بعد 11 عامًا من الحصار والمقاطعة الدولية المشددة، قرر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، أن يراجع حساباته “الظالمة” تجاه الشعب الفلسطيني والمساندة دائمًا للاحتلال الإسرائيلي، وأن يعترف بـ”خطأ” دعمه لقرار مقاطعة حركة “حماس“، بعد نجاحها في انتخابات 2006.
اعترافات بلير التي جاءت متأخرة بحسب حركة حماس، تكشف مدى التعامل الدولي والتأثر بالقرارات والضغوطات الإسرائيلية تجاه فلسطين وقضاياها الشائكة، وهذا الاعتراف قد يتسبب بتغيير نظرة العالم تجاه الحركة التي عانت الكثير من حملات بلير ضدها على المستوى الدولي خلال السنوات الأخيرة، ويفتح أبواب كثيرة كانت مغلقة أمامها.
وأقر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بأنه وزعماء آخرين في العالم ارتكبوا “خطأ” بدعم مقاطعة حركة “حماس“، بعد نجاحها في انتخابات 2006، معربًا عن أسفه لاتخاذ القرار، وفق ما نشرت صحيفة “الغارديان“.
لفت التقرير إلى أن بلير عقد 6 لقاءات مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس سابقًا، لبحث إمكانية وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحماس، ولكن قطع المجتمع الدولي الاتصالات الرسمية مع حماس أدى إلى تآكل النفوذ الغربي في المنطقة، وزادت من عزلة ومعاناة مواطني غزة
يشار إلى أن بلير قد أيد، بصفته رئيسًا للوزراء آنذاك، قرار البيت الأبيض بزعامة جورج بوش، لوقف المساعدات والعلاقات مع الحكومة الفلسطينية العاشرة التي شكلتها حركة “حماس“، ما لم توافق على شروط الرباعية، (الاعتراف بـ”إسرائيل” ونبذ العنف والالتزام بالاتفاقات السابقة بين فتح و”إسرائيل”)، وقد رفضت الحركة الشروط.
وكان بلير، يتحدث في مقابلة مع الصحفي البريطاني دونالد ماسينتير لاستخدامها في كتاب بعنوان “غزة، التحضير للفجر”، الذي سيصدر نهاية هذا الشهر، قال: “المجتمع الدولي يجب أن يحاول سحب حماس إلى حوار، وقلب مواقفها، وأعتقد أن هذا هو ما سيكون في وقت لاحق”، وفق الصحيفة.
وأضاف مبعوث اللجنة الرباعية في الشرق الأوسط، المكونة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا، بعد مغادرته منصبه: “لكن من الواضح أنه كان من الصعب جدًا تنفيذ ذلك، لأن الإسرائيليين كانوا معارضين جدًا، لكنك تعلم أننا كنا نستطيع أن نعمل بطريقة تمكننا من القيام بهذا الأمر، وهذا في الواقع ما انتهينا إليه على أي حال بشكل غير رسمي”.
ولم يتطرق بلير إلى التعاملات “غير الرسمية” اللاحقة مع حماس، في إشارة كما يبدو إلى اتصالات سرية بين ممثلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلال وبعد اختطاف صحفي الـ”بي بي سي” آلان جونستون، من قبل جماعة “متطرفة” في عام 2007 في غزة، كما خمن مؤلف الكتاب.
ولفت التقرير إلى أن بلير عقد 6 لقاءات مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس سابقًا، لبحث إمكانية وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحماس، ولكن قطع المجتمع الدولي الاتصالات الرسمية مع حماس أدى إلى تآكل النفوذ الغربي في المنطقة، وزادت من عزلة ومعاناة مواطني غزة، وساعد على دفع حماس إلى أحضان إيران، وكل ذلك دون إزاحته من سيطرته على غزة.
وعدّ بلير، “أن فكرة التفاوض مع حماس وفتح كل منهما على حدة، فكرة سيئة للغاية، فستكون مضطرًا لتقديم تنازلات لكل واحدة منهما، أما إذا كنت تتعامل مع مجموعة فلسطينية موحدة، ستكون الأمور أفضل بكثير”.
مسؤول العلاقات الدولية في حركة حماس أسامة حمدان رد على اعترافات بلير وقال،: “لا يمكننا الوثوق بتوني بلير، وتصريحاته غير ذات معنى أو جدوى”، مشددًا على ضرورة البناء على تلك التصريحات بخطوات عملية من خلال التعامل مع إرادة الشعب الفلسطيني واحترام رغباته الديمقراطية.
