أبو تريكة لم يكن أفضل لاعب كرة قدم عرفناه، لكننا أحببناه أكثر من غيره من أصحاب الكرة الذهبية، عبد السلام لا يعرف أي شيء عن الموسيقي ولو أن حلمي بكر رآه يومًا لبصق في وجهه، ولكننا أحببناه أكثر من بكر نفسه والمعهد العالي للموسيقى العربية بأسره.
حنان الطويل لم تكن أجمل امرأة في مصر ولا حتى في حي “روض الفرج”، “الست كوريا” لم تكن مهذبة، رقيقة الطباع، لكنها لم تحنث بقسمها أبدًا عندما صاحت مرددةً : “البيت ده طاهر، وهيفضل طول عمره طاهر”، كنت أتمني لو أنها حية الآن لأقبل يدها في انحناء وأخبرها أنها أكثر من جميلة عليها رحمه الله.
شعبان عبد الرحيم يكره “إسرائيل” حتي وهو لا يعرف موقعها على الخريطة، ولكني أحببته أكثر من هؤلاء المنظرين للقضية الفلسطينية ،سليمان عيد أصلع يمكن تمييزه من على بعد فراسخ من انعكاس أشعه الشمس فوق رأسه، ولكنني أحببته أكثر من كل المتصابين أصحاب الشعر المستعار.
يوسف عيد كان ألدغ في الراء أو أكثر ولكنني والله كنت أتمنى لو أنه تكلم للأبد وسكتت كل تلك الأصوات الكاذبة. إن القلوب لا تختار، لا تفاضل كما نفعل نحن بوعينا الكامل، ابتسامه أبوتريكه بعد التصادم مع أي لاعب لا تحتاج إلى دراسة عقلانية ،وأنا أرقص علي أنغام مزمار عبد السلام لم أسأل نفسي يومًا هل أخفق في مقام النهاوند أم لا؟ كل ما يشغلني هو صوت “كتكوت” وهو يردد: “اضرب” .
قال هشام الجخ في قصيدة له بالعامية المصرية راثيًا فيها ابنته الصغيرة: “وعد يا ست البنات، أفضل أحبك من سكات”، وإنني لم أجد أجمل من تلك الكلمات لأرثي بها السيدة الجميلة حنان الطويل، فلا أحد يستطيع أن ينسي “مس انشراح” و”الست كوريا”، التي لم أنس أنا قط ضحكاتها، لو أن كل المغرورات بجمالهن يمتلكن خفة ظل حنان الطويل لكفاهن.
شعبان عبدالرحيم في لقاءٍ تليفزيوني له سأله المذيع لما لم يتزوج بعد وفاة “الحجة أم العيال”؟ رق طبعه وهدأت ضحكاته وقال بشجن: “مفيش حد يحل محلها أبدًا، كنا بنقول للرصيف أتاخر خدنا جمبك، كانت ماسكه معايا السلك عريان”.
وتابع قوله: “في مرة اتخانقت معاها وشتمتها فردت عليا بعتاب: ما هو أنا لو أعرف حد أكبر منك اشتكيك ليه كنت عملت، روح اعمل اللي أنت عايزة، ربنا يهديك، طب بذمتك في كده في حد كده وتقولي أتجوز بعدها”، ولم يتمالك عبدالرحيم نفسه وأجهش بالبكاء .
لذا، لا أملك غير أن أحب شعبان عبدالرحيم دون النظر إلى جودة صوته من عدمها .لا أظن أن أحدًا في هذا العالم يملك مثقال ذرة من بغض لسليمان عيد، ولو أنه قام بدور الشرير يومًا ما، سأتمنى أن ينتصر الشر في تلك المرة.
الفنان الراحل يوسف عيد
بعد وفاة عمنا يوسف عيد، أحد رسامي الكاريكاتير صٙوّٙره بجناحين متجه للجنة، وهو يقول جملته الشهيرة: “أضحكوا فين تاني مفيش في وشكم مكان، سلام عليكو”، أظن أن عيد كان له تأثير جيد في حياة الناس أكثر من كل القيادات السياسية والحزبية والحكومة بأكملها .
إننا لسنا بصدد كتابة ترجمات عن هؤلاء الأشخاص الجميلة، لكن تلك كانت نماذج بسيطة لكل أصحاب القلوب البيضاء النقية، كل الذين أحببناهم ولم نعرفهم ولم نرهم، كل الذين عاشوا الحياة بقوانينهم الخاصة.
هؤلاء المارقون المتمردون رافضو النمذجة والعولبة، كل هؤلاء البسطاء الذين فشلوا في أن يبرموا الاتفاقات، هؤلاء المنتمون لنا ليس للعالم. تحياتي إلى كل هؤلاء المغمورين الذين لم يذكر اسمهم وما زالوا ينتمون لنا وليس للعالم.