أثارت تفجيرات مقديشيو الأخيرة التي أسفرت عن مقتل 300 شخص ومئتي جريح جراء انفجار شاحنة ملغمة أمام أحد الفنادق المكتظة بالسكان بوسط العاصمة الصومالية، حالة من الجدل المشوب بالقلق لما يمكن أن تسفر عنه هذه الموجة من أعمال العنف مستقبلاً في ظل ما تشهده الصومال من عدم استقرار سياسي وأمني في الوقت الراهن.
الحادث الذي وصفه الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، بأنه “مأساة وطنية”، جاء بعد أقل من يومين من زيارة رئيس قيادة القوات الأمريكية الإفريقية إلى العاصمة الصومالية، وبعد استقالة وزير الدفاع وقائد القوات المسلحة لأسباب لم يكشف عنها حتى الآن.
تساؤلات عدة فرضتها تفاصيل هذه التفجيرات والكواليس المحيطة قبل وقوعها خاصة بعد استهداف مقر السفارة القطرية، وما يقال بشأن ما كان يخطط له حيال استهداف الأكاديمية العسكرية التركية عبر معلومات استخباراتية، وكذلك الوقت الذي تعاني فيه العلاقات بين مقديشيو وأبو ظبي من توتر في الآونة الأخيرة بسبب القاعدة العسكرية المزمع إقامتها في أرض الصومال، فما الدافع الحقيقي وراء تلك التفجيرات؟ وهل للأزمة الخليجية دور فيها؟
البحث عن فاعل
رغم أن تفجيرات السبت الماضي تعد واحدة من أكثر الهجمات المسلحة التي خلفت وراءها قتلى ومصابين، فإن أحدًا لم يعلن مسؤوليته عنها حتى الآن، وهو ما أثار العديد من علامات الاستفهام، إلا أن الشكوك تذهب إلى حركة الشباب المجاهدين بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
ترجيح الصحيفة لمسؤولية الحركة عن هذا الحادث يعود إلى ما تعانيه من فقدان سيطرتها على الكثير من أجزاء المدينة التي كانت تحكم القبضة عليها في السابق، وذلك بسبب الحرب المستعرة ضدها من الجيش الصومالي وقوات الاتحاد الإفريقي وتعزيزات القوات الجوية الأمريكية، وهو ما دفع بعض أفرادها إلى الانسحاب والانضمام لصفوف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وتنظيم “القاعدة”.
المحللون يعتقدون أن هذا الهجوم ربما يكون انتقامًا بسبب ما تعاني منه الحركة من خسائر خلال الفترات الأخيرة، لا سيما بعد تصعيد واشنطن من ضرباتها الجوية، إذ إن عملياتها الخاصة شنت قرابة 15 غارة جوية ضد عناصر الحركة ومعسكرات تدريب تابعة لها منذ بداية العام، بما في ذلك خمس ضربات في الشهر الماضي، إحداها تسبب في مقتل علي جبل، أحد قادتها وأبرز عناصرها، مما قد يكون دافعًا للانتقام ردًا على ما تتعرض له.
بينما يشير متخصصون في مكافحة الإرهاب إلى تلقي الحركة مساعدات من عناصر القاعدة في اليمن، وإن كان يرون في الوقت ذاته أن مثل هذه الهجمات سيكون لها نتائج عكسية عليها وهو ما يفسر عدم إعلانها رسميًا حتى كتابة هذه السطور، في الوقت الذي قالت فيه المتخصصة في الشؤون الصومالية بالجامعة الأمريكية، تريسيا باكون تعليقًا على تفجيرات السبت الدامي: حين تشعر المجموعة بالضغط ستنفذ هجمات أكبر وأكثر أهمية، ورأت أن الهجوم وقع نتيجة سوء تقدير من الحركة”.
الصحيفة كشفت النقاب عن دور الإمارات على وجه الخصوص في المشهد الفوضوي داخل الصومال مشيرة إلى أنها قدمت أسلحة لبعض الحركات الانفصالية المسلحة في عام 2015
علامة استفهام من دون أسئلة
من التساؤلات التي تفرض نفسها بقوة خلال هذه التفجيرات استهداف السفارة القطرية على وجه الخصوص دون سفارات الدول الأخرى، حيث تعرض مبنى سفارة الدوحة إلى أضرار جسيمة، فضلاً عن إصابة القائم بأعمال السفير القطري في الصومال، بحسب البيان الصادر عن أحمد بن سعيد الرميحي مدير المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية القطرية.
