في حواراته الإعلامية يحاول المرشح الرئاسي المتوقع فوزه بالرئاسة على نطاق واسع المشير عبد الفتاح السيسي أن ينأى بميزانية الجيش عن أي منافسة، ويقول: “خلوا الجيش لوحده، جيشنا قائم بحاله، زي الفل، مؤسسة قوية”، وعند سؤاله عن احتمالية مراقبة الشعب ومجلس النواب أو مجلس الأمن القومي، ارتبك السيسي واكتفى بالصمت، ثم تكلم فتلعثم، وخرج عن النص – كعادته – متجاهلاً السؤال.
وبعد أن أصبح المرشح رئيسًا بسنوات، تحدث ودافع عن الجيش، ثم تمنى أن يكون الجيش مسيطرًا على نصف الاقتصاد الوطني، قائلاً: “ياريت القوات المسلحة كانت تمتلك 50% من اقتصاد مصر، يا ريت تمتلك جزءًا كبيرًا من الاقتصاد المصري”.
ويمكننا أن ندرك الجانب المظلم من الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، بالنظر هنا إلى العاصمة الإدارية الجديدة وأهدافها وتكلفتها والقائمين عليها، يضاف إلى ذلك افتتاح قاعة الماسة بالعاصمة الإدارية بتكلفة قاربت المليار جنيه، علاوة على افتتاح مركز المؤتمرات والمعارض الجديد بالقاهرة، وكلاهما حكرًا على القوات المسلحة.
ليست هذه النهاية، ففي آخر تصريح لمدير إدارة الشؤون المعنوية المصرية اللواء محسن عبد النبي، “يجرى حاليًا الإعداد لافتتاح عدد كبير من المشروعات القومية يصل عددها إلى 84 مشروعًا يشرف عليهم القوات المسلحة إلى جانب المشروعات التي تنفذها بالمشاركة مع القطاع المدني”، لكن كيف بدأت جذور الإمبراطورية الاقتصادية للجيش؟
“العسكرة”.. من الثكنات العسكرية إلى المشروعات الاستثمارية
منذ بزوغ شمس يوليو 1952، تعاقب على مصر رؤساء عسكريون بدءًا من جمال عبد الناصر وانتهاءً بالسيسي، غير أن “عملية العسكرة” تعاظمت عقب اتفاقية كامب ديفد مع “إسرائيل” في 1978، والتي قلصت المهام القتالية للجيش ودفعته نحو مهام السيطرة الداخلية.
وأدى مزيج من مكاسب السلام بعد معاهدة عام 1979 بين مصر و”إسرائيل” إلى تقليص ميزانية الدفاع، حيث انخفض الإنفاق الدفاعي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 6.5% في عام 1988 إلى 1.8% في عام 2012، وذلك وفقًا لمؤشرات البنك الدولي.
وبُعيد الاتفاقية، أصبحت القوات المسلحة مضطرة لإيجاد مصادر دخل جديدة، فاتجهت ككتلة إدارية من العمل العسكري البحت إلى السيطرة على ملفات الاقتصاد الداخلي وريادة الأعمال، وتوغلت داخل قطاعات الاقتصاد المدني عندما أصدر الرئيس المصري الأسبق أنور السادات القرار الجمهوري رقم 32 لسنة 1979 بإنشاء جهاز “مشاريع الخدمة الوطنية” الذي سمح للقوات المسلحة بإنشاء مشاريع هادفة للربح.
بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي ووصول السيسي إلى السلطة، اتسع النشاط الاقتصادي للقوات المسلحة المصرية من حيث الحجم ،كما تحول تحولاً كيفيًا، بسبب تنامي دوره السياسي
وفي أثناء حكم مبارك كان للجيش وضع متميز، ورغم أنه لم يكن لاعبًا رئيسيًا أو صانعًا للقرار السياسي أو الاقتصادي في العلن، كان يسيطر على 10% من الاقتصاد المصري، بحسب رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة آنذاك، في حوار سابق له مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
وفي أعقاب ثورة 25 يناير عام 2011، عزز الجيش المصري من هيمنته على الاقتصاد المصري، وفرض حماية شديدة على جميع المنشآت والمصانع والشركات التابعة له، فضلاً عن خضوع أراضي الدولة غير الزراعية لسيطرته المباشرة.
