ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ أشهر، كانت هناك تحذيرات من أن هزيمة تنظيم الدولة في العراق وسوريا من المحتمل ستؤدي إلى تأجيج عدد من الصراعات الأكثر تعقيدا والتي يمكن وصفها بأنها ستكون أكثر خطورة. وفي الوقت الراهن، من المرجح أن نشهد اندلاع أول هذه الصراعات في شمال العراق، حيث بدأ حليفان أمريكيان وثيقان القتال على مستقبل الأمة.
بالإضافة إلى ذلك، ستكون هناك المشاركة المزعومة للميليشيات المدعومة من إيران في القتال الذي يأتي بعد أيام فقط من إشارة الرئيس ترامب إلى أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، حيث أعلن عن خططه لعدم التصديق على الاتفاق النووي مع إيران. وفي الواقع، أي قرارات متهورة يمكن أن يتخذها ترامب من شأنها أن تكون فرصة لتوسيع إيران من أنشطتها في المنطقة.
يتركز النزاع حول مدينة كركوك، وهي مدينة مختلطة عرقيا ودينيا في شمال البلاد، التي تمتد على خطوط طائفية عراقية وتقع بالقرب من حقول نفطٍ رئيسيةٍ في البلاد. ومنذ سنة 2014، كانت المدينة تحت سيطرة القوات الكردية على المدينة منذ أن تقهقرت القوات العراقية أمام تنظيم الدولة.
في وقت مبكر من يوم الاثنين، تقدمت القوات العراقية نحو مدينة كركوك. وفي هذا السياق، أفادت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في تقرير مشترك لمراسليْ الصحيفة من بغداد لوفيداي موريس ومصطفي سليم، أن “القوات المتحالفة مع بغداد قالت إنها استولت على قاعدة عسكرية وحقل نفطي وبنية تحتية رئيسية أخرى من أيدي القوات الكردية”.
إنه لأمر مدهش مدى سرعة تدهور الأمور، فقبل بضعة أشهر فقط، صرّحت وزارة الدفاع إن مستوى التعاون بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان كان “غير مسبوق”، حيث وصفت البشمركة بأنها “شريك حاسم في عمليات تنظيم الدولة”
مع مزيد اقتراب تلك القوات من مدينة كركوك، كانت هناك مخاوف كبيرة من إراقة دماء كثيرة، حيث تعتبر كركوك موطنا لعدد كبير من السكان من الأكراد والعرب والتركمان. فضلا عن ذلك، ظلت العلاقات بين الجماعات منذ فترة طويلة غير مستقرة. في نهاية المطاف، كانت هناك بعض المناوشات الصغيرة، ولكنها مثيرة للقلق.
على سبيل المثال، أظهر مقطع فيديو نُشر على الإنترنت عددا من الجثث التي ترتدي زي جنود البشمركة الكردية. وفي الإطار ذاته، قال مقاتل عراقي الذي كان يصور ذلك الفيديو، مشيرا إلى زعيم كردستان العراق إن “هذا نتيجة عصيان مسعود بارزاني”. ونتيجة لذلك، كانت هناك مخاوف من أن المعارك القادمة يمكن أن تكون تمهيدا لمزيد من العنف في حال لم يتراجع الجانبان عن التصعيد العسكري. ومن المحتمل أن يُجبر هذا الوضع الولايات المتحدة على اتخاذ بعض الخيارات المحرجة بشأن من ينبغي لها أن تدعمها إذا ساءت الأمور أكثر.
في الحقيقة، إنه لأمر مدهش مدى سرعة تدهور الأمور. فقبل بضعة أشهر فقط، صرّحت وزارة الدفاع إن مستوى التعاون بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان كان “غير مسبوق”، حيث وصفت البشمركة بأنها “شريك حاسم في عمليات تنظيم الدولة”.
بعد ذلك، جاء استفتاء الاستقلال الذي عقده برزاني في 25 أيلول/سبتمبر الماضي، حيث صوّت حوالى 93 في المائة من الأكراد العراقيين لصالح الاستقلال. في المقابل، لم يحظ الاستفتاء بدعم بغداد، حتى إن معظم المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي عادة ما كانت حليفا قويا للأكراد، عارض الاستفتاء نظرا لأنه أنه يقوض إقامة الدولة العراقية.
فضلا عن ذلك، تشعر جارة العراق بالغضب حيال التصويت الذي بدا وكأنه يشجع على إقامة دولة بين أقلياتها الكردية. وعلى وجه الخصوص، يبدو أن إيران كانت ساخطة بسبب العلاقات الوثيقة التي تربط العراقيين والأكراد الإيرانيين.