كذلك هناك تساؤل آخر كشفت عنه بعض الأنباء الواردة بشأن حصول أجهزة الاستخبارات الصومالية على معلومات عن استهداف الأكاديمية العسكرية التركية في الصومال وأنها ستتعرض لعملية مسلحة كبيرة، حسبما أشارت بعض المصادر.
بحسب شهود عيان فإن الشاحنة المفخخة التي تم تفجيرها بالقرب من أحد الفنادق في مقديشيو كانت تستهدف الأكاديمية التركية لكن اعتراض ضباط الأمن لها عند أحد حواجز التفتيش على مشارف العاصمة عطلها بشكل أو بآخر عن الوصول إلى هدفها، فما كان من السائق الذي كان متوجهًا للموت بإصرار بحسب الشهود، إلا تفجير الشاحنة وسط المدينة قبل أن تصل إلى المكان المطلوب.
النفوذ الإماراتي في القرن الإفريقي
هل للأزمة الخليجية دور؟
كانت الأزمة الخليجية حاضرة بشكل أو بآخر في مشهد الانفجار، وهو ما أكدت عليه الصحيفة الأمريكية التي نقلت على لسان بعض المحللين استغلال حركة الشباب المجاهدين لحالة عدم الاستقرار السياسي الداخلي جراء الموقف من الأزمة الخليجية، حيث تدعم مقديشيو خيار الحياد وهو ما أثار حفيظة دول الحصار في مقابل دعم أرض الصومال للموقف الإماراتي السعودي.
الصحيفة كشفت النقاب عن دور الإمارات على وجه الخصوص في المشهد الفوضوي داخل الصومال مشيرة إلى أنها قدمت أسلحة لبعض الحركات الانفصالية المسلحة في عام 2015، مما ساعد في تأجيج الصراع، وهو ما سيتم التطرق إليه بعد قليل.
الممارسات التي تقوم بها أبو ظبي في منطقة القرن الإفريقي تنطوي على خرق واضح للقرارات المتخذة في هذه المنطقة كافة، لا سيما إريتريا والصومال
من زاوية أخرى فإن التصريحات التي أدلى بها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية لمجلة “جون أفريك” تكشف حضور الأزمة الخليجية في المشهد بصورة كبيرة، حيث قال: “الصومال تعرض إلى أعمال انتقامية لعدم طاعته لدول الحصار، فقد ألغيت المساعدات الإنسانية للدولة، وتعرض بعض السياسيين الصوماليين إلى ابتزاز، ومع ذلك، ظلت الحكومة ثابتة وصمدت”.
يذكر أن الحكومة الصومالية الرسمية ارتأت لنفسها اتخاذ موقف حيادي تجاه تلك الأزمة وهو ما تسبب في تعرضها لبعض الضغوط حسبما أشار إلى ذلك أحد الكتاب الصوماليين في مقال له محذرًا من أن الموقف الحيادي لمقديشيو ربما ينجم عنه أزمات سياسية واقتصادية وأمنية لبلاده، معززًا ذلك أن “ملوك العرب وأمراء الخليج لا يعرفون – ولا يعترفون – بثقافة الحياد، ولا دبلوماسية الحياد، ولا بعقلانية السياسة وخصوصيات الظروف الراهنة، بل يمارسون عليك الضغوط المشروعة وغير المشروعة كافة، ناهيك عن الابتزاز الفاضح واستخدام اللعبة القذرة“
التوتر بين مقديشيو وأبو ظبي
حالة من التوتر تشوب العلاقات بين أبو ظبي ومقديشيو خلال الأشهر الأخيرة، وذلك لعدة أسباب أولها التهديد الإماراتي للأمن القومي الصومالي بدعم الفصائل المسلحة المناوئة للحكومة الرسمية، وهو ما كشف عنه التقرير نصف السنوي الصادر عن فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي على الصومال وإريتريا، والذي كشف انتهاك الإمارات للقرارات الدولية المتعلقة بفرض حظر تسليح على البلدين، كذلك دعمها لبعض الفصائل الإرهابية.
التقرير توصل إلى أن الممارسات التي تقوم بها أبو ظبي في منطقة القرن الإفريقي تنطوي على خرق واضح للقرارات المتخذة في هذه المنطقة كافة، لا سيما إريتريا والصومال، وذلك حسبما كشفت الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية وشهادات بعض المصادر المعنية في كلا البلدين.
