباحية لناشطات وصحفيات وسياسيات وأي امرأة من أجل إسكاتها.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، أصبح التلاعُب بالناخبين بواسطة الذكاء الاصطناعي موجودًا بالفعل، إذ يتم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لنشر صور مُزيفة تبدو معقولة وغيرها من المعلومات المضللة عبر مواقع إخبارية وهمية أو جهات بث مزيفة مع مذيعي أخبار تم صنعهم بواسطة الذكاء الاصطناعي، ويمكن لأي شخص تقريبًا إنشاء منبر إعلامي ليبدو كأنه قناة حقيقية أمام المستخدم العادي، ومن ثم يتم نشر تقنية الفيديو المزيف العميق لخداع الأشخاص بدعاية مقنعة في شكل أخبار.
أخيرًا، ربما تنتشر المعلومات المضللة والمغلوطة بسرعة مخيفة، إلا أن هناك قليلًا من الأمل، حيث يعتزم بعض مطوري الذكاء الاصطناعي وضع علامة مائية على الصور والفيديوهات التي تم إنشاؤها بواسطة AI.
ورغم أن التكنولوجيا ليست مضمونة، فهذه هي البداية. أيضًا بدأت العديد من الشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك، الاعتماد بقوة على خوارزميات تعمل بالذكاء الاصطناعي لاكتشاف ودحض أي محتوى ضار أو مزيف على الشبكات الاجتماعية، وهكذا يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي قوة فاعلة من أجل سلامة المعلومات إذا تم تسخيره بشكل صحيح. لكن إذا تم استغلاله بشكل معاكس، حينها سيكون الأوان قد فات ولن نستطيع منع تفشي المعلومات المضللة على الويب.