ترجمة حفصة جودة
عندما تحدث ثورة، فإن نتائجها لا تظهر بشكل واضح على الفور، كان الاستفتاء البريطاني على عضوية الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016 يُعتبر ثورة للمواطنين ضد عولمة النخبة، أما السياسيون الذين قادوا حملة الخروج فلم يتوقعوا الفوز، وكما قال المازحون لقد كانوا مثل “كلب أعطيته سيارة”.
يساعدنا ذلك في تفسير الفوضى العامة التي غطت على السياسة البريطانية منذ إعلان النتيجة، كانت حملة الخروج تتضمن منطقين متناقضين، أولهما أن بريطانيا تستطيع الحصول على جميع مزايا عضوية الاتحاد الأوروبي دون أن تكبد نفسها عناء العضوية الفعلية، الأمر الثاني هو الانقسام بين السوق الحرة ومؤيدي الخروج من الليبراليين الذين يتخيلون بريطانيا مفتوحة على العالم، ومعسكر الوطنيين بقيادة نايغل فاريغ.
أما تريزا ماي والتي أصبحت رئيسة للوزراء في أعقاب الاستفتاء، فقد عانت كثيرًا للتوفيق بين هذه المعسكرات المتنازعة، وقد استغرق الأمر وقتًا طويلاً من بريطانيا لتفعيل المادة 50 لخروجها من الاتحاد الأوروبي، ومنذ ذلك الحين تعثرت المحادثات في الكثير من القضايا مثل حجم الالتزام المادي الذي يتعين على بريطانيا أن تستمر في الوفاء به.
هناك الكثير من الحديث الآن عن “اللا صفقة” مما يخاطر بخلق انهيار فوضوي في التجارة
بدأ الصبر في النفاذ وانقلبت القيادة على نفسها، فأحد المعسكرات يرغب في إقالة ماي للسيد جونسون والذي يكتب مقالات معارضة تمامًا لنهج الحكومة، وهناك معسكر آخر يرغب في رحيل فيليب هاموند المستشار الذي يتبنى وجهات نظر حذرة من التوقعات الاقتصادية عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث يبدو أن هاموند يولي اهتمامًا لقلق الأشخاص العاملين في مجال التجارة والأموال والذين يتوقعون أن تتخذ بريطانيا نهجًا عمليًا براغماتيًا، لكن بدلاً من ذلك، تفوقت الأيديولوجية على البراغماتية.
لكن لا يبدو واضحًا إذا ما كانت الحكومة ستستطيع تحمل القيام بما يرغب به قادة الأعمال – سياسيًا – وهو تسوية الحساب مع الاتحاد الأوروبي والبقاء في السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، فسوف يرى مؤيدو الخروج أنها خيانة، ولن يحصل المحافظون على أي مساعدة من حزب العمال الذي له مصلحة سياسية واضحة في فشل المفاوضات، فالحزب يستطيع ببساطة أن يطالب الحكومة بتنفيذ وعودها لحملة الخروج، مع عمله أن هذا الأمر مستحيل تمامًا.
نحن الآن في مرحلة الصراع بين الجيرونديين واليعاقبة في الثورة الفرنسية، ربما ساعد الجيرونديون في سقوط لويس السادس عشر لكنهم وجدوا أنفسهم محاصرين باليعاقبة والذين كانوا بدورهم مُستَهلَكين نتيجة العنف الذي أطلقوه، هناك الكثير من الحديث الآن عن “اللا صفقة” مما يخاطر بخلق انهيار فوضوي في التجارة مع تكدس الشاحنات من بلدة دوفر وحتى الطريق “M25″، ما يحدث هو الجنون بعينه، فبينما يتنازع المحافظون مع بعضهم البعض، فإن الهدف الوحيد الذي يخدمونه خاص بجيرمي كوربين رئيس حزب العمال.
ستصيب الاقتصاد ضربة قوية والتي بدورها ستحد من قدرة بنك إنجلترا على دعم الجنيه
دعوني أرسم لكم نتائج معقولة، في صفقة أخيرة عام 2019، ستخضع تريزا ماي وتستسلم في المواضيع الرئيسية للاتحاد الأوروبي المتعلقة بالمال والمحكمة الأوروبية للعدالة والهجرة، وسوف يرى أعضاء حزبها أن ذلك خيانة فيجبرونها على الاستقالة والخروج، حينها سيتقلد رئيس وزراء آخر المنصب، هذا الشخص سيدعو لإجراء انتخابات – من منطلق رفضه للاتفاق أو ربما يمنح نفسه تفويضًا رسميًا – ومع الفوضى التي يعيش فيها المحافظون، يتقلد حزب العمال السلطة ويصدر بيانًا يعد فيه بفرض ضرائب أعلى على الأفراد والشركات وتأميم وتغيير سوق العمل لتعزيز حقوق العمال.
من هنا يأتي الخطر الاقتصادي والسياسي، ففي أعقاب الاستفتاء، انخفض سعر الجنيه الإسترليني، لكن بورصة لندن حققت أداءً جيدًا (بالعملة المحلية) نظرًا للأرباح الخارجية للعديد من الشركات، ومنذ ذلك الحين كان واضحًا أن البورصة أصبحت أكثر سعادة، بينما يبدو الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي أكثر معقولية، لكن في أعقاب الخروج حثت بريطانيا بقيادة كوربين المستثمرين الدوليين على إعادة النظر بشكل رئيسي عن وجهة نظرهم بشأن الاقتصاد.
لـ30 عامًا أو أكثر، كانت بريطانيا المنزل لرأس المالي الدولي ومتحدثي اللغة الإنجليزية، ومكانًا مناسبًا لأصحاب الشركات التجارية لإنشاء قواعد لهم داخل الاتحاد الأوروبي، لكن جميع هذه المزايا اختفت، فلن يستطيع الناس السفر دون ترتيب، وسوف تتوقف الاستثمارات الجديدة، أما الأعمال القائمة ستعيد النظر في وضعها.
سوف تصيب الاقتصاد ضربة قوية والتي بدورها ستحد من قدرة بنك إنجلترا على دعم الجنيه بمعدلات أعلى، لذا ربما يعاني الجنيه الإسترليني والبورصة، كما أن المستثمرين على دراية ببعض تلك الأمور – فحسب استطلاع البنك الأمريكي فهناك صافي نقص بنحو 31% في الأسهم البريطانية، وكلما اقتربنا من مارس 2019 دون اتفاق أصبح الوضع أكثر قلقًا.
المصدر: إيكونوميست