واستفاد الجيش من الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك، ومحاكمات الفساد اللاحقة لعدد من رفاقه، إذ سمح ذلك للقوات المسلحة بالحصول على شريحة من الكعكة، فانتعشت الإمبراطورية التجارية للجيش، وباتت تسيطر بموجب القانون على أكثر من 80% من أراضي الدولة.
وبعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي ووصول السيسي إلى السلطة، اتسع النشاط الاقتصادي للقوات المسلحة المصرية من حيث الحجم ،كما تحول تحولاً كيفيًا، بسبب تنامي دوره السياسي، مقارنة بما كان عليه في عهد مبارك، فقد زاد الجيش من نطاق انتشاره بسرعة، كما أنه بات يقاتل بكل قوته للدفاع عن إمبراطورية التجارية.
جيش البيزنس.. ما هو أبعد من الاحتياجات العسكرية
في الآونة الأخيرة لم تعد سيطرة الجيش على المشروعات الاقتصادية الكبرى في مصر خافية على أحد، حيث تزايدت أعداد المشروعات الاقتصادية والتنموية التي يتم إسناد تنفيذها للقوات المسلحة، بعد أسابيع من سيطرتها الكاملة على السياسة والإعلام والأمن في البلاد، بل تطور الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك ليشمل جميع أنواع المنتجات والخدمات.
وأصبح الجيش يشارك في القطاعات المهمة كافة بداية من تصنيع “المعكرونة” وإنتاج الأثاث والتليفزيونات إلى مجال النفط ومشروعات البنية التحتية، وللجيش أيضًا العديد من المستشفيات والمنشآت السياحية على البحر الأحمر كما يلعب دورًا مهمًا في الزراعة.
وفي الغالب يترأس هذه المشروعات قيادات متقاعدة من الجيش تحقق دخلاً كبيرًا من هذا العمل الذي يحد من الطموحات السياسية لهذه الشخصيات العسكرية التي تأتي عادة بخبرات اقتصادية محدودة، لكن ضمان بقاء هذه الشركات وتعزيز قدرتها على المنافسة يأتي عن طريق آخر، إذ إن هذه الشركات غير مضطرة لدفع ضرائب في الغالب، كما أنها تستفيد من الدعم الكبير وإمكانية تشغيل المجندين كعمالة رخيصة.
في عام 2012 عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة مؤتمرًا صحفيًا كشف فيه نائب وزير الدفاع للشؤون المالية آنذاك اللواء أركان حرب محمد نصر، أن العائدات السنوية للأنشطة الاقتصادية للجيش وصلت إلى 198 مليون دولار، وأن نسبتها في ميزانية الدولة 4.2 %
وفي هذا الشأن، حذر تقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني من مخاطر توسع الإمبراطورية الاقتصادية العسكرية في مصر على مدى جاهزية الجيش المصري لخوض الحروب، بسبب تفرغ قادته للهيمنة على كل فروع الاقتصاد والخدمات، وتحصيل المكاسب المالية لهم ولمحاسيبهم المقربين منهم.
وأكد التقرير الذي نشر 26 من مارس/أذار 2016 أن العسكر “يهيمنون على نسبة تتراوح بين الـ50 و60% من الاقتصاد المصري، ويستحوذون على 90% من أراضي مصر، ويسخرون المجندين كعمالة أساسية من دون مقابل في مشاريعهم الربحية، فينافسون بذلك أصحاب المشاريع الأخرى الخاصة المدنية، مما يزودهم بمكاسب يبدو أنها ضخمة.
