من يوم إلى آخر يشتكي بعض التونسيين من ازديات سوء الخدمات التي تقدمها المؤسسات العمومية، حتى أن المواطنين اعتادوا “رداءتها” التي أصبحت أمرًا مألوفًا بالنسبة إليهم معتبرين أن الغاية من تردّي مستوى الخدمات التمهيد لبيع هذه المؤسسات لصالح القطاع الخاص استجابة لضغوطات المقرضين الدوليين على رأسهم صندوق النقد الدولي.
خدمات دون المستوى المأمول
تعتبر شركة “الخطوط التونسية” للطيران من أسوأ الشركات من ناحية الإدارة في تونس، وذلك لضعف خدماتها، ما جعلها تحتل المراتب الأولى ضمن أسوأ شركات الطيران في العالم وفقًا للعديد من التقارير والخبراء، فلا تكاد تمرّ رحلة إلا ويسجل تأخيرًا فيها يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 24 ساعة دون تقديم أي توضيحات للمسافرين.
امتازت شركات النقل العمومي في تونس برداءة خدماتها
إضافة إلى تأخر مواعيد رحلاتها، يعاني أسطول “الخطوط التونسية” من تواصل الأعطاب الفنية، فكثيرًا ما ترجع الرحلات من السماء بشكل مفاجئ إلى المطار لعطل طارئ في الطائرة، فأصبح الأمر عادة وخبرًا شبه يومي، إلى جانب سرقة أمتعة المسافرين، كل ذلك إلى جانب تردي الخدمات وبروز سلوكيات أخرى منفّرة تصب كلها في خطة إضعاف الشركة.
الخطوط التونسية ليست الوحيدة فشركات النقل العمومي من ذلك “نقل تونس” و”الخطوط البعيدة” و”الجهوية للنقل بقابس” و”القوافل”، كلها شركات امتازت برداءة خدماتها، فيصعب أن تخرج إحدى رحلاتها اليومية في توقيتاتها المحدّدة، كما أن معاملة موظفيها للمواطنين عادة ما تتسم بالسلبية والعنف.
مطار تونس قرطاج، اكتظاظ وسوء معاملة للمسافرين
“الشركة التونسية للكهرباء والغاز” و “الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه”، لم يخرجا عن المألوف أيضًا، فمياه الشرب غير صالحة للشراب ما يضطرّ المواطنين لشراء المياه المعلبة من المحلات التجارية، كما أنهم لم يسلموا من الانقطاعات المتكررة للكهرباء والماء رغم ارتفاع أسعارهما.
المستشفيات العامة، هي الأخرى تشكوا من العديد من المشاكل فيما يخص الخدمات الصحية التي تقدّمها والتجهيزات التي تعتمد عليها، والخلل بين الجهات، والإمكانات التي ترصدها الدولة التونسية لهذا القطاع المهم والحساس الذي صار يشتكي من ردائته معظم التونسيين، حتى أصبحت هذه المستشفيات “مريضة” على حد وصف البعض.
تمهيد للخصخصة
تردّي خدمات الشركات والمؤسسات الوطنية، يأتي حسب العديد من الخبراء، في إطار خطة محكمة لبيع المؤسسات رغم نفي الحكومة المتكرر لوجود خطة في هذا الشأن، ويرى مراقبون أن الحكومة التونسية تتجه ضمن خطة معدّة سابقًا إلى التخلي التدريجي عن مساهمات الدولة المباشرة وغير المباشرة في المؤسسات والمنشأت العمومية خاصة في القطاعات المالية والتجارية والصناعية التي تعاني أغلبها من عجز فاق 3 مليار دينار، بهدف دعم مساهمتها في الاقتصاد والتخفيف من أعبائها على موازنة الدولة، حسبما أفادت مصادر إعلامية.
يوجد في تونس نحو 400 مؤسسة حكومية تقدم خدماتها في أكثر من 25 قطاع
ولا يستبعد خبراء أن يتم تطبيق هذه الخطة بداية من السنة المقبلة، من خلال بعض المؤسسات العامة، قبل تعميمها على باقي المؤسسات حالة بحالة حسب طبيعة العجز والصعوبات الهيكلية والمالية التي تمر بها كلّ مؤسسة. وأمام تواصل تدهور خدماتها وارتفاع قيمة خسائرها تجد الحكومة نفسها مضطرة للتعامل مع ذلك العجز من خلال الاقتراض من مؤسسات دولية وحكومات، وهو ما يساهم في رفع عجز الميزانية العامة للبلاد.
جدير بالذكر أنه يوجد في تونس نحو 400 مؤسسة حكومية تقدم خدماتها في أكثر من 25 قطاع، ومن أبرز تلك المؤسسات شركات النقل البري والجوي والسكك الحديدية وشركات الكهرباء والغاز والمياه والملاحة والتلفزة والإذاعة والطباعة والنشر والصيد البحري وشركات عقارية والمصارف وغيرها.
وكانت الحكومة التونسية تدرس في وقت سابق تطبيق حزمة من الإصلاحات تمس المؤسسات الحكومية كبيع حصص في 3 بنوك على سبيل الخصخصة بالإضافة إلى خطوط الطيران التونسية ومؤسسات أخرى، وتسريح ما لا يقل عن 10 آلاف موظف في القطاع العام بشكل اختياري خلال العام الحالي، في إطار خطط لإصلاح القطاع المصرفي وقطاعات غيره.
خسائر كبيرة لقطاع البنوك العمومية في تونس
ففي العام 2015 ضخت الحكومة 800 مليون دينار – ما يعادل نصف مليار دولار- كحزمة لإنقاذ 3 بنوك في تونس تواجه صعوبات مالية هي: البنك التونسي الفلاحي، والشركة التونسية للبنك، وبنك الإسكان، من العجز المالي الذي كانت تعاني منه، إلا أن تلك الأموال لم تكن كافية لإخراج البنوك من عجزها المالي، ويواجه القطاع المصرفي في تونس انتقادات داخلية وخارجية بسبب ضعف مساهمته في تمويل الاقتصاد المحلي.
ضغط المقرضين الدوليين
مسألة بيع المؤسسات والشركات العمومية لفائدة القطاع الخاص، يرى فيها عديد الخبراء، استجابة لإملاءات المقرضين الدوليين، وأبرزهم صندوق النقد الدولي على الحكومة التونسية لصالح منحها القروض اللازمة لعملية التنمية، وكان الصندوق قد وافق العام الماضي على إقراض تونس 2.8 مليار دولار مقابل حزمة إصلاحات في العديد من القطاعات منها خصخصة بعض المؤسسات العامة التي تعاني من مشاكل وأزمات مالية وهيكلية.