شهدت الثورة السورية خلال 13 عامًا منذ انطلاقتها المدوية في مارس/ آذار 2011، أحداثًا مفصلية وأيامًا كان لها وقعها على مجرياتها ومسارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، في حلم لم يكتمل حتى الآن بالنسبة إلى ملايين السوريين الذين آمنوا بأنفسهم وضحّوا بأرواحهم، لأجل لحظة فاصلة تغيّر واقعهم ومستقبل بلدهم بشكل نهائي، من دون نظام الأسد وأزلامه.
منذ الصرخة الأولى التي نادت بحرّية السوريين في مظاهرات شعبية عفوية سلمية، شُكّلت واحدة من أكثر الثورات السياسية في العالم انتشارًا على الجغرافيا التي وقعت عليها، ترفع هدفًا أساسيًّا يعمل على إنهاء مسلسل القمع والفساد، وعقود من البطش والديكتاتورية والاستبداد.
عمّت المظاهرات السورية جميع أنحاء البلاد، منادية بإسقاط نظام بشار الأسد بكافة رموزه، الذي ردَّ بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين ونشر جيشه وقواته في الطرقات، وحاصر المدن وبدأ بدكّها على رؤوس سكانيها، ما فجّر واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في القرن المعاصر، إذ سقط مئات آلاف الشهداء وكُدّس السوريون في المعتقلات والسجون، كما شرّد الملايين كنازحين في داخل بلدهم أو لاجئين في شتى أنحاء العالم.
في خضمّ ذلك، لم تعد سوريا التي يعرفها أهلها، فقد تحولت إلى ساحة نفوذ دولية، وبقعة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية، مع انتشار للميليشيات المسلحة بمختلف المناطق والمدن.
ومع أن الحرب لم تنتهِ، إلا أن الدول النافذة في سوريا، ممثَّلة بالولايات المتحدة وروسيا وإيران والميليشيات التابعة لها، جمّدت الوضع الراهن، ومنعت التوصّل إلى أي حلّ ينهي المأساة السورية. كما عملت بعض الدول العربية على إعادة تعويم النظام السوري، عبر إعادة التطبيع معه وتسليم مقعد سوريا بجامعة الدول العربية للنظام من جديد، ودعوة بشار الأسد لحضور القمة العربية المنعقدة بجدّة في مايو/ أيار 2023.
في هذا التقرير، نقدم أبرز 50 حدثًا كان لها أثرها الفاعل في صيرورة الثورة السورية واستمرارها وصعودها، وصولًا إلى انكسارها وضعفها، مع التعريج على أبرز الحيثيات والأحداث التي كان لها تأثيرها المباشر على السوريين بين مارس/ آذار 2011 ومارس/ آذار 2024.
جمعة 18 مارس/ آذار 2011.. الثورة تولد أبناءها
كانت تلك الجمعة فاتحة الثورة السورية بعد مظاهرات ومحاولات تظاهر في دمشق ودرعا، إلا أن نقاط التظاهر التي خرجت من دون أي تنسيق فيما بينها في درعا ودمشق وبانياس ودوما وحمص، هي لحظة فارقة من عمر الثورة السورية.
في ذلك اليوم، واجه نظام بشار الأسد المتظاهرين في درعا بإطلاق الرصاص عليهم، ما تسبّب في مقتل محمود قطيش الجوابرة، ليسجّل في تاريخ الذاكرة السورية أول شهداء الثورة، وانتصارًا لدمه هتف المتظاهرون لأول مرة: “يلي بيقتل شعبو خاين”.
مجزرة الساعة.. فاتحة المجازر المنظَّمة
اعتصم أهالي حمص في ساحة الساعة الجديدة وسط حمص بتاريخ 18 أبريل/ نيسان 2011، ليسجَّل بذلك أول اعتصام منذ بدء الثورة، بعد تشييع المدينة وريفها 8 شهداء قُتلوا خلال المظاهرات.
يؤكد الشهود أن هذا الحشد تجاوز أكثر من 40 ألف معتصم، بمشاركة رجال ونساء وشيوخ وأكاديميين ومثقفين وتجّار وطلاب وأبناء قبائل، إلا أن النظام السوري هدد بفضّ الاعتصام بالقوة، الأمر الذي دفع الإمام الحمصي محمود الدالاتي لإبلاغ الناس بذلك، داعيًا إياهم لفضّ الاعتصام ومغادرة الساحة حفاظًا على أرواحهم.
وبالفعل، غادر معظم الناس وبقيَ نحو 3 آلاف شخص، وعند الثانية صباحًا اقتحم المئات من عناصر الفرقة الرابعة في الحرس الجمهوري والمخابرات الجوية الساحة، وراحوا يطلقون النار مباشرة على المعتصمين.
لا يُعرف عدد الشهداء إثر ذلك اليوم، بسبب اعتقال قوات الأمن للمئات وسرقة جثث الكثير من الجرحى والشهداء، إلا أنها كانت فاتحة المجازر المنظَّمة التي ارتكبها النظام بحقّ السوريين.
الجمعة العظيمة.. الزحف الشعبي إلى دمشق
في 22 أبريل/ نيسان 2011، انطلق عشرات آلاف السوريين من مختلف مناطق الغوطة الشرقية بعد صلاة الجمعة بحشد كبير زحفًا إلى دمشق، بهدف الوصول إلى ساحة العباسيين وسط دمشق، مطالبين بصوت هادر واحد للمرة الأولى بإسقاط نظام بشار الأسد.
وبالفعل، وصل المتظاهرون إلى أطراف الساحة في مواجهة مباشرة مع قوات الأسد، هاتفين: “الجيش والشعب إيد وحدة”، وعند أبواب سوق الهال بمنطقة الزبلطاني بدأت قوات الأسد إطلاق الرصاص من “مجمع الثامن من آذار”، ليقتل العشرات في مشهد أشعل وتيرة المظاهرات بشكل أكبر.
حمزة الخطيب.. فتى الثورة السورية
نهاية شهر مايو/ أيار 2011، شيّعت بلدة الجيزة بريف درعا طفلها حمزة الخطيب، الذي بات أحد أشهر أطفال الثورة السورية، والذي رُفعت صوره في معظم المظاهرات في عموم المحافظات والمدن السورية.
كان مقتل الطفل حمزة الخطيب تحت التعذيب مشهدًا مرعبًا، كشف مدى وحشية نظام بشار الأسد مع الأطفال، خصوصًا أنهم كانوا الشعلة الأولى للثورة السورية، بعد أن كتبوا على حيطان درعا “إجاك الدور يا دكتور”.
أحمد البياسي.. اسم لا ينساه السوريون
في مايو/ أيار 2011، اقتحمت قوات الأسد قرية البيضا في بانياس لتضع أبناءها ساحة القرية، وقد أظهرت مقاطع مصوّرة شبيحة الأمن والنظام وهم يدوسون أجساد شباب القرية، ويركلونهم على وجوههم وينكلون بهم، وهم معتقلون ومقيّدو الأيدي، في مشهد لا ينساه السوريون، ومع انتشار المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، خرجت وسائل إعلام النظام تكذّب الحادثة زاعمة أنها في العراق وليست في سوريا، والشبيحة هم بشمركة.