كما كشف تورط الإمارات في تصدير أسلحة من اليمن إلى عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الصومال، والمصنف إرهابيًا من قبل السلطات الصومالية، وحسبما جاء على لسان الخبراء الذين قالوا إنهم كانوا بمهمة في إقليم قندلة الصومالي في مارس الماضي، بالتنسيق مع مكتب رئاسة الإقليم وشرطته البحرية، حيث تم خلال الزيارة عرض أسلحة وذخائر صودرت من قبل قوات الأمن في الإقليم من قبل تنظيم الدولة، وحين تم الكشف عنها وجد أن مصدرها اليمن، ودخلت عبر الوسيط الإماراتي، كذلك اتهامها باستيراد الفحم من الصومال، رغم تجريم مجلس الأمن الدولي له، كونه أحد أهم المصادر المالية لحركة الشباب المصنفة على اللائحة الدولية للمنظمات الإرهابية.
أما السبب الثاني لزيادة حدة التوتر بين البلدين، كان في أعقاب رفض الحكومة الصومالية الاتفاق المبرم بين أبو ظبي وجمهورية أرض الصومال (التي أعلنت انفصالها عن باقي أراضي الصومال 1991 وغير معترف بها دوليًا)، بشأن إنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن، حيث هدد المدقق العام التابع للحكومة الفيدرالية في مقديشو نور فرح، بأن حكومته ستتقدم بشكوى رسمية ضد الإمارات، متهمًا إياها بـ”انتهاك القانون الدولي”.
ووقعت شركة إماراتية العام الماضي اتفاقًا مع “أرض الصومال” بلغت قيمته 442 مليون دولار لتطوير ميناء بربرة الذي يستخدم بشكل أساسي لتصدير الماشية لمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما رفضته مقديشيو، مما تسبب في تفاقم الخلاف بين البلدين بشكل واضح.
النفوذ الإماراتي في القرن الإفريقي يعتمد على استراتيجية شراء واستئجار وإدارة مواني ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة
قاعدة عسكرية تركية في المواجهة
بينما ترفض مقديشيو إقامة قاعدة عسكرية إماراتية فوق أرض الصومال، توافق الحكومة الرسمية على إنشاء قاعدة تركية فوق أراضيها هي الأكبر لها خارجيًا، وذلك في حفل حضره الرئيس حسن علي خيري ورئيس هيئة الأركان العامة التركي خلوصي أكار نهاية سبتمبر الماضي.
القاعدة التركية التي شرعت أنقرة في بنائها مارس 2015 والمقامة على مساحة 400 هكتار (173فدانًا) بتكلفة بلغت 50 مليون دولار، وتضم مرافق مختلفة بينها مساكن للجنود ومسجد ومواقع للتدريب، تهدف حسبما أشار الرئيس الصومالي إلى تأهيل الجيش الوطني، حيث تستقبل الدفعة الأولى وهي 1500 جندي بهدف تدريب عناصر كبيرة منه للمساهمة في مكافحة حركة الشباب المجاهدين، كما أرسلت تركيا الشهر الماضي نحو 200 مدرب من الجيش التركي وعددًا من الآليات العسكرية إلى الصومال لتدريب أكثر من عشرة آلاف وخمسمئة جندي صومالي رشحتهم الأمم المتحدة.
أنقرة توسع من نفوذها داخل إفريقيا بافتتاح قاعدة عسكرية لها في الصومال
النفوذ على القرن الإفريقي
تسعى الإمارات وبشكل مكثف خلال السنوات الأخيرة إلى توسيع نفوذها داخل القارة السمراء، وذلك ضمن خطة لتكثيف الانتشار العسكري في مضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الإفريقي، حققت من خلالها نجاحات على مستويات عدة في الصومال وإريتريا وجيبوتي.
النفوذ الإماراتي في القرن الإفريقي يعتمد على استراتيجية شراء واستئجار وإدارة مواني ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة، كما في ميناءي عدن وجيبوتي، إضافة إلى بناء القواعد العسكرية كما في بربرة شمال غرب الصومال، وذلك بغية تحقيق عدد من الأهداف الأمنية والسياسية والاقتصادية.
بينما ترفض مقديشيو إقامة قاعدة عسكرية إماراتية فوق أرض الصومال، توافق الحكومة الرسمية على إنشاء قاعدة تركية فوق أراضيها هي الأكبر لها خارجيًا
ومن ثم فإن إجهاض هذا المخطط من خلال رفض مقديشيو إقامة القاعدة العسكرية الإماراتية في بربرة وعرقلة تسليم المواني المتفق عليها مع أرض الصومال في مقابل السماح لأنقرة بإقامة قاعدة لها مع فتح قنوات التواصل مع الدوحة لتوسيع مجال حضورها داخل الأراضي الصومالية ربما يعكس حجم الصراع الذي من الممكن أن يدور في هذه المنطقة بين أبو ظبي من جانب وأنقرة والدوحة من جانب آخر.