“إذا ما أتيح لك السفر عبر الزمن فأي عام أو حقبة زمنية تود زياراتها”؟ يطرح هذا السؤال عبر وسائل التواصل الاجتماعية بين الفترة والأخرى، أو بين مجموعات الأصدقاء على افتراض اختراع آلة الزمن وشيوعها مما يجعل من السياحة الزمنية أمرًا ممكنًا، وما يعزز هذا السؤال – الذي قد يبدو غريبًا للوهلة الأولى- هو تاريخ طويل من انتشار الروايات والعروض السينمائية والتليفزيونية التي تتناول تيمة السفر عبر الزمن مثل ثلاثية العودة إلى المستقبل Back to the future لروبرت زيميكس، وسلسلة The Terminator لجيمس كاميرون، والمسلسل البريطاني الشهير Doctor Who.
ما قبل آلة الزمن
يمكن تتبع روايات السفر عبر الزمن إلى عام 1733 بصدور “ذكريات القرن العشرين” لصمويل مادين، وهو يحكي عن ملاك حارس ينتقل بخطابات كتبت بين عامي 1997 و1998 إلى عام 1728، ويعد بمثابة أقدم النصوص الأدبية التي تناولت فكرة السفر عبر الزمن.
وقد صدرت نصوص أخرى في هذا المجال مثل “ريب فان وينكل” لوشطنون إيرفنج 1819، و”يانكي من كونتيكت في بلاط الملك أرثر” لمارك توين 1889، و”النظر إلى الوراء” لإدوارد بيلامي 1888.
وقد اعتمدت أغلب تلك الأعمال على حيل سردية بائدة – سواء لاسكتشاف الأزمنة المستقبلية أو القديمة – ففي رواية “ريب فان وينكل” يغفو فيها الشخصية المحورية لفترة عشرين عامًا ثم يستيقظ على عالم آخر مخالف لعالمه الذي كان يعرفه ويدخل في صدمة من الإغراب في الوعي، ورواية “يانكي من كونتيكت في بلاط الملك أرثر” يتلقى البطل ضربة على رأسه ثم يستيقظ ليجد نفسه انتقل بالزمن إلى زمن الملك أرثر والدائرة المستديرة، أما في رواية “النظر إلى الوراء” لبيلامي ينتقل فيها البطل من عام 1887 إلى العالم المثالي عام 2000 عن طريق التنويم المغناطيسي، وكذا ورواية (A Christmas Carol) ذائعة الصيت لـ”تشارلز ديكنز”، تعالج انتقال الزمن عن طريق روح عيد الميلاد، التي تنقل “سكروج” مرة إلى الماضي ليرى حياته، ثم إلى المستقبل ليرى عواقب معيشته بقلبٍ قاسٍ وجامد.
وفي خضم أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين انتشر نوع قصص الحروب المستقبلية مثل معركة الدوركنج لجورج ت.تشيزني 1871، والخطر الأصفر لم.ب.شيل.
تلك الموجة من أدب الحروب المستقبلية دفعت ويلز ليقوم بصياغة وطرح أفكاره في “التخييل المستقبلي”، على شكل مقالات مثل “إنسان عام مليون 1893″، ولكنه ما إن أخذ يعيد صياغة تلك المقالات في إطار قصصي حتى قابلته أوجه قصور، ففي تلك القوالب القصصية كانت تعتمد على فانتازيا الرؤيا/التنويم المغناطيسي، والتي لم تعد تتلقي التصديق كما السابق.
واستفاد ويلز من المقالات المجمعة لـ ت.هـ.هنتغون في “قصص مغامرات علمية 1886” والتي روجت لفكرة الزمن بوصفه بعدًا رابعًا قبل صدور النظرية النسبية لأينشتاين.