وكان تقرير لمجلة “فورين بوليسي”، في 28 من يناير/كانون الثاني 2016، تحدث عما سمَّاه “ترك السيسي الاقتصادَ للجيش ليتحكم فيه”، وقال إن السر وراء استمرار بقاء السيسي في منصبه هو “صفقة بينه وبين جيشه تقوم على دعم الجيش للسيسي، مقابل ترك الأخير الهيمنة للجيش على الاقتصاد، وعدم التزام العسكريين بالقوانين التي تحكم المدنيين، عبر تشريعات خاصة بهم يصدرها السيسي وبرلمانه“.
ومع ذلك، قال السيسي في ديسمبر 2016، خلال افتتاحه توسعات شركة النصر للكيماويات التابعة لـ”جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، إن الجيش لا يسيطر على نصف الاقتصاد كما يدعي البعض، وأن نشاطه في مصر لا يتخطى 2%، لكن لم يخطر بباله أنه في عام 2012 عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة مؤتمرًا صحفيًا كشف فيه نائب وزير الدفاع للشؤون المالية آنذاك اللواء أركان حرب محمد نصر، أن العائدات السنوية للأنشطة الاقتصادية للجيش وصلت إلى 198 مليون دولار، وأن نسبتها في ميزانية الدولة 4.2 %، ولم يقدم نصر حينها أي أدلة تشير إلى صحة هذه الأرقام.
كيف أحكم الجيش قبضته على الاقتصاد المحلي؟
منذ أن قام البنك المركزي المصري في 14 من مارس 2015، بتخفيض قيمة الجنيه بنحو 15%، سُلطت الأضواء المشاكل الاقتصادية، ومن ثم حقيقة انخراط القوات المسلحة بعمق في اقتصاد البلاد، وأصبح لهذا الانخراط منذ ثورة عام 2011 تداعيات شديدة على المستقبل السياسي والاقتصادي في مصر، وأدوات يمكن أن نلمسها من خلال تتبع استراتيجات المؤسسة العسكرية في السيطرة على الاقتصاد المحلي:
– خنق الشركات المدنية المنافسة
في الوقت الذي تعاني فيه الشركات الخاصة من تبعات انعدام الاستقرار السياسي في البلاد منذ الثورة، تعزز بعض التشريعات من قدرة الجيش على التضييق على الشركات الاقتصادية المدنية، ومن أمثلة ذلك قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بخفض دعم الوقود للمصانع التابعة للقوات المسلحة، فضلاً عن أن القوات المسلحة لا تسدد ضرائب كما تحصل على المواد الخام بأسعار متدنية.
ومع بقاء ميزانية الجيش، خارج السجلات، تُقلص الهيمنة الاقتصادية للجيش من فرص نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، في ظل أن المقربين فقط مَن يمكنهم الفوز بعقود مربحة والتعامل مع نظام التصاريح، وهذا بدوره يؤدي إلى اقتصاد غير رسمي كبير قائم على المقربين، ويترك العديد من المصريين يعيشون في فقر مدقع.
– العمل بأمر الحكومة
أطلقت الحكومة المدعومة من القوات المسلحة يد الجيش في المشروعات الاستراتيجية والبنية التحتية بشكل غير مسبوق، حيث كلفت خلال الشهور الماضية شركات تابعة للجيش بعدد من المشروعات الكبرى في مجال البنية التحتية، كما أصدر الرئيس الأسبق المؤقت عدلي منصور قرارًا يسمح للحكومة بالتخلي عن المناقصات وإسناد المشروعات لأي شركة في الحالات العاجلة وهي خطوة عادت بالفائدة حتى الآن على شركات تابعة للجيش.