ردًّا على ذلك، ظهر الشاب أحمد البياسي عبر فيديو آخر، مرتديًا اللباس نفسه الذي كان يرتديه عندما ظهر في الفيديو الأول، وحاملًا بطاقة الهوية الشخصية ليؤكد أنه هو نفسه من ظهر في ذلك الفيديو الذي هزَّ صورة النظام أمام الرأي العام العالمي، وأن هذه ساحة قرية البيضا في بانياس.
اعتقلت قوات الأسد أحمد البياسي، وأظهرته على قنواتها ليكذّب الحدث وشائعة موته تحت التعذيب، ثم اختفى اسمه إلى الآن.
المنشقون.. خيار الحرّية
بنى حافظ الأسد جيشًا عقائديًّا طائفيًّا من الصعب تفكيك تركيبته، فعندما بدت الجيوش العربية مساندة لشعوبها في بعض الدول العربية، كان جيش بشار الأسد يطلق الرصاص الحي على المتظاهرين، ما دفع بعض الجنود والضباط إلى الانشقاق عنه، في خطوة حملت أبعادًا مهمة في أحداث الثورة السورية.
كان المجنّد وليد القشعمي من الحرس الجمهوري في قيادة قاسيون، من أوائل من انشقوا عن الجيش النظامي، عبر تسجيل مصور بُثَّ على الإنترنت يوم 23 أبريل/ نيسان 2011، معلنًا الانشقاق عن جيش الأسد.
تتالت الانشقاقات بعد ذلك برتب مختلفة، ففي يوم 7 يونيو/ حزيران 2011 انشق عبد الرزاق طلاس، وهو ضابط برتبة ملازم أول، وبعد يومَين من الشهر نفسه أعلن حسين هرموش انشقاقه، وهو أول ضابط برتبة مقدم ينشق عن جيش النظام السوري بعد حملة الأخير على مدينة جسر الشغور، وظهر في مقطع مصور موضحًا أن سبب انشقاقه هو “قتل المدنيين العزل من قبل أجهزة النظام”.
أسّس الهرموش حركة لواء الضباط الأحرار، موجّهًا نداءً إلى ضباط الجيش وجنوده للانشقاق عن النظام والالتحاق بحركته في مرحلة مبكرة من عمر الثورة، بعد أشهر قليلة اعتقلت مخابرات الأسد الهرموش في عملية أمنية بالأراضي التركية مع 13 منشقًا آخرين، ثم ظهر على قنوات النظام الرسمية مجبرًا على الحديث عن خيانته للجيش مقابل وعود وأموال من المعارضة، ومنذ ذلك الوقت لم يتم التأكد إن كان حيًّا أو ميتًا.
حماة.. أكبر اعتصام سلمي في سوريا
كانت حماة أكثر مدينة استطاعت حشد جماهير تهتف ضد بشار الأسد في ساحة واحدة وبوقت واحد في عموم أنحاء سوريا، حيث احتشد أكثر من نصف مليون متظاهر في ساحة العاصي وسط المدينة، في لحظة أثّرت في ملايين السوريين وساهمت في مدّ شعلة الثورة.
على مدى أسابيع، وفي كل جمعة من جمع الثورة، احتشد مئات الآلاف من قادمين من مدن محافظة حماة، يهتفون خلف إبراهيم القاشوش “يلا ارحل يا بشار”.
حاصر جيش النظام السوري مدينة حماة من كل أطرافها بالدبابات والمدرّعات، وفي ساعات الفجر الأولى من يوم 31 يوليو/ تموز 2011 اقتحمت دبابات النظام المدينة عشية شهرِ رمضان، وقد شهدت سوريا واحدًا من أكثر الأيام قمعًا للمتظاهرين منذ بدء الثورة، وبعد أيام من استمرار النظام في القتل والاعتقالات وسرقة البيوت سيطرت قواته على المدينة، منهية أكبر اعتصام سلمي في تاريخ الثورة السورية.
عسكرة الثورة.. الجيش السوري الحر
كان اقتحام المدن من قبل جيش النظام سببًا أساسيًّا لإقدام العقيد رياض الأسعد المنشق عن النظام السوري، على تشكيل “الجيش السوري الحر” في 3 أغسطس/ آب 2011، بهدف زيادة عدد المنشقين وتنظيم صفوفهم في عموم سوريا.
كان تشكيل الجيش السوري الحر منطلقًا أساسيًا لتحول الثورة نحو العسكرة، بعد نحو 6 أشهر من اندلاع الثورة السورية، وإن كان هدفه الأول هو حماية المتظاهرين ومنع اقتحام المدن، إلا أن ارتفاع عدد المنشقين والمتطوعين دفع بالجيش السوري الحر لتنفيذ هجمات ضد النظام، سجّل أولها في حرستا بريف دمشق ضد مقرّ المخابرات الجوية بتاريخ 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011.
كان السلاح الأبرز في يد الجيش السوري الحر من الأسلحة التي انشق بها الجنود والضباط، ومن الغنائم التي حصلوا عليها جرّاء بعض المعارك، ومن الأسلحة التي تم شراؤها من ضباط النظام وشبيحته.
بدأت جهات إقليمية ودولية في تمويل الجيش السوري الحر بطرق مباشرة أو غير مباشرة، بهدف ضبط خططه واحتوائها، الأمر الذي لعب دورًا أساسيًّا في توجّهاته الأيديولوجية فيما بعد، وكان عاملًا حاسمًا في إضعاف قدرته ومدى تأثيره على الأرض.
الخطوة الأولى سياسيًّا.. المجلس الوطني
كان نجاح المجلس الانتقالي الليبي بدعم دولي في إسقاط نظام معمر القذافي الذي قصف معارضيه بالطائرات وواجههم بالحديد والنار، حافزًا للمعارضين السوريين ليشكّلوا مجلسًا مشابهًا أطلقوا عليه “المجلس الوطني السوري”.
أُعلن عن تأسيس المجلس في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 كواجهة للمعارضة السورية، ويضمّ كافة الأطياف السياسية السورية برئاسة المفكر السوري برهان غليون. حصل المجلس على اعتراف بعض الدول به مثل الولايات المتحدة ودول أوروبية وتركيا وكندا وتونس وليبيا، إلا أنه لم يستطع أن يحقق المرجو منه.
جبهة النصرة.. القاعدة والإحاطة بالثورة
كان حجم العنف والقتل الذي استخدمه نظام الأسد ضد السوريين بوابة لقدوم “مجاهدين” من عدة دول إلى سوريا بهدف “نصرة السوريين”، وفي مقدمتهم أحمد حسين الشرع (أبو محمد الجولاني)، ليؤسّس بالتعاون مع أفراد من تنظيم القاعدة ما عُرف باسم “جبهة النصرة لأهل الشام” بدايات عام 2012.
شكّلت جبهة النصرة ذراعًا سوريًّا لتنظيم القاعدة العالمي، وتبنّت عدة عمليات انتحارية ضد قوات الأسد في الوقت الذي كان يصِم النظام الثورة بالإرهاب، كما كانت محطة لاستقبال الجهاديين من جميع أنحاء العالم خلال سنوات الثورة.
في 10 أكتوبر/ كانون الأول 2012، صنّفت الولايات المتحدة جبهة النصرة كمنظمة إرهابية، واتهمتها بكونها امتدادًا لتنظيم القاعدة في العراق، ثم سرعان ما صدر قرار يحظر على الأمريكيين التعامل ماليًّا مع النصرة.