كل تلك المحاولات أوصلت ويلز إلى حيلة سردية جديدة وهي آلة الزمن والتي استخدمها في “المبحرون عبر الزمن” The Chronic Argonauts عام 1888 وبعدها في رواية “آلة الزمن 1895” والتي تحولت منذ تاريخ نشرها إلى نص تأسيسي في أدب الخيال العلمي والسفر عبر الزمن، وقدمت خلالها حيلة سردية واختراع فائق الأهمية للنوع الأدبي وهو “آلة الزمن”، تلك الحيلة كانت طريقة ويلز لتقديم إجابته وتخيله للحروب المستقبلية، فرسم خلالها رؤية ديستوبية لعالم قاتم ومظلم حيث ينقسم فيه البشر إلى جنسين الأول الإيلوي وهم مخلوقات ضعيفة، هشة البنية، أميل للكسل والتراخي، ويعيشون فوق الأرض، بينما الجنس الثاني “المورولوك” يعيشون تحت الأرض فقدوا صورتهم البشرية وتحولوا إلى مخلوقات كريهة ومتوحشة، ويشهد الرواي/مسافر الزمن الصراع الأخير على سطح الأرض بينهما.
ما بعد آلة الزمن
بمرور السنوات شكلت تيمة السفر عبر الزمن فرعًا كاملًا وقائمًا بذاته تحت أدب الخيال العلمي، وكذلك استعاره أدب الفانتازيا في بعض الأعمال الخيالية.
وبدأ ظهور أعمال تستكشف إمكانيات السفر عبر الزمن نفسه، ومعها بدأ نوع القصص يطرد ويتسع ليشمل أنواعًا جديدة كقصص المفارقات الزمنية Time Paradox، والحلقة الزمنية Time loop، وكذا السياحة الزمنية Time Tourism، والحروب الزمنية Time wars
وتأتي رواية نهاية الخلود The End of Eternity لإسحاق أزيموف والمنشورة عام 1955 في الأهمية بعد رواية ويلز مباشرة إذ قدمت مصطلح “شرطي الزمن” لأول مرة في روايات السفر عبر الزمن، وتتخيل الرواية منظمة تسمى “الخلود” يعيش عملاؤها خارج إطار الزمن ويتنقلون بحرية مطلقة في كلا الاتجاهين راصدين لمجرى التاريخ ومدخلين على الواقع تغييرات محسوبة بدقة من شأنها أن تعدل من مسار التاريخ لكي يتحاشى التطورات المختلفة غير المرغوب بها.
وتعد رواية “نهاية الخلود” من أهم الروايات المبكرة التي خاضت الكثير من الأفكار المتعلقة بالسفر عبر الزمن كتيمة المفارقات الزمنية، كما أنها تعد النموذج الأول لعدد كبير من الروايات التى تجسد منظمات قوية وخفية تحاول أن تتحكم في التوابع الكارثية التي يحتمل أن يجلبها السفر عبر الزمن، والتي نجدها في مجموعة قصصية لبول أندرسون بعنوان حراس الزمن حيث تكون مهمة هؤلاء الحراس أن يتأكدوا من عدم قيام مسافري الزمن بتبديل الماضي.
وفي رواية عالم الزمن المعكوس Counter- Clock World لفيليب ديك يتخيل فيها عالمنا في أواخر القرن العشرين – تعرض لظاهرة كونية مجهولة – يبدأ الزمن بالعودة إلى الوراء وتصبح الحياة معكوسة بتراجع الزمن، فتنعكس آثار الشيخوخة على البشر ويغدون أصغر وأصغر سنًا حتى يعودوا في نهاية المطاف إلى لحظة تكونهم كأجنة.
ومن ضمن الروايات الفانتازية التي استخدمت فكرة السفر عبر الزمن، نجد في الجزء الثالث من رواية هاري بوتر وسجين أزكابان اعتماد هيرميون جرينجر على أداة سحرية “المحول الزمني” للعودة إلى الماضي لكي تتمكن من حضور جميع موادها الدراسية، كما استخدمها تيرى برتشيت في رواية الساعة الليلية ضمن سلسلته الفانتازية العالم القرصي Discworld حيث يجرى السفر عبر الزمن عن طريق السحر.
تتيح لنا روايات السفر عبر الزمن إعادة النظر ورؤية التاريخ من منظور آخر مخالف، وتتشارك مع روايات التاريخ البديل في طرح التساؤل الأكثر إثارة للخيال والتفكير: ماذا لو؟
لديك آلة زمن، هل تعود للوراء وتقوم بقتل هتلر؟ هل تغير التاريخ بفعل واحد كبير؟ وكيف سيكون عليه العالم الآن؟! وهي كما روايات الخيال العلمي تحفزنا على التفكير فيما يوجد وراء العالم القائم والمرئي.