ومنذ ذلك الحين يتم إسناد تلك المشروعات للقوات المسلحة “بالأمر المباشر”، أي دون إجراءات مزايدات علنية لاختيار أفضل العروض من الشركات المتنافسة، ويرجع ذلك – بحسب بيان لمجلس الوزراء في نوفمبر الماضي – إلى ضمان الانتهاء من التنفيذ بجودة عالية وفي الوقت المحدد، فقد اعتاد السيسي لدى افتتاحه أي مشروع أنجزته الهيئة الهندسية أن يمازح رئيسها اللواء كمال الوزيري طالبًا منه تنفيذ مشروع آخر في وقت أقل.
– سخرة العساكر في جمهورية الضباط
تفوز القوات المسلحة بالمشروعات بسبب تكلفتها المنخفضة للغاية، فضلاً عن توظيفها لمئات الآلاف من المصريين في مشروعاتها بأجور زهيدة للغاية في أثناء قضائهم فترة تجنيدهم بالجيش، حيث تسند لهم وظائف مدنية تدر عوائد ضخمة على القوات المسلحة.
ويؤكد الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، يزيد الصايغ، أن نحو نصف الاقتصاد المصري قائم على شبكة من المتقاعدين العسكريين تترأس أو تشرف على المؤسسات والمنشآت التجارية الحكومية أو تشارك في العقود الاستشارية، وقد تمتد ممارساتها إلى تشكيل شركات خاصة للحصول على العقود من الباطن.
قوة…عزيمة…إيمان. ..
كحك الجيش بأسعار زمان….— Lama 🇵🇸 (@LamaMak13) July 17, 2014
مليارات الخليج والاستثمارات الأجنبية
بعد يوليو 2013، وسّع الجيش المصري من دوره الاقتصادي بفضل مساعدات خليجية فاقت العشرين مليار دولار، مما مكّنه من دخول قطاعات اقتصادية جديدة، واقتحام مجالات طالما امتازت بحضور رأس المال الكبير، وثمة تعاون وثيق بين الجيش المصري وشركاء اقتصاديين من منطقة الخليج فيما يتعلق بمشروعات عديدة في قطاعات مختلفة من بينها قطاع الطاقة.
وترى شانا مارشال مديرة معهد أبحاث الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن أن “العديد من هذه المشروعات تأتي في إطار رغبة قيادات دول الخليج في دعم الجيش المصري، حيث تعود الفائدة أيضًا على شركات خليجية وأجنبية تعقد صفقات مع الجيش كما هو حال الاتفاقية التي أبرمت بين الجيش وشركة أرابتيك الإماراتية لبناء مليون وحدة سكنية بتكلفة نحو 40 مليار دولار.
هكذا يدير الجيش إمبراطوريته الاقتصادية!
انتشرت الأعمال التي يسيطر عليها الجيش على نطاق واسع، ويأتي بعضها في إطار عدد من الهيئات العسكرية، بالإضافة إلى ذلك، تمتلك القوات المسلحة عدد من الأسهم في العديد من الشركات شبه الحكومية أو الخاصة الأخرى، ومؤخرًا، امتد تأثيرها إلى البنية التحتية المدنية، ولعدة سنوات تم تخصيص مناصب رفيعة المستوى في عدد من المطارات لضباط الجيش المتقاعدين، “كبرنامج تقاعد” غير رسمي.
ويدير الجيش المصري إمبراطوريته الاقتصادية عبر عدة هيئات ومؤسسات أبرزها:
– جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة التابع لوزارة الدفاع، والمسؤول عن قطاع كبير من أعمال الجيش، ويتبعه عدد كبير من الشركات (نحو 21 شركة) تغطي مجموعة واسعة من القطاعات من البناء والنظافة إلى الزراعة والمنتجات الغذائية، أبرزها: الشركة الوطنية لاستصلاح الأراضي وشركة مصر للتصنيع الزراعي وشركة “الملكة” لإنتاج المعكرونة و”سينا كولا” للمياه الغازية، إضافة إلى قطاع الأمن الغذائي الذي يمتلك عددًا كبيرًا من المزارع والمجازر للحيوانات والدواجن.