تُظهر السهولة التي رافقت استعادة العراق لمدينة كركوك يوم الاثنين أن مقامرة الأكراد لم تؤتي أكلها، والأهم من ذلك أن المقاومة الضعيفة التي أظهرتها القوات الكردية تشير إلى الانقسامات السياسية داخل المجتمع الكردي
لكن، لطالما عانق حلم الاستقلال الأقلية الكردية العراقية منذ فترة طويلة، التي عانت بشدة تحت حكم صدام حسين. وفي الأثناء، جعلت المكاسب على الأراضي التي تخضع لسيطرة القوات الكردية بعد سنة 2014، خاصة في مدينة كركوك التي وُصفت على أنها “القدس الكردية”، هذا الحلم يبدو أكثر إلحاحا وقابلا للتنفيذ من الناحية الاقتصادية.
من جهة أخرى، تُظهر السهولة التي رافقت استعادة العراق لمدينة كركوك يوم الاثنين أن مقامرة الأكراد لم تؤتي أكلها، والأهم من ذلك أن المقاومة الضعيفة التي أظهرتها القوات الكردية تشير إلى الانقسامات السياسية داخل المجتمع الكردي. وردا على التقارير التي تفيد أن بعض الجنود قد أُمروا بالانسحاب، اتهمت القيادة العامة للبشمركة، التي تتخذ صف بارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، مسؤولين من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس بالمساعدة “في المؤامرة المُحاكة ضد شعب كردستان”، وفقا لما أفادت به شبكة “بي بي سي”.
فضلا عن ذلك، انتقد عدد من المراقبين رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بسبب سرعة لجوئه إلى استخدام القوة، الذي ربما كان بناء على طلب من إيران التي تمثل حليفا للحكومة في بغداد التي يهيمن عليها الشيعة. من جانبه، غرد المحلل نبراس الكاظمي على موقع تويتر أن “بغداد، التي تلاعبت بها “إيقاعات” طبول الحرب الخاصة بسليماني، قررت تجاوز الحدود لتحقيق مكاسب على المدى القصير”. وقد جاء هذا التصريح في إشارة إلى اللواء الإيراني، قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الشهير التابع للحرس الثوري الإيراني.
قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في محافظة صلاح الدين العراقية خلال عمليات مقاومة تنظيم الدولة خلال سنة 2015
أما إيران، فتستفيد من الوضع الراهن من خلال العديد من الطرق، حيث أن الصراع لا يقوض الوحدة الكردية فحسب، بل يعزز أيضا دور المليشيات الموالية لإيران في العراق وتجعلهم يبدون كحراس للوحدة الوطنية بدلا من الطائفية. كما يتسبب ذلك في وضع الولايات المتحدة في موقف محرج من خلال الوقوع في خطر تقويض سلطة العبادي إذا ما انتقدت الحكومة العراقية بشكل علني، أو افتراض خيانتها للأكراد والوقوف في صف إيران في حال لم تقم بذلك.
وعلى الرغم من كل الكلمات القاسية التي وجهها ترامب لإيران، وخاصة للحرس الثوري، يوم الجمعة الماضي، إلا أنه تجنب إبداء موقف علني بشأن الوضع في كركوك. وخلال مؤتمر صحفي تم عقده يوم الاثنين، أفاد ترامب قائلا: “نحن لا نحبذ حقيقة تصادم الأطراف، كما لم يكن علينا التواجد هناك على الإطلاق”، في إشارة إلى الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003”. وأضاف ترامب “ولكننا التزمنا الحياد”.
إذا قرر ترامب تغيير سياسته والانحياز إلى طرف دون آخر، مثلما قالت بعض الأسماء البارزة أن عليه فعل ذلك، فسيُعرّض علاقات الولايات المتحدة للخطر وسيصبح لعبة بين أيدي إيران
في الواقع، ليس من عادة ترامب إبداء على غرار هذا الرد الحذر، بيد أنه ليس سيئا في نهاية المطاف. ومن المؤكد أن التخفيف من حدة الوضع يصب في المصلحة الأمريكية، كما أن القيام بذلك سيتطلب استرعاء انتباه بغداد وأربيل نحو المفاوضات، فضلا عن التعامل مع التنافس المتزايد في صفوف الأكراد. ويبدو أن جزءا من ذلك آخذ بالحدوث بالفعل حيث أن واشنطن تدرس إيقاف برنامج تدريب وتجهيز القوات العراقية في حال استمرار الهجوم ضد الأكراد العراقيين، وفقا لما أفادت به صحيفة “ديفانس نيوز“.
في المقابل، إذا قرر ترامب تغيير سياسته والانحياز إلى طرف دون آخر، مثلما قالت بعض الأسماء البارزة أن عليه فعل ذلك، فسيُعرّض علاقات الولايات المتحدة للخطر وسيصبح لعبة بين أيدي إيران. في المقابل، قد يحتاج رئيس “فن الصفقة” إلى إتباع نهج جديد، يقضي بالتوصل إلى صفقة ترضي جميع الأطراف.
المصدر: واشنطن بوست