وأوضح حمدان أن أولى خطوات احترام الشعب الفلسطيني “تبدأ بوقف اتهام الفصائل والمقاومة بالإرهاب، وبالتالي رفع اسم الفصائل من لوائح الإرهاب الدولية”. وتابع: “ثاني خطوة هي التعامل مع ممثلي الشعب الفلسطيني الذين أفرزتهم الانتخابات الديمقراطية، إلى جانب دعم حقوقهم الأساسية بشكل فعلي”، مبينًا أن ذلك يعني “جهودًا حقيقية وجدية وفرض حصار على الاحتلال الإسرائيلي حتى زواله عن أرض فلسطين”.
وشدد حمدان على أن “الشعب الفلسطيني لا يمكن له من غير تلك الخطوات أن يقتنع بأن هناك إقرارًا حقيقيًا بحجم الخطيئة التي ارتكبت بحق الشعب والقضية الفلسطينيين”. ورأى أنه “ما لم يحصل هذا بشكل عملي، فستبقى هذه التصريحات غير ذات معنى أو جدوى، رغم اعتبارها من قبل البعض خطوة في الاتجاه الصحيح”.
وعن توقيت تصريح بلير الذي يتصادف مع مرور 100 عام على وعد بلفور، قال القيادي في حماس: “حتى اللحظة الموقف الرسمي البريطاني، هو عدم الاعتراف بحجم الجريمة التي وقعت عندما قام شخص ليس له أي حق، في أن يقرر في الأرض الفلسطينية وذلك بمنح الصهاينة حق في أن يكون لهم كيان على أرض فلسطين”.
وختم بالقول: “حتى اللحظة بريطانيا لم تعترف أو تعتذر عن ذلك”، منوهًا إلى أن تصريحات بلير “قد لا يكون الهدف الحقيقي منها الإقرار بحجم الخطيئة والجريمة التي ارتكبت، بل ربما خطوة أخرى في ذات الاتجاه ولكن بطريقة مختلفة”.
إقرار بالفشل
وفي ذات السياق يرأى محللون فلسطينيون أن إقرار توني بلير بخطأ مقاطعة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” يعكس التغيير الحاصل في المواقف الغربية من الحركة ومكانتها.
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي من غزة مصطفى الصواف أن الإقرار العلني من بلير بخطأ مقاطعة حماس “تعبير عن خيبة أمل لديه إزاء مخطط إضعاف الحركة وهو لم يحدث”، قائلًا:” “تصريحات بلير عمليًا بلا قيمة كونه خارج موقع المسؤولية ومواقفه ليست ذات جدوى، لكنها تأكيد أن الرجل كان جزء من إفشال التجربة الديمقراطية للشعب الفلسطيني”.
ويضيف أن هذا الإقرار من بلير يعبر عن خيبة أمل لديه بفشل خطط حصار حماس وإضعافها، كما أنه خيبة أمل لكل من صدق أنه رجل سلام في المنطقة”.
ويشدد الصواف على أن إقرار بلير “دليل على التورط الأوروبي في حصار الشعب الفلسطيني”، مشددًا على أنها “تحتاج إلى إثبات عملي من خلال الضغط على “إسرائيل” لرفع الحصار”، مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني “شبع” من التصريحات والقرارات التي لا قيمة عملية لها إزاء خطأ محاصرته أو مساومته على حقوقه والمطلوب تحرك عملي مخالف للسياسات السابقة.
كما ويقول المحلل السياسي من رام الله أحمد رفيق عوض إن بلير يتحدث من خارج دائرة صنع القرار لكنه يبدو وكأنه يتحدث بالغرب خصوصًا أوروبا. ويرى عوض أن تصريحات بلير “رسالة تشجيع لمزيد من التحولات في حماس وضمها لمربع الاعتدال العربي ودمجها في عملية التسوية”.
ويضيف أنه (بلير) يعبر عن وجه نظر آخذة في التنامي أوروبيًا تريد ضرورة تقديم المكافأة لحماس على موقفها الأخير من اتفاق المصالحة والتمهيد للقبول بحكومة وحدة وطنية قادمة.
ويشدد عوض على أن توقيت تصريحات بلير “مهم جدًا” ويبرز الحاجة إلى المضي في عملية المصالحة الفلسطينية لما في ذلك من عامل قوة لكل الأطراف الداخلية وللشعب الفلسطيني عمومًا.