دستور جديد.. النظام يستهبل
لا يعدّ إقرار دستور جديد من الأحداث المؤثرة في سير الثورة، لكنها كانت تحمل بُعدًا سياسيًّا يؤكد أن بشار الأسد مستمر في الحكم مهما كلف الثمن، وفي ظل المعارك التي كانت تجري في عدة مناطق يتخلّلها استخدام جيش الأسد للدبابات والصواريخ، عقد النظام استفتاء على الدستور في 26 فبراير/ شباط 2012 بنتيجة 89.4% من أصوات الناخبين المشاركين، حيث شكّكت الأمم المتحدة بنزاهة أرقامهم ونتائج تصويتهم.
فُصّل الدستور على مقاس بشار الأسد، وأعطاه الحق بالترشح لانتخابات رئاسية جديدة لفترة أولى بدءًا من عام 2014، ووضع شروطًا تمنع أي شخص لم يُقِم في سوريا في آخر 10 سنوات مستمرة من حقه بالترشح، وغيرها من العقبات.
حمص.. نغم الحرية
برز اسم حمص مع بداية الثورة السورية، وشكّلت حالة فريدة من نوعها بالأناشيد والرقصات في المظاهرات السلمية اليومية التي كانت تعيشها وتُبث على القنوات الفضائية.
كانت أحياء الخالدية والإنشاءات وباب الدريب وبابا عمرو والبياضة وجورة الشياح وكرم الزيتون وغيرها، تتعرض وعلى مدار أشهر لإطلاق نار وقصف بالهاون والمدافع على المدنيين الموجودين فيها، والذين استمروا بالتظاهر رغم عشرات الشهداء الذين كانوا يسقطون يوميًّا.
اقتحم النظام السوري عدة أحياء بحمص في مقدمتها حي كرم الزيتون، بعد قصفه بالهاون وقذائف المدفعية في 26 يناير/ كانون الثاني 2012، ليكون السكان على موعد مع أولى المجازر الطائفية، حيث قُتلت بالسكاكين والحرق عائلات بأكملها، وسُجّلت أسماء ما لا يقل عن 22 شهيدًا، من بينهم 7 سيدات إحداهن حامل و10 أطفال وعشرات الجرحى.
وحتى منتصف مارس/ آذار، كانت قوات الأسد قد اقتحمت عددًا من الأحياء بعد قصفها بالصواريخ، موقعة مئات الشهداء والجرحى والمفقودين، وبالأخصّ في حي بابا عمرو مع تدمير كبير في بيوت السكان ونزوح عشرات الآلاف من المدينة.
كانت هذه المشاهد ذات تأثير كبير على الثورة السورية، أولًا لارتكاب مجازر طائفية، وثانيًا لاقتحام المدن بعد تدميرها على رؤوس ساكنيها، مستخدمًا الصواريخ لأول مرة.
“حزب الله” إذ أخطأ طريق القدس
منذ الأيام الأولى للثورة السورية، دعمت إيران وميليشيا “حزب الله” اللبناني المدعوم من طهران نظام بشار الأسد ضد السوريين، وفي عام 2012 بدأت التقارير التي تشير إلى تدخل “حزب الله” إلى جانب جيش الأسد في قمع السوريين، وفي أغسطس/ آب من العام نفسه فرضت الولايات المتحدة عقوبات على “حزب الله” بسبب دوره في الحرب السورية.
تسبّب هذا التدخل في الترويج لحرب طائفية في سوريا، بين الأغلبية السنّية التي تقود الثورة والأقلية العلوية التي تقود النظام بدعم من الشيعة في لبنان وإيران، وبات من التهكّم القول إن “حزب الله” أخطأ طريق القدس، فجاء إلى سوريا بدل أن يذهب إلى فلسطين ويقاتل “إسرائيل”.
مؤتمر جنيف 1.. أول مؤتمر دولي
في 30 يونيو/ حزيران 2012، اتفقت مجموعة عمل مؤلفة من الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وتركيا وجامعة الدول العربية في مدينة جنيف، على مبادئ مرحلة انتقالية، لكن الأطراف المعنية -من السوريين وغيرهم- اختلفت على تفسير هذه المبادئ، التي لم تشِر بوضوح إلى مصير رئيس النظام بشار الأسد الذي تطالب المعارضة برحيله.
اعتبرت واشنطن أن الاتفاق يفسح المجال أمام مرحلة “ما بعد الأسد”، في حين أكدت موسكو وبكين أن تقرير مصير الأسد يعود للسوريين، وهو الأمر الذي يتمسّك به النظام.
كان هذا المؤتمر هو أول مؤتمر دولي من نوعه يناقش الوضع السياسي واحتمالية الانتقال السياسي، في مرحلة كانت مبكرة من عمر الثورة السورية.
الثوار في دمشق
كان من المستحيل أن يتمكن الثوار من الوصول إلى دمشق بسهولة، ولكن في منتصف يوليو/ تموز 2012، الساعة الثامنة صباحًا، بدأت معركة “بركان دمشق”، عبر عمليات واشتباكات هي الأعنف في دمشق منذ بدء الثورة.
وظهر الثوار من أبناء الغوطة الشرقية وحمص في حي الميدان جنوب العاصمة ومعهم عدد قليل من العتاد والذخيرة، ورغم أن المعارك دارت في عدة نقاط أبرزها الميدان والمزة بساتين وكفر سوسة ونهر عيشة، إلا أنها حُسمت من قبل النظام خلال عدة أيام، لكنها خلقت ارتباكًا واضحًا في صفوفه، وأثارت لحظات لا تنسى في الثورة السورية، باعتبارها أقوى محاولة من نوعها لدخول دمشق عسكريًّا.
خلية الأزمة.. إغلاق الصندوق الأسود نهائيًّا
مع بداية الثورة السورية، شكّل النظام السوري “خلية لقيادة الأزمة” لمواجهة الثورة السورية، ضمت أبرز قياداته الأمنية والعسكرية والحزبية تحت إشراف مباشر من بشار الأسد، وفي 18 يوليو/ تموز 2012، وخلال معركة “بركان دمشق” نفسها، تعرّض مكتب الخلية لمقتل عدد من أبرز قياديها في ظروف غامضة لم تعرف تفاصيلها حتى الآن.
قُتل في تلك العملية كل من وزير دفاع النظام داوود راجحة، ورئيس الأركان آصف شوكت، ومعاون نائب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية حسن تركماني، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام الاختيار، وأُصيب كل من وزير الداخلية محمد الشعار والأمين القطري المساعد لحزب البعث محمد سعيد بخيتان بجروح.
أثار ذلك الاغتيال الكثير من الجدل عن سببه، ويعتقد أن تلك الخلية كانت تبحث مرحلة ما بعد بشار الأسد، إلا أن الأخير بالتعاون مع إيران كان قد أجهز عليها، قبل أن تستطيع اتخاذ أي قرارات لا تصبّ في بقاء النظام وتنفيذ معركته في قمع الثورة.