وتبلغ ميزانية جهاز الخدمة الوطنية مليارًا و625 مليون جنيه بصافي أرباح بلغ 63 مليون جنيه وفقًا للأرقام المعلنة في الجريدة الرسمية عام 2013، ولا تخضع تفاصيل هذه الميزانية لأي جهة رقابية.
في مجالات الصناعة الكيماوية والتعدين، يمتلك الجيش معظم المناجم التعدينية في البلاد مثل مناجم الجبس والمنجنيز والرمل الزجاجي والطَفل والزلط، إضافة إلى الشركة الوطنية للمياه “صافي” التي تعد إحدى كبريات شركات إنتاج المياه في مصر
– الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وهي متخصصة في مجالات البنية التحتية والإنشاءات العسكرية والمدنية، تحتوي الهيئة على عدة إدارات تابعة لها منها: إدارة الأشغال العسكرية وإدارة المهندسين العسكريين وإدارة المساحة العسكرية وإدارة المياه وإدارة المشروعات الكبرى.
ومن أجل إنجاز مجموعة من المشروعات الكبرى على وجه السرعة، لجأ السيسي إلى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أحد فروع الجيش التي كلفها بالإشراف على الفرع الجديد لقناة السويس وعلى إنشاء مئات الوحدات السكنية لمحدودي الدخل، كما كلفها بتنفيذ البنية الأساسية للعاصمة المصرية الجديدة، التي أعلن الرئيس المصري إنشاءها في شرق القاهرة.
– الهيئة القومية للإنتاج الحربي، وهي مكلفة بالإشراف على المصانع الحربية، وتمتلك الهيئة حاليًّا أكثر من 18 مصنعًا للصناعات العسكرية والمدنية والهندسية.
– الهيئة العربية للتصنيع، وهي مكلفة بتوفير احتياجات القوات المسلحة المصرية من المعدات الدفاعية، وقد توسع نشاطها ليشمل مشروعات مدنية إضافة إلى مشروعاتها العسكرية، حتى أصبحت تدير 11 مصنعًا وشركة.
في قطاع المقاولات تتنافس شركتان كبيرتان تابعتان للجيش هما الشركة الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات، والشركة الوطنية للطرق والكباري، حيث تحتكر الشركتان حصة الأسد من سوق الإنشاءات في مصر
وفي مجالات الصناعة الكيماوية والتعدين، يمتلك الجيش معظم المناجم التعدينية في البلاد مثل مناجم الجبس والمنجنيز والرمل الزجاجي والطَفل والزلط، إضافة إلى الشركة الوطنية للمياه “صافي” التي تعد إحدى كبريات شركات إنتاج المياه في مصر.
أما في مجال البتروكيماويات والكيماويات الوسيطة، هناك شركة النصر للكيماويات الوسيطة “المنظفات – الأسمدة – مكافحات الحشرات”، وشركة العريش للأسمنت وشركة إنتاج المشمعات البلاستيك.
كما يمتلك الجيش شركة النصر للخدمات والصيانة “كوين سيرفيس”، التي تقدم خدمات الأمن والحراسة وإدارة الفنادق، إضافة إلى خدمات أخرى، إضافة إلى الشركة الوطنية للبترول التي تدير محطات بنزين “وطنية”، وتنتج العديد من المنتجات النفطية.
وفي قطاع المقاولات تتنافس شركتان كبيرتان تابعتان للجيش هما الشركة الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات، والشركة الوطنية للطرق والكباري، حيث تحتكر الشركتان حصة الأسد من سوق الإنشاءات في مصر.
ربما لا تتسع السطور التالية لاستعراض باقي الهيئات والشركات والمصانع التي سخرها الجيش لخدمة إمبراطوريته الاقتصادية، لذلك يمكنك أن تطلع أكثر على القطاعات التي توغل فيها الجيش المصري، حتى بات منافسًا شرسًا للقطاع المدني.
