نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرًا عن مدى قدرة القطاع الصحي على إتاحة الأدوية للفقراء بشكل مضمون من حيث التكلفة والجودة والفعالية، لتنتهي نتائج البحث بوجود أكثر من ملياري شخص تقريبًا ليس لديهم القدرة على الحصول على الأدوية الأساسية.
وذكرت المنظمة أن نقص الأدوية يزيد من تفاقم الأزمات الصحية، وخصوصًا التي قد تكون مؤذية للأطفال أو النساء عند حالات الولادة وما يتبعها من نزيف وآلام غير محتملة، واعتبرت أن هذا إجحافًا بحق الفقراء لا سيما أن العديد من الحالات تنتهي بالوفاة، والتي كان من الممكن تلافيها باستعمال علاجات موجودة بالفعل.
كما علقت أنه ليس من الأخلاقي حرمان الناس من المساعدة الطبية الضرورية لصحتهم أو المنقذة لحياتهم في عصر التقدم العلمي، وأشارت إلى ضرورة التخلص من هذه المشكلة، وذلك بدءًا من تنظيم السياسات الخاصة بالضرائب والرسوم التي تفرض على الأدوية، نهاية بمراكز تصنيع وتوزيع الأدوية لمراقبة المنتجات الطبية متدنية الجودة والمغشوشة.
أوضحت تقديرات المنظمة أن 80% من سكان العالم يعيشون في ظل انعدام توفر الأدوية المسكنة للآلام
ولمعرفة أسباب غلاء الأدوية في العالم كشفت المنظمة أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى أن الأسعار المتدنية قد لا تحقق أي أرباح للشركات المصنعة، وبالتالي ستهدد وجودها في السوق وتعيق توسعها، وهذه الأهداف الاقتصادية تشكل حالة من التوتر، تحديدًا في ميزانيات الدول منخفضة أو متوسطة الدخل، إذ تمثل الأدوية من 20% إلى 60% من نفقاتها الصحية، وتعد أكبر المصروفات بالنسبة للأسر الفقيرة وأكبرها عبئًا.
ومن جانب الأرقام والإحصائيات، أوضحت تقديرات المنظمة أن 80% من سكان العالم يعيشون في ظل انعدام توفر الأدوية المسكنة للآلام، ويمكن تفادي موت أكثر من 10 ملايين شخص من خلال تعزيز المنتجات الطبية التي تعتمد على الأدوية الأساسية.
المصلحة التجارية تفوق المصلحة العامة
تؤكد منظمة الصحة أن أكثر المشاكل تعقيدًا في صناعة الأدوية هي الناحية الاقتصادية التي غلبت المصالح التجارية على مصلحة الصحة العامة، فشركات الأدوية تتمركز في أكثر دول العالم قوة والتي تقود اقتصاديات عملاقة، فمثلًا تستحوذ الشركات الأمريكية على 30% من صناعة الدواء والأوروبية 30% واليابانية 21% والبقية تمتلكها دول مختلفة.
وبالنسبة إلى ثقل هذه الصناعة على اقتصاديات الدول، فيبلغ حجمها نحو 750 تريليون دولار، وحجم مبيعاتها نحو تريليون دولار، ولذلك عند نقاش خطط لتحسين الظروف الصحية في العالم، تظهر ملامح الرفض على وجه هذه الدول الاقتصادية، لا سيما أن أولويتها هي الأرباح وليست الأعمال الأخلاقية أو الخيرية.
أنفق العالم نحو 1.2 تريليون دولار في عام 2016 على العقاقير، ومن المتوقع أن تزيد النسبة إلى 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2021
فلقد أنفق العالم نحو 1.2 تريليون دولار عام 2016 على العقاقير، ومن المتوقع أن تزيد النسبة إلى 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2021، وتطابق هذا الارتفاع في معدل الإنفاق مع عدد الموافقات التي أقرتها إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر سوق للأدوية والعقاقير في العالم، والتي وافقت على 45 عقارًا جديدًا في عام 2015، و41 عقارًا في عام 2014، كما تعتبر هذه الزيادة متضاعفة بالمقارنة مع العام الحاليّ، والذي أنتج فيه 19 عقارًا، وهذا وفقًا لتقرير نشره معهد “كوينتيليمس” للمعلومات الصحية.