انشقاق رياض حجاب.. تركيبة نظام الأسد
شكّل انشقاق رئيس وزراء النظام السوري رياض حجاب في 6 أغسطس/ آب 2012، أكبر حالة انشقاق عن معسكر نظام الأسد إلى صفّ الثورة، إذ يعتبَر رياض حجاب أعلى سلطة تنفيذية بعد بشار الأسد مباشرة وفق الدستور، ورغم الأثر الكبير الذي أحدثه انشقاق حجاب في الثورة السورية كجرعة تفاؤل كبيرة، إلا أن الواقع أكّد هامشية أي شخصية غير عسكرية وأمنية في تركيبة نظام الأسد.
بدايات تحرير الشمال
كان انتشار فصائل وكتائب الجيش الحر بمثابة كتلة ثلج تكبر شيئًا فشيئًا، وفي خضمّ ذلك بدأت تلك الفصائل مع المتطوعين في صفوفها من السيطرة على مدن على الحدود السورية التركية مثل سلقين وحارم ودركوش بريف إدلب، والتي خرجت عن سيطرة النظام في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2012، وهي مدن ما زالت خارجة عن سيطرة النظام إلى اليوم.
الائتلاف الوطني.. الاعتراف الدولي بالثورة
لم يحقق المجلس الوطني السوري المرجو منه، مع التدخلات الدولية والإقليمية، وفشل المعارضة السياسية السورية بأن تكون بقدر الحدث والدماء التي كانت على الأرض، فدعمت دول الخليج والولايات المتحدة تشكيل جسم سياسي يكون أكثر تمثيلًا للسوريين، فأُعلن في العاصمة القطرية الدوحة تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، وحاز على اعتراف دول مجلس التعاون الخليجي واعتراف جامعة الدول العربية (باستثناء الجزائر والعراق ولبنان) كممثل شرعي للشعب السوري.
شكّل الائتلاف الوطني حكومة مؤقتة لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار السوريين، ونال تأييدًا جماهيريًّا واسعًا في بدايات عمله، باعتباره الجسم السياسي الانتقالي الذي سيقود سوريا بعد سقوط النظام.
إيران تغزو سوريا
دعمت إيران نظام الأسد منذ بداية الثورة السورية سياسيًّا، وبدأت تمدّه بالخبرات الأمنية والعسكرية والأسلحة والأموال، كما كان لطهران دور أساسي في استمرار نظام الأسد بما يعرَف بـ”الحل الأمني” لإنهاء الثورة.
وفي يوليو/ تموز 2012، أكّد الحرس الثوري الإيراني أن طهران لن تسمح بنجاح خطط العدو في تغيير الحكم بسوريا، وفي أغسطس/ آب من العام نفسه قال البنتاغون إن طهران أسّست ميليشيات موالية للنظام للقتال كقوات رديفة لجيش الأسد، على شاكلة جيش المهدي.
وفي يناير/ كانون الثاني 2013، جرى تبادل للأسرى بين الثوار السوريين والنظام برعاية السفارة الإيرانية، حيث سلّم الجيش السوري الحر 48 إيرانيًّا بينهم ضباط بالحرس الثوري، مقابل الإفراج عن 2135 معتقلًا سوريًّا لدى النظام.
كان ذلك التبادل هو أول دليل ملموس على بداية التدخل العسكري المباشر لإيران في سوريا لصالح بشار الأسد، حيث بدأت طهران بعد ذلك بإرسال آلاف المقاتلين الإيرانيين، إلى جانب جلب عشرات آلاف الميليشيات الشيعية من مختلف دول العالم، تحت أسماء “زينبيون” و”فاطميون” و”ألوية أبو الفضل العباس” وغيرها، قُتل منهم الآلاف وما زالت تلك الميليشيات تنتشر في العديد من المناطق السورية، وبالأخص درعا ودمشق وريف دمشق وحلب ودير الزور.
تحرير الرقة.. أول محافظة بيد الثوار
استولى الثوار في 4 مارس/ آذار 2013 على مدينة الرقة شمال شرقي سوريا، لتكون أول مركز محافظة يخرج عن سيطرة نظام الأسد، ومثلت هذه الخطوة حالة استثنائية من عمر الثورة، خصوصًا أن مساحة المدينة تقدر بنحو 10.6% من مساحة سوريا، وعدد سكانها يقارب المليون.
لم تكن الرقة لتحرَّر لولا التحرير شبه الكامل لريف حلب الشمالي والشرقي، وتنسيق واسع من قبل الثوار في مختلف المناطق، وشنّ هجوم واسع أدّى إلى حصول خسارة كبيرة لمدينة استراتيجية، تقدّر بضعف مساحة لبنان وخزّان زراعي ومائي وحيواني كبير جدًّا، إلى جانب آبار النفط الموجودة فيها.
اغتيال البوطي.. الشيخ الذي باع نفسه
كان الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي من أبرز رجال الدين الداعمين لنظام الأسد ضد الثورة السورية، في ظل شهرة محلية وعربية وإسلامية قلَّ نظيرها لشيخ سوري، قرّبه حافظ الأسد منه وكان على صلة مباشرة به، وبقيَ له حظوة لدى نجله بشار وإن كانت بطريقة مختلفة.
مع اندلاع الثورة السورية، وصف البوطي المتظاهرين بأبشع الأوصاف، وشبّه جيش الأسد وقواته بأنهم أقران الصحابة والتابعين، واستمر في دفاعه عن النظام في وجه ما اعتبره “مؤامرة كونية” ضد النظام، إلى أن اُغتيل في جامع الإيمان بحي المزرعة بدمشق أثناء درسه الأسبوعي بتاريخ 21 مارس/ آذار 2013، ورغم خفايا حادثة الاغتيال وتبنّي عدة جهات لها، إلا أن كثيرين يرون أن النظام اغتال الشيخ ليتّهم الثوار في ذلك.
القمة الوحيدة
جمّدت الجامعة العربية عضوية النظام السوري في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 بسبب تعنّت النظام وقتل السوريين، وبعد فشل جميع المبادرات العربية التي قادتها الجامعة، دعت قطر الائتلاف الوطني السوري لتمثيل سوريا في المجلس، وحضور القمة العربية الـ 24 المنعقدة بالدوحة في 26 مارس/ آذار 2013.
شارك وفد الائتلاف ممثلًا عن سوريا برئاسة أحمد معاذ الخطيب، ورُفع علم الثورة السورية في تلك القمة فقط، في خطوة كانت هي الأبرز في سنوات الثورة على مستوى التمثيل السياسي.
معركة القصير.. البقلاوة الطائفية
في مايو/ أيار 2013، شنّت قوات النظام السوري و”حزب الله” اللبناني هجومًا بريًّا من عدة محاور على مدينة القصير بريف حمص، الواقعة على الحدود السورية اللبنانية، رغم كل الإنكار الإعلامي الذي أكّده حسن نصر الله بأن حزبه لم يرسل قوات إلى سوريا.
استمرت المعارك 18 يومًا، استخدم جيش النظام الطائرات والمدفعية والهاون، وحدثت اشتباكات عنيفة في أكثر من 9 نقاط، سيطر بعدها “حزب الله” على المدينة ورفع شعارات طائفية على مآذن المساجد في المدينة، وخلّف الهجوم استشهاد أكثر من 1000 شخص وإصابة أكثر من 1200 آخرين، ونزوح عشرات الآلاف إلى لبنان.
وزّع “حزب الله” البقلاوة في شوارع الضاحية الجنوبية في بيروت احتفالًا بالنصر المؤزر الذي حقّقه في سوريا، معلنًا الدخول العسكري العلني في حرب النظام ضد السوريين بشكل مباشر.