دولة فوق الدولة.. من يحاسب جمهورية الجيش العسكرية؟
بدأت المؤسسة العسكرية التي ابتلعت البلد سياسيًا بقوة السلاح، في التهامها اقتصاديًا بقوة الأمر الواقع، لكن غالبًا ما تُكنّى القوات المسلحة المصرية بـ”الصندوق الأسود”، خاصة حين يتعلَّق الأمر بدور هذه المؤسسة في الاقتصاد المحلي، فمعظم قطاعات الاقتصاد التي يديرها الجيش تبدو خفية، كما أن مصادر نفوذ القوات المسلحة غير واضحة المعالم.
ورغم أنه لم يعد سعي المؤسسة العسكرية لبسط مزيد من السيطرة على اقتصاد البلاد خافيًا على أحد، يصعب تقدير حجم النشاط الاقتصادي للجيش في القطاعات المدنية، إذ يحظر القانون نشر أي أرقام تتعلق بتفاصيل موازنته.
وفي هذا الشأن، أشار تقرير “ميدل إيست آي” البريطاني إلى “استحالة الحصول على أي أرقام دقيقة عن حجم هيمنة الجيش علي الاقتصاد، بسبب الغموض الذي يحيط بسياساته في هذا المجال”.
وفي ظل غياب أي شفافية أو مساءلة عن أنشطة الاقتصادية العسكرية، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن الجيش عقب انقلابه على الرئيس محمد مرسي مطلع يوليو 2013، وسع سلطاته علنًا إلى الحد الذي جعله يشعر بأنه لا يخضع لرقابة أحد، مشيرة إلى أن تحصيل الجيش لرسوم المرور بأهم الطرق في مصر الرابطة بين القاهرة والصعيد والإسكندرية والسويس مثالاً بارزًا على السيطرة على اقتصاد البلاد بعد منحه حقوق استغلالها لمدة 50 عامًا.
وهناك تأثير آخر للهيمنة الاقتصادية للقوات المسلحة، وهو عدم وجود فرص نمو للشركات الصغيرة والمتوسطة، وهذا بدوره يؤدي إلى اقتصاد غير رسمي قائم على المقربين، ويترك العديد من المصريين يعيشون في فقر مدقع
وعادة ما يتم بحث ميزانية الدفاع والأرقام الخاصة بالجيش بشكل سري لكن الواضح أن الجيش يشارك في القطاعات المهمة كافة بداية من تصنيع المعكرونة وإنتاج الأثاث والتليفزيونات وحتى مجال النفط ومشروعات البنية التحتية، وللجيش العديد من المستشفيات والمنشآت السياحية على البحر الأحمر كما يلعب دورًا مهمًا في الزراعة.
ومع ذلك، ثمة توافق في الآراء بين مجموعة من الأشخاص عند سؤالهم عن حجم المؤسسة العسكرية الاقتصادية في مصر بأن هيمنة القوات المسلحة المصرية تمتد إلى كل القطاعات الاقتصادية تقريبًا، من المواد الغذائية مثل الطماطم وزيت الزيتون، إلى الإلكترونيات الاستهلاكية والعقارات وأعمال البناء والنقل والخدمات.
وفي أعقاب ثورة يناير/كانون الثاني تعالت الأصوات المطالبة بالحد من هذه الأنشطة الاقتصادية للجيش إلا أن هذه الأصوات بدأت تنخفض، لا سيما مع وجود الإعلام الذي تسيطر عليه الدولة والذي يبرز الجيش على صورة المنقذ من الإسلاميين.
ووفقًا لمنظمة الشفافية الدولية، فإن انعدام الرقابة السليمة يؤدي إلى الفساد وإهدار المال العام، وهناك تأثير آخر للهيمنة الاقتصادية للقوات المسلحة، وهو عدم وجود فرص نمو للشركات الصغيرة والمتوسطة، وهذا بدوره يؤدي إلى اقتصاد غير رسمي قائم على المقربين، ويترك العديد من المصريين يعيشون في فقر مدقع.