العقاب للفقراء
تبرر هذه الشركات الكبرى غلاء أسعار الدواء، بحاجتها إلى استعادة تكاليف البحث والتطوير، وأن من دون هذه الأبحاث لا يمكن إيجاد المنتجات الطبية اللازمة لحل المشاكل الصحية، إضافة إلى طواقم الباحثين والعلماء الذين تتحمل تكاليف أجورهم.
وبصفة عامة، فإن الشركات المصنعة للأدوية تمتلك نحو 850 منتجًا في السوق لعلاج 51 من أسوأ الأمراض الموجودة في العالم، والمنتشرة بالتحديد في الدول النامية، كما أن هذه الشركات تطور 420 دواءً آخر، ولكن 5% من هذه المنتجات متوافرة بأسعار معقولة لمختلفة الفئات الاجتماعية في دول العالم، إذ ذكرت المنظمة أيضًا أن 70% من فقراء العالم في الدول النامية لا يحصلون على اللقاحات أو الدعم الطبي اللازم في مكافحة الأمراض المعقدة مثل الإيدز والسل والملاريا.
والمشكلة بدأت منذ احتكار شركات الأدوية العالمية لعمليات البحث والتصنيع والإنتاج، ومنعها للشركات الأخرى من تصنيع دواء آخر، إلا من بعد الحصول على موافقة الشركة صاحبة الاختراع، ولكنها سمحت لبعض المراكز في البلدان النامية بتصنيع أنواع من الأدوية من خلال الأبحاث التي تدعمها وتمولها، وذلك لإبراز تعاونها من الجانب الإنساني والاجتماعي.
لا توجد سياسة واحدة تعالج مجموعة التحديات التي يواجهها النظام الصحي بشأن تسعير الأدوية، وخاصة الأساسية منها.
وبسبب هذه الاستراتيجية فإنه يصعب على دول العالم الثالث الحصول على حقوقهم في المعالجة من الأمراض التي تعاني منها، بسبب عدة أسباب منها ارتفاع التكاليف التي تطلبها الشركات المنتجة لهذه الأدوية، بجانب عدم فعالية الأدوية المصنعة محليًا.
ولحل هذه المسألة الإنسانية، يقترح بعض الخبراء ضرورة إلغاء منظمة الشركات الاحتكارية في المجال الصحي والتشجيع على المنافسة للتقليل من أسعار هذه الأدوية، وإتاحتها لكل المستويات الاجتماعية، لكن حتى الآن لا توجد سياسة واحدة تعالج مجموعة التحديات التي يواجهها النظام الصحي بشأن تسعير الأدوية، وخاصة الأساسية منها.
الأدوية المغشوشة
تكشف المنظمة عن أضرار الأدوية متدنية الجودة والتي تستولي على دخل المستهلكين مقابل منتجات منعدمة الفائدة، وقد تسبب في أحيان كثيرة ضررًا لهم أو وفاة المئات منهم، وللتخلص من هذه المشكلة دربت المنظمة أكثر من 400 موظف في مجال الرقابة في 126 دولة للتبليغ عن الأدوية غير الفعالة، وبالتالي تصدر المنظمة إنذارًا عالميًا بشأن هذا المنتج الطبي لتحذير البلدان والناس من خطورته أو عدم فعاليته، ولتشجع على زيادة الوعي بخصوص هذه المنتجات المغشوشة.
ففي العامين الماضيين أصدرت المنظمة إنذارات تضمنت لقاحات للحمى الصفراء والتهاب السحايا ودواء لالتهاب الكبد سي ومضاد للملاريا وعلاجات للصرع.
وفيما يخص المنطقة العربية، فهناك 245 مصنعًا للأدوية، وتعتبر الدول العربية من أكثر الأماكن استهلاكًا وحاجة للأدوية، وذلك عكس قدرتها على الإنتاج والتصنيع، فالتقارير تؤكد أن 65% إلى 80% من الأدوية مستوردة من الدول الغربية. أما المنتجة محليًا فهي عبارة عن تركيبات ويتم استيراد 90% من موادها الخام.
وذلك، بالرغم من هيمنة العرب على سوق الأدوية في ثلاثينيات القرن الماضي وحتى الستينيات، وتحديدًا في مصر، والتي جذبت الكثير من الاستثمارات والصناعات في ذاك الوقت.