إعلان الجهاد في سوريا
كان حجم العنف المستخدم ضد السوريين وبثّه على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يستنفر العالم بأسره، وفي لحظة فارقة من عمر الثورة السورية، عُقد مؤتمر “موقف علماء الأمة من القضية السورية” بالعاصمة المصرية القاهرة في 13 يونيو/ حزيران 2013، ما دفع بعشرات الآلاف من الشباب المتحمّس للسفر إلى سوريا بهدف نصرة المظلومين، لكن كان بين أولئك الشباب الآلاف من الجهاديين الذين كان لهم تأثير سلبي على سير أحداث الثورة السورية، وربط السوريين وثورتهم بالإرهاب.
مخيم اليرموك.. تجويع الفلسطينيين
كانت حادثة حصار مخيم اليرموك جنوبي دمشق، من أكثر الأحداث بشاعة في تاريخ سوريا المعاصر، حيث كانت المرة الأولى التي يموت الناس فيها من الجوع حرفيًّا ويلجأون إلى أكل الحشائش ولحم القطط والكلاب، جراء الحصار المطبق الذي فرضه عليهم نظام الأسد منذ 18 يوليو/ تموز 2013، مع قطع الماء والكهرباء وكل سبل الحياة، في واحدة من أبشع العقوبات الجماعية التي ارتكبها النظام بحقّ أكثر من 50 ألف شخص.
وثقت مجموعة العمل لأجل فلسطينيي سورية، وفاة 219 لاجئًا فلسطينيًّا قضوا داخل مخيم اليرموك بسبب الجوع، بينهم 37 طفلًا و68 سيدة.
مجزرة الكيماوي.. دوس الخطوط الحمراء
استخدم النظام السوري مختلف أنواع الأسلحة، إلى أن تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها الرئيس الأمريكي حينها باراك أوباما في وجه بشار الأسد، مؤكدًا أن واشنطن ترى استخدام الكيماوي خطًّا أحمر، ومع ذلك قصف نظام الأسد الغوطتَين الشرقية والغربية في ريف دمشق بالسلاح الكيماوي في 21 أغسطس/ آب 2013 بتاريخ لا ينساه السوريون.
كان أكبر هجوم كيماوي في العصر الحديث، بين الساعة الثانية والخامسة فجرًا والناس نيام، ما أدّى إلى مقتل 1144 شخصًا اختناقًا، بينهم 1119 مدنيًّا منهم 99 طفلًا و194 سيدة (أنثى بالغة) و25 من الثوار، كما أُصيب 5 آلاف و935 شخصًا بأعراض تنفسية وحالات اختناق، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
بعد تلك العملية لم يتحرك العالم، وبدل أن يلقى القبض على المجرم، تمّ اتخاذ القرار الدولي بتسليم نظام الأسد سلاحه الكيماوي لإتلافه، ليستخدم النظام السلاح بعد ذلك في أكثر من 217 هجومًا في عموم سوريا، استخدم فيها عدة غازات بينها السارين والكلور، وفق الشبكة السورية.
الغوطة تودّع إعلامييها
في حدث أحزن السوريين يومها وأثّر بهم بشدة، تمكنت قوات الأسد من نصب كمين بالغوطة الشرقية في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، لكل من الناطق باسم مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق محمد السعيد (اسمه الحقيقي عمار طباجو)، وحسن هارون (محمد الطيب)، وأكرم سليك (صالح عبد الرحمن)، وعمار خيتي، وياسين هارون.
كان ذلك الحدث ذا وقع مؤلم على الغوطة الشرقية بريف دمشق، وأبناء الثورة السورية داخل وخارج سوريا، خصوصًا أن الشباب كانوا من أبرز الإعلاميين الذين وثّقوا الانتهاكات المختلفة بحقّ السوريين على مختلف القنوات والفضائيات.
حجي مارع.. كتم الصوت المعتدل
لم يكن عبد القادر الصالح، أو حجي مارع أو أبو محمود، اسمًا عاديًّا في الثورة السورية، بل أسهم بشكل مباشر في نصرة الثورة السورية وتنظيمها عسكريًّا، ليغدو واحدًا من أبرز رموزها.
قادَ العمليات العسكرية في لواء التوحيد الذي كان له النصيب الأكبر في تحرير ريف حلب الشمالي، ومن ثم تحرير الطرف الغربي والشرقي من مدينة حلب، وكان صاحب كاريزما وتأثير بالغَين في السوريين، وعمل على توحيد صفوف المقاتلين في عموم سوريا، ووضع نظام الأسد على من يقتله أو يعتقله مبلغ 200 ألف دولار، خصوصًا مع اعتداله ومواقفه الإيجابية والتوافقية مع معظم الثوار في سوريا، إذ كان يمثل الخط العام والشعبي للثورة.
في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، بعد إصابته إصابات بالغة إثر قصف طائرة تابعة لجيش النظام السوري في اجتماع لقادة لواء التوحيد بمدرسة المشاة بحلب. غُنيت لأجله أغانٍ ثورية في ساحات العديد من المدن السورية بعنوان “حجي مارع راح”.
افتراق القاعدة.. ولادة “داعش”
في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، أعلن أبو بكر البغدادي حل “دولة العراق الإسلامية” وتأسيس “الدولة الإسلامية في العراق والشام” التي عُرفت لاحقًا بـ”داعش”.
وُلد التنظيم فعليًّا في سوريا من رحم جبهة النصرة (تنظيم القاعدة في سوريا)، رغم رفض قائدها أبو محمد الجولاني الانصياع لذلك، ما خلق اقتتالًا واسعًا بين الجانبَين، وخلق خلافات في الصفوف العليا لتنظيم القاعدة العالمي، وبدأ سيطرة التنظيم على مساحات من سوريا شيئًا فشيئًا مع استهداف كل من يقف في طريقه.
كان نشوء “داعش” خنجرًا مسمومًا في مسيرة الثورة السورية، وحرفًا لبوصلتها وأكبر هدية ممكنة لنظام الأسد، الذي استغل الموقف لتلميع صورته دوليًّا بأنه يحارب جماعات إرهابية، تريد نقل المعركة إلى خارج سوريا ومحاربة العالم.
الجبهة الإسلامية.. الاتحاد في مواجهة “داعش”
في اليوم الثاني من إعلان قيام “داعش”، اتفقت أكبر الكتائب الإسلامية في سوريا على توحيد جهودها وتشكيل ما يعرف باسم “الجبهة الإسلامية”، تضمّ كلًّا من حركة أحرار الشام، ولواء التوحيد، وجيش الإسلام، ولواء الحق، وصقور الشام، وأنصار الإسلام، والجبهة الإسلامية الكردية؛ وصل قوامها إلى نحو 70 ألف مقاتل وتهدف لإسقاط النظام السوري، وتأسيس دولة بمرجعية إسلامية.
لاقى هذا الاتحاد دعمًا شعبيًّا وإقليميًّا، وكان يريد تحقيق توازن عسكري مع نشوء تنظيم “داعش”، الذي بات يسيطر على مقرّات ومناطق نفوذ تلك الفصائل.
تسريبات قيصر.. أكبر جريمة مروعة
لقد أفزع قيصر السوريين وأبكاهم، بعد تسريبه لـ 55 ألف صورة للمعتقلين السوريين المقتولين تحت التعذيب في سجون نظام الأسد مطلع عام 2014.
قيصر هو المجنّد الذي انشق عن جيش الأسد، بعد أن كان مكلفًا في تصوير جثث المدنيين المعتقلين، حيث كشف عن واحدة من أكبر الفظاعات في تاريخ البشرية.
نوديَ على قيصر في الكونغرس الأمريكي، وتم تشكيل فريق تحقيق دولي تأكّد من صحة الصور، ما أدّى فيما بعد إلى إقرار “قانون قيصر” الذي يدعو إلى وقف قتل الشعب السوري بالجملة، وتشجيع التوصُّل إلى تسوية سلمية عبر التفاوض، ومحاسبة منتهكي الجرائم اعتبارًا من عام 2020.
إعلان الخلافة.. إدارة التوحُّش
رغم كل الجرائم التي ارتكبها النظام بحقّ السوريين خلال 4 سنوات من عمر الثورة، كان مشهد “كسر الحدود” بين العراق وسوريا لتنظيم “داعش” هو الذي شغل العالم وحشد رأيه، وعُيّن أبو بكر البغدادي بمنصب خليفة في التنظيم، معلنًا قيام “دولة الخلافة” أو “الدولة الإسلامية”، داعيًا المسلمين للهجرة إليها والزود عنها.
هذه اللحظة الفارقة كانت بما يشبه حكم الإعدام دون تنفيذ على الثورة السورية، خصوصًا مع سيطرة التنظيم على الرقة وأجزاء من دير الزور ومناطق واسعة من ريف حلب وإدلب وغيرها، واستقطابه لعشرات آلاف الشباب من داخل وخارج سوريا.
كما اعتمد التنظيم أساليب متوحّشة لإرهاب الناس، عبر خطف الصحفيين والمدنيين والأسرى وتصويرهم بأفلام سينمائية بالغة الدقة، كما بدأ بهدم الكنائس والمتاحف ونسف الآثار والمقامات الصوفية، وتنفيذ أحكام القتل بقطع الرؤوس، ما دفع العالم إلى تشكيل تحالف دولي مكوّن من 86 دولة بقيادة الولايات المتحدة للقضاء على التنظيم في سبتمبر/ أيلول 2014، في الوقت الذي استمر نظام الأسد في قتال السوريين ولصق أي جريمة بالإرهاب و”داعش”.
إنهاء أحرار الشام
كان صعود “داعش” يوازيه صعود تنظيمات أخرى لا تقلّ قوة وحضورًا عنه في سوريا، بل تنافسه بشكل مباشر، مثل حركة أحرار الشام الإسلامية، التي تعرضت لأكبر خسارة أدّت إلى إضعاف نفوذها بشكل كبير جدًّا فيما بعد، مع اغتيال 45 قائدًا من قادة الصف الأول والثاني فيها بتاريخ 10 سبتمبر/ أيلول 2014، حيث أدى تفجير مقر للحركة تحت الأرض بقرية رم حمدان بريف إدلب، اتُّهم نظام الأسد وتنظيم “داعش” بتنفيذه.
ورغم أن أحرار الشام كانت تقدم نفسها بخطاب سلفي جهادي، إلا أنها كانت محبوبة من معظم الناس في ذلك الوقت لتنظيمها وعدم إساءتها للمدنيين، إضافة إلى أنها خسرت الكثير من مقاتليها في قتال النظام و”داعش” على السواء.
تحرير إدلب.. مركز محافظة أخرى
بعد سيطرة “داعش” على مركز الرقة وأجزاء واسعة من المناطق المحررة، عمل الثوار والفصائل الجهادية على تشكيل قوة باسم “جيش الفتح”، أطلقت معركة تحرير إدلب في 24 مارس/ آذار 2015، وتمكّنت خلال 5 أيام من السيطرة على المدينة بما في ذلك المربع الأمني.
كانت السيطرة على إدلب بمثابة بارقة أمل جديدة لإمكانية تحرير المزيد من المحافظات والمدن، إلا أن التدخلات الدولية حالت دون ذلك.
حصار مضايا.. القتل بالتجويع
كان “حزب الله” اللبناني يريد السيطرة على كامل الشريط الحدود مع سوريا، لذلك عمل مع قوات الأسد على إحكام حصار مطبق على عدد من البلدات والقرى، مثل مضايا والزبداني وبلودان وبقين اعتبارًا من يونيو/ حزيران 2015، ما تسبّب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في سوريا، توفي على إثرها العشرات، ووصل سعر عبوة حليب الأطفال إلى 150 دولارًا.
استمرَّ الحصار لقرابة عامَين، وانتهى باتفاق تهجير ديموغرافي عُرف بـ”اتفاق البلدات الأربع” في أبريل/ نيسان 2017، حيث أُخرج 5 آلاف شخصًا من سكان قريتَي كفريا والفوعة الشيعيتَين بريف إدلب، مقابل إخراج المعارضين من مضايا والقرى الأخرى ذات المذهب السنّي.
إيلان.. الطفل السوري الذي هزَّ العالم دون ضميره
إيلان الكردي طفل سوري صغير لم يتجاوز الثالثة من العمر، مات غرقًا في 2 سبتمبر/ أيلول 2015، وصعقت صورته على شاطئ تركي ضمير العالم، بعد أن وجده شرطي تركي حيث كان برفقة والديه وأخيه، فيما كانوا يحاولون الوصول إلى اليونان بواسطة قارب صغير انطلق من سواحل تركيا محمّلًا باللاجئين السوريين الهاربين من جحيم الحرب السورية، وغرق في البحر بعد أن انزلق من يد والده عقب انقلاب القارب في عرض البحر المتوسط، وتوفيت معه في الحادث والدته وأخوه في حادث مأساوي هزَّ العالم أجمع، وأعطى بُعدًا آخر لمعاناة اللاجئين في كل مكان.
روسيا.. تدمير الأحياء بمن فيها
أدّى فشل النظام السوري في إنهاء التمدد العسكري لفصائل الثوار، رغم المساندة الإيرانية وانتشار الميليشيات الطائفية في عموم المناطق، إلى تدخل عسكري مباشر من قبل روسيا، ثاني أكبر قوة بالعالم بعد الولايات المتحدة.
وفي 30 سبتمبر/ أيلول 2015، بدأت روسيا بقصف جوّي على مواقع الثوار في ريف حماة، وازدادت وتيرة القصف تدريجيًّا لتشمل جميع المناطق المحررة، ولم يستثنِ القصف الروسي الأحياء السكنية، بل كانت هي الأكثر تعرضًا للقصف.
استخدمت روسيا أقوى أسلحتها التدميرية، ولم يعد بوسع الثوار الردّ على هذه القوة التدميرية الهائلة، والتي قلبت الكفة لصالح النظام، خصوصًا مع الاستهداف الواسع لأحياء كاملة ومقتل عشرات آلاف المدنيين، وتضاعُف أعداد النازحين واللاجئين.
“قسد”.. تمويل الانفصال
أرادت الولايات المتحدة أن يكون لديها قوات على الأرض، رديفة للقوات الجوية للتحالف الدولي التي تقاتل تنظيم الدولة “داعش”، فدعمت تمويل وتأسيس قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عماد قوتها، إلى جانب بعض الفصائل العربية.
في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، أعلنت عن تأسيس “قسد” لقتال الإرهاب وتأسيس دولة علمانية ديمقراطية فيدرالية، عملت على بسط نفوذها في القرى والمدن العربية والكردية التي تسيطر عليها، مع انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وسياسة تجنيد إجباري.
تسيطر “قسد” على معظم شمال شرقي سوريا بدعم أمريكي، ولديها عداء مباشر مع تركيا التي تتهمها بأنها فرع لحزب العمال الكردستاني المصنّف على قوائم الإرهاب، لذلك خاضت عدة معارك ضدها بالتعاون مع فصائل من الثورة السورية، لإبعادها عن الحدود التركية ومنع نشوء دولة كردية في شمالي سوريا، من خلال عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”.
زهران علوش.. اغتيال القائد
كان جيش الإسلام أكبر قوة ضاربة في دمشق وريفها، عبر أكثر من 20 ألف مقاتل بقيادة زهران علوش، والذي تمكّن من إحكام السيطرة على معظم مدن الغوطة، ورغم الشخصية الجدلية التي أُثيرت عن الرجل، إلا أنه كان ذا تأثير بالغ وحضور قوي.
عُرف عن علوش اعتناقه الفكر السلفي الدعوي، وعلى خلاف نهائي مع القاعدة وتنظيم الدولة، إذ أنهى وجود “داعش” بالغوطة وجنوب دمشق بالأيام الأولى من ظهورها، وارتكب بعض التجاوزات التي أثارت ضده الكثير من الانتقادات.
اُغتيل علوش في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2015، بغارة جوية روسية استهدفته وبعض قياديي جيش الإسلام في الغوطة الشرقية، حيث أدّى مقتله إلى اندلاع صراع واسع بين قيادات الفصائل، لم ينتهِ إلا بخسارة الأرض وتهجير السكان.
القرار 2254.. خارطة حلّ سياسي
خلال الثورة السورية كان السياسيون الغربيون يؤكدون أن الحل في سوريا سياسي وليس عسكري، وبعد سلسلة من المفاوضات تمخّض عنها عشرات الاجتماعات والمؤتمرات التي نددت وشجبت القتل في سوريا، قرر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2254 المتخذ بالإجماع في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار والتوصّل إلى تسوية سياسية في سوريا، تقضي في نهاية المطاف لإجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف أممي في غضون 18 شهرًا، يؤدي إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية وعودة اللاجئين.
اتفاقيات التهجير.. الانتزاع من الأرض
كانت مشاركة روسيا في الحرب مع استخدام آلتها التدميرية كسرًا حقيقيًّا لانتشار الثوار والجهاديين على السواء، رغم أنها لم تقضِ سوى على الفصائل المعتدلة التي تقاتل نظام الأسد، وبالطبع عشرات آلاف المدنيين مع دكّ المدن على رؤوس أصحابها، حيث انتهجت مبدأ الأرض المحروقة مع الحصار والتجويع، وفرض شروطها على طاولة المفاوضات لتنفيذ سياسة التهجير القسري.
نجحت روسيا في ذلك، عبر رعايتها معظم اتفاقيات التهجير بريف دمشق التي شملت داريا (27 أغسطس/ آب 2016)، قدسيا والهامة (13 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، معضمية الشام (19 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، خان الشيح (29 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، التل (2 ديسمبر/ كانون الأول 2016)، كما شمل التهجير أحياء مدينة حلب بعد معارك ضارية انتهت بالتهجير القسري لأكثر من 45 ألف شخص.
التهجير كذلك شمل وادي بردى بريف دمشق (29 يناير/ كانون الثاني 2017)، أحياء دمشق الشرقية مثل برزة والقابون وحي تشرين (8 مايو/ أيار 2017)، كما تضمنت حي الوعر بحمص (13 مارس/ آذار 2017)، واتفاق تهجير المدن الأربع الذي يشمل مضايا والزبداني وكفريا والفوعة، ثم ضمّ مخيم اليرموك جنوبي دمشق (11 أبريل/ نيسان 2017).
خان شيخون.. خنق السوريين مجددًا
رغم القرارات الدولية التي قضت على النظام السوري بتسليم أسلحته الكيماوية بدل إسقاطه، شنّ النظام السوري العديد من الهجمات الكيماوية الأخرى، إلا أن أكثرها قوة بعد هجوم الغوطة الشرقية كان الهجوم على مدينة خان شيخون بريف إدلب في 4 أبريل/ نيسان 2017، ما أدّى إلى مقتل أكثر من 100 سوري جُلّهم من الأطفال، ووقع نحو 400 مصاب باستخدام غاز السارين.
أحدث ذلك الهجوم ضجة دولية، أدّت إلى قصف الولايات المتحدة مطار الشعيرات العسكري بمحافظة حمص بـ 59 صاروخًا، في أول استهداف من قبل واشنطن لقوات النظام السوري، لكن ذلك لم يُحدث أي فارق على الأرض سوى حفظ وجه الولايات المتحدة، التي سبق أن حذّرت نظام الأسد من استخدام الكيماوي اعتبارًا من عام 2011.
الغوطة الشرقية.. أكبر عملية تهجير قسري
هجّر نظام الأسد وروسيا وإيران العديد من أبناء المدن والقرى، لكن الغوطة الشرقية بقيت تعاند الحصار، ورغم الوضع الداخلي الصعب والاقتتال الفصائلي، إلا أن السكان كانوا مصرّين على الاستمرار في الثورة حتى النصر ومهما كلف الثمن.
أعاد نظام الأسد بدعم روسي وإيراني شنّ عمليات عسكرية هي الأوسع على الغوطة، وهي مقسمة لـ 3 قطاعات بين الفصائل، واستخدم النظام وحلفاؤه ضد سكان الغوطة كل أنواع الأسلحة، بما فيها الكيماوي مجددًا في مارس/ آذار 2018، فعقدت روسيا 3 اتفاقات منفصلة مع أحرار الشام في حرستا، وفيلق الرحمن في القطاع الأوسط وجوبر، وجيش الإسلام في دوما.
خرج على إثر ذلك أكثر من 158 ألف شخص، ما يقدر بـ 40%، من سكان الغوطة إلى الشمال السوري، والباقي نزحوا باتجاه دمشق، كانت تلك أكبر عملية تهجير مباشرة في تاريخ سوريا، فقدت خلالها الثورة واحدًا من أهم حصونها، وأكثر مكان ضغط على نظام الأسد عسكريًّا فترة 2012-2018.
مي سكاف.. “إنها سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد”
ساند معظم الوسط الفني نظام الأسد، في الوقت الذي كانت هناك أصوات فنية شاركت في المظاهرات، وانحازت للشعب السوري في مطالبه بالحرية والكرامة، ومن أبرز هؤلاء الفنانة السورية مي سكاف التي أخذت موقفًا صلبًا.
كانت سكاف قد وقّعت على ما يعرَف بـ”إعلان دمشق” للمعارضة السورية عام 2005، وهددت بقطع لسانها، واُعتقلت من مظاهرة المثقفين بدمشق عام 2011، ثم أُطلق سراحها وأحيلت إلى محكمة “الإرهاب”، حيث قالت للقاضي مباشرة: “لا أريد لابني أن يحكمه حافظ بشار الأسد”.
اضطرت بعد ذلك مغادرة سوريا بسبب التهديدات، لتستقر بفرنسا اعتبارًا من عام 2013، وقبل يومَين من وفاتها كتبت منشورًا على فيسبوك تقول فيه: “لن أفقد الأمل.. لن أفقد الأمل.. إنها سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد”.
وفي 23 يوليو/ تموز 2018، أُصيبت مي سكاف بنوبة قلبية توفيت على إثرها عن عمر 49 عامًا. تمكّنت سكاف من جمع صوت أبناء الثورة السورية بعد وفاتها، في رثاء جماعي قلَّ مثيله في تاريخ الثورة.
الساروت.. حارس الثورة شهيدًا
لعلّ عبد الباسط الساروت هو أحد أشهر السوريين على الإطلاق. وُلد عام 1992 بمدينة حمص، وهو الحارس السابق لنادي الكرامة ومنتخب سوريا للشباب، انضم إلى الثورة السورية في أيامها الأولى، وقاد المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام، ثم انخرط بالعمل المسلح ضده.
أنشد الساروت الكثير من أغاني الثورة السورية التي أغنت مكتبتها، عاش مع رفاقه وعائلته حصارًا قاسيًا في حمص، قُتل على إثره أخواته الثلاث، وفي يوليو/ تموز 2019 شارك الساروت في آخر معاركه ضد النظام السوري بريف حماة، فأصيب ليغدو بعد ذلك شهيدًا.
كان مقتل الساروت من أكثر الأحداث تأثيرًا في الثوار السوريين على مستوى الفقد، لما كان يحمله الساروت من صفات المروءة والشجاعة والعزيمة التي تمثل شباب الثورة السورية، ونعاه كل أنصار الثورة من سوريين وعرب وأجانب، صليت عليه صلاة الغائب في عشرات الأماكن، وغنيت لأجله الأغاني وكتبت الأشعار وانتشرت صوره في كل مكان، كأحد أبرز رموز الثورة السورية.
بشار الأسد.. أكبر تاجر كبتاغون في العالم
بعد كل الجرائم التي ارتكبها بشار الأسد في سوريا، عمل بالشراكة مع إيران و”حزب الله” على غزو الأردن والخليج بشكل خاص، ودول العالم بشكل عام، بالمخدرات وحبوب الكبتاغون، حتى صار هناك أكبر منظمة مخدرات في العالم يقودها رئيس دولة، مشكّلًا خطرًا أمنيًّا على العالم وليس على سوريا فقط.
قُدّرت أرباح قطاع المخدرات السورية بأكثر من 10 مليارات دولار، يشرف عليها ماهر الأسد شقيق بشار الأسد، وتمثل 80% من حركة التهريب العالمية، حيث صار يشبه نظام الأسد بالكارتلات المكسيكية والكولومبية الذين كانوا ينتجون المخدرات بالأطنان ويصدّرونها لأمريكا والعالم.
توضح هذه التجارة حجم رهن سوريا بمنظومة إجرامية ارتكبت كل أنواع الجرائم في البلاد، وتسبّبت في تحويلها إلى مزرعة لإنتاج المخدرات، في الوقت الذي يموت سكانها من الفقر والجوع والبرد، أو في مخيمات النزوح، أو خلال الهجرة عبر البحر.
الزلزال المدمر.. المصائب إذ تتالى
حلَّ بالشعب السوري كل المصائب من حروب ودمار وتهجير وقتل وتعذيب وشتات، وكان الزلزال المدمر بمثابة الكارثة المضافة إلى كل عذاباته، ففي فجر يوم الاثنين 6 فبراير/ شباط 2023، ضرب زلزال مدمّر جنوبي تركيا وشمالي سوريا بلغت قوته 7.7 درجات، تبعه آخر بقوة 7.6 درجات، شعر به ملايين السكان.
تسبّب الزلزال في دمار عشرات المدن والقرى بكلا الدولتَين، قُتل على إثره 53 ألفًا و537 شخصًا، بينما أُصيب 107 آلاف و213 آخرين (بينهم أكثر من 5 آلاف و900 سوري وقرابة 20 ألف مصاب)، وتضرر منه أكثر من 14 مليون إنسان في كلا البلدَين.
تعويم بشار الأسد
استغل بشار الأسد كارثة الزلزال المدمر، وعمل على تنشيط ما يسمّى بـ”دبلوماسية الكوارث” بدعم من الإمارات وروسيا ودول عربية أخرى، حيث وُجّهت إليه المساعدات في الوقت الذي تركز الزلزال بالأساس في مناطق سيطرة الثوار، الذين بقوا دون مساعدات لعدة أيام بسبب إغلاق المعابر وانتظار قرار دولي يسمح بدخولها بعد موافقة النظام.
في خضمّ ذلك، بدأت دول عربية في مقدمتها السعودية العمل على تطبيع علاقتها مع النظام السوري بحجّة مساعدة السوريين، وسبق ذلك محادثات مع حليفته إيران، الأمر الذي انتهى بتطبيع العلاقات السعودية الإيرانية، وبعدها تطبيع علاقات الرياض مع نظام الأسد، ومن ثم تسهيل حضوره القمة العربية المنعقدة بجدة في 19 مايو/ أيار 2023، رغم كل الجرائم التي ارتكبها بحقّ السوريين.
حاول نظام الأسد أن يوهم السوريين أن الوضع الاقتصادي لنظامه سيتحسّن بشكل كبير جدًّا، لكن ما حدث أن الليرة السورية انهارت بشكل أكبر بكثير بعد التطبيع، حيث وصلت إلى أكثر من 14 ألف ليرة لكل دولار، بعد أن كانت في حدود 6 آلاف و800 ليرة لكل دولار.
السويداء.. أن تثور متأخّرًا خير من ألّا تثور
تسبّب الوضع الاقتصادي في مناطق سيطرة نظام الأسد بزيادة الخنق الشعبي ضده، خصوصًا بين مواليه، إلا أن السويداء فضلت من بداية الثورة أن تجنّب أبناءها الذهاب للقتال مع جيش الأسد ضد الشعب، في اتفاق غير معلن مع المحافظة ذات الأغلبية الدرزية.
في 16 أغسطس/ آب 2023، أعلن بشار الأسد زيادة رواتب الموظفين بنسبة 100%، وزيادة أسعار الوقود بنسبة تتجاوز الـ 200%، الأمر الذي فجّر مظاهرات واسعة في عدة محافظات، على رأسها درعا والسويداء.
خرجت السويداء في حراك شعبي واسع جدًّا، توسع فيما بعد ليشمل معظم سكان المحافظة، مطالبين بإسقاط بشار الأسد وخروج إيران من سوريا، وتطبيق القرار 2254 الذي ينصّ على تطبيق انتقال سياسي للسلطة، لكن ردَّ النظام السوري بلا مبالاة، ولم يقدم على قمع سكان المحافظة كما فعل مع بقية السوريين، بسبب حساسية موقفه الذي يزعم أنه حامٍ للأقليات.
ما زالت مظاهرات السويداء مستمرة حتى اليوم، ونالت تأييدًا واسعًا من أبناء الثورة السورية، خصوصًا أنها ترفع علمها وتردد شعاراتها وهتافاتها، قُتل فيها شخص وأصيب آخر على يد قوات الأسد، ما زاد من غضب سكانها وإصرارهم على تحقيق مطالبهم